لعب الكبار (قصة)

أسرعْ أو لا تسرعْ
أمير الجماعة وقاضيها الشرعي وجميع المجاهدين وقفوا يشاهدون تنفيذ الحكم، حيث عصبوا عيني سامي بعِصابة سوداء وأوثقوا يديه بالحبال وراء ظهره وأوقفوه ليتلوا عليه البيان الشرعي الذي يشرح سبب استحقاقه حكم الإعدام بالرصاص.
ولإضفاء مزيد من شكلانية العدل على الحكم فقد أوقفوه أمام مقر الأمير، وهو المكان الذي اتهموه أنه حاول تفجيره. أي أنهم سيقتلونه في المكان الذي حاول قتلهم فيه. ولو أنهم عثروا على السيارة المفخخة التي اتُهم بتجهيزها لتفجيرهم بها أو تفجيرها بهم لكانوا، ربما، وضعوه فيها وفجروها ليكون العدل على أشده، حسب التحليل الجدي لأحد المجاهدين الفرنسيين وقد همس به لأخيه المجاهد الليبي الذي لم يعلق ولم يهز رأسه حتى، ربما لأنه لا يفهم الفرنسية. المجاهد الفرنسي يعرف أن أخاه الليبي لا يفهم الفرنسية ولكن حين حدثه ظنه الأخ المغربي. الأخ الفرنسي لا يميز كثيرًا بين أخويه الليبي والمغربي.
كان المكان محاطًا بالمقاتلين بينما تسمّر على أسطح المباني القناصون المحترفون. كان سامي محط أنظار الجميع الذين يراقبون وقوفه ويستمعون إلى البيان الشرعي أو تفاصيل الحكم. عشرات الكلمات هو هذا البيان. ولو كانت مليون كلمة فإنما هي السنين الكثيرة التي كان يمكن لسامي أن يعيشها وقد راحت تتدحرج متناقصة على إيقاع البيان.
القصد من كتابة البيان أو من فكرة وجود بيان أصلًا هو كي يفهم الناس أن ثمة قانونًا، هذا بلغة المحاكم التي تصدر بياناتها، وأما بلغة الجماعة فالهدف أن يفهم الناس أن ثمة تطبيقًا للشريعة. الهدف إذن هو القول لجمهور المسلمين إن القاضي الشرعي قد نظر في التهمة وحكَّم فيها مواد القانون، أي مواد الشريعة، وأنه بنى حكمه على ما نص عليه الشرع، كي يعرف الناس أن القضية ليست عداوات بين فرد وفرد آخر بل هي معصية ارتكبها فرد بحق الأوامر المقدسة التي يشكل الالتزام بها عمود البيت.
هذا ما يعرفه سامي عن فكرة كتابة بيان يشرح حكم الإعدام. ولكن الذي احتاج إلى معالجة سريعة من سامي في اللحظة التي راحوا يجهزونه فيها لقراءة البيان عليه هو فكرة قراءة البيان على صاحب القضية. يعني سامي يفهم أن يكتب القاضي بيانًا ينشره بين الناس كي يعذروا القاضي في ما قضى وكي يرتدعوا عن مثل ما فعل الجاني. ولكن ما لم يفهمه سامي ولم يعالجه من قبل هو الحكمة من قراءة البيان على شخص سيقتل فور الانتهاء من البيان. هل هدف قراءة البيان مثل هدف كتابته؟ أي أن يعذر سامي القاضي الذي حكم عليه بالإعدام ثم أن يرتدع سامي فلا يكرر فعلته هذا بعد أن يتم إعدامه؟
هذه الأفكار كانت تمر بعملية مضغ وبلع ثم هضم في معدة سامي الذهنية بينما كانوا يعصبون على عينيه ويربطون يديه ويسوقونه صوب المكان لبدء قراءة البيان. لم ينجح سامي في الوصول إلى فهم مقنع مع أنه وعد نفسه أن يكون محايدًا ومنطقيًا وألا يتحيز لنفسه. أي أنه كان مستعدًا للاعتراف، في قلبه، أنهم محقّون في قراءة البيان عليه، لو وجد هدفًا مقنعًا من ذلك، وحين أدرك صعوبة الأمر قرر أن يقسو على نفسه كي يعذر لهم قراءة البيان. سامي إذن لا يناقش أصل القصة. هو تجاوز فكرة أن يحاكمه هؤلاء الناس وتجاوز فكرة أن يتهموه بتفجير سيارة وهو الذي لا يعرف أن يقود سيارة ناهيك عن أنهم لم يجدوا السيارة التي قالوا إنها مدججة بالمتفجرات. وسامي لا يناقش أيضًا أنهم سيعدمونه. هذه كلها تجاوزها وراح للطقس. للتنفيذ. لا يزعجه الآن شيء في هذا العالم إلا فكرة أن يُقرأ بيان الإعدام على المحكوم قبل إعدامه. هذه كانت عادة سامي في بيته ومع أمه ورفاقه. كان يغفر للجميع أفعالهم وذنوبهم بحقه ولكنه لا يغفر ما بعد ذلك. بالنسبة لسامي لا يهم أن تسبه ولكن بعد سبك إياه يهمه أن تخوض معه حديثًا مقنعًا حول فعلتك وأهم ما في الحديث أنه سيحلل المسبة نفسها ويقف على اختيارك للكلمة المسيئة. بالنسبة لسامي ليس غريبًا أن نبتلى بالمصائب أو أن نقترف الأخطاء ولكن الغريب ألا نحسن إخراجها وعرضها والحكي فيها وعليها.
سامي كان طويل النفَس في النقاش ولكنه اليوم أمام اختبار نفَس آخر. هل القادر على النقاش طويلًا في أصغر الأمور مع الآخرين يمتلك النفس الطويل ذاته في نقاش يخوضه مع نفسه التي ستُزهق بعد النقاش فورًا؟ كان يمكن أن ينجح في الاختبار لولا أن تجهيزه كان سريعًا ولم تمض دقيقتان حتى كان قد تم إيقافه وبدأ القاضي بقراءة البيان.
التركيز العالي الذي سبق لحظة البدء بقراءة البيان يوحي أن سامي سيحلل كل حرف في ما سيسمعه بل وسيتمسك بكل كلمة من باب إطالة الوقت. هو لن يسهو. لن يسمح أن تمر جملة كاملة دون أن يسمعها لأن هذا يعني أنه فوّت على نفسه زمنًا من حياته الباقية. بدأ القاضي يقرأ ومرت جمل عدة وبعد قليل اكتشف سامي الخطأ الفادح وهو أنه لم يكن يسمع البيان بل كان يسمع صوت المرحومة أمه يوم ماتت المرحومة أمها كيف راحت تردد أن الموت حق، وأنه راحة النفس المطمئنة التي بالموت تعود إلى جنتها.
الذي فكر فيه سامي هو أن كل هذا الموت الذي هو الحق وطريق الطمأنينة للجنة يقبل أن يأتي بهيئة رصاصة على يد هؤلاء الإخوة الغرباء.
ما هو هذا الحق المطلق الذي يمتطي رصاصة؟ ما هي تلك الجنة التي عرضها السماوات والأرض وتتسع لها رصاصة؟ ما هو هذا الذي أقوله؟ أنا أكفر؟ أكفر بأمي؟ سامحيني يا أمي، أعرف أن علي الموت ولكن سامحيني.
وقبل أن يستحضر صوت أمه ويجعلها تسامحه انتبه في هذه اللحظة إلى أن البيان يقرأ وقد فاتته جمل عدة لم يسمع منها حرفًا واحدًا فانتفض وارتبك وراح يلوص مكانه ومن دون أن يشعر صرخ: عندك. عندك. أعدْ. لم أكن أنتبه. أعدْ. لم أسمع البيان من أوله. أرجوك. أعدْ.
أصيب القاضي بالدهشة. إنها المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا. المحكوم بالإعدام هو آخر من سيعبأ لبيان إعدامه وفق ما يفترض القاضي وكل الواقفين حواليه. بل إن القاضي نفسه كتب بيانه من وحي الذاكرة وبحكم العادة بل ربما يكون البيان جاهزًا مسبقًا ولم يغير فيه إلا الاسم وبعض المعلومات. الأمير والقادة والإخوة فوجئوا بطلب سامي إعادة البيان من أوله. وحين نظر القاضي إلى الأمير لم يعرف الأمير ما يقول ولما طالت نظرة القاضي إلى الأمير هز هذا رأسه موافقًا. البقية انتبهوا من وقفتهم السابقة. ما من واحد منهم إلا وتحرك حركة ما. حركة من باب الانتباه. صاروا الآن جميعًا جاهزين ليسمعوا البيان. ربما نبههم سامي إلى قصة التركيز على البيان. القاضي وقبل أن يعيد قراءة البيان من أوله جال بنظرة سريعة على البيان خشية أن يكون ثمة شيء ما غير طبيعي جعل سامي يطلب إعادة القراءة. مرت لحظات قليلة مربكة تنحنح بعدها القاضي وأعاد البسملة وقراءة البيان العادي جدًا والذي لا شيء فيه يدعو للخوف أو حتى الانتباه.
وفيما كانت تخيم لحظات الصمت السابقة ما بين طلب سامي وإذن الأمير للقاضي بإعادة القراءة كان سامي مع أجمل ما مر معه منذ حكم عليه بالإعدام. لقد عالج قضايا كثيرة من وقتها، وقت طلبه الإعادة، وإلى الآن، البدء بالإعادة. فكر في أشياء لم يفكر فيها من قبل ولكن كله شيء وما راح يفكر فيه الآن شيء آخر. ابتسامة جميلة ارتسمت على وجهه. لقد ابتسم فرحًا بهذه الفكرة التي خطرت له: لماذا لا يُخير المحكوم بالإعدام باختيار النص الذي سيقرأ عليه قبل قتله. تحمَّس للفكرة كثيرًا وحرك أصابعه وراء ظهره حركة حماسية. أكّد لنفسه أنه لو كان طليق اليدين لفركهما من شدة الحماسة وهو يفكر في نص مناسب يقرأ عليه قبل إعدامه. والآن ماذا أختار؟ أي نص أنتقي كي يقرأه قاتلي عليَّ قبل قتلي؟ قصيدة؟ لمن؟ أية قصيدة تستحق أن تكون آخر قصيدة يسمعها المرء قبل موته؟ ثمة قصائد كثيرة جميلة كان قد قرأها ولكن ليس منها ما يمكن اختياره الآن في هذا الموقف. قصة قصيرة؟ لا لا. القصص توحي بالحياة لا بالموت وهو الآن في موقف موت. رواية؟ طويلة ولن يسمحوا بها. مقطع من رواية؟ أي مقطع يمكن أن يخطر في باله الآن ويكون أهلًا لإنهاء الحياة؟ مونولوجًا مسرحيًا؟ ربما هذا هو الأنسب. ولكنه لم يقرأ مسرحية واحدة في حياته. ومع ذلك فقد اختار المونولوج. نعم. لو خُيرت لاخترت مونولوجًا مسرحيًا يُقرأ عليَّ قبل قتلي. ومادام لا يعرف ما المونولوج تحديدًا راح يقلّب أسماء الكتاب المسرحيين الذين سمع بأسمائهم ويعرف بعض الشيء عنهم. طبعًا أول ما خطر له كان اسم شكسبير. شكسبير هذا على شهرته لا يعرف المرء له شيئًا. فكر سامي مليًا ثم ومن دون أن يشعر تحرك في مكانه وحاول أن يرمش، ولكن كيف يرمش والعصابة تضغط على عينيه؟ وفيما هو يحاول أن يرمش صرخ في قلبه: المعري. أي شيء للمعري. واشتعل الندم في قلبه. وتحولت سعادته حسرة. المعري. نعم المعري. كان عليه أن يقرأ للمعري. إنه الآن كالمعري. كان المعري رهين المحبسين كما يذكر من أيام المدرسة. ويذكر أن المحبسين هما العمى والعزلة. المعري كان أعمى وكان حبيس بيته لزمه لا يغادره. شعر سامي أنه الآن رهين المحبسين. رهين العمى بسبب ما على عينيه ورهين المكان الذي يوقفونه فيه. بل هو رهين القيود على يديه ورهين المنطقة التي وقعت تحت سيطرة الجماعة هذه. بل إنه رهين أمه وعائلته التي ولد فيها وبسببها كان كلما فكر في السفر بقي وكلما فكر في المغامرة جبن وكلما فكر في الجنون عقل.
أي محبسين؟ إني رهين خمسة ستة محابس على الأقل. وبعد لحظات سأكون رهين المحبس الأخير: القبر.
ولكن لم حبس المعري نفسه في بيته؟ فكر سامي. كان يمكنه أن يكون رهين العمى وحده. كيف لشخص يعاني من حبس واحد أن يزيد على نفسه حبسًا آخر. وما كان من سامي إلا أن هز رأسه وقد لمعت في ذهنه فكرة الجواب: والله هذا المعري ليس سهلًا. لقد حلل سامي حبس المعري لنفسه في بيته أن المعري ذكي جدًا. جاءه العمى ليعيق حركته. العمى إذ أصاب المعري كان الهدف هو أن يصبح المعري قليل الحركة متعثرًا متعكزًا أبدًا مادًا يديه أمامه متلمسًا كل شيء في طريقه. فإذا المعري يفهم نية العمى فيتغدى به قبل أن يتعشى العمى بالمعري. قال المعري للعمى: تريد تقليل حركتي؟ حسنًا إذن: خذْ. أنا لن أتحرك. وأرني كيف ستضرني أو تهددني بعد الآن؟ سألزم بيتي وأجلس فوق سجادة على الأرض واضرب رأسك بالحائط أيها العمى.
هز سامي رأسه وضحك من ذكاء المعري وقال إنه يجب أن يقرأ للمعري الآن.
عيناه معصوب عليهما بعِصابة سوداء. يداه موثقتان جيدًا وراء ظهره. واقفًا في شارع مشمس يستمع بلا حراك. والبيان يبلغ نهاياته وصيحات المقاتلين المتفرجين تتعانق فوق سجادة الغيم، انطلق سامي هاربًا إلى حيث تقوده عيناه المعصوبتان وقدماه العمياوان وليس في ذهنه شيء سوى أن يقرأ للمعري الآن.
انطلق بسرعة الموت وانطلقت معه الرصاصات. أول ما فكّر به وهو يركض سرعة الموت. أزعجه كثيرًا أن المدارس والجامعات والإعلام ألهوه بسرعة الصوت وسرعة الضوء وسرعة الريح بل وبسرعة كرة القدم والتنس وبسرعة السيالة العصبية، عن سرعة الموت. تذكّر أن حافلات الريف وحدها كانت تحمل على أبوابها عبارة “لا تسرع فالموت أسرع”. ندم أنه قضى في المدرسة والجامعة أكثر مما قضاه في الحافلات.
ركض سامي وركض وراءه الراكضون. كان يركض بطريقة غير متزنة، فمن أمامٍ كان يشدّ خطواتِه الظلامُ ملء عينيه، ومن وراءٍ كان يدفعها خوفٌ أشدّ ظلامًا ملء أظفار قدميه. فجأة تخيل كيف السواد يملأ أظفار القدمين. وندم كيف أن الناس ألهوه بأحاديث سواد القلب عن حديث سواد الأظفار. تذكّرَ عمّال الساحة والعتّالين الذين يؤطر السواد أظفارهم. ندم أنه أضاع وقته بالإصغاء لكلام الناس عن سواد القلوب وسواد الأيام بدل النظر إلى سواد الرزق تحت أظفار العتالين.
ركض سامي، وسرعان ما اضطربت حركته لكنه كان يكمل الركض كيفما اندرات قدماه.
ثوان مرت ومئات الرصاصات أطلقت.
دقائق مرت وآلاف الرصاصات كذلك.
ثم فجأة توقف كل شيء ما عدا سامي.
ظلام كامل يحجب عينيه، لهاث وركض، سقوط متكرر على الأرض إثر اصطدامات كثيرة بالجدران والأعمدة والأشجار والحاويات والسيارات. تعثر، سقوط، نهوض، ركض، رصاص، تكبيرات وصراخ مقاتلين. كل ذلك اشتعل حواليه لمئات الثواني ثم توقف كل شيء. لم يعد سامي يسمع إلا صوت قدميه العمياوين وصوت لهاثه وارتطامه بالأرض عند كل سقوط، إلى أن كانت سقطة لم يستطع أن ينهض منها. خارت قواه أو أنها تناغمت مع الصمت، كأن الرصاص كان يحفّزه. فكّر سريعًا بأن علاقة رياضية ما قد تربط بين سرعة الموت وسرعة الصور في الذاكرة وسرعة الخطر المميت. هذا حسابيًا أما نفسيًا ففكّر أن الرصاص هو وقود الهارب من الرصاص، متى نفد وقف.
بقي سامي مرتميًا على الأرض. ترك لأنفاسه مطلق راحتها في التسارع واللهاث إلى أن عادت وانتظمت رويدًا رويدًا.
كان الظلام يأكل عينيه ويشرب نورهما تمامًا كما كان الخوف يأكل قلبه ويشرب دمه. كان لا بد من وسيلة يزيل بها العصابة السوداء عن عينيه. كان متشوقًا ليتأكد مما يبدو أنها نجاة من الموت. حيث بدا له أنه فعلها ونجا وأن قدميه أبصرتا طريق الحياة. لكن قرر أن يبقى ساكنًا، لربما اعتبروه قد أصيب ومات فتركوه. أو لعل قدميه قادتاه إلى مكان غيّبه عن أعينهم. ولأنه يعرف أن النهار قد يفضحه إن تحرك فقد قرر البقاء كما هو، منبطحًا على الأرض وهامدًا يتنفّس خلسة في انتظار المساء أو في انتظار غارة من قبل أعداء الجهاديين تلهيهم عنه.
بعد ساعات أو قرون من الزمن، خمّن أن الليل لا بد حلّ، ببطء راح يحك العصابة السوداء بالأرض، حكها من أمام وعلى الصدغين، جُرح حيث حكّ وتسارعت أنفاسه ولهث بسبب محاولته نزع العصابة عن عينيه أكثر من كل ما سببه هروبه. وبينما كان يفعل ذلك فكّر في أنه أمضى ساعات منبطحًا دون أن يفكّر في شيء بينما فكر في كل شيء خلال ثواني وقوفه لسماع البيان ثم ثواني ركضه الأعمى. كان يفكر في عدم تفكيره حين نجح في إزاحة العصابة السوداء قليلًا عن عينه اليمنى. المقدار الذي انزاحته العصابة كان كافيًا ليرعبه حيث رأى بنصف عينه اليمنى أن الليل لم يحل بعد. لذا اضطر للانتظار ساعتين أخريين. ومع تبدد ضوء النهار وحلول المساء أكمل ببطءِ الليلِ إزاحةَ العصابة عن عينيه إلى أن أزاحها عن عينه اليمنى كلها وعن نصف عينه اليسرى. نظر أمامه وهو يرفع رأسه بأبطأ من نزول الشمس خلف الأفق. تصبب عرقه حتى علت عينيه غشاوة كأنها عِصابة بيضاء. تكور على نفسه وجلس ثم انحنى بعينيه على ركبتيه ليمسح عنهما العرق. نظر أمامه. وقف بأبطأ من طلوع الفجر. نظر حواليه ودار حول نفسه بأبطأ من دوران الأرض حول الشمس، فدوّى في أذنيه صوت تصفيق حاد، تصفيق يشبه صوت الجماهير في حلبات الصراع الرومانية التي أحيتها هوليوود. وقف ورفع رأسه لأعلى وارتفع التصفيق ملء أذنيه وأذني الفضاء. ضحك من كل قلبه ومن بين الدم والعرق ودمع الضحك على عينيه رأى الأمير يقف إلى جانب زوجة الإمبراطور والمجاهدين منتشرين يضبطون حماسة الرومان والكل يهلل ويهتف للبطل الذي صرع منافسه فنال شرف الحياة. ضحك سامي البطل، ضحك ضحك وقلب على ظهره من شدة الضحك وهو يقول: سامحيني يا أمي.

مشاركة: