جاد الكريم الجباعي؛ شهادات وكلمات

جاد الكريم الجباعي؛ شهادات وكلمات

المشاركون (بحسب الترتيب الأبجدي)

  1. أحمد مظهر سعدو
  2. أنجيل الشاعر
  3. أنور بدر
  4. أيوب أبو ديّة
  5. جبر الشوفي
  6. حازم نهار
  7. حسام الدين درويش
  8. حسام ميرو
  9. حمّود حمّود
  10. خلود الزغير
  11. سمير التقي
  12. طارق عزيزة
  13. فراس آدم
  14. ماجد كيالي
  15. مازن أكثم سليمان
  16. مازن عدي
  17. محمد جمال باروت
  18. مصطفى الولي
  19. منير الخطيب
  20. منير شحود
  21. نور حريري
  22. هيثم العطواني


أحمد مظهر سعدو

الجباعي.. المهموم بالفكر الديمقراطي

عرفته منذ أواخر ثمانينات القرن الفائت، من خلال تواجدنا معًا في مجلس تحرير جريدة “الموقف الديمقراطي” لسان حال التجمع الوطني الديمقراطي. (أبو حيان) صاحب فكر متقد ومتدفق وعميق، يتكئ على ثقافة موسوعية وطنية ديمقراطية في رؤيته وتحليله وتشريحه السياسي والفكري، يزاوج بين الوطنية السورية والعروبة القومية الديمقراطية، مهموم بالفكر الديمقراطي، وبالبحث في منحنيات الواقع الفكري الفلسفي. كنا نستلهم من رؤيته السياسية والفكرية أدواتٍ نيرة في التفكير السياسي المقارب للواقع، والمتطلِّع إلى نهوض فكري وطني ديمقراطي يتجاوز الهزيمة التي ألمَّت بالأوطان بعد 5 حزيران/ يونيو 1967، عبر وعي أسبابها وجذورها.

يُطلق جاد الكريم الجباعي جُمَله وعباراته بدراية وحكمة ووعي. يتريث في إطلاق الأحكام، لم يكن يجد حرجًا في التراجع عن فكرة وجد في الواقع ما هو أفضل منها، وربما لذلك كان يكتب بقلم الرصاص على خلاف معظم الكتاب من جيله.


أنجيل الشاعر

الجباعي.. النبيل

قد يكون من الصعب أن يتحدّث المرء عن شخص قريب من فكره وروحه، لكن من السهل أن يعرف الجميع معنى النبل، والصدق، والإنسانية.

لا تكفي بضع صفحات للحديث عن قامةٍ إنسانية أولًا، ومن قامات الفكر والبحث والثقافة ثانيًا، فلا أستطيع أن أزيد على ما وصِف به “النبيل”؛ كلمة تختزل في مضمونها جميع الصفات الإنسانية والأخلاقية. نبيل في المعرفة والفكر، نبيل في السلوك الاجتماعي والسياسي والفكري، كيف لا وقد أخذ الحرية والديمقراطية منهجًا في الحياة العامة، دافع عنهما حتى صار متهمًا بهما لدى كلِّ من يعادي الحرية والديمقراطية.

أبو حيان؛ الاسم الذي أحبه وأحببناه فيه، مكتشف الجمال ومخرّب الأحزان، يستحق كلَّ ما هو جميل وفرِح.

عذرًا يا صديقي على الكلمات القليلة التي لم تفِك حقَّك.



أنور بدر

الجباعي.. غرامشي الثقافة العربية

إن كانت تُحسب لأستاذنا جاد الكريم الجباعي استعادته مفاهيم الياس مرقص وياسين الحافظ المتعارضة مع الفكر الإيماني والأيديولوجي، إلَّا أنه تميّز باشتغاله على تطوير تلك المفاهيم النظرية في مستوى علاقتها بالواقع العياني لمجتمعاتنا المغيّبة والمهمّشة، بدءًا من موضوعة المرأة واستمرارًا ببنى المجتمع المدني، ودور الثقافة الوطنية التي تجعل من الإنسان مبدأها وغايتها، ربطًا بحقوق الإنسان الفرد، مؤكدًا باستمرار أنَّ الوطنية هي مضمون الديمقراطية وقوامها، ورافضًا جميع الانتماءات ما قبل الدولة الوطنية، لذلك نجده يؤكِّد باستمرار، في جميع المواقع التي تنسجم مع أفكاره، أنَّ قراءة إلياس مرقص، اليوم، هي “مناسبة لطرح أسئلة الواقع التي طرحتها ثورات الربيع العربي، والأسئلة أهم من الأجوبة دومًا”.



أيوب أبو ديّة

الجباعي.. أعاد بناء العلاقة بين الفكر والأخلاق والسياسة

كي يكون المرء مفكِّرًا ينبغي له أن يتميز بالعقلانية في التفكير والتحليل والتركيب، والإبداع في حلِّ المشكلات، وقد حقَّق الجباعي ذلك عندما التقط فكرة هيمنة السياسة على الثقافة، فأخذ يدعو إلى استقلال الثقافة واستعادة رسالتها التنويرية والديمقراطية والإنسانية؛ فمن دون عقلانية لا يمكن الخروج من عصر الأيديولوجيا، ومن دون علمانية تتعقد مسألة الأقليات الدّينيّة والمذهبية، ومن دون ديمقراطية لا تُحلُّ مسألة الأقليات القومية.

وينبغي له أيضًا أن يحظى بسمة الشك والبحث عن الحقيقة في سياق مشروع نهضوي ديمقراطي أساسه وحدة المجتمع المدني والدولة الوطنية، دولة الحق والقانون وقهر التأخر وكسر حلقة التبعية وتحقيق الاندماج القومي والاجتماعي، وربط قضية المرأة بقضية الإنسان في المجتمع، إذ يدعو الجباعي في كتابه “المجتمع المدني / هوية الاختلاف” إلى معارضة الوعي الأيديولوجي المستلب والزائف بالوعي النقدي المستند إلى وعي الواقع ومنطق التاريخ، فتسييس الدين والعروبة يُنتج أيديولوجية مغلقة تُعيد إنتاج الاستبداد، وإنَّ المركب الجدلي من المجتمع المدني والدولة الوطنية هو الأمة بوصفها وعيًا أخلاقيًا.

وإلى جانب كونه مفكِّرًا، كان الجباعي إنسانًا ملتزمًا الواجبَ الأخلاقي من حيث الصدق والنزاهة، وهو ما لمسته خلال تحريره “موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر”، 2008، وعبر مشاركته في تأليف “فلسفة التحرر القومي العربي” 2003. لقد دفعته إنسانيته إلى الاهتمام بإعادة بناء العلاقة بين الفكر والأخلاق والسياسة لإنتاج ممارسات سياسية ومجتمعية مغايرة لما هو سائد.



جبر الشوفي

جاد الكريم الجباعي؛ الشخص والظاهرة

جاد الكريم الجباعي الإنسان، لاسمه من جوده وجِدِّه وصدقه نصيب، ونصيبه يتمثل بالثبات على قيم الحب والخير والجمال والجهر بالقول الفصل. وكظاهرة هو موسوعي عميق وشامل، تثقَّف وعمل بحثًا واستقصاءً، وألَّف عشرات الكتب في الثقافة والسياسة والمجتمع المدني والمرأة، وفي العديد من الموضوعات المهمة، إضافة إلى تجربته في السياسة والقيادة. هذا كله أهَّله ليكون باحثًا وناقدًا عربيًا مبدعًا، يتابع ما توقف عنده رواد النهضة ويحدّث فيه، بما يتناسب ومستجدات العصر. وبذا يأخذ مكانه كمثقف كوني، تأسَّس على يد معلمين كبيرين هما الياس مرقص وياسين الحافظ، ثم اتسع بحثه ليشمل الثقافة العربية الإسلامية وفلاسفة اليونان وعصر الأنوار وفلاسفة الحداثة وما بعدها، باذلًا جهده ليؤسِّس، مع آخرين، لثقافة بديلة، تكون رافعة لنهضة عربية شاملة.



حازم نهار

الجباعي.. مفكِّر من طرازٍ نادرٍ

الجباعي ليس من المثقفين الذين يسايرون التيار خوفًا من ردّات فعله الشديدة، ولا هو من الذين يكتبون لإرضاء أي سلطة، دينية أو سياسية أو مجتمعية، ولا يتردّد في نقد العادات والتقاليد والأعراف السائدة، ولا في تحطيم التابوهات الموروثة، فمهمة المثقف أن يتناول القضايا كما يراها هو، وانطلاقًا من وعيه، لا كما تراها السلطات السياسية والدينية، ولا كما يراها الناس، ولا كما هي سائدة في عقل المجتمع، لأنَّه إن فعل ذلك يكون قد تخلى عن جوهر رسالته التنويرية. ببساطة ووضوح، الجباعي مثقف ليس صديقًا لأي سلطة بحسب تعبير إدوارد سعيد.

نصُّ الجباعي مختلفٌ عن النصوص التي يكتبها كثيرٌ من أساتذة الجامعات في ميدان الفلسفة وعلم الاجتماع والسياسة. لا مسافة تفصل بين روح الجباعي ونصّه، فهو لا يكتب بروحية المثقف الموظَّف أو الأستاذ الجامعي المأسور ظاهريًا بالأكاديميا؛ بل بروحية المفكِّر المهموم بقضايا مجتمعه، وبالرغبة في النهوض، ولذلك سيحسّ القارئ بروحه دائمًا بين الكلمات أو سيكتشف بسهولة أنَّ كلماته معجونة بدمه ولحمه وأعصابه. لا توجد نهايات مغلقة في تفكيره وكتاباته، وتكشف أعماله الصادرة مؤخرًا عن قدرته الفائقة على مواصلة التفكير، وطرق أبواب جديدة في الفكر.

الجباعي صانع ونحات مفهومات، ومبدع في رسم الكلمات وصوغ الجمل. الدقة المفاهيمية والدقة اللغوية سمتان رئيستان في كتاباته، وهناك وحدة واتساق وتماسك في معاني مفهوماته المستخدمة ودلالاتها في كتبه ودراساتها كلها، وهذه ليست مسألة سهلة إطلاقًا. شخصيًا، لا أشعر في أثناء قراءة نصوصه بأنني أمام عباراتٍ أو فقراتٍ غير لازمة أو حشوٍ زائدٍ مثل نصوص كثيرٍ من أهل الثقافة.

يحتاج فكر الجباعي، على المستوى السوري، إلى التعاطي معه باهتمام وجدية كبيرين، هضمًا وشرحًا ونقدًا وتجاوزًا، وإلى الدخول في حوارات عميقة ومتواصلة مع أفكاره ورؤاه وتصوراته. ويحتاج أيضًا إلى تعميمه على الساحة العربية أملًا في إطلاق حوارات أكثر نضجًا، ويحتاج بعض كتبه، ولا سيَّما الأخيرة، إلى ترجمتها إلى لغات أخرى لوضعها في سياقها الفكر الإنساني واستكشاف جدارتها.

يبقى أن يسعى أصدقاؤه المطلعون جيدًا على مسيرته الفكرية ونتاجاته لجمع كتبه ودراساته ومقالاته في مؤلَّف واحد باسم “الأعمال الكاملة لجاد الكريم الجباعي.”، وهذا ليس تكريمًا له فحسب، وهو جديرٌ بكلِّ تكريم، بل هو مسعى لتسهيل الوصول إلى فكره أيضًا، والتقاط تطوره عبر الزمن، وتحقيق أكبر قدرٍ من الفائدة لجيلنا والأجيال المقبلة، بحكم حاجتنا الفائقة إلى التأسيس، وإعادة التأسيس.



حسام الدين درويش

الجباعي.. السياسة بوصفها فكرًا وأخلاقًا

التقيت بشخصه مرةً واحدةً فترك أطيب الأثر في نفسي، ببشاشته ولطفه ودماثته وتواضعه الجمّ وبساطته الآسرة. والتقيت بكتاباته مراتٍ عديدةٍ، فوجدت فيها أنموذجًا لكتابات المفكِّر الملتزم بقول ما يراه حقيقةً وخيرًا، بنزاهةٍ، فكريةٍ وأخلاقيةٍ، قد يشوبها بعض الإفراط، لكنها لا تعاني أيَّ تفريطٍ. جمع، في نتاجه الفكري وممارساته العملية، بين العمل الثقافي والعمل السياسي، فاغتنت رؤيته العابرة للتاريخ بالتفكير في الراهن والمتعيّن، وثقَّف مفهوم السياسة وصقله وأخلَقه، أي جعله مفهومًا أخلاقيًّا، كما أبرز البعد السياسي المحايث للعمل الثقافي وذهب به وفيه إلى حدوده القصوى، وإلى ما بعد ذلك أحيانًا، من جهةٍ أخرى.

وباستثناء ثنائية/ مثنوية، الديني والعلماني، تجاوز الجباعي، في فكره وممارساته، كثيرًا من المثنويات الزائفة والواهمة، وجمع، بجدلٍ إيجابيٍّ، بين كثيرٍ من الثنائيات؛ ونجح، غالبًا، في مواكبة كثيرٍ من مستجدات الفكر الغربي والعربي، وتضمينها في نتاجه الفكري الغزير والقيِّم. آمل أن تسمح لي الظروف، مستقبلًا، ﺑ (إعادة) قراءة أعماله كلها، وبالكتابة معها وعنها وانطلاقًا منها أيضًا.


 


حسام ميرو

الجباعي.. المفكِّر صاحب الصفات المتفرِّدة

لعلّ جاد الكريم الجباعي أحد المفكرين السوريين القلائل الذي جمع في حياته وفكره عددًا من الصفات التي لا يتمتّع بها إلا من لديهم بوصلة تبقيهم على مسافة ضرورية من الأشخاص والرموز والاتجاهات الفكرية، وأيضًا من السلطة، والمال، والجاه، وقد أجرى في حياته العملية السياسية والفكرية تحوّلات كبيرة، رائزها الأساس وعي صيرورة العالم الحديث، عالم الدولة، والأمة، والديمقراطية، والعلمانية، والتقدّم، والمواطنة، والأنسنة، من دون أن يغفل عن الواقع الخاص لبلده سوريا، وعن ضرورة تفكيك الاستبداد سياسيًا وثقافيًا، وفي العمق تنويريًا، منحازًا إلى القيمة المستقبلية في وجه العدم الحضاري، الذي تمثّله منظومة الفوات التاريخي.



حمّود حمّود

الجباعي.. عمق أخلاقية الثقافة

إذا كان هناك من مفردة رافقت معرفتي الشخصية الطويلة بأستاذنا جاد، بصرف النظر عن اصطلاحات التعريف الكبيرة به (فهذه لها مقام آخر)، فإنها تكمن بعمق أخلاقية الثقافة التي يحملها كيانه، وهي أخلاقية استقالت أو أقيلت في سياق التأزم السوري، عمق أخلاقي لطالما انطلق منه كمفكر، يستبسل من خلاله حوامل العدالة ومحاكمة الأشياء. ليست الثقافة عنده محمولًا مجردًا تمارس من خلاله غوايات التفكر، بل تجسد كينونة واقع لا ينفصم فيها التثقف والتخلق. حينما كنت أبادره أحيانًا بسؤال في سياق أحاديثنا الطويلة عن الذاكرة، عن احتمالية ما يمكن أن تفعله الذاكرة في سياق “الخروج” الكبير الذي يحتضننا، عن شوق محتمل لأمكنة سورية هناك، لطالما اختصر لي الإجابة بأن لديه ضعف في الارتباط بالمكان. وإذا بدا هذا الضعف ظاهرًا هنا ضمن مرتبات ألم “الخروج”، فإن الأكيد عنده هو تلك الوثاقة بين المفكر الكبير والأخلاقي الذي يحتضن هذا المفكر.



خلود الزغير

الجباعي.. حامل مصباح النقد

لم نلتقِ يومًا…

لكنّي تتبّعتُ أثرَ خُطوتكَ المتفرّدة وهي تشقُّ طريقها بين الجُموع لترسم دربها المُختلف.

في الزمن الذي كان ضباب الأيديولوجيات يسدّ الأفق، كُنتَ من القلّة التي ابتعدت قليلًا لتشير إلى أن سماء الثقافة والفكر أرحب وأوضح رؤية.

كُنتَ وما زلت تحمل في يدكَ مصباح النقد، وتدعو الآخرين للخروج من كهوف مذاهبهم وقبائلهم وعشائرهم وأيديولوجياتهم للذهاب معًا وللتواصل في ما بينهم في حقل السياسة المشترك. السياسة التي لا يمكن أن تتأسس إلاّ على الثقافة الحديثة، وعلى العقلانية، والعلمانية والديمقراطية.

الدرب المختلف الذي رَسمَتهُ خطوتك كان طريقًا للحرية، أَلَمْ تَقُلْ يومًا أنّ الاختلاف هو شكلُ تعيّن الحرية، وإننا أحرار لأننا مختلفون؟



سمير التقي

الجباعي.. سيف العقل الصارم والجميل

الجباعي هو ذلك الجمع الفذّ بين الدأب الصبور في تقصي الحقيقة وكشف خلل المنطق السائد، وبين التواضع الآسر لرجل كان عصاميًا بقدر ما كان جامعًا لخبراتنا جميعًا، هو تلك المعرفة الحصيفة بالروح السورية وأمراضها.

كان بعض لقاءاتنا خلاسيًا، وبعضها معلنًا. كان ودودًا وصريحًا، وجارحًا أحيانًا، لم يوفِّر أبدًا في نقده، وتعلَّمت منه الكثير الكثير. لكنه، في كل لقاء، كان ينقِّب عن مراجعة لما يعتقده صحيحًا. فخلف بحثه الدؤوب عن لوثة الفكر السائد، كان قلقه عميقًا من انحدار متدرِّج لروح سوريا نحو التفكك والضياع.

ويا لوجعه وهو يشاهد ذلك ماثلًا أمام أعيننا! كم سنفتقد سيفك العقلي الصارم الجميل يا جاد الكريم!



طارق عزيزة

الجباعي.. المعلِّم والصديق

التقيت المفكّر جاد الكريم جباعي أول مرة عام 2009، ودخلت مجال الكتابة البحثية تحت إشرافه، ونشأت بيننا صداقة إنسانية توطّدت بمرور السنوات، على الرغم من فارق السنّ والتجربة. وإذ أُقرُّ بفضله وأستاذيته، أشيد خصوصًا بنبله وتواضعه وتواصله الراقي، معلّمًا وصديقًا. شغفه بالتعلّم لا ينقطع، فيواكب أحدث المعارف في شتى العلوم، ويغني بها مشروعه الفكري. لا يكفّ عن مراجعة أفكاره وتطويرها، مترفّعًا عن المهاترات والصراعات الشخصية، ومنفتحًا على النقد والملاحظات، حتى من تلامذته، بل منهم بوجه خاص. أزعم أنّها كلّها خصال نادرة في الثقافة السورية، ليس بين مجايليه من كتاب وباحثين فحسب، بل وبيننا نحن من الأجيال الأحدث، فكلّ التقدير والامتنان للأستاذ جاد، المفكّر والإنسان.



فراس آدم

الجباعي.. مفكِّر الحرية

تعرفت إلى المفكِّر جاد الكريم الجباعي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، فعرفت فيه مثقفًا حرًا في زمن كانت تهيمن فيه العقائد الدوغمائية والأيديولوجيا على المثقفين والأحزاب، فضلًا عن هيمنتها على عموم المجتمع. فكان الجباعي من بين تلك النخبة المثقفة التي كانت تغرد خارج السرب، بدافع من فكره النقدي الحر، رافضًا وناقدًا للانتماءات المغلقة بأشكالها كافة، العقائدية والحزبية والإثنية والمذهبية والدينية… إلخ، رافعًا راية حرية الضمير وحرية الفكر.

عرفت في الجباعي الجرأة على النقد، لم يكن يخشى في ذلك لومًا أو عتبًا أو عزلةً، لأنه لم يكن يستطيع أن يتصور أن يكون تابعًا لأي أحد، إنَّه يتبع ضميره وفكره الحر وحسب. هو ابن ذلك التيار النقدي الذي تجلى في خط مفكرين كبار، مثل ياسين الحافظ وإلياس مرقص. ولأنه كان ابنًا بارًا لهذا الخط، فقد استوعبه وطوَّره وتجاوزه نقديًا، الأمر الذي جعل فكره “ضد العقل السليم”، ومن ثمّ بقي منفتحًا على اللانهاية. أعاد الجباعي، في كتبه ومؤلفاته الكثيرة، تأسيس مفهومات الاغتراب والمواطنة والمجتمع المدني وحرية المرأة والحريات وحقوق الإنسان… إلخ، ما أغنى المكتبة العربية والفكر عمومًا بمحتوى ثقافي ومعرفي يخدم قضية الإنسان وتقدمه.

إن رؤية الجباعي الكونية التي تستند إلى الحق في الاختلاف وقيم المساواة وتكافؤ المعاني والقيم، والتي أقام على أساسها دعوته إلى الحوار والتواصل وبناء الجسور بمواجهة العنف وإقامة المتاريس.. هذه الرؤية تشي بمفكِّر لا يسعنا إلا أن نطلق عليه لقب “مفكِّر الحرية”.



ماجد كيالي

الجباعي.. المفكِّر النقدي

أكثر ما شدَّني إلى العزيز جاد الكريم الجباعي (أبو حيان) شخصيته المحببة، وروح الودِّ والتواصل التي يضفيها على معارفه، إنه مفكر جاد، بمعنى أنه يشتغل على موضوعاته بدأب وصبر يستحقان الإعجاب، مفتشًا عن الجوهر فيها، وعن كيفية تمظهرها، كما يشتغل على تأصيلها.

نحن إزاء مفكر نقدي، وهي أهم ميزة في أي مفكر، تناساها كثير من المفكرين والمثقفين، وتلك هي الميزة التي يتحلى بها الجباعي، ويحرص عليها، بل وعلى حراستها في ذاته، ذاته المتمردة على الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي الراهن.

غطَّى الجباعي ما لم تقاربه التيارات السياسية والفكرية التي سادت في العالم العربي، ولا سيَّما في المشرق منه، وهي المسألة المتعلقة بالمجتمع المدني، أي معضلة غياب علاقات المواطنة، لصالح مفهوم “الرعية”، بما يتضمنه ذلك من إحلال السلطة محل الدولة، فمع غياب المجتمع المدني، ودولة المواطنين، تغيب الدولة، وينجم عن ذلك مفهوم “الاغتراب”، اغتراب الفرد في مجتمعه، والمجتمع عن الدولة، واغتراب الدولة عن الرعية، والاغتراب عن الواقع، وعن العالم.

نحن إزاء مثقف متفرد يشكِّل، إضافة إلى نخبة من المثقفين السوريين الرواد، ولا سيَّما إلياس مرقص وياسين الحافظ، كمفكر، تيارًا فكريًا سياسيًا ليبراليًا، بالنظر إلى موضوعاته في الحرية والمجتمع المدني والديمقراطية والعلمانية، مع صبغة يسارية تُغني الليبرالية وتغتني بها، وهو ما تفتقده التيارات اليسارية في المشرق العربي خصوصًا، تلك التيارات اختزلت دورها بمناهضة الإمبريالية والصهيونية، وتناست وظيفتها الجوهرية في إقامة دولة المواطنين الأحرار.

يعمل الجباعي، مثل غيره من المفكرين والمثقفين المتفرِّدين، والمستقلين، والنقديين، في بيئة صعبة، وغير مواتية، وضدية، فمن جهة هناك الأنظمة السائدة التي تشتغل على محو أي أثر لهذا النوع من المفكرين، ومن جهة أخرى هناك الحركات السياسية السائدة، القومية واليسارية والدينية، التي تشتغل على الشعارات، وعلى السطحي من السياسة، تلك التيارات آلت إلى إخفاق كبير.

ربما تختصر هذه العبارة ما يحاول مفكِّرنا الجباعي إخبارنا به: “بزغت فكرة المجتمع المدني، في أواسط القرن السابع عشر، على أساس أن المجتمعات البشرية هي من إنتاج البشر أنفسهم، وأن السلطات السياسية من أصل مجتمعي دنيوي؛ ومن ثم، فإن المجتمعات البشرية والسلطات السياسية هي بنت التاريخ، لا بنت السماء، ولا بنت الطبيعة، كـ “مجتمعات الحيوان”، وما دامت كذلك، فهي ليست حالة طبيعية ولا تجليًا لروح كوني، لاهوتي. الاجتماع البشري ابن التاريخ، واجتماع الحيوان ابن الطبيعة”.



مازن أكثم سليمان

الجباعي.. الاتفاقُ معكَ يُفرِحُ، والاختلافُ معكَ يُعلِّمُ

أستطيعُ أن أقولَ بكُلّ غبطةٍ وسعادةٍ وفخرٍ: جاد الكريم جباعي (مع حفظ الألقاب) صديقي.

نعم، هوَ صديقي، ليسَ لأنَّني أستحقُّ هذا الشَّرف، أو لا أستحقُّهُ، فهذا موضوعٌ آخَر؛ إنَّما لأنَّ جاد الكريم جباعي يعرفُ كيفَ يكونُ إنسانًا وصديقًا صدوقًا في الوقتِ نفسه.

لا أُريدُ التَّحدُّثَ هُنا عن جاد الكريم بوصفِهِ مُفكِّرًا ومُناضِلًا عتيقًا من أجلِ المُواطَنة والدِّيمقراطيَّة والمُجتمع المدنيّ، فهذا أمرٌ يحتاجُ إلى مَجالٍ آخَر لا تتَّسِعُ لهُ هذهِ السُّطور القليلة، لكنَّني أودُّ أنْ أُبيَّنَ البِنية الأصيلة لصفةِ المُفكِّر والمُناضِل فيهِ عبرَ تبيينِ صفةِ الإنسان والصَّديق الذي خَبِرْتُهُ سنينَ مديدة.

مَنْ يعرفُ جاد الكريم جيِّدًا يلمسُ ذلكَ الرَّجُلَ الهادئَ، والدَّمِثَ العذبَ الجميلَ.. ذلكَ الإنسان الشَّفَّاف والخَلَّاق الذي يُمرِّرُ آراءَهُ الجذريَّة الصّلبة بتواضُعٍ ولُطفٍ ونأيٍ عن الفوقيَّة والاستعراض، ويُقدِّمُ نقدَهُ لأفكارِ الآخَر بمَسافةِ احترامٍ أصيلٍ وعميقٍ، مُحتفِظًا لذلكَ الآخَر بكونِهِ ندًّا لهُ في الإنسانيَّة مهما اختلَفَ معهُ، أو مهما كانَ مُتجاوِزًا لهُ مَعرفيًّا.

دعاني ذاتَ مرَّةٍ كي أكتُبَ لهُ مُقدِّمةً لكتابهِ (فخّ المُساواة) الصَّادر في طبعتِهِ الأُولى عن (مؤسَّسة مُؤمنون بلا حدود للدِّراسات والأبحاث) في العام 2018، ولم تُثنِهِ بعضُ انتقاداتي التي عرضتُها في تلكَ المُقدِّمة لطُروحاتٍ عدَّةٍ كانَ ينطوي عليها ذلكَ الكتاب من تصديرِهِ بها، فديمقراطيَّةُ جاد الكريم وحُرِّيَّتُهُ لم تكُن شِعارًا مُتعاليًا بقدرِ ما كانت مُمارَسةً تواصُليَّةً رحبةً وحيَّةً.

كَتَبَ لي ذاتَ يومٍ رسالةً على (الواتساب) أحتفِظُ بها بمحبَّةٍ ودفءٍ كي أنشُرَها مُستقبَلًا، خاطبَني في أحدِ سُطورِها قائِلًا ما يكفي، في اعتقادي، لتكثيفِ شخصيَّتِهِ إنسانًا ومُفكِّرًا وسياسيًّا:

“الاتِّفاقُ معكَ يُفرِحُ، والاختلافُ معكَ يُعلِّمُ”.



مازن عدي

الجباعي.. المفكِّر المثابر

عرفت جاد الكريم الجباعي الإنسان والمثقف والمناضل، وعملنا معًا في إصدار أول نشرة إعلامية للتجمع الوطني الديمقراطي في كانون الثاني/ يناير 1991، وكان صاحب الاقتراح بتسمية (الموقف الديمقراطي) التي استمرّت بالصدور عشرين عامًا. كان هدوؤه وتواضعه وعمق تفكيره عوامل جذب لقيام صداقة متينة بيننا، فضلًا عن قربنا المشترك من المفكر الراحل إلياس مرقص. لقد تمكَّن جاد من إجراء حوار مسجَّل معه تضمَّن أسئلة مهمة جدًا في فضاء الفكر والسياسة والشؤون العربية، وأصدره في كتاب “حوار العمر”. لم يكتفِ جاد بهضم الفكر المتميز الذي طرحه مرقص وياسين الحافظ اللذان رحلا باكرًا، بل اجتهد كثيرًا، وساهم في كتابة مشروعات فكرية سياسية مهمة للتجمع الديمقراطي، وانتقل إلى مرحلة المفكِّر المنتج وأصدر كتبًا مهمة (“المجتمع المدني؛ هوية الاختلاف” و”قضايا النهضة”، و”طريق إلى الديمقراطية” و”من الرعوية إلى المواطنة” و”فخ المساواة” و”ضد العقل السليم”، وغيرها)، وما زال مثابرًا على الإنتاج والإبداع. جاد كريم الجباعي يستحق كلَّ تقدير وتكريم.



محمد جمال باروت

تعالوا لنقرأ الجباعي من جديد

عرفت جاد الكريم الجباعي مفكرًا نقديًا حتى النهاية، ربط بين المثقف ودوره الاجتماعي- السياسي بالوظيفة النقدية التي لامندوحة عنها في فهم التأخر التاريخي العربي، ومحاولة تجاوزه عبر كلمة مفتاحية استراتيجية هي نقد الوعي. من يعرف شيئًا عن حياة الجباعي وخبرته سيكتشف سريعًا عمق تأثير تجربته السياسية والحركية في تطويره النقدي لوعيه نفسه. فلقد وجد نفسه سريعًا منخرطًا في أوسع حركة شعبية بعد قيام الانفصال السوري 1961 ليكرِّس خياره بعد سنوات قليلة في النضال في صفوف حزب العمال الثوري العربي الذي ضمَّ زهرة النخبة القومية الديمقراطية العربية، وهي ترنو لأن تكون طليعة التغيير الشامل. وداخل جدل الوعي والممارسة، ومرارة التجربة والمعاناة في السنوات التي أفضت إلى الكارثة الكبرى يومئذ أي نكسة حزيران/ يونيو 1967 اكتشف الجباعي مسألة تثوير الوعي بنقده الجذري، للتصدي لحالة الفوات التاريخي الحضاري. لقد غدا إذا ما رغبنا تكثيف مفتاح الوعي تاريخانيًا، وكان ياسين الحافظ وإلياس مرقص وعبد الله العروي من رواد الماركسية التاريخانية النقدية الذين بلوروا اتجاهًا فكريًا واسعًا اندرج الجباعي فيه، ومكَّنه من الوعي وإعادة إنتاج الوعي بالمسألة القومية الديمقراطية، والتأكيد على أولوية الحرية والعقلانية والحقوق المدنية في أي فهم لتحرر الأمة. في مسيرته الفكرية منذ حرية الآخر (1993) وحتى آخر كتاب أعرفه له وهو كتابه الكبير والمهم “المجتمع المدني، هوية الاختلاف” (2003) الذي صدر يومئذ في خضم حركة المثقفين السوريين من أجل الانتقال الديمقراطي كان وفيًا لوظيفته النقدية في نقد الوعي السائد وتفكيكه، وتجاوز السياسوية المباشرة إلى تفكيك البنيات التي تتحكم في الفوات التاريخي الذي لا يزال يعيد إنتاجه نفسه في إهابات متجددة تتطلب مزيدًا من إعمال الوظيفة النقدية التي كان الجباعي من أبرز حملة راياتها، وعرف لوعة انكساراتها لتزيد الوعي تجذرًا في النقد والنقد كشرط للتغيير. تعالوا لنقرأ الجباعي من جديد.



مصطفى الولي

الجباعي.. النفاذ إلى عمق القضايا

تعرفت إلى أبي حيان في منتصف الثمانينيات وسط تطورات محلية في سوريا بعد انتهاء صراع سلطة حافظ الأسد مع حركة الإخوان المسلمين، ونجاتها من صراع دموي كان يمكن أن ينفجر بين الأخوين (حافظ ورفعت) للسيطرة على السلطة. وكانت الفترة ذاتها تشهد حدثين مهمين، على الصعيد الإقليمي (الحرب العراقية الإيرانية)، إلى جانت الصراع الداخلي بين القوى الفلسطينية، بعد تداعيات نتائج الغزو الإسرائيلي للبنان 1982.

في انشغالنا بتناول تلك القضايا، كان جاد الكريم يبتعد عن سطح القضايا، لينفذ الى الأعماق الفكرية ليوضح موقفه وتوقعاته. كان يفكر نقديًا في كل شيء، من دون تقديس لأيديولوجيا أو شخصيات. وفي حضوره كان متواضعًا جدًا، لا يدّعي اكتمال المعرفة ولا تفوّق الفكرة التي يطرحها.

تعلَّمت منه الكثير، ومعه أعدت فهم أعمال إلياس مرقص وياسين الحافظ وعبدالله العروي. وأزعم أنه في مؤلفاته، أعاد بسط كثيرٍ من المقولات والمصطلحات، التي تتصل مع محتوى مشكلاتنا. ننتظر منه
الكثير من العطاء. أتمنى له طول العمر واستمرار المساهمة النوعية في تناول قضايا شعوبنا وبلادنا.



منير الخطيب

الجباعي.. قاتلُ آبائنا جميعهم

في نهاية السبعينيات كنت طالبًا في الصف الثالث الثانوي، شاءت الصدف آنذاك أن يكون أستاذي في اللغة العربية هو جاد الكريم الجباعي، أهداني حينها كتاب اللاعقلانية في السياسة لياسين الحافظ، قرأت الكتاب، فكان له أثرٌ مزلزلٌ في وعي ونفسي وقتها. منذ ثلاثة أشهر، أرسل لي الأستاذ جاد مخطوطًا كتَبه ويعدُّه للنشر بعنوان “ميتافيزيقا الحب”، قرأت المخطوط ودُهشت لعمقه الفكري وجماليته، وما بين قراءة كتاب اللاعقلانية في السياسة، وقراءة مخطوط ميتافيزيقا الحب، هناك مئات القراءات لكتب وبحوث ودراسات ومقالات أصدرها ونشرها.

من خلال تلك القراءات، يمكنني القول: على منوال جورج طرابيشي حينما كتب ذات مرة بأنَّه قتل أباه الرمزي ياسين الحافظ، فإنَّ جاد الكريم الجباعي تمكَّن من قتل آبائنا جميعًا، الذين تتلمذنا على أفكارهم التنويرية، وأخصُّ بالذكر ياسين الحافظ وجورج طرابشي وعبدالله العروي وإلياس مرقص. نعم جاد الكريم الجباعي استوعب هؤلاء جميعًا، وأعاد إنتاج أفكارهم التنويرية نقديًا، ومن ثم قتلهم جميعًا، فطوبى له، وطوبى لإنتاجه العميق وبصيرته المبدعة، وطوبى لتواضعه، تواضع الكبار، الذي جعله يبتعد عن بهرجة الإعلام، وعن رغبة الظهور، والشكر لمؤسَّسة ميسلون ولمنتدى تفاكر على هذه المبادرة الجميلة، التي يستحقها بكلِّ جدارة المفكر المبدع جاد الكريم الجباعي.



منير شحود

الجباعي.. المتعفِّف والمتسامي

تعرفت إلى الأستاذ جاد الكريم الجباعي في أواسط عام 2011، وكنت برفقة أحد السياسيين المعروفين، الذي حاول اجتذابه إلى ميدان السياسة المباشر، لكنه اعتذر بتأدب. عرفت حينها أنه من أولئك المفكرين الذين لا تليق بهم مثل هذه المساعي.

لفت انتباهي المكان شديد التواضع الذي كان يعيش فيه، ومع كأس الشاي والحديث الهادئ، أهدى كلًّا منا كتابه “حوارات مع الياس مرقص”، فشعرت أنَّ شيئًا ما عميقًا هو ما كان يشغله، على الرغم من التظاهرات التي كانت تعمُّ ريف دمشق. لاحقًا، تفهمت موقفه وتعفّفه، وكان قد خبر عالم السياسة، فتسامى.



نور حريري

الجباعي.. كثافة الفكر والحضور

كثيرة كانت الأفكار، قليلة كانت الكلمات..

شحيحة كانت اللقاءات، غزيرة كانت التفاصيل..

رفيعة كانت الكتابات، غير معدودة، غير مألوفة..

أهكذا يُقاس؟ بالأرقام؟ بالسنوات؟ بعدد المؤلفات؟ أيُقدَّر بالمُنجَر؟ بالتجربة؟ باللقب؟

لا بهذا ولا بذاك..

عرفته بالكثافة، يتكاثف الهواء في حضوره.. كثيف الفكر، كثيف اللغة، كثيف القلم، كثيفًا إلى حدّ الرهافة، معتزلًا في مغناه، مترفّعًا عن الصغائر، في غُنْيَانٍ عن الأضواء والأشياء والألقاب..



هيثم العطواني

الجباعي.. مفكّر الجدل

مثّل الأستاذ جاد الكريم الجباعي نموذج المفكّر الموسوعيّ والاقتحاميّ، الذي تسكنه هواجس معرفيّة وعمليّة، فقد خاض حواراتٍ فكريّةً وفلسفيّةً في صلب الحركة الثقافيّة والسياسيّة، ناقدًا ومبتكرًا للمفهومات الجديدة، طامحًا إلى الانعتاق والحريّة، ولزم عن موسوعيّته انفتاحه على التجديد والإبداع، وقربه من الإنسانيّة التي تجسّدت في سلوكه اليوميّ من خلال تواضعه، واحترامه لقناعات الناس ومعتقداتهم، كما ساجل كبار المفكّرين فلسفيًّا، ومنهم المفكّر إلياس مرقص، فكان حوار الفيلسوف للفيلسوف، في موضوعات الفكر والسياسة والأخلاق، ومسائل الفرد والمجتمع والدولة… وكانت ثمرة هذا الحوار درسًا مهمًّا في الفلسفة، والتاريخ، والنقد، لأنّ تلك المسائل مفتوحة ومن حقّ الجميع، وواجبهم الخوض فيها تحليلًا ونقدًا.