التقرير السنوي العاشر لمركز القاهرة ,أبعاد جديدة لأزمات حقوق الإنسان بالعالم العربي في زمن الجائحة 24 آذار/ مارس 2021

حول الأبعاد الجديدة لأزمات حقوق الإنسان في العالم العربي في ظل جائحة كوفيد-19، أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 24 آذار/ مارس تقريره السنوي العاشر حول حالة حقوق الإنسان في 2020، مستعرضًا أهم أنماط انتهاكات حقوق الإنسان في 11 بلدًا عربيًا، فضلاً عن بلدان دول مجلس التعاون الخليجي، في سياقاتها السياسية المحلية والإقليمية.
سعت حكومات عربية عديدة للتغطية على انعدام الشفافية في البيانات الخاصة بتفشي الوباء، أو تقييد حق المواطنين في تقييم مدى نجاعة الإجراءات الرسمية المتخذة لمواجهته، وذلك عبر تعزيز الإجراءات الأمنية والملاحقات القضائية للنشطاء والمدونين في مصر والعراق والمغرب وتونس والجزائر وبلدان مجلس التعاون الخليجي. وقد تجاوزت هذه التدابير ما يمكن فرضه في الظروف الاستثنائية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. كما مثّل سياق الجائحة فرصة لمعظم حكومات المنطقة لتمرير سياسات وإجراءات معادية للحقوق والحريات، على النحو المتبع مثلاً في الجزائر والمغرب وتونس ومصر وليبيا. وكان تغليظ الرقابة على الإنترنت، وانتهاك الخصوصية الرقمية في سياق إجراءات مواجهة الجائحة الملمح الأبرز خلال عام 2020.
يقول بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في تقديمه للتقرير: “أيقظت الجائحة انتباه مئات الملايين في العالم العربي على حقيقة مدى هشاشة النظم الصحية في بلادهم. وعندما بادروا في بعض الدول العربية بانتقاد ذلك الوضع البائس، لم يجدوا منبرًا مسموعًا ذا قيمة يخاطبون من خلاله الحكومات والرأي العام، باستثناء وسائل التواصل الاجتماعي، التي ترتب على لجوئهم إليها أن وجد بعضهم طريقه للسجن. ويندرج ضمن هؤلاء صحفيون، بل وأطباء في الخط الأمامي في مواجهة الجائحة.”
يؤكد التقرير السنوي أن مسارات الصراعات المسلحة المنتشرة في المنطقة العربية كشفت عن تأثير القوى الإقليمية والدولية، وأثر التفاهمات أو الانقسامات فيما بينها على مسارات وتحولات هذه الصراعات، وعلى حدة تكلفتها الإنسانية.
وبينما تمضي عشرة أعوام على اندلاع ثورات وانتفاضات الربيع العربي، والتي شكلت أحداثها المسارات والأزمات العميقة التي تعيشها الحالة السياسية والحقوقية في العالم العربي حتى اليوم، يشير تجدد الاحتجاجات الشعبية الواسعة والمستمرة خلال العامين الأخيرين في عدد من البلدان العربية مثل؛ الجزائر والسودان والعراق ولبنان، وبشكل محدود في ليبيا ومصر، لتجدد استلهام قيم الربيع العربي واستمرار رفع مطالب العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي الجذري ومحاربة الفساد، وذلك في ظل استمرار وتفاقم المسببات والاختلالات الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى انفجار الموجة الأولى للربيع العربي. ويبدو أن تأثير الجائحة في إبطاء هذا الحراك الشعبي تأثير قصير المدى، فقد استمرت التعبئة والاحتجاجات في توقيتات ومناسبات عدة خلال العام ومطلع العام الجديد في سياق اجتماعي واقتصادي صعب، يفرضه انتشار الجائحة
وفي هذا السياق يؤكد “حسن” أنّه: “قد يشكل عام 2021 محطة مهمة أخري في كفاح الشعوب في العالم العربي من أجل تقرير مصيرها السياسي، وبالتالي مصيرها الاقتصادي والصحي والتعليمي، ليس في مواجهة احتلال أجنبي، ولكن في مواجهة نظم حكم ارتكبت جرائم بحق مئات الملايين من شعوبها، قد يشعر بعض المستعمرين السابقين بالخجل من بعضها. ولا شك أن أحد المتغيرات المهمة هو رحيل إدارة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت دعمًا سياسيًا غير محدود لبعض النظم التسلطية وللمحور السعودي الإماراتي المضاد للربيع العربي. لكن الاستفادة المثلى من هذا التطور، تتوقف أيضًا على مدى إدراك النخب السياسية والثقافية لدروس الماضي القريب، ولمسؤولياتها التاريخية في هذه اللحظة.”
للاطلاع على التقرير كاملًا:
https://cihrs.org/a-brief-reading-of-human-rights-trends-in-the-arab-region-2020/

أبعاد جديدة لأزمات حقوق الإنسان في زمن الجائحة
قراءة موجزة في مؤشرات حقوق الإنسان في العالم العربي

فاقم تفشي جائحة كوفيد-19 من تدهور أوضاع حقوق الإنسان، بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والأوضاع الإنسانية المتردية بالفعل في العالم العربي منذ سنوات. وقد كشفت الجائحة عن الاختلالات الهيكلية في كفاءة المؤسسات والمرافق العمومية خاصة في القطاع الصحي في كثير من البلدان العربية، وغياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين المواطنين. كما كشفت الجائحة عن مدى ضعف وهشاشة غطاء الأمان الاجتماعي والاقتصادي الذي توفره الدولة لمواطنيها، وضاعفت من الضغوط والمخاطر على الفئات الأضعف في المجتمعات العربية بما في ذلك؛ النساء والأقليات، والعمالة الأجنبية، والمهاجرين غير النظاميين وملايين من اللاجئين والنازحين، ونحو 55 مليون شخص يعيشون على المساعدات الإنسانية. وفي سياق الجائحة وتداعيتها تصاعدت أرقام الهجرة غير النظامية من جنوب المتوسط، حتى بلغت حسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في يوليو أكثر من 11800 شخص، بزيادة ثلاث مرات عن بيانات عام 2019.
لقد أدى نقص الإنفاق العام على الصحة منذ سنوات في المنطقة العربية إلى ترهل هذا القطاع، وإضعاف قدراته على الاستجابة للاحتياجات الصحية للمواطنين، فضلًا عن التفاوت الصارخ في تقديم الخدمات الصحية بين مختلف المدن والمناطق في الدولة الواحدة. وتضم المنطقة العربية ثماني دول يصنفهم البنك الدولي باعتبارهم من الدول «الهشة والمتأثرة بالصراعات» وهم؛ العراق، لبنان، فلسطين، ليبيا، اليمن، السودان، سوريا، والصومال، والتي يعيش فيها نحو 56% ممن يعانون الفقر في المنطقة العربية. وقد ألقت الجائحة الضوء على الأثار الإنسانية الكارثية لاستمرار الصراعات في هذه البلدان في تخريب القطاعات الصحية، وتقويض المرافق العمومية. فلم تكن كثير من هذه البلدان في المنطقة مستعدة أو تملك الموارد والمعدات والكوادر الطبية لمجابهة الجائحة.
عشرة أعوام مضت على اندلاع ثورات وانتفاضات الربيع العربي، والتي شكلت أحداثها المسارات والأزمات العميقة التي تعيشها الحالة السياسية والحقوقية في العالم العربي حتى اليوم. كما مثلت انتهاكات حقوق الإنسان، ولا تزال، في مرحلة تعثر وانحسار ثورات الربيع العربي، مكونًا رئيسيًا لاستمرار واستقرار منظومات الحكم والمستفيدين منها، وتصفية أي بدائل ممكنة لها. وتتمثل أبرز هذه الأنماط في شيوع الاعتقالات التعسفية، القتل خارج نطاق القانون، الإخفاء القسري، التعذيب، واعتقال الخصوم في ظروف قاسية وغير إنسانية. بالإضافة إلى المحاكمات ذات الطبيعة السياسية، والتضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان، والمعارضة السياسية السلمية، وحصار مؤسسات المجتمع المدني والإعلام ومنابر التعبير على الإنترنت. وتبقى كثير من انتهاكات وجرائم حقوق الإنسان الجسيمة في المنطقة من قتل وتشريد للمدنيين نتيجة مباشرة لصراعات مسلحة طويلة وممتدة، تراكمت مسبباتها الداخلية على مدار عقود كما هو الحال في اليمن وليبيا وسوريا، حيث تتواصل المعاناة الإنسانية لملايين من البشر.
كشفت مسارات هذه الصراعات عن تأثير القوى الإقليمية والدولية، وآثر التفاهمات أو الانقسامات فيما بينها على مسارات وتحولات هذه الصراعات، وعلى حدة تكلفتها الإنسانية. ففي ليبيا انتهى العام بتجدد بعض الآمال في إمكانية تحقيق تسوية مستقبلية قريبة بين الأطراف المتحاربة، في ضوء التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، ومواصلة الحوار حول ترتيبات الحل السياسي. بينا تستمر بؤر الصراع في اليمن بأطرافها الإقليمين والدوليين. وفي سوريا، نجح نظام بشار الأسد، المدعوم عسكريًا وسياسيًا من حلفائه في إيران وروسيا، وبعد تحميل الشعب السوري تكلفة إنسانية باهظة، في فرض أجندته السياسية محليًا ودوليًا.
يشير تجدد الاحتجاجات الشعبية الواسعة والمستمرة خلال العامين الأخيرين في عدد من البلدان العربية مثل؛ الجزائر والسودان والعراق ولبنان، وبشكل محدود في ليبيا ومصر، لتجدد استلهام قيم الربيع العربي واستمرار رفع مطالب العدالة الاجتماعية والإصلاح السياسي الجذري ومحاربة الفساد، وذلك في ظل استمرار وتفاقم المسببات والاختلالات الاجتماعية والسياسية التي أدت لانفجار الموجة الأولى للربيع العربي. الموجة الجديدة من الاحتجاجات تحظى بمشاركة قطاعات واسعة من المجتمعات العربية خاصةً الشباب، الذين عانوا بشكل أكبر من قمع موجات الثورات المضادة، كما يشارك فيها أيضًا الفئات الأكثر فقرًا وتهميشًا من السكان خارج عواصم المدن الكبرى.
ويبدو أن تأثير الجائحة في إبطاء هذا الحراك الشعبي تأثير قصير المدى، فقد استمرت التعبئة والاحتجاجات في توقيتات ومناسبات عدة خلال العام ومطلع العام الجديد في سياق اجتماعي واقتصادي صعب، يفرضه انتشار الجائحة. كما اتضح الخلل الحاد في إدارة الحكومات للشأن العام، والموارد العامة. فبحسب بيانات الأمم المتحدة لشهر يوليو تسببت الجائحة في انكماش الاقتصاديات العربية لأول مرة منذ خمسين عامًا بنسب تتراوح بين 5.7٪ و13٪ في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة، وسقط ربع سكان المنطقة في الفقر، كما فقد أكثر من 17 مليون شخص وظائفهم. بالإضافة إلى التراجع الحاد في أسعار البترول في النصف الأول من عام 2020 بما له من تداعيات على الاقتصاديات المصدرة للطاقة في منطقة الخليج والعراق والجزائر، أو المتلقية للمساعدات وتحويلات العمالة من البلدان الغنية بالنفط.
في هذا السياق تواصلت الاحتجاجات في العراق وإقليم كردستان وسط تصاعد جرائم القتل والاغتيالات لصفوف المحتجين والنشطاء بواسطة جماعات مسلحة، وفي غياب السلطة المركزية العاجزة عن المواجهة. وفي لبنان عادت الاحتجاجات بشكل واسع أعقاب الانفجار الدامي الذي شهده مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس. كما شهدت مصر في سبتمبر موجة من الاحتجاجات القصيرة المتفرقة تحت شعار المطالب الاجتماعية في المناطق الأكثر فقرًا وتهميشًا. وشهدت الأردن تجدد احتجاجات المعلمين للمطالبة بزيادة الرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية، بعد تراجع الحكومة عن اتفاقاتها مع نقابة المعلمين في سبتمبر 2019 بسبب التداعيات الاقتصادية لانتشار الجائحة.
كما انطلقت سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية في السودان مطالبة باستكمال أهداف الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس عمر البشير عام 2019 وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. فرغم تحقق بعض الإصلاحات السياسية والحقوقية النوعية التي تبنتها السلطات الانتقالية في السودان خلال العام الأخير، إلا أنه ما زالت هناك تخوفات متعددة على مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد. وفي تونس، ورغم نجاح المؤسسات الديمقراطية في الاستمرار على مدار عشر سنوات منذ الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلا أن انخفاض مستوى الرضا العام عن أداء الحكومات المتعاقبة في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، واستكمال الإصلاحات المؤسسية كان مصدرًا لتجدد عدة احتجاجات اجتماعية، قابلتها السلطة بالتضييق الأمني والتجاهل لمطالبها.
على صعيد آخر، كان لصعود حركة «أرواح السود مهمة» في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشارها في عدد آخر من البلدان الغربية أصداءٌ في المنطقة العربية، التي تعرف كثير من مجتمعاتها صورًا عميقة للتمييز المنهجي والمؤسسي ضد مجموعات من مواطنيها أو ضد العمالة الأجنبية والمهاجرين واللاجئين على أساس العرق واللون. فأثارت هذه الحملات بشكل خاص بعض النقاشات العامة في لبنان وتونس ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر.
اختتم العام بانتخاب إدارة ديمقراطية أمريكية جديدة مثلت أمالًا لتجاوز سياسات دونالد ترامب التي ساهمت في تكريس مناخًا عالميًا معاديًا لحقوق الإنسان. فعلى مدى أربع سنوات مثّل الرئيس ترامب صمام الأمان لحلفاء الولايات المتحدة من المستبدين في المنطقة العربية، وعلى رأسهم عبد الفتاح السيسي في مصر. وقد تعهد الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن في مناسبات عدة أن تشكل أجندة مقاومة السلطوية والدفاع عن حقوق الإنسان داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية أولويات عودة أمريكا للقيادة الدولية، كما تعهد بتبني أجندة لمقاومة السلطوية والدفاع عن حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وفي أروقة الأمم المتحدة.

استثمار الجائحة لتمرير إجراءات قمعية
سعت كثير من الحكومات العربية للتغطية على انعدام الشفافية في البيانات الخاصة بتفشي الوباء، أو تقييد حق المواطنين في تقييم مدى نجاعة الإجراءات الرسمية المتخذة لمواجهة الوباء، عبر تعزيز الإجراءات الأمنية والملاحقات القضائية للنشطاء والمدونين في المغرب وتونس ومصر والعراق والجزائر وبلدان مجلس التعاون الخليجي. وقد تجاوزت هذه التدابير ما يمكن فرضه في الظروف الاستثنائية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ففي مارس نشرت كلٌ من الكويت وعمان والسعودية والإمارات إنذارًا يتوعد أي شخص ينشر بيانات أو معلومات مضللة أو شائعات بالملاحقة القضائية. وفي مصر أقدمت السلطات خلال منتصف العام على اعتقال عددًا من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي على خلفية انتقادهم لأداء الحكومة في التعامل مع الوباء، والشكوى من نقص المعدات الطبية، وتواجدهم في ظروف غير آمنة. وقد تم اتهام معظمهم «بنشر بيانات وأخبار كاذبة» و«سوء استغلال وسائل التواصل الاجتماعي» و«الانتماء لجماعة إرهابية». وخلال حالة الطوارئ في الأردن، أصدرت الحكومة في أبريل مرسوم ينص على عقوبة تصل للسجن ثلاث سنوات و/أو الغرامة المالية على تداول أي أخبار عن الوباء تثير الهلع والترويع بين الناس في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. وتم اعتقال عدة أشخاص بينهم إعلاميان وبرلماني سابق بموجب المرسوم.
وبشكل عام مثّل سياق الجائحة فرصة لمعظم حكومات المنطقة لتمرير سياسات وإجراءات معادية للحقوق والحريات، فعلى سبيل المثال تبنت السلطات الجزائرية تعديلات لقانون العقوبات في يونيو تستهدف تقييد عمل منظمات حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين. كما جرت محاولات في المغرب وتونس لتبني تشريعات معادية للحريات، لكن مقاومة المجتمع المدني في البلدين تمكنت من إفشالها. وفي مصر أجري تعديل واسع في أبريل على قانون الطوارئ لتعزير صلاحيات رئيس الجمهورية والقوات المسلحة. وفي ليبيا تبنت فروع مفوضية المجتمع المدني في أكتوبر إجراءات مشددة لعمل وتسجيل المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية.
وقد فرضت الجائحة تحديات على مسار الحركات الاحتجاجية التي اندلعت منذ فبراير 2019 في كلٍّ من العراق ولبنان والجزائر، واعتبرها بعض المحللين موجة ثانية لانتفاضات الربيع العربي. فعلى سبيل المثال علّق المحتجون في الجزائر في منتصف مارس احتجاجاتهم الأسبوعية بشكل مؤقت لاعتبارات السلامة الصحية، كما فرضت الحكومة حظرًا على الأنشطة والتجمعات العامة، والتنقل والتجول. لكن في الوقت نفسه استغلت السلطات الجزائرية فترة تفشي الجائحة وتوسعت في اعتقال ومحاكمة أعضاء وقيادات الحراك. وقد أدان البرلمان الأوروبي حملات الاعتقالات والمحاكمات في قرار صدر في نوفمبر. وفي ليبيا، فرضت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج حظرًا كاملًا للتجول مدة أربعة أيام في نهاية آب/ أغسطس تحت مبرر مواجهة الوباء وذلك بالتزامن مع إعلان حركات شبابية عن تسيير احتجاجات اجتماعية منددة بتفاقم الفساد وتدهور الظروف المعيشية. بينما استغلت السلطات الأردنية سياق مواجهة الجائحة للتنكيل باحتجاجات اجتماعية جديدة للمعلمين في يوليو وأغسطس باستخدام القوة لتفريق المظاهرات، واعتقال قيادات الاحتجاجات، ونقابيين ووقف نقابة المعلمين عن العمل وإغلاق مقراتها لمدة سنتين.

أوضاع السجون والسجناء وتفشي الوباء
مع تفشي الجائحة تصاعدت المخاوف بشأن أوضاع السجون والسجناء، في ظل المعروف عن السجون والمعتقلات في الدول العربية، بما فيها سجون سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من تكدس وأوضاع غير إنسانية. ولم تثن الجائحة السلطات الحاكمة في معظم البلدان العربية عن مواصلة اعتقال وحبس مواطنيها في ظروف إنسانية قاسية، على خلفية قضايا سياسية أو قضايا رأي، رغم النداءات العالمية الإنسانية الصادرة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان وغيرها من الوكالات الإنسانية بضرورة الإفراج عن السجناء والمعتقلين خاصة معتقلي الرأي والسجناء السياسيين وكل من تم احتجازه دون سند قانوني كاف؛ لتخفيف الازدحام، وتأمين السلامة الصحية للمحتجزين. كما لم تصدر السلطات بيانات دقيقة للرأي العام، ولأهالي المحتجزين بخصوص تفشي الجائحة في السجون أو الإجراءات التي تتخذها إدارات السجون وأماكن الاحتجاز لحماية المحتجزين في ظل تقارير تفيد بتفشي الوباء في بعض السجون العربية، وانتقال العدوى في أحيانٍ كثيرة عن طريق العاملين في السجون.
ففي مصر تعرض بعض المعتقلين السياسيين، بينهم صحفيين ومفكرين بارزين ومدافعين عن حقوق الإنسان، لتدهور أوضاعهم الصحية أو الوفاة نتيجة سوء أوضاع السجون، أو الحرمان من الرعاية الطبية بشكل عام. وجدد بعض المعتقلين خلال العام، في مصر والبحرين والإمارات والسعودية ولبنان والجزائر وإقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، خوض إضرابات الجوع للضغط على السلطات لتحسين أوضاعهم. وتضاعفت المخاطر والمعاناة في سجون ومعتقلات الدول التي تشهد نزاعات مسلحة داخلية، مثل اليمن وليبيا وسوريا والعراق، في غياب أي شكل للرقابة أو التواصل مع المحتجزين، والذين تعرض بعضهم لإخفاء قسري طويل أو اعتقال بمعزل عن العالم الخارجي. ومن المثير للأسف أنه حينما أقدمت بعض السلطات، كما جرى في البحرين والإمارات ومصر والجزائر، على العفو عن السجناء أو الإفراج عن بعض المعتقلين تم استبعاد النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين من نطاق هذه القرارات.

استهداف الحقوق الرقمية وحرية التعبير على الإنترنت
مثّل تغليظ الرقابة على الإنترنت، وانتهاك الخصوصية الرقمية في سياق إجراءات مواجهة الجائحة الملمح الأبرز خلال عام 2020؛ إذ تقدمت السلطات الحاكمة في كلٍّ من المغرب والعراق بمشروعات قوانين حول الجريمة الإليكترونية اتسمت موادها بفرض قيود واسعة على حرية الرأي والتعبير على الإنترنت، وتغليظ الرقابة على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي. وفي لبنان نشط مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي بشكل بارز في استدعاء المدونين والصحفيين والنشطاء ومواطنين عاديين، والتحقيق معهم واعتقال بعضهم وتحويلهم للمحاكمة؛ على خلفية تعليقاتهم وتدويناتهم النقدية، أو الحديث عن فساد السياسيين ومسؤولي الدولة على الإنترنت. وقد أرغمت السلطات اللبنانية بعض المدونين والنشطاء على التوقيع على تعهدات بالتوقف عن أنشطتهم الإلكترونية في مقابل إخلاء سبيلهم. كما تعرض نحو 140 ناشطًا للتحقيق في الفترة بين 2015 و2020، وهي الفترة التي بدأت فيها موجة الاحتجاجات الاجتماعية ضد الفساد وسوء استخدام السلطة.
وفي سلطنة عمان، أصدر السلطان هيثم بن طارق مرسومًا في حزيران/ يونيو لتأسيس مركز الدفاع السيبراني «لمكافحة الأنشطة التي تمس أمن واستقرار السلطنة». وقد منح المرسوم الأمن الداخلي والمركز صلاحيات واسعة للرقابة على مستخدمي الإنترنت، وأجهزة الهواتف والحاسبات في بلد معروف بالملاحقات الأمنية والقضائية للمدونين والحقوقيين منذ سنوات بسبب نشر تعليقاتهم على الإنترنت. كما شددت كلٌّ من الكويت والبحرين وعمان والإمارات والسعودية والأردن ومصر والجزائر، منذ آذار/ مارس 2020، من الرقابة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع تهديدات أطلقتها السلطات ضد نشر أي بيانات غير دقيقة حول الجائحة. وقد أسفرت هذه الإجراءات عن عشرات التحقيقات والملاحقات القضائية ضد مدونين ومواطنين ومواقع إخبارية، خاصةً في البحرين والكويت وعمان. وبالمثل، حجبت السلطات الأردنية خدمة بث الفيديوهات على موقع فيس بوك خلال احتجاجات المعلمين نهاية يوليو. وتواصل السلطات المصرية استخدام قانون الجرائم الإليكترونية لاعتقال ومحاكمة النشطاء والمدونين والحقوقيين، مع تصاعد التعقب الأمني والقضائي تحت ذريعة حماية الأخلاق والآداب العامة أو حماية «قيم الأسرة المصرية» لمدونين ويوتيوبرز خاصةً من النساء. وقد وصل عدد المواقع الإليكترونية التي حجبتها السلطات المصرية منذ مايو 2017 نحو 600 موقعٍ بينها مواقع إعلامية، ومواقع حقوقية وثقافية، كما منحا قانوني تنظيم الصحافة والإعلام، ومكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادران عام 2018 الغطاء القانوني للتوسع في الرقابة على الإنترنت.