من المواطنة إلى الضيافة مرورًا بالمنفى: ثلاثة مفاهيم فلسفياسية

أولًا: مفهوم المواطنة

  1. استعراض تاريخي للمفهوم الفلسفي القانوني للمواطنة

يجد مفهوم المواطنة الحديث أصوله الأولى عند الإغريق بمعنى polis حيث ظهرت التشكيلات السياسيّة للمُدن/ الدُّول cités-Etats grecques التي عرفت أولى الصيغ القانونيّة للديمقراطيات، وتحوّلت السياسة فيها إلى موضوعٍ سياسيٍّ وفلسفيٍّ وقانونيٍّ شبه مُستقلٍّ بذاته. ففي مدينةٍ كأثينا مثلًا تحدّدت المواطنة بوصفها المساواة بين جميع الأثينيّين الأحرار، الذين كان لهم حق المشاركة في أخذ القرارات الكبرى التي تتعلق بسياسة المدينة/ الدولة مثل شؤون التشريعات القانونية وقرارات الحروب والهيئات الإدارية.. إلخ. وقد ميّز أرسطو في كتابه السياسة ثلاث خواصّ للمواطنة هي:

أولًا: حريّة المواطن التي تُتيح له تكوين نفسه بنفسه وأخذ قرارته بحريّة.

ثانيًا: تغليبه للصالح العام للمدينة على مصالحه الشخصية.

ثالثًا: المساواة أمام القانون والخضوع لإلزاماته مما يجعل المواطنين حُكّامًا ومحكومين في آن.

لكن مفهوم المواطنة الإغريقيّ ظلّ منقوصًا عن مدلوله المعاصر إذ بقي حصريًّا ومُقتصرًا على الرجال الأحرار وأبنائهم الذكور فقط دون النساء فانقسم المجتمع اليونانيّ إثنيًّا وجندريًّا، بل طبقيًّا ووظيفيًّا أيضًا. من هنا نقرأ لأرسطو رأيه في أنّه: “لا يجب علينا أن نرفع إلى مستوى المواطنين جميع الأفراد الذين تحتاجهم الدولة كثيرًا”[1] وهو يستثني من المواطنة مثلًا الحرفيّين والعمّال لأنهم، بحسب رأيه، مشغولون جدًا في كسب لقمة عيشهم، ولا يملكون الوقت الضروري ليكونوا مواطنين. غير بعيدين عن أرسطو، أخرج بذلك فلاسفة الإغريق – الذين قدّموا أول ضبط معياريّ فلسفيّ/ قانونيّ لمفهوم المواطنة مُحدّدين إياه بالاستقلال الفرديّ والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات – كل من لا تنطبق عليه تلك المعايير من دائرة المواطنة. إنه التحديد والتعريف الذي يحدّد ميدانه عبر علاقات الاختلاف والتغاير والتباين، وأحيانًا التضاد والتناقض فتتعيّن مساحته على حدود ما يقصيه ويستثنيه فيُصبح تعريف المواطنة بما عداها أي كأن يكون اللا مواطن هو الغريب أو العبد أو الحيوان.

مشاركة: