حوار مع نزار عيون السود

فادي كحلوس: بدلًا من البدء بالسؤال التقليدي حول بداية حكايتك مع الترجمة، نودّ أن نسألك عن علاقتك بالترجمة اليوم، كيف تصف لنا هذه العلاقة وكيف تطورتْ عبر السنين؟

نزار عيون السود: قبل تقاعدي، وخلال عملي في جامعة دمشق، في كليتَي التربية والآداب، وفي أثناء عملي في الجامعات العربية الأخرى (في السودان وسلطنة عمان)، كنت أمارس الترجمة في أوقات فراغي، خاصةً أثناء العطلات والإجازات. فقد بدأت بممارسة الترجمة، بصورةٍ منهجيةٍ كهواية مفضلة، منذ عام 1973، أي بعد تخرجي من الجامعة في روسيا، وحصولي على ماجستير في العلوم التربوية بسنتين، وقبل حصولي على شهادة الدكتوراه عام 1983. وصدر لي خلال هذه الفترة (10 سنوات) أكثر من عشرة كتبٍ، إضافة إلى العديد من المقالات المترجَمة التي نشرتها في الصحف والمجلات الأدبية والثقافية السورية والعربية. بعد إنهاء دراستي العليا وحصولي على شهادة الدكتوراه في العلوم النفسية، نشرت العديد من الكتب والمقالات المترجمة في المجلات والدوريات العربية. وبعد تقاعدي من الجامعة والتدريس الجامعي الأكاديمي ركزت على الترجمة، إضافة إلى عملي كمستشارٍ ثقافي في وزارة الثقافة (الهيئة العامة السورية للكتاب) لمدة 5 سنوات. وبعدها تفرغت للترجمة. وقد نشرت ما ينوف على خمسين كتابًا مترجمًا عن اللغة الروسية. وتجدر الإشارة هنا إلى دور الترجمة في مسار التثقيف الذاتي، وتنشيط المطالعة والقراءة، فعملية البحث عن كتبٍ للترجمة تدفع المترجم إلى الاطلاع الواسع على الكثير من الكتب وقراءة كثيرٍ من الأدبيات بمختلف أجناسها.

فادي كحلوس: ترجمتَ الأدب والفكر، فكيف تختلف ترجمة الأدب عن ترجمة الفكر؟

نزار عيون السود: الترجمة الأدبية تختلف عن الترجمة الفكرية اختلافًا كبيرًا، من حيث منهج الترجمة وطريقتها وأسلوبها. على المترجم في الترجمة الأدبية التقيّد بروح النص وجوّه النفسي والأدبي والأسلوبي، ومراعاة نفسية المؤلف/ الأديب بعيدًا عن الترجمة الحَرفية والتقيّد الحرفيّ بالنص. بينما في الترجمة الفكرية على المترجم مراعاة الدقة التامة في نقل النص الذي يترجمه، والأفكار والمصطلحات العلمية والفلسفية بأمانةٍ تامةٍ، وبلغةٍ عربيةٍ واضحةٍ ودقيقةٍ ومفهومةٍ للقارئ العربي. وإذا كانت التعابير الأدبية والشعبية والاستعارات والمجازات والأمثال والأقوال المأثورة والأسلوب والخيال والأفكار الكامنة خلفها تشكّل موضع الاهتمام الأكبر في الترجمة الأدبية، فإن المذاهب والمدارس الفكرية والعلمية، والمصطلحات العلمية والصيَغ والمفاهيم الفكرية والفلسفية والعلمية تشكّل الهمّ الأكبر في ترجمة الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية.

فادي كحلوس: ألَّفتَ عددًا كبيرًا من الكتب، فكيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

نزار عيون السود: العلاقة بين الكاتب والمترجم عندي هي علاقةٌ تفاعليةٌ تضامنيةٌ تشاركيةٌ. فثقافتي الأكاديمية والعامة في مجال العلوم الإنسانية، وتأليفي لمجموعةٍ من الكتب الجامعية الاختصاصية والفكرية (ببليوغرافيا، فلسفة، علم نفس، علم اجتماع بصورةٍ أساسية)، كانت لي خير معينٍ في عملي كمترجم، سواء للنصوص العلمية الفكرية أو للنصوص الأدبية. لأن النص الأدبي المعاصر مشحونٌ بالأفكار والقيم الفكرية والفلسفية والإنسانية، ولا بدّ من أن تتوافر لدى المترجم قاعدةٌ علميةٌ متينةٌ كي يتمكّن من أداء عمله كمترجمٍ أمينٍ للأعمال الأدبية (خير مثالٍ على ذلك أدب دوستويفسكي ورواياته ويومياته ومقالاته، وقد صدر لي كتابان كبيران عنه). أما في ترجمة المؤلفات والأعمال الفكرية فيتجلى بوضوحٍ الأثر الكبير الإيجابي للكاتب/ المؤلف ولثقافته وخلفيته العلمية والأكاديمية وأعماله ومؤلفاته على عمله في ترجمة الأعمال الفكرية، وتقدم له هذه الخلفية الثقافية والعلمية فائدةً جُلّى، ومساعدةً كبيرةً في أعمال الترجمة الفكرية والعلمية.

فادي كحلوس: ما معايير اختيارك للعمل الأدبي لترجمته إلى العربية؟

نزار عيون السود: ثمة معايير كثيرة، تتعلق بموضوع العمل الأدبي، ومضمونه ومدى انسجامه مع الذائقة العربية ومع القارئ العربي، إضافةً إلى الجوانب الفكرية والثقافية لهذا العمل. ويبقى المعيار الأهم أن يحوز هذا العمل على إعجابي وأن يروقني، كقارئٍ بادئ ذي بدء. لأنّ العمل في الترجمة عملٌ يحتاج إلى جهدٍ كبير، ومن غير الممكن أن يبذل المترجم هذا الجهد في عملٍ لا يجد متعةً ولذةً أدبيةً في قراءته ومن ثمّ ترجمته. وأن تتشكّل لدي قناعةٌ بأنّ هذا العمل الأدبي سيلقى قبولًا واستحسانًا وإعجابًا من القارئ العربي، وسيشكل إضافةً إلى الثقافة الأدبية العربية، ومساهمةً في إثراء المكتبة العربية.

فادي كحلوس: ما الأدوات التي يجب أن يمتلكها مترجم الأدب؟ وما المؤهلات التي يجب أن تتوافر لدى مترجم الأدب الروسي خاصةً؟

نزار عيون السود: لعل أهم هذه الأدوات هي معرفة المترجم الجيدة باللغتين، وقواعدهما وتراكيبهما وإتقانه لهما، اللغة التي يترجم منها وأساليب الكتابة والتعبير فيها، واللغة العربية التي يترجم إليها العمل الأدبي. إضافة بالطبع إلى ثقافته الأدبية الواسعة واطلاعه الكبير على الآداب العالمية. ومن بين الأدوات التي يحتاج إليها المترجم في عمله أيضًا إتقان التعامل مع المعاجم اللغوية والقواميس ومراجع البحث ومصادر المعلومات باللغتين. أما بالنسبة إلى مترجم الأدب الروسي، فلا بدّ للمترجم من أن يكون على اطلاعٍ جيدٍ على هذا الأدب والثقافة الروسية ومعرفةٍ جيدةٍ بالتاريخ الروسي، والمجتمع والشعب الروسي وعاداته وتقاليده وسيكولوجيته، وأن يكون قارئًا لهذا الأدب قبل أن يكون مترجمًا.

فادي كحلوس: حصلتَ على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي؟ كيف تلقيت نبأ فوزك بالجائزة؟ وكيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية؟

نزار عيون السود: شعرتُ بكثيرٍ من السعادة والرضا، بأن جهدي في الترجمة الذي استمرّ عدة عقودٍ، تخللها التعب والإرهاق، والنصب والاحتيال والحرمان من الحقوق، وخصم المكافآت والأجور، والوعود الزائفة من بعض دور النشر، لم يذهب هباءً وأن هناك من يقدّرها… جوائز الترجمة العربية أداةٌ مهمةٌ وضروريةٌ لدفع عمل المترجمين إلى الأمام وتطوير آفاق الترجمة، وخلق دافعٍ وحافزٍ لدى المترجمين للجودة والإبداع في عملهم وترجماتهم. ويجب الإكثار منها، وتعميمها في الأقطار العربية.

فادي كحلوس: ما النصائح التي يمكن أن توجهها للمترجم/ة المبتدئ/ة؟

نزار عيون السود: ثمة نصائح كثيرةٌ أوجّهها للمترجمين والمترجمات المبتدئين والمبتدئات، ويمكنني تلخيصها في النقاط التالية:

– تجنّب السرعة في عملك كمترجمٍ، وليكن شعارك الإتقان والجودة بدلًا من سرعة الإنجاز.

– قبل الشروع بترجمة أي عملٍ أو كتابٍ، اختره بعناية، واقرأه واستوعبه جيدًا، وفكّر مليًا بالقارئ العربي الذي سيقرأه مترجَمًا إلى اللغة العربية.

– لا تترجم الكتاب والعمل الذي لا يروق لك ولا تجد متعةً في ترجمته. وفي حال تكليفك من إحدى دور النشر العامة أو الخاصة بترجمة كتابٍ لا يروق لك ولا تجد متعةً في ترجمته، لقاء أجرٍ مجزٍ، لا بدّ من أن تقوم بما يشبه الموازنة بين الأجر الذي ستكسبه، والجهد الذي ستبذله في ترجمة هذا الكتاب، وإذا ما كنتَ قادرًا على ترجمته ترجمةً جيدةً أمينةً، وتقديمه للقارئ العربي- قبل دار النشر- بلغةٍ عربيةٍ سليمةٍ مناسبة.

– عند اختيارك لكتابٍ أو روايةٍ أو عملٍ أدبيٍّ للترجمة، عليك -بعد قراءته قراءةً متمعّنةً- أولًا الاطلاع بصورةٍ كافيةٍ على حياة كاتبه ومؤلفه، ومؤلفاته الأخرى، ونهجه الفكري وثقافته.

– قبل الشروع بترجمة عملٍ أدبيٍّ ما، تأكّدْ من مختلف مصادر المعلومات، أن هذا العمل لم يُترجَم من قبل إلى العربية، وإذا كان مترجمًا من قبل، ولا سيّما إذا كانت ترجمته الأولى جيدةً، فليس هناك من مبرّرٍ ثقافيٍ أو أخلاقيٍ لتكرار الترجمة، أو لنسب ما ترجمه غيرك لنفسك.

فادي كحلوس: هناك دعواتٌ إلى اتخاذ اللهجات العامية والمحكية لغةً للترجمة أيضًا؟ ما رأيك بهذه الدعوات؟ هل تصلح اللهجات المحكية للترجمة الأدبية أو الفكرية؟

نزار عيون السود: أنا أعارض اتخاذ اللهجات العامية والمحكية لغةً للترجمة بصورةٍ مبدئية. قد يضطر المترجم إلى استخدام كلمةٍ عاميةٍ أو محكيةٍ في سياق ترجمته للضرورة فقط. أما اعتماد هذه اللهجات لغةً للترجمة فهو أمرٌ غير مقبولٍ من جميع النواحي، لأنّ الكتاب أو العمل المترجم ليس موجَّهًا إلى قرّاء منطقةٍ أو بلدٍ بعينها، بل هو موجَّهٌ إلى جميع قرّاء اللغة العربية، بلهجاتهم العامية والمحكية المختلفة، الذين تجمعهم وتوحّدهم اللغة العربية السليمة بقواعدها وكلامها وخطابها.

  • فادي كحلوس

    مدير تنفيذي لمؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، من مواليد 1979، خريج كلية الإعلام بجامعة دمشق، ناشط سياسي واعلامي، من مؤسسي (تجمع أحرار دمشق وريفها للتغيير السلمي – لجان التنسيق المحلية – تجمع أحرار ثورة الكرامة) 2011، له عديد من المقالات والقراءات النقدية منشورة في عدد من الصحف المطبوعة والإلكترونية.

مشاركة: