حوار مع الدكتور مصطفى البرغوثي

A person wearing glasses and a black jacket Description automatically generated

مصطفى البرغوثي

سياسي وطبيب وأستاذ جامعي وكاتب فلسطيني، ولد في مدينة القدس عام 1954، وتنحدر أسرته من قرية دير غسانة في شمال رام الله. تحصَّل أيضًا على شهادة عليا في الفلسفة من موسكو، وشهادة الماجستير في الإدارة وبناء الأنظمة الإدارية من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة. أسَّس حركة الإغاثة الطبية الفلسطينية. أسس مع حيدر عبد الشافي وإدوارد سعيد وإبراهيم الدقاق حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية. كما برز نشاطه بقوة خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000–2005). أسَّس وتولى إدارة معهد الإعلام والسياسات الصحية والتنموية منذ عام 1989. وفي عام 1991 كان البرغوثي أحد أعضاء الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد. شارك في انتخابات المجلس التشريعي عام 1996، وانتخب عن دائرة رام الله ولكنه تنازل عن مقعده للمرشح المسيحي عملًا بنظام الكوتا. شارك في اللجنة القيادية لمفاوضات مدريد بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي، وكان عضوًا في اللجنة التوجيهية للمفاوضات متعددة الأطراف إلى أن استقال من عضوية الوفد في نيسان/ أبريل 1993 بسبب معارضته لنهج المفاوضات الذي أدى إلى اتفاقية أوسلو واستمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة. في عام 2005، ترشح لمنصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، منافسًا لمحمود عباس. قام بدور هام في الوساطة بين حركتي فتح وحماس والتي أدت لاحقًا لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفي عام 2007 عُين وزيرًا للإعلام في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بقيادة إسماعيل هنية، والتي أقالها الرئيس محمود عباس في يونيو من العام نفسه بعد أن تعرضت للحصار من إسرائيل وعدد من الدول المؤيدة لها.

في الحديث عمّا يحدث اليوم في فلسطين، تحديدًا بعد السابع من أكتوبر، من قتل وقصف وتهجير وتشريد وتجويع، لم تعد هناك قدرة على الحديث عن القضية الفلسطينية دفعة واحدة، فهناك ما قبل وما بعد، بل يصبح الحديث عن القضية الفلسطينية دفعة واحدة رفاهيةً، وانفصالًا عن الواقع، وخروجًا عن الزمن.

السؤال الأول

في ظلّ هذه اللحظة الخاصّة، وانطلاقًا منها ليس إلَّا، إلى أين توجَّه الأنظار أولًا؟ ما الذي يجب التمسّك به، وما النقطة التي يجب البدء منها في التفكير والتحليل؟

مصطفى البرغوثي:

في رأيي إن الأنظار يجب أن توجه إلى ما يجمع الماضي والحاضر والمستقبل، وتحديدًا إبراز حقيقة أن ما واجهه، ويواجهه، الشعب الفلسطيني اليوم، هو منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي نفسها، التي تجسَّدت في عمليات الاستعمار الاستيطاني في فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتجسَّدت بصورة أكبر في النكبة الأولى عام ثمانية وأربعين، والآن تتجسَّد في قطاع غزة، في محاولات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

يجب أن يتحقق إجماع وطني فلسطيني، على أنَّ هدف النضال الوطني الفلسطيني ليس إنهاء الاحتلال وحسب، ولا فقط نظام “الأبارتايد” والتمييز العنصري وحسب، بل التخلص من كل تبعات ومنظومة الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الذي فُرض علينا، والذي يواصل تعذيب الشعب الفلسطيني بالوسائل كافة.

السؤال الثاني

كيف يختلف التفكير في القضية الفلسطينية واتخاذ المواقف بشأنها قبل هذه اللحظة وبعدها؟

مصطفى البرغوثي:

يختلف التفكير الفلسطيني بعد كل ما حدث، في اعتقادي، بثلاثة أمور، الأمر الأول هو ما ذكرته قبل قليل حول أننا نواجه، أي أن ما حدث في أكتوبر، وما حدث في عملية الإبادة الجماعية في غزة، أنها أعادت للأذهان وأعادت القضية الفلسطينية إلى جذورها وجوهرها، بوصفها قضية نضال تحرّري ضد مشروع استعماري استيطاني إحلالي، وأعادت شحن جيل بكامله، جيل فلسطيني، وجيل عربي، وجيل دولي عالمي، بمشاعر الدعم والتضامن والمشاركة في النضال من أجل الحرية في فلسطين.

الأمر الثاني الذي تغير ويجب التركيز عليه، أنَّه في هذه الفترة سقطت نهائيًا مقولتان، المقولة الأولى أنَّه بالإمكان الوصول إلى حلٍّ وسط مع الحركة الصهيونية بطابعها العدواني القائم حاليًا، وهذا ثبت بطلانه، حيث أنَّ إسرائيل هي التي مزقت اتفاق “أوسلو” وهي التي دمرته بالكامل، وهي التي ترفض بشكل جوهري وجذري أيَّ حلول وسط مع الشعب الفلسطيني، بل حتى إنَّها ترفض فكرة التفاوض مع الشعب الفلسطيني، الأمر الثاني أو الوهم الثاني الذي سقط، هو المراهنة على الولايات المتحدة بوصفها قادرة على أن تكون وسيطًا في ما يحدث، الولايات المتحدة أثبتت بشكل قاطع وحاسم أنَّها لا يمكن أن تكون، لا وسيطًا ولا وسيطًا نزيهًا بين إسرائيل والفلسطينيين، هي منحازة بالكامل للجانب الإسرائيلي.

الأمر الثالث أنَّ كلَّ مسار ونهج “أوسلو” قد فشل فشلًا ذريعًا، وبالتالي لا بدَّ من تبني نهج وطني كفاحي مناضل مقاوم لكلِّ المشروع الذي نتعرض له.

السؤال الثالث

بصورة عامة، يُعرَف أن خطاب الإعلام يكون دائمًا تفاؤليًا بهدف تثبيت العزائم وإحراج الطرف الآخر، وربما ليس هناك خطاب إعلامي لا يسعى إلى تجييش العواطف في مستوى العالم، غير أن التفاؤلية في الإعلام العربي المفعمة بحديث الانتصارات تثير كثيرًا من الأسئلة والشكوك حولها. هل تسهم اللغة التفاؤلية فعلًا في إضعاف العدو في سياق القضية الفلسطينية، أم أنها تقطع علينا نحن طريق التفكير في الاستراتيجيات والرؤى الواقعية وأدوات الحل؟

مصطفى البرغوثي:

بالنسبة إلى التفاؤل، هناك فرق جوهري بين التفاؤل الثوري المبني على المعطيات الموضوعية والحقائق، والمستنِد إلى الأفق التاريخي للنضال الوطني، وبين الخطاب المتفائل المصطنع، الذي يخلق ويروج للأوهام، هناك فرق جوهري بين الأمرين، ولكن في نهاية المطاف، التفاؤل سمة أساسية لكل من يناضل، ولو لم يوجد التفاؤل، لما كان هناك داعٍ للنضال أصلًا، لذلك برأيي، الجمهور ينتظر من القادة أن يمنحوه الأمل، وليس أن يشاركوا في نشر الإحباط واليأس، الواقعية لا تتناقض على الإطلاق مع بث روح التفاؤل القائم على التحليل الموضوعي والصادق. في نهاية المطاف، الجماهير ذكية جدًا والشعب ذكي جدًا، ويستطيع أن يميّز بسهولة بين التفاؤل المصطنع، أو الكذب، أو الخداع، وبين التفاؤل الصادق، الجمهور قادر على أن يشعر ما إذا كان الذي يتحدث صادقًا أم غير صادق، والصدق هو مكون أساسي حقيقي في التفاؤل الحقيقي، الذي يحتاج إليه الجمهور كي يستمر في النضال، ويستمر في تحمل الظروف القاسية التي تُفرض عليه أحيانًا من الأعداء.

A person in a suit and tie speaking into a microphone Description automatically generated

السؤال الرابع

كثيرًا ما كانت قضية بناء سردية فلسطينية واضحة أمرًا جوهريًا لمواجهة توغُّل السردية الإسرائيلية والتضليل الإعلامي في الثقافة الغربية، فكان التركيز دائمًا على أهمية وجود السردية الفلسطينية، وقد طرأ تغيّر كبير في الآونة الأخيرة، إذ تمكّنت السردية الفلسطينية من فرض نفسها بفضل التظاهرات والتحرّكات الإعلامية العالمية، وقد تبنّت مثلًا محكمة العدل الدولية السردية الفلسطينية لما حدث بعد السابع من أكتوبر، هل نحن اليوم في خضم حرب سرديات؟ هل يمكن أن يؤدي الانتصار في حرب السرديات إلى انتصارات واقعية؟

مصطفى البرغوثي:

نحن كنّا دائمًا طوال تاريخ القضية الفلسطينية في حرب السرديات، أو حرب الروايات كما أسميها، والحركة الصهيونية نجحت في ترويج سرديتها أو روايتها الكاذبة والمضللة لسنوات طويلة، واستغلت أمورًا كثيرة في هذا المجال، استغلت ” الهولوكوست” وما تعرض له الشعب اليهودي أو اليهود، من آلام ومعاناة في أثناء الحرب العالمية الثانية، وما تعرضوا له من اضطهاد من “اللاسامية”، واستغلت الأوهام والأكاذيب، وقدمت سردية تاريخية للأحداث مضللة بالكامل، منها مثلًا أن إسرائيل حاربت عدة جيوش عربية في عام ثمانية وأربعين، ولكنهم لم يذكروا أن مجموع تلك الجيوش لم يتجاوز أحد عشر ألف جندي في بداية الحرب، واثني عشر ألف جندي في نهايتها، بينما كان الجنود الصهاينة ستين ألفًا في بداية الحرب، ومئة وعشرين ألفًا في نهايتها، ومع ذلك يحاولون تصوير الأمر كما لو أنه كان حربًا بين داوود الصغير وجولييت الجبار.

في رأيي، إن موضوع السردية والرواية هو موضوع أساسي في انتصار الشعب الفلسطيني، وبالفعل هناك تقدم كبير في فهم رواية الشعب الفلسطيني لعدة أسباب، أولها أنَّ العالم الآن لم يعد محكومًا بالإعلام الرسمي أو وسائل الإعلام الرئيسة الرسمية، اليوم وسائط الاتصال الاجتماعي ونشاط الشباب اخترق ذلك الجدار، وبالتالي صارت الحقائق تصل إلى الناس بسرعة، وبصورة فعالة ومؤثرة، الأمر الثاني أنَّه مع تراكم الأحداث انكشف الخداع الإسرائيلي، وربما يساعد على ذلك في الواقع هذا المنحى الفاشي في تصريحات وتصرفات المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك وزراء في الحكومة الإسرائيلية، وفي رأيي هناك تحول إيجابي ولكنه ليس كاملًا، وما زال أمامنا معركة طويلة جدًا لإثبات الرواية والسردية الفلسطينية، والمهم هو إدراك أنَّ هذه عملية مستمرة ومتواصلة، ولن تنتهي بحدث واحد أو في سنة واحدة، هي عملية متواصلة مع استمرار النضال الفلسطيني، وبالتأكيد، الرواية وحرب الروايات مهمة، وانتصار الرواية يساهم في صنع النصر العام للشعب الفلسطيني، لأنَّه في نهاية المطاف، الرواية تؤثر في العقول، والعقول هي التي تقرر تصرفات الأفراد والشعوب والحكومات.

السؤال الخامس

أشارت السياسية الفرنسية سيلين بينا إلى أنه “يجب ألا نساوي بين قتل الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين. الفلسطينيون لا يموتون وهم يشعرون بأن الإنسانية خانت حقوقهم، أما الأطفال الإسرائيليين فيرحلون وهم يحملون صورة أخيرة عن الإنسانية”. وقد أثار قولها العنصري هذا حفيظة كل فلسطيني وكل مناهض للعنصرية في العالم. في حين كثيرًا ما يُقال في إعلامنا العربي مثلًا “إنْ قتلوا منَّا ألفًا، وقتلنا منهم خمسة، فهذا انتصار”. هناك تشابه ما بين القولين، فهناك عدم مساواة واضحة، غير أن القول الأخير لا يثير حفيظة أحد، ولا يُتعامَل معه على أنه تمييز وربما تقليل من شأن قتلانا وشهدائنا. هل هذه ازدواجية؟ أم أنَّ هناك حسابات مختلفة للمكاسب والخسائر؟

مصطفى البرغوثي:

لا أعتقد أنَّنا نستطيع أن نساوي بين القولين، القول الفرنسي وما يقوله أحيانًا الفلسطينيون والعرب، الأمر مختلف في الحالة الأولى، كان ذلك تعبيرًا عن عنصرية عميقة وجذرية وخطيرة، في الحالة الثانية هو تعبير عن تأكيد اختلال ميزان القوى بيننا وبين الخصم، وإنَّ اختلال ميزان القوى هو الذي يؤدي إلى هذه النتائج، ولكنَّه لا يلغي تأثير النضال الجاري من قِبل الطرف المضطهَد، في رأيي إنَّ الأمر الجوهري هنا، هو ضرورة التأكيد في كلِّ لحظة وفي كلِّ تصريح وكلام، على أنَّنا جميعَا بشر متساوون، وعدم السماح بأي حال من الأحوال، وبأي شكل من الأشكال، للتمييز العنصري ضد الفلسطينيين أو ضد العرب عمومًا، كلّنا بشر متساوون وكل ضحية لمدني هنا أو مدني هناك هي متساوية، وفي رأيي إنَّ جوهر النضال الوطني الفلسطيني هو المطالبة بالمساواة التامة، وجوهر النضال الوطني الفلسطيني هو مطالبة العالم بالتوقف عن المعايير المزدوجة، وليست صدفة أنَّ ما حدث في غزة، وما يحدث الآن في فلسطين، كشف عري العالم “الحكومات الغربية”، من حيث كذب ادعاءاتهم بالتمسك بالقانون الدولي، وكذب الادعاءات بالتمسك بحقوق الإنسان، ووضوح الازدواجية في المعايير بشكل صارخ، عندما نقارن السلوك تجاه أوكرانيا وروسيا، وتجاه إسرائيل وفلسطين، الصورة واضحة وضوح الشمس، ولكنَّ أكثر ما يلفت النظر مؤخرًا، هو إعلان الولايات المتحدة أنَّها ستشرع في الكونغرس قانونًا، يعاقب قضاة ورئيس محكمة الجنايات الدولية، إن تجرؤوا على استدعاء المسؤولين الإسرائيليين للمحاسبة، هذا القول والتصرف يعني أنَّه لا يوجد قانون دولي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وما يشرعه الكونغرس هو القانون! وإذا كان هذا هو الحال، فلمَ لا يشرع البرلمان الصيني مثلًا أيَّ قوانين يريدها أيضًا ويفرضها على العالم؟ هذا يعني أنَّنا عدنا إلى القرن التاسع عشر، وكل ما أنجزته البشرية منذ الحرب العالمة الأولى والثانية، من حقوق إنسان وقانون دولي، قد ذهب مع الريح!

القضية الفلسطينية وما حدث في غزة تحديدًا، كشف وعرّى ما يحدث في العالم، رأينا مظهره في العدوان على العراق في حينه، رأينا مظهره في السلوك الأميركي في عدة مراحل ومناسبات، ولكن الجديد في الأمر أنَّ ما حدث في فلسطين وغزة كشف هذا العُري بالكامل، وبشكل واضح.

السؤال السادس

تُعَدُّ المقاومة حقًا إنسانيًا لأي شعب يقع تحت الاحتلال، كما أنها حق مشروع لا يتناقض مع القانون الدولي. غير أن أساليب المقاومة وغاياتها وأدواتها وما إذا كانت مرتبطة برؤى واقعية هو ما يوضَع موضع نقد ويُختلف عليه عادة. تبرز المشكلة حين يلتقي أي نقد من هذا النوع مع التبريرات الإسرائيلية للحرب. كيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة؟ كيف يمكن أن تُتاح إمكانية للنقاش أو النقد الموضوعيين، إن التقى كل نقد موضوعي وتضامني مع سردية العدو (إسرائيل)؟

مصطفى البرغوثي:

أنا لا أرى أيَّ معضلة في هذا الأمر على الإطلاق، ما علينا أن نقبله هو التمسك بالقانون الدولي بحرفيته، القانون الدولي يقول إنَّ من حق الشعوب التي تحت الاستعمار أو التي تناضل ضد الاضطهاد أو الاحتلال، من حقها أن تمارس النضال بكلِّ أشكاله، بما في ذلك النضال السلمي والشعبي والمسلح، شريطة أن تحترم القانون الإنساني الدولي الذي يحرم الاعتداء على المدنيين والأطفال والنساء، وهذا يتفق تمامًا مع التعاليم الإسلامية، ويتفق تمامًا مع تاريخنا، ألم يكن المقاتلون المسلمون عندما كانوا يتوجهون إلى القتال، يوصونهم لا تقتلوا طفلًا، لا تقتلوا امرأة، لا تقطعوا شجرًا، وهذا هو تاريخنا، وبالتالي لا أرى تناقضًا في هذا الأمر، لكن هذا يعكس ويخالف تمامًا ما كان يقوم به “نتنياهو” وما دعا إليه عندما تحدث عن العمالقة، باستخدام الأساطير “التلمودية” التي تحرض على قتل الرجال والنساء والأطفال، وقتل الحيوانات وحتى اقتلاع الأشجار، وفي رأيي إنَّ تمسكنا بما ينص عليه القانون الدولي هو الطريقة الصحيحة، وهي أفضل طريقة للدفاع عن حقنا في النضال.

وبالنسبة إلى أشكال النضال في رأيي، العنصر الحاسم في اختيار شكل النضال في كل مرحلة من المراحل، يتعلق بمدى قدرة هذا الشكل على التأثير في تقريبنا من الهدف، وهو الحرية والتحرّر، وفي هذه الحالة أعتقد أنَّ أشكال النضال يجب أن تخدم الهدف، الهدف هو الحرية والتحرر، وأشكال النضال هي الوسائل للوصول إلى الهدف، ولا يجب الخلط بين الأمرين. أحيانًا في مراحل معينة، جرى تقديس الوسيلة بدلًا من تقديس الهدف، لاااا، يجب أن نقدس الهدف، وهو الذهاب إلى الحرية والتخلص من الاضطهاد، وأما الأشكال فتخضع لما هو أكثر تأثيرًا وقدرة على الوصول بنا إلى الهدف.

السؤال السابع

كثير من المفاوضات والجولات الحوارية تدور اليوم من أجل الوصول إلى وحدة وطنية شاملة تضم القوى والفصائل الفلسطينية كافة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، التي تُعَدُّ الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهناك شبه إجماع على ذلك إذ بعد السابع من أكتوبر غابت كثير من أسباب الانقسامات الداخلية التي كانت موجودة، ما الذي يحول اليوم دون الوصول إلى وحدة وطنية شاملة؟

مصطفى البرغوثي:

الانقسام الداخلي سببه أمران، الأمر الأول هو الخلاف السياسي الذي نشأ أساسًا بعد اتفاق “أوسلو” الذي خلق شرخًا في المجتمع الفلسطيني، وشرخًا في الرؤى والفكر الفلسطيني قبل حدوث الانقسام بين حماس وفتح، واليوم بعد واحد وثلاثين عامًا على اتفاق “أوسلو” ونهج “أوسلو” ثبت فشله فشلًا قاطعًا، وبالتالي لا يوجد الآن إلَّا طريق واحد وهو طريق النضال والكفاح، الانقسام الأول السياسي نشأ بين نهج اعتقد أنَّ التفاوض مع الجانب الإسرائيلي هو الذي سيحلُّ المشكلة، واعتمد على الوساطة الأميركية، مقابل نهج تبنى رؤية تغيير ميزان القوى بالكفاح والنضال والمقاومة، اليوم النهج الأول فشل وانتهى، إذًا لم يبق سبب للانقسام، ولا يوجد طريق سوى طريق النضال والكفاح المشترك على برنامج وطني كفاحي مقاوم. السبب الثاني للانقسام كان وجود سلطتين، سلطة انفردت بها حركة فتح في الضفة الغربية، وسلطة انفردت بها حركة حماس في قطاع غزة، والآن لم يعد هذا السبب برأيي قائمًا “صراع بين سلطتين” لأنه لا سلطة في غزة بقيت ولا سلطة في الضفة بقيت، كلاهما أصبحتا بشكل كامل تحت الاحتلال، والسلطة أصبحت سلطة بلا سلطة، وبالتالي العامل الثاني الذي أدى إلى الانقسام لم يعد له سبب، لم يعد هناك سبب سياسي، ولم يعد هناك سبب بمعنى الخلاف على السلطة، بالتالي الحلُّ هو توحد الجميع في قيادة وطنية موحدة، وهذا ما نطالب به منذ سنوات طويلة، الحلُّ هو دخول جميع القوى إلى منظمة التحرير، لاستعادة هيبتها، لإنهاء تهميشها وإنهاء هيمنة السلطة الفلسطينية عليها، وجعلها تعود إلى دورها الوطني التحرري، وهذا لن يتحقق إلَّا بدخول جميع القوى إليها، عبر تبني نهج الشراكة الديمقراطية، والذي يجب أن يتجسد أيضًا في إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في انتخاب قياداته بشكل ديمقراطي، عندما تسمح الظروف بذلك.

 

مشاركة: