كلمة التحرير
جاد الكريم الجباعي مفكِّرًا نقديًّا
يحتفي هذا العدد الخاص من مجلة رواق ميسلون بواحدٍ من المفكرين النقدّيين المهمومين بقضايا الإنسان والمجتمع والدولة في المنطقة العربية، هو الأستاذ جاد الكريم الجباعي الذي أمضى ما يزيد على أربعة عقود في ساحة الإنتاج الفكري، بهدف تناول فكره بجدية وعمق كبيرين، والتشجيع على وضع نتاجه في ساحة الاهتمام الفكري، عرضًا وشرحًا وهضمًا ونقدًا، والدخول في حوارات حقيقية ومتواصلة مع أفكاره ورؤاه وتصوراته، ولا سيَّما أننا أمام مفكِّرٍ من نوعٍ فريد، مفكِّرٍ لم يكن يومًا صديقًا لأي سلطة، سياسية كانت أم دينية أم مجتمعية، بحسب تعبير إدوارد سعيد.
كتب افتتاحية هذا العدد الخاص من (رواق ميسلون) حازم نهار، وهي بعنوان “الجباعي.. بعيدًا من الأضواء، قريبًا من النور“، قدَّم فيها عرضًا مختصرًا لكتاب جاد الكريم الجباعي الجديد الذي صدر عن مؤسَّسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، وهو بعنوان الهوية والذات: مقاربات نظرية، الذي شدَّد فيه على ضرورة التفريق المعرفي والأخلاقي بين الجماعة والمجتمع، وأنَّ التضاد بينهما هو التجسيد الفعلي للتناقض بين الهوية والذات. وعلى الرغم من محاولة الافتتاحية تكثيف هذا الكتاب فقد أشار كاتبها إلى أنَّه “كتاب كثيف نظريًّا ولغويًّا، ويصعب تلخيصه أو عرضه باختصار؛ فكلُّ محاولة تصب في هذا الإطار تتضمن حكمًا شيئًا من الاختزال والتعدِّي على الكاتب والفكر في آن معًا”.
وفي باب الدراسات المحكّمة، كتب منير الخطيب دراسة بعنوان “عن هرطقات جاد الكريم الجباعي“، التي انطلق فيها من كون الجباعي قد قتل أباه الرمزي، ياسين الحافظ، مثلما فعل جورج طرابيشي، وأنَّ الجباعي قد ذهب، بعد ذلك، مذهبًا آخر، حيث “أعاد بناء مفهومات مصفوفة ياسين الحافظ النظرية بناءً مختلفًا جذريًا، تجاوز الذروة النظرية التي أوصل ياسين الحافظ الفكر القومي-اليساري إليها، إلى ذروة أخرى غير مفكر فيها”. ولذلك عمل في بحثه على تسليط الضوء على أهم المفهومات، التي أعاد الجباعي بناءها من منظورات أكثر اختلافًا، وغير محدَّدة بالسقفين القومي واليساري.
وكتبت فادية سمير السيد دراسة بعنوان “جدلية العلاقة بين السياسة والأخلاق والفكر عند جاد الكريم الجباعي“، تناولت فيها طبيعة التداخل والتكامل بين الفكر والسياسة والأخلاق كما طرحها جاد الكريم الجباعي. ورأت أن الجباعي عرض مفهوم السياسة في العقل العربي وعبر عن تكامله مع الرؤية والأخلاق التي تلتقي مع الفكر بوصفه المصدر الأساسي لكل من السياسة والأخلاق. استخدم الجباعي النماذج التي تعبر عن التكامل بين هذه الدائرة الثلاثية، معتمدًا على الحجج الفلسفية والشواهد التاريخية. وعدّ القانون أحد نتائج التكامل بين الفكر والسياسة والأخلاق.
وكتب هيثم العطواني دراسة بعنوان “جدل المجتمع المدني والحريّة في فكر جاد الكريم الجباعي“، سعى فيه لتوضيح مفهوم المجتمع المدني وكيف جرى تناوله فلسفيًا وسياسيًا وعمليًا عبر التاريخ، وتبيان علاقته مع مفهومات أخرى متل الحرية والديمقراطيّة، لدى المفكر السوري جاد الكريم الجباعي، المفكر الموسوعي الذي تسكنه هواجس معرفيّة وعلميّة وفلسفيّة، فقد كان له “دور مهم ومميز في الثقافة العربية، المعاصرة، ناقدًا ومبتكرًا للمفهومات الجديدة، طامحًا إلى الحرية والانعتاق، عبر النظر والعمل”.
وأخيرًا كتب رياض زهر الدين دراسة بعنوان “مفهومات الحداثة التنويرية واكتشاف حدود التجديد المعرفي عند المفكر السوري جاد الكريم الجباعي“، تناول فيها مقاربة الجباعي لمشروع الحداثة التنويرية في مطلع الألفية الثالثة، حيث “تطلب الأمر منه إعادة بناء مفهوم السياسة من جديد، منطلقًا من ضرورة كسر احتكارها من النخب السياسية، والتوقف عن حرمان الشعب منها، بحيث تغدو ثقافة مجتمعية، تساهم في تحديد شكل السلطة السياسية التي تحكم المجتمع وتقرر مصيره، وإنهاء التخارج القائم بينهما، بالتوجه نحو المشاركة الإيجابية في الشأن العام”. وأشارت الدراسة إلى أن هذا لن يحصل وفق الجباعي “إلا بعد إعادة بناء مفهومي المجتمع المدني والدولة الحديثة ضمن وحدة جدلية أساسها التعاقد والتكامل لا التناقض والهيمنة، وإكسابهما مضمونًا سياسيًا مباشرًا في حقل التداول السوري بوساطة شبكة من المفهومات الحافة بهما مثل: الشعب، والثقافة، والأمة، والقومية، والاستلاب، وحقوق الإنسان”.
وفي باب مقالات الرأي كتبت جهاد التهامي مقالةً بعنوان “أثر الهيمنة الناعمة في إعادة إنتاج العنف الرمزي عند جاد الكريم الجباعي“، أوضحت فيها أنَّ الجباعي سعى من خلال كتاباته “لفك شفرة العنف المتصاعد والسلطة الغاشمة، وهي الصورة الأبرز للواقع العربي المعاصر، محاولًا عبر تحليلاته الفلسفية والنقدية، تقديم قراءة عميقة لمفهوم “الهيمنة الناعمة”، وعلاقته بالسلطة والعنف في المجتمعات العربية”.
وكتبت إسراء عرفات مقالةً بعنوان “الاندماج الاجتماعي في فكر الجباعي (قراءة في ضوء النموذج المثالي الفيبري)“، بحكم كون الجباعي “واحدًا من أبرز الباحثين والمفكّرين الذي اهتموا بدراسة مفهوم الاندماج الاجتماعي في صبغته السياسية، حيث قام بالكتابة والتنظير لهذا المفهوم في إطار جدلية العلاقة بين المجتمع والدولة، ورأى أنّ مفهوم الاندماج الاجتماعي ينسجم مع فكرة الأمة، وأنّ الدولة-الأمة بمؤسساتها المختلفة هي المسؤولة عن إقامة ذلك البناء التكاملي لما تقوم به من عمليات واعية تمسّ الوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات المنتمين إليها”.
وفي باب الحوارات، نُشرت أعمال ندوتين بالتعاون بين منتدى تفاكر للحوار والثقافة ومؤسَّسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر. كانت الأولى ندوة فكرية حوارية لمناقشة كتاب الجباعي “ضدّ “العقل السليم”: نقاشات فكرية وسياسية”، شارك فيها حازم نهار، ومنير الخطيب، وحاورهما حسام الدين درويش، وصبا حرب. أما الثانية فكانت بعنوان: فكر جاد الكريم الجباعي من منظورات مختلفة، شارك فيها أحمد مظهر سعدو، جبر الشوفي، حسام الدين درويش، ميادة كيالي، ميّة الرحبي، هنادي أبو حميدة.
وفي باب عروض الكتب قدَّم حسن الخطيب قراءة في كتاب المجتمع المدني اليوم الذي صدر عن مؤسَّسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، عرض فيها مفهوم المجتمع المدني في لدى الجباعي، ونشرنا أيضًا فصلًا من كتاب الجباعي الأخير الهوية والذات: مقاربات نظرية، وهو بعنوان “الانعتاق السياسي؛ المسألة اليهودية نموذجًا“.
وأُضيف إلى العدد ملحق يتضمَّن سيرة مختصرة لجاد الكريم الجباعي، ومعلومات عن مؤلفاته خلال ما يزيد على ثلاثة عقود، إضافة إلى شهادات وكلمات عنه كتبها عدد من المثقفين والمثقفات.
هيئة التحرير