تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها-الملخص التنفيذي

اللغة العربية؛ نبض الواقع وحركيّة التأسيس لمستقبل جديد

جاء “تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها”، ليكون أساسًا لمقاربة تحديات اللغة العربية بطريقة علمية تساعد على تطوير أساليب استخدامها وتعليمها وتمكينها كوسيلة للتواصل واكتساب المعرفة. وشارك في هذا التقرير أكثر من 75 شخصية، وتضمن فريق العمل باحثين وأساتذة جامعات من أنحاء العالم، وقادة مؤسسات إعلامية وتقنية محلية وعالمية، بإشراف وزارة الثقافة والشباب الإماراتية.

وهو أول تقرير بحثي يرصد حالة اللغة العربية في عدة محاور، وأُطلق ضمن فعاليات اليوم العالمي للغة العربية، في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ويمكن الحصول على نسخة كاملة من هذا التقرير عن طريق الموقع: www.mckd.gov.ae. وفي ما يأتي نعرض الملخص التنفيذي للتقرير:

  1. مقدمة

 في الأجزاء السابقة من هذا التقرير قمنا برصد واقع اللغة العربية في المحاور التي حددناها وعرضنا تصورات مستقبلية تعكس آمالنا وتطلعاتنا كباحثيـن معنييـن بواقـع العربيّة ومسـتقبلها، وقمنـا برفـد هـذا كله بـرؤى الكتّـاب الضيـوف، وبنمـاذج للجهـود الهادفـة إلـى صناعـة المسـتقبل عبـر دراسـات الحـالات التـي قدمناهـا. وهـذه المحطة الأخيـرة مـن التقريـر نريدهـا أن تكـون مسـاحة للتأمل نتوقـف فيهـا عنـد عـدد مـن الأسـئلة “الوجودية” التـي لاشـك أنها كانت مرتسـمة فـي الأذهـان حيـن انبثقـت فكـرة إعـداد التقريـر، والتـي انعكسـت ملامحهـا بأشـكال مختلفة في ثنايا محاوره المختلفة: هل اللغة العربية في خطر؟ هل هي قادرة على التصدي لتحديات العولمة اللغوية والثقافية واستيعاب تحدياتها التكنولوجية؟ هـل هـي مؤهلـة لمواكبـة الحداثـة بمختلـف تجلياتهـا والتعبيـر عـن إيقاعاتهـا؟ وأي علاقة تربـط الأجيـال الجديـدة مـن الشـابات والشـبان بها فـي مختلف أنحـاء العالـم العربـي؟ ومـا شـكل المسـتقبل الـذي ينتظرهـا؟ وكيـف السـبيل لبلوغ هـذا المسـتقبل؟

 قبـل أن نسـعى للإجابـة عـن هـذه الاسـئلة فـي الصفحـات التاليـة، ثمـة ملاحظـات منهجية نـود التوقـف عندهـا بغيـة توضيـح الإطـار الـذي سـتجري المناقشـة ضمنه:

أولًا: أننـا، فـي توصيفنـا وتقييمنـا لحالـة اللغـة العربية وتوجهاتهـا المسـتقبلية، ننطلـق مـن الواقـع الحقيقي الـذي تعيشـه اللغة ومـن الاسـتخدامات الحقيقيـة التي تتجسـد فيهـا والتـي رصدناهـا وعايناهـا وحللناهـا واختبرناهـا بتجلياتهـا المختلفـة فـي محـاور هـذا التقريـر، لا مـن واقـع مثالـي “متخيل” مرتسـم فـي الأذهـان نـود لـو كان موجـودًا فـي الحقيقـة.

ثانيًـا: أننـا، حيـن نناقـش حالـة “اللغـة العربيّة” ومسـتقبلها، فنحـن لا نركـز علـى مستوى واحد بعينه من اللغة بل نلامس اللغة بكل مستوياتها وتنوعاتها وأطيافهـا التـي تكتنـف كل جانـب مـن جوانـب حياتنـا اليومية والثقافية والتربويـة والإعلامية والأدبية؛ هـي اللغـة العربيّة بكلّيتهـا كمـا نعيشـها ونمارسـها ونفكـر بهـا، وهـي التـي رأيناهـا ماثلـة أمامنـا فـي عمليـة الرصـد التـي قمنـا بهـا.

ثالثـًا: أننـا، فـي سـعينا لوصـف الواقـع الحالـي للغة العربيّة وطـرح رؤى مسـتقبلية، ندرك تمامًا أن أي وصـف نقدمـه يبقـى قاصـرًا عـن الإحاطـة بـكل أبعـاد الواقـع وتفاصيله، وأن أي محاولـة للتعميـم فـي وصـف هذا الواقع أو استشـراف المسـتقبل تبقـى مجتـزأة وغيـر دقيقـة فـي التعبيـر عـن السـياقات والبيئـات المختلفـة التـي تنشـط فيهـا العربيّة وعـن التنـوع والتعـدد الـذي يكتنـف هـذه السـياقات والبيئـات.

فـي الصفحـات التاليـة سنسـعى إلـى عـرض تقييـم للواقـع الحالـي للغة العربيـة فـي ضـوء الرصـد الـذي قمنـا بـه فـي محـاور التقريـر المختلفـة، وسنتوسـل لذلـك أولًا بعـرض مؤشِّرات النبـض والحيوية في هذا الواقع في كل من المحاور، ثم بتحديد مواطن التحديات التي تواجه اللغة العربية فيها، ونتبع ذلك بتقديم إطار عام نقترح الانطلاق منه للتأسيس لمستقبل جديد للغة العربية، ثم نضيء على عدد من الاقتراحات المستقبلية التي تم طرحها في المحاور المختلفة والتي تمثل لبنات يتأسس عليها هذا المستقبل.

  • مؤشرات النبض والحيوية في الواقع الحالي للعربية

انطلاقًا مـن المعطيـات التـي تحصلـت لدينـا نتيجـة الأبحـاث المتضمنـة فـي هـذا التقرير، يمكننا القول إن اللغة العربية اليوم لغة قوية حية ونابضة تمثل الأداة الحاضنة للتواصل والتعبير والإبداع لدى أعداد كبيرة من الناس تشمل الناطقيـن بهـا وبغيرهـا مـن اللغـات. وهـي تقـف علـى أرض صلبـة وتمتلـك الكثيـر مـن مقومـات الاسـتمرار والنمـو والتطور والقـدرة علـى مواجهـة التحديـات التـي تواجههـا وتواجـه غيرهـا مـن لغـات العالـم فـي خضـم عالـم دائـم التغيـر والتحـول. ونسـتدل علـى حركية النمـو والتطور التـي تشـهدها اللغـة العربيـة اليـوم بالعديد مـن المؤشِّرات والملامـح التـي تبـدت لنـا مـن خـلال المحـاور التـي قمنا بدراسـتها والتـي نعـرض للبعـض منهـا فيمـا يلـي:

  • في مجال القوانين والتشريعات والمبادرات
  • تزايد الاهتمام بتمكين اللغة العربية في مجتمعاتها عبر مجموعة من القوانين والتشريعات التي تم سنها في بعض الدول العربية في العقد الأخير، وعبر إنشاء مؤسسات تهدف إلى ترسيخ دعائم اللغة في هذه الدول ومجتمعاتها.
  • ·                     ظهـور عـدد مـن المبـادرات علـى المسـتويين الحكومـي والخـاص تعكـس تنامي الاهتمام باللغة العربية والعمل على تفعيل وجودها في كافة مناحي الحيـاة. ونخـص بالذكـر هنـا المبـادرات اللغوية فـي القطـاع التكنولوجـي التـي يعمـل بعضهـا علـى الجانـب التعليمـي والتأصيـل العلمـي والأكاديمـي للغـة العربية، وبعضها الآخر على تطوير حوسبة اللغة العربية، وإغناء المحتوى العربـي فـي الشـبكة العالمية، وتعزيـز اسـتعمال اللغـة العربيـة فـي شـبكات الاتصـال والتواصـل.
  • إنشـاء الجوائـز التـي تهـدف إلـى مكافأة الإبـداع باللغـة العربيـة بمختلف أشـكاله آدابًا وفنونًا، وترجمـات، ودراسـات علميـة. وقـد أسـهمت هـذه الجوائـز فـي دعم الجهود الهادفة إلى تطوير اللغة العربية بشكل عام، وإلى إنعاش الإنتاج اللغـوي بشـكل خـاص والدفـع بـه إلـى فضـاءات جديـدة مـن التوزيـع والانتشـار.
  • في مجال الإعلام والفضاء المكاني العام
  • الطفـرة الكبيـرة التـي تشـهدها وسـائل الإعلام فـي البرامـج الإخبارية والحواريـة والترفيهية ذات المحتـوى العربـي، والتـي تعكـس إقبـال النـاس عليهـا وتؤشـر لنبـض قـوي للعربيـة فـي حيـاة المجتمعـات الحاضنـة لهـا.
  • الانتشار الواسع عبر الفضائيات ووسائل التقنية الحديثة والإعلام الرقمي، لهـذه البرامـج فـي مختلـف أنحـاء العالـم العربـي وفـي بلاد المهجـر حيـث توجـد جاليـات عربية كثيـرة، مما يرسخ الـدور الـذي تلعبـه العربيـة كرابـط فاعـل بيـن الناطقيـن بالعربية حيثمـا وجـدوا.
  • الحيوية الفائقة التي تظهرها العربية في الفضاء الإعلامي الذي يتنامى دوره كحاضنـة بالغـة الأهمية لّلغـة. وإذا كان الإعلام المكتـوب قـد أسـهم فـي تشـكيل العربيـة المعاصـرة فـي أواخـر القـرن التاسـع عشـر وبدايـات القرن العشـرين، فإن الإعلام الآن، مرئيًا ومقروءًا، ما زال يسـهم في الأمر نفسـه ويوفر للعربية فضاء للنمو والتطور، ويجسد، في الآن نفسه، صورة التعايش الصحي والواقعي بيـن المسـتويات المختلفـة للغة العربيـة.
  • سن عدد من القوانين الهادفة لتعزيز وجود العربية في الفضاء المكاني العام في عدد من البلدان العربية والحد من الاستئثار المتزايد للغات الأجنبية في هذا الفضاء.
  • في مجال النشر والرواية
  • النمـو الملحـوظ فـي منصات النشـر الرقمية باللغـة العربيّة، والتزايـد المطـرد في أعداد الكتب الرقمية المنشورة فيها، وكذلك أعداد المستخدمين المسجلين فيها.
  • ظهور نوع جديد من المنصات الإلكترونية المتخصصة بنشر الروايات الالكترونية بالعربيّة علـى موقعهـا، والتـي تجتـذب الكثيـر مـن الكتـّاب الشـباب الذين ما زالوا في بدايات مشوارهم الروائي حيث يجدون فيها الملجأ والبديـل عـن دور النشـر الورقيـة. واللافت هنـا هـو الإقبـال الكثيـف علـى هـذه المنصات، مما يجعلهـا تسـاهم بخلـق زاويـة ثقافية تفاعلية باللغـة العربيـة بين الشباب وتفتح فضاءات جديدة للأعمال الإبداعية بالعربية.
  • التزايد الكبير في معارض الكتب العربية التي تقام سنويًا في العواصم العربية، وما يرافقها من فعاليات ثقافية باللغة العربية تجتذب قطاعات واسعة من الجمهور العربي.

 2.4 في مجال التكنولوجيا

احتـلت العربيّة المركـز الرابـع بيـن أكثـر اللغـات العالميـة اسـتخدامًا علـى شـبكة الانترنـت، وتميزهـا بكونهـا واحـدة مـن اللغـات الأسـرع نمـوًا فيهـا.

  • تحقيق قفزات نوعية في عديد من الفضاءات التكنولوجية تمثلت في التقدم الذي حققته لغات البرمجة العربية، وظهور الكثير من التطبيقات باللغـة العربيّة، وتمكـن العربية مـن شـق طريـق لهـا إلـى كثيـر مـن تطبيقـات الذكاء الاصطناعي.
  • النمـو المتزايـد فـي اسـتخدام اللغـة العربيّة فـي شـبكات التواصـل الاجتماعـي بشـكل عـام، ومـا يوفـره ذلـك مـن حركية حيوية للغـة تفتـح لهـا نطاقـات جديدة للتواصـل، تسـهم فـي توسـيع دوائـر اسـتخدام مفرداتهـا ومصطلحاتهـا وتراكيبهـا.

2.5 في مجال الترجمة

تنامـي الاهتمـام بالترجمـة إلـى اللغـة العربيّة الـذي يتجسـد فـي تزايـد أعـداد مشـاريع الترجمـة في مختلـف المجـالات العلمية والأدبية والدينية والثقافية، وفـي نمـو حركـة نشـر الكتـب المترجمـة.

  • تنامـي الاهتمـام بالترجمـة إلـى اللغـة العربيّة الـذي يتجسـد فـي تزايد أعداد مشـاريع الترجمـة فـي مختلـف المجـالات العلمية والأدبية والدينية والثقافية، وفـي نمـو حركـة نشـر الكتـب المترجمة.
  • بـروز مؤسسـات ومنظمـات جديـدة راعيـة للترجمـة خاصة فـي دول الخليـج العربـي، وتوفير تمويل لها ساعد على تفعيل النشاط الترجمي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
  • التزايد الكبير في نشاط المؤتمرات الترجمية العربية التي تعقد دوريًا أنحاء كثيرة ومختلفة من العالم العربي، وتوفر منصة مهمة لتبادل التجارب والخبـرات ومناقشـة المسـتجدات وتطويـر مهـارات المترجميـن، وتسـهم بذلـك فـي إثراء ميدان الترجمة ببعديه التنظيري والعملي.
  • في مجال البحث العلمي وتعريب العلوم
  • الانتشـار المتزايـد لقواعـد المعلومـات الإلكترونيـة التـي بـدأت منـذ سـنوات قليلـة تنفتح على توفير الأبحاث العلمية العربية المنجزة بالعربية وبغيرها، بالإضافة إلـى الحاويـات العلمية علـى مسـتوى بعـض الجامعـات العربيّة، والتـي توفـر الأطاريح والرسـائل العلمية بالعمـوم ومنهـا مـا هـو منجـز بالعربيـة.
  • ظهور معامل التأثير ”أرسيف“ الذي تبنته قاعدة ”معرفة“ في محاولة لبناء معيار علمي لتقييم البحث العلمي العربي بالعربية، يتوافق مع المعايير العالمية، ويعمـل علـى إعـادة الاعتبـار للأهمّية العلمية للإنتـاج العلمـي العربـي المنشـور باللغـة العربيّة، وتخليصـه مـن حالـة التهميـش والدونية التـي وضـع فيهـا.
  • ظهـور عـدد مـن المبـادرات الهادفـة إلـى تشـجيع تعريب العلـوم وتوفيـر مـادة علمية باللغـة العربيّة، ومـن هـذه المبـادرات ”مرصـد المسـتقبل“ في دولـة الإمـارات العربية الذي يعنى بنشر الدراسات والمواد المرئية والبيانات في مختلف المجالات العلمية بلغـة عربية مبسـطة، وكذلـك الترجمـات العربيـة لمجلات عالميـة تعنـى بالعلـوم والاقتصـاد كـ ”العلـوم للعمـوم“ و“ناشـيونال جيوجرافيـك“ و“هارفـارد بزنـس ريڤ يو“ التي تصدر في دولة الإمارات وتهدف إلى توفير محتوى علمي للجمهـور باللغـة العربيّة مشـرّعة بذلـك آفاقًا جديـدة لتطويـر المصطلحـات العلميـة بالعربيـة.
  • الاستعداد الذي عبرت عنه نسبة معتبرة من الباحثين العلميين العرب في اسـتبانة قمنـا بإجرائهـا ضمـن هـذا المحـور بقدرتهـم علـى الإنجـاز العلمـي بالعربيـة إذا ما توفرت لهم وسائل التشجيع، والتي منها توفير قنوات نشر بالعربية  يمكـن اعتمادهـا فـي التصنيـف الدولـي. ويلحـق بذلـك مـا أعـرب عنـه طلبـة العلـوم فـي بعـض الجامعـات العربيّة مـن رغبتهـم فـي التعلم بالعربيـة واقتناعهـم بضـرورة ذلك خدمة لمجتمعاتهم بلغتها.

2.7 في مجال مواقف الشباب الجامعيين واعتقاداتهم حول اللغة العربية

  • الإيمـان الراسـخ الـذي تجلى لـدى  شـرائح واسـعة مـن الشـباب الجامعييـن فـي العالـم العربـي بـأن العربيّة هـي أسـاس هويتهم الوطنية والدينية والعربيّة، وبأنهـا ضرورية فـي حياتهـم، وبـأن لديهـم رغبـة فـي اسـتخدامها بشـكل أكبـر فـي حياتهـم وفـي تعليمهـا لأولادهـم، مما ينـم عـن عمـق العلاقة بيـن هؤلاء الشـباب ولغتهـم.
  • الإحسـاس الواثـق الـذي عبـرت عنـه غالبية هؤلاء الشـباب بـأن اللغـة العربيـة باقيـة وأنهـا ليسـت فـي طريقهـا إلـى الـزوال.
  • الوجـود الملحـوظ للغة العربيّة فـي جوانـب مختلفـة مـن الحيـاة الشـخصية لمعظـم هؤلاء الشباب: من الكلام مع الأهل والأصدقاء والزملاء في الجامعة، إلى القراءة والاستماع إلى البرامج التلفزيونية والأغاني، إلى التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
  • الاعتقاد القوي الذي أعربت عنه غالبيتهم بأن العربية قادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة وعلى أن تكون لغة لتدريس العلوم والرياضيات في المناهج المدرسية والجامعية.
  • في مجال المقاربات الحديثة لتطوير مناهج العربية
  • ظهور مبادرات لتطوير مناهج تدريس العربية في كافة مراحل التعليم العام تقـوم علـى توظيـف المبـادئ والمقاربـات الحديثـة فـي التعليـم والتعلـم كالمعاييـر والكفايات والتواصل ومخرجات التعلم، وتوليفها بما يتلاءم مع طبيعة اللغة وموضوعاتهـا، ويربطهـا بالحيـاة وبالتنميـة المسـتدامة التـي يتجـه قطـاع التعليـم إلـى تكريسـها فـي مناهجـه.
  • تنامي الاهتمام في هذه المقاربات الجديدة بالمتعلمين الذين ترى فيهم المحور الأساسي في العملية التعليمية، والتركيز على تطوير استراتيجيات التعلم لديهم واستخدام الوسائل والطرائق والتقنيات الحديثة والمناسبة لهذه الاستراتيجيات.
  • الاهتمـام المتزايـد، ضمـن هـذه المبـادرات الجديـدة، بإعـداد معلمـي اللغـة العربيـة وتدريبهـم وفـق أحـدث النظريات التربوية والتوجهـات والممارسـات الحديثـة والمعايير الدولية فـي تعليـم اللغـات العالمية، سعيًا لخلـق بيئـة تعلّميـة داخل فصـول اللغة العربيّة تحفز المتعلِّمين علـى التعلم وتحببهـم باللغـة.

2.9 في مجال تعلم العربية في العوالم الجديدة

  • الإقبال الكبير على تعلم اللغة العربية في العوالم الجديدة من بنات وأبناء الجاليـات العربيّة فـي المهاجـر، وكذلـك مـن المتعلِّمين مـن غيـر الناطقيـن بالعربية، الذين تحفزهم لذلك أسباب عدة سياسية ومهنية ودينية واقتصادية، والرغبة القوية التـي يظهرهـا كل هؤلاء فـي التعـرف إلـى الثقافـات والمجتمعـات العربيـة التـي ترتبـط اللغـة بهـا وتشـكل مدخـلًا إليهـا.
  • تزايـد الاهتمـام لـدى أعـداد كبيـرة مـن متعلمـي العربيّة فـي العوالـم الجديـدة وخاصة فـي أوروبا والولايـات المتحـدة ببرامـج الانغمـاس اللغـوي والتبـادل الثقافـي القائمة في عدد من البلدان العربية والتـي تمثل جسـورًا للتواصـل بيـن الثقافـات العربيـة وثقافات هؤلاء المتعلمين.
  • الارتفـاع الملحـوظ فـي أعـداد متعلمـي العربيـة مـن غيـر الناطقيـن بهـا فـي بلـدان متعـددة، الذيـن اسـتطاعوا بلـوغ مسـتويات عاليـة مـن الكفـاءة فـي اللغـة العربيـة أتاحت لبعضهم فرص الانخراط في ميدان تدريس العربية كلغة أجنبية، مما يثبـت أن تعلم العربيّة ممكـن وفـي متنـاول كل مـن يمتلـك الحافـز للتعلم، وأن تعليم اللغة ليس حكرًا على الناطقين بها.
  • مكامن التحدي في واقع العربية اليوم

 على الرغم من مؤشرات النبض والحيوية التي أشرنا إليها في القسم السابق والتـي تشـي بالتطور الـذي حققتـه العربيـة فـي عديـد مـن المجـالات، فـلا بـد لنـا مـن الاعتـراف بـأن واقـع العربيّة اليـوم يبقـى واقعًـا غيـر متـوازن، وبـأن مظاهـر الحيويـة التـي يشهدها في بعض جنباته لا يمكنها أن تصرف أنظارنا عن التحديات التي تواجهها العربيـة ضمـن هـذه الجنبـات نفسـها، وعـن مظاهـر الضمـور التـي تعتـري بعضهـا، والتـي تحد من قدرة العربية على تأدية دورها الكامل في المجتمعات العربية وعلى التنافـس بفعالية فـي السـوق العالمـي للغات. وفيمـا يلـي نوجـز أبـرز هـذه التحديـات كمـا اسـتخلصتها محـاور التقريـر:

  • في مجال القوانين والتشريعات والمبادرات
  • افتقـار غالبية الـدول العربيّة إلـى سياسـات لغوية واضحـة تحدد فلسـفة الدولـة تجاه اللغـة أو اللغـات التـي يسـتعملها أبنـاء القطـر الواحـد، وتحكم الجهـود التشـريعية ذات الصلـة بحمايـة اللغـة العربية. ومـا نـراه اليـوم، فـي الغالـب، لا يعـدو كونـه نصوصـًا عامة متفرقـة لا يجمعهـا خيـط ناظـم أو رؤيـة واضحـة.
  • ضعـف مواكبـة الجهـود التشـريعية اللغوية مما يشـهده العالم مـن تحولات سياسـية وثقافية وتقنية واتصالية متسـارعة، ومـا تفرضـه كل هـذه المسـتجدات مـن واقـع جديـد يلقـي بظلالـه علـى مسـتقبل اللغـة العربيّة. فالكثيـر مـن التشـريعات اللغويـة التي تحتكم إليها الدول العربية في عصرنا الحالي يعود إصدارها إلى سنوات سـابقة للعشـرية المنصرمـة، حتـى إن بعضهـا قـد صدر فـي أربعينيـات القـرن الماضي. وإذا مـا نظرنـا إلـى التشـريعات اللغويـة الحديثـة التـي صـدرت خـلال السـنوات العشـر الماضيـة نلاحظ أنهـا لـم تواكـب الثـورات التقنيـة الحديثـة؛ فلا ـنجـد قوانيـن تنظـم الاستعمال اللغوي في الأنماط الاتصاليّة الرقمية التي فرضتها مستحدثات العصـر، أو قوانيـن تنظم عمـل الاتصـال الجماهيـري، كالمنصات الإعلامية الإلكترونيـة، ومواقـع المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة، وغيـر ذلـك مـن أشـكال الاتصال القائمـة علـى النشـاط اللغـوي.
  • انحسـار الـدور المحـوري الملقـى علـى عاتـق مجامـع اللغـة العربيـة نتيجـة لأسـباب عـدة؛ يأتـي فـي مقدمتهـا غيـاب التنسـيق بيـن هـذه المجامـع وبيـن مراكـز الأبحـاث والعلوم في مختلف الميادين العلمية والاجتماعية، وانكفاء المجامع على ذاتها، مغردة بعيدًا عن سرب المراكز العلمية والمؤسسات البحثية. والنتيجة غياب للتكاملية المتوخاة لدخول اللغة العربية في مختبرات العلم والتقانة المتجددة. كمـا أن جـزءًا مـن المشـكلة يعـود إلـى عـدم إلزامية القـرارات المعجميـة، فليـس لهـا صفـة قانونية توجـب علـى غيرهـا مـن المؤسسات والأجهـزة الحكوميـة والخاصة الالتـزام بقراراتهـا اللغوية، وهـو مـا يجعـل قراراتهـا اللغويـة غيـر فاعلـة علـى الصعيـد الرسـمي. ومـن جانـب آخـر، لا يُخفـى علـى أي متابـع غيـاب غالبيـة المجامـع اللغوية عـن التواصـل الفعّال مـع المجتمـع الخارجـي، وغيـاب بعضهـا شـبه التـام عـن التواصل المؤثر في شـبكات الانترنـت.
  • غياب البعد التخطيطي ومحدودية التنسيق بين مؤسّسات العمل العربي المشـترك فـي خدمـة اللغـة العربيّة، إذ لا نجـد مشـروعات لصياغـة سياسـات لغويـة مشـتركة، أو قيـادة للتغييـر فـي واقـع اللغـة فـي أرجـاء الوطـن العربـي، وإن وجـدت بعض المؤتمرات والوثائق الرامية إلى تحقيق هذا الهدف، فإنها غالبًا لا تتسم بصفة المواثيق التي تستوجب مسؤولية الالتزام المشترك، وإنما هي مجرد نبرات خطابية لا تكاد تظهر حتى تخبو وتتالشى.
  • في مجال استخدامات العربيّة في الإعلام والفضاء المكاني العام
  • ضعـف القـدرة علـى الارتجـال بالمسـتوى الرسـمي مـن العربيـة والاسـتمرار فيـه لـدى العديـد مـن الإعلامييـن فـي كثيـر مـن البرامـج الحواريـة. والارتجـال هنـا يعنـي التواصل والتحـاور بالعربيـة الفصحـى بـدون إعـداد مسـبق لمـا سـيقوله المذيعـون دون القـراءة مـن ورقـة أو مـن شاشـة.
  • قيـام بعـض المذيعيـن فـي النشـرات الإخبارية أحيانًـا بنطـق الخبـر بإعـراب غيـر منضبط،  علـى الرغـم مـن أن هـذه الأخبـار مكتوبـة لهـم بشـكل مشـكول منضبط.
  • عـدم الالتـزام بالسـلامة اللغوية وانتشـار الأخطـاء الطباعيـة فـي بعـض منابـر الإعلام العربـي المقـروء، إضافـة إلـى وجـود إعلانات كاملـة منشـورة بلغـات أجنبية دون أي ترجمـة للعربية. ووجـود هـذه اللغـات الأجنبية فـي إعلانات بصحيفـة أو مجلة عربيـة في غياب العربية يثير تساؤلات ويطرح جدليات تبث القلق على العربية في عقـر دارهـا.
  • تراجـع حضـور العربيّة فـي الفضـاء المكانـي العـام فـي بعـض المناطـق فـي العالـم العربي بشكل يثير التحفظ والقلق، إذ نلاحظ في هذا الفضاء وجود إعلانات وقوائم طعام وأسماء بعض المحال بلغات أجنبية دون أي حضور للعربية، وهذا فـي الحقيقـة أمـر يبـدو غريبًا حيـن ننظـر إلـى فضـاء مـن المفتـرض أنـه عربـي الهويـة فنجده مكتسيًا بلافتات وبقوائم كاملة باللغات الأجنبية إلى درجة توحي بالقلـق علـى تراجـع الحيـز الـذي مـن المفتـرض أن تسـتحوذ عليـه العربيـة فـي الفضـاء المكاني العام.

3.3 في مجال النشر

  • النقص الكبير في الرصد المتخصص والإحصاءات والبيانات التي تقوم على منهجية علمية، والتـي يمكـن أن تعطـي صـورة واضحـة وموثوقـة عمـا يجـري فـي واقع النشر العربي. فهناك غياب شبه تام لمثل هذه المعطيات والمؤشرات التي تخبرنا عن أعداد وعناوين الكتب المنشورة في كل سنة وفي كل بلد عربي، وعن مجالات هذه العناوين، وعن النسب الجندرية لكتّابها، وسوى ذلك من المعلومات الضرورية التي تنبئنا بمكامن القوة والضعف في هذا المجال.
  • الرقابة التي تفرض أحيانًا على بعض الكتب والمنشورات في العالم العربي، والتي ينجم عنها منع أعداد كبيرة من الكتب من المشاركة في معارض الكتب في كثير من الدول العربية، مما ينعكـس سـلبًا علـى الإبـداع الفكـري في الوطـن العربـي. والمنـع، فـي كثيـر مـن الأحيان، لا يكـون قائمًا علـى معاييـر شـفافة وأسباب مقنعة تبرره ولا يكون مستندًا إلى معايير موحدة في كل معارض الكتب العربية.
  • تفشي مشـكلة القرصنـة وتزويـر الكتـب دون رادع أو احتـرام لحقـوق الملكية الفكريـة وامتدادها في السنوات الأخيرة إلى الفضاء الرقمي، إذ نلحظ انتشارًا واسعًا للقرصنة الإلكترونية. والقصور هنا لا يكمن في غياب القوانين التي تحمي الحقوق، فهي موجودة في كل الدول العربية، ولكن المشكلة هي في عدم تفعيل هذه القوانين وتطبيقها بشكل صارم، وفي نقص الوعي لدى الكثيرين في العالم العربي بأهمّية احترام حقوق الملكية الفكرية.
  • ضعف النشر الإلكتروني العربي الذي يمكن رده إلى ضعف الاستثمار فيه، وسـهولة قرصنـة الكتـب ونشـرها علـى شـبكة الانترنـت دون الخـوف مـن المحاسـبة، وعدم وجود قوانين عربية مشتركة ناظمة لعملية نشر الكتب إلكترونيًا، من حيث الإخراج الفنيِ والجودة، ومن حيث التوزيع، ومن حيث ملاحقة المقرصنين.
  • افتقار المكتبة العربية إلى كتب الأطفال والناشئة مصّممة وفق المعايير العالمية، وتقدم محتوى هادفًا بطريقة حيوية وبلغة عربية مرنة وحديثة ورسومات جذابة تشد انتباه القرّاء الصغار وتعزز تفاعلهم مع هذا المحتوى.

3.4 في مجال التكنولوجيا

  • ضآلـة المحتـوى الرقمـي العربـي بالمقارنـة إلـى عـدد المسـتخدمين لشـبكة الانترنت فـي العالـم العربـي، والافتقـار إلـى بنـى مؤسسـاتية منظمة تقـوم برصـد نمـو هذا المحتوى وتتابع مواكبته للتحديثات التقنية، وتفرض القوانين والأنظمة التي مـن شـأنها أن تدعـم مـزودي المحتـوى العربـي وخاصة فـي مـا يتصـل بضبـط حقـوق النشـر والملكية الفكريـة.
  • ضعـف القـدرات الحالية فـي حوسـبة العربيّة، وقلـة عـدد البحـوث والدراسـات التـي تدعـم تمكيـن العربيـة فـي هـذا المجـال، وافتقـار جهـود الحوسـبة إلـى وجـود هيئـات خاصة بحوسـبة اللغـة العربيـة فضـلًا عـن ضعـف الاسـتثمار فـي تمويـل المشـروعات البادئـة والصغيـرة ودعـم البحـوث والدراسـات فـي هـذا الميـدان.
  • ضعف حصيلة المكانز/المتون اللغوية العربية المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعـي، إذ مـا زال بعضهـا بحاجـة إلـى نظـم ذكيـة لاسـترجاع المعلومـات وفرزهـا، وتخزينهـا بأحجـام هائلـة، عـلاوة علـى محدوديـة الكفـاءات القـادرة علـى تزويـد تلـك المتـون بتقنيات الـذكاء الاصطناعـي.
  • محدودية النشاط البحثي العربي الرامي إلى تمكين العربية تقنيًا، فالكم البحثي المتصل باللغة العربية وانتشارها التقني يبدو قليلًا نسبيًا. والنشاط البحثي في مجال النشر حول معالجة اللغة العربية وتمكينها في البنى التحتية والهيكلية لفـروع التقنية مـا زال، بشـكل عـام، قاصـرًا عـن مواكبـة سـرعة التطور التقني عالميًا.
  • التأخر في تأسيس أجيال عربية مدربة في مجال التكنولوجيا، إذ إن دخول أي مجتمع إلى منظومة التطور التكنولوجي عملية تتطلب الكثير من الوقت، وتسـتلزم تأسـيس أجيـال جديـدة علـى درجـة عاليـة مـن التمكـن فـي كافـة نواحـي التكنولوجيـا. ولكننـا نلاحظ أن مـا تقدمـه معظـم المـدارس الابتدائيـة فـي البلـدان العربيّة مـا زال يتمحـور حـول أساسـيات الحاسـوب الآلـي التـي يمتـد تعليمهـا لسـت سنوات على الرغم من هيمنة الاستخدام المتنوع للتكنولوجيا في مناحي الحياة المختلفة ووجود أجيال قادرة على المواكبة السريعة للتقنيات الحديثة.

3.5 في مجال الترجمة والمصطلح

الافتقـار إلـى اسـتراتيجية عربية واضحـة للترجمـة، ومثـل هـذه الاسـتراتيجية لا يمكـن أن تتحقـق مـن دون ربطهـا باسـتراتيجيات اقتصادية وثقافية عامـة، ودون الحديـث عـن سياسـات للنشـر. وهـذه الأطـر كلهـا تتكاتـل، للأسف، فـي إطـار ثقافـة عامة لا تشـجع علـى الابتـكار وفـي ظـل فقـر مدقـع فـي القـراءة.

  • قلة البيانـات والإحصائيات الرسـمية الدقيقـة والمنتظمـة والراصـدة لحركـة الترجمـة من حيث الإنتاج الكمي وتوزعه على المجالات الأدبية والمعرفية المتنوعة. والسبب في ذلك يعود إلى إنتاج الترجمة نفسه الذي تقوم غالبيته على مبادرات فردية لمترجمين أو لدور نشر تتحكم نوعًا وكمًا فيما ينشر. وهذا الغياب يرتبط بفوضى الجهد الترجمي الـذي لا ينتظـم تحـت جهـد مؤسسـي مخطط له وواضح الأهداف والاستراتيجيات.
  • الافتقـار إلـى مرجـع مؤسسـي موحـد يعمـل علـى التنظيـم والتوزيـع والتنسـيق بيـن المترجمين أفرادًا ومؤسّسات ومشاريع. وهذا الافتقار يؤدي إلى تشرذم واضح من حيث الجهود التي غالبا ما تفتقر إلى تخطيط دقيق يوازن بين الحاجات والانتـاج، ومـن حيـث المنتج الاصطلاحـي الـذي تنعكـس تعدديته سلبًا على الصناعة الترجمية والذي يشكل تحديًا حقيقيًا أمـام المترجـم والقـارئ علـى حـد سـواء.
  • غياب اللغة العربية، بشكل كبير، عن تعليم العلوم البحتة والتطبيقية في الجامعـات العربيّة، مما أدى إلـى إبطـاء عملية نقـل المصطلحـات الأجنبيـة في هذه المجالات إلى العربية وإدماجها فيها وكذلك اتساع الفجوة بين حركة الإنتاج المصطلحـي فـي الترجمـة وبيـن العلـوم البحتـة فـي العالـم العربـي بسـبب الوتيـرة السـريعة التـي تشـهدها المصطلحـات العلمية والتقنية بدرجـة يتعسـر معهـا علـى المترجميـن نقـل هـذه المصطلحـات إلـى العربيـة بالسـرعة نفسـها.
  • محدودية المعاجم المتخصصة التي تواكب المصطلحـات المستحدثة في المجـالات المعرفية المذكـورة، وهـو مـا يـؤدي إلـى غيـاب المقابـل العربـي للكثيـر من المصطلحـات العلمية الأجنبية.

3.6 في مجال البحث والنشر العلمي باللغة العربية

  • غيـاب التوجـه العلمـي نحـو الإنتـاج باللغـة العربيّة فـي المجتمعـات العربيـة، وهـو واقـع نجـم عـن أزمـة معقـدة صنعهـا الوضـع المعرفـي المتدنـي، وعـزوف المتعلمين عـن المجـالات العلمية، وعزوفهـم عـن التعامـل العلمـي باللغـة العربيـة فـي هـذه المجـالات.
  • توقـف المجتمعـات العربيـة، علـى الرغـم مـن تزايـد نشـاطات الترجمـة، عنـد مرحلـة نقـل المعرفـة دون تمكنهـا مـن التقـدم بشـكل فاعـل نحـو مرحلـة إنتـاج المعرفـة أو تدويرهـا.
  • عـزوف كثيـر مـن الباحثيـن عـن النشـر بالعربيـة فـي المجـلات العربيّة لعـدة أسـباب منها ما يعود إلى (أ) النظرة الدونية التي تسود المجتمع العربي عمومًا والأكاديمـي خصوصًا تجـاه اللغـة العربيـة (ب) المؤسسات الجامعية والبحثيـة التـي تشـترط للترقيـة أن ينشـر الباحـث بالأجنبيـة فـي مجـلات أجنبيـة سـعيًا وراء موقـع ّجيـد لهـا فـي الترتيـب العالمـي (ج) أوعيـة النشـر العربيـة نفسـها مـن حيـث افتقادها للتصنيف العالمي أو ضعف مستواها أو عدم مواكبتها للتطورات العلمية (د) ندرة المصادر المحدثة بالعربية في التخصّص أو مشاكل الترجمة أو قلة قرّاء العربية المهتمين بالتخصص.
  • ·                     التراجـع الكبيـر فـي الحمـاس والاندفـاع نحـو تعريـب تعليـم العلـوم اللذيـن شـهدهما مطلـع القـرن العشـرين، والنكـوص إلـى اسـتخدام اللغـة الاجنبية لغـة لتدريـس المـواد العلمية في كثير من المعاهد والجامعات التي كانت قد اعتمدت العربية لغـة لتدريـس هـذه المـواد.
  • ضعف اهتمام غالبية الحكومات العربية بتطوير البحث العلمي بشكل عام وتطويـره باللغـة العربيّة بشـكل خـاص بدلالـة معـدل الإنفـاق المنخفـض الـذي ترصـده له هذه الحكومات.

 3.7 في مجال مواقف الطلاب الجامعي ين واعتقاداتهم حول اللغة العربية

  • اعتقـاد كثيـر مـن الطلاب بـأن العربيـة صعبـة مقارنـة باللغـات الأخـرى التـي يعرفونها، وبـأن تعلمها صعـب، وشـعورهم بـأن مسـتوى كفاءتهـم بالعربيّة أقـل مـن مسـتوى كفاءتهـم بلغـة أخـرى، وإحساسـهم بالقلـق عنـد اسـتخدام العربيـة الفصحـى.
  • اقتنـاع الطلاب فـي كثيـر مـن التخصّصـات ولا سـيما الهندسـة والعلـوم والاقتصاد والطب وإدارة الأعمال -التي تقدم فيها الغالبية الساحقة من مواد التدريس باللغـة الأجنبية- بـأن اللغـة العربيّة هامشـية ولا دور حقيقيًـا لهـا فـي الاختصـاص سواء كان ذلك في مجال التدريس أو مجالات البحث العلمي المتصلة بهذه التخصصات.
  • الاعتقـاد السـائد بيـن الكثيـر مـن الطلاب بـأن اللغـة العربية لا تمثل عنصرًا وازنًا سـوق العمـل، ولا تمنحهـم أي ُميـزات تذكـر حيـن التقـدم إلـى الوظائـف فـي العديـد مـن المجـالات.
  • الشـعور المتنامـي لـدى كثيـر مـن الطلاب الجامعييـن بـأن اللغـة العربية تواجـه حاليًا أزمة كبيرة وأنها، بواقعها الحالي، قاصرة عن الإسهام في تقدم المجتمعات العربيـة.
  • في مجال التعليم والمناهج
  • قصـور تجـارب تطويـر مناهـج اللغـة العربيّة، علـى الرغـم مـن تنوعهـا، عـن التأسـيس لمفاهيم معرفية موحدة لدى المشتغلين في القطاعين التعليمي والتربوي لصوغ نظرية تربويـة عربية متوائمة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين واحتياجات المتعلمين فيه.
  • ·                     انطـلاق بعـض تجـارب تطويـر المناهـج مـن المحتـوى دون وجـود معاييـر تسـتند إليهـا فـي بنـاء هـذا المحتـوى واختيـاره، الأمـر الـذي أوجـد خللًا فـي تلـك المناهـج، وفجوات فـي تقديـم مـا يناسـب المتعلـم مـن مهـارات ووظائـف وسـياقات ومعـارف.
  • ·                     عـدم تبلـور مقاربـة الكفايـات التـي اعتمـدت سـمة أساسـية لمناهـج تعليـم اللغـة العربية في مرحلة التعليم العام بشكل فعلي في هذه المناهج، فجاءت التعليمات مؤطرة ضمن كل مستوى دراسي على حدة، دون أن تنظم بشكل يجعلها متلاحقة ومتواترة بحيث يتعرض لها المتعلمون في صفوفهم اللاحقة.
  • التركيز غير المتوازن للمقاربات البيداغوجية الحديثة في مناهج العربية على بنـاء ذهنية متجـددة لـدى المتعلم، ولكـن دون الالتفـات إلـى نقطـة جوهريـة، وهـي أن أولـى الضـرورات هـي بنـاء ذهنية المعلميـن وتطويرهـا وتأهيلهـم للتعامـل مـع المقاربـات الجديـدة وتطبيـق الممارسـات البيداغوجيـة الحديثـة.
  • قصـور الجهـود فـي مجـال القيـاس والتقييـم عـن مواكبـة مـا تـم تحقيقـه فـي مجـال تطوير المناهج؛ إذ على الرغم من اعتماد مقاربة الكفايات في تطوير مناهج العربيّة فـي السـنوات الأخيـرة فـإن الاختبـارات والامتحانـات المدرسـية مـا زالـت، فـي الغالـب الأعـم، تركـز علـى قيـاس المحتـوى المـدروس بنسـبة كبيـرة لا علـى قيـاس المهارات اللغوية الشفوية والمكتوبة التي تستلزم اعتماد اختبارات لقياس الكفـاءة اللغوية لـدى المتعلميـن.

3.9 في مجال تعليم العربيّة وتعلمها في العوالم الجديدة

  • غيـاب رؤيـة واضحـة لمشـروع تعليـم العربيّة كلغـة عالمية والأهـداف المتعـددة التي تنضـوي ضمـن هـذا المشـروع، والتـي تسـتلزم مناهـج ومقاربـات مختلفـة بنـاء علـى الاحتياجـات المختلفـة (احتياجـات المتعلِّمين ذوي الأصـول العربيـة، واحتياجـات الطّلاب المسـلمين، واحتياجـات المتعلِّمين مـن غيـر ذوي الأصـول العربيـة والإسلامية) ممـا نجـم عنـه، فـي بعـض الأحيان، تبني مناهـج غيـر مناسـبة لاحتياجـات المتعلمين.
  • غيـاب التنسـيق بيـن المؤسسات العاملة علـى تدريـس العربية فـي العوالـم الجديدة، وضآلة الدعم الذي تقدمه الحكومات العربية والمؤسّسات التربوية فيها لهذا المشروع بخلاف ما نراه في عديد من دول العالم التي تدعم تدريس لغاتها فـي العوالـم الأخـرى.
  • غياب التوازن في كثير من مناهج تدريس العربية بين الطابع الرسمي أو المعياري للغة الذي ما زالت معظم برامج تدريس العربية تلتزم به، والذي يركـز على تعليم العربية الفصحى فقط كوسيلة لأداء كافـة المهام والوظائف التواصلية، وبين الواقع اللغوي العربي المعيش الذي يتميز بتعدد مستويات التواصـل اللغـوي وتنوّعهـا، وبوجـود المحكيّات العربيّة التـي تمثِّل جـزءًا لا يتجـزأ مـن منظومة التواصل بالعربية.
  • النقـص الكبيـر فـي الأطـر البشـرية المؤهلة لتدريـس العربيّة كلغـة عالميـة، وغيـاب هذا التخصّص عن معظم الجامعات العربية، ومحدودية الفرص المتاحة لإعداد المعلمين وتدريبهم في هذا الميدان. هذا فضـلًا عن أن كثيرًا من المؤسسات التعليمية فـي العوالـم الجديـدة تـرى فـي تعليـم اللغـة مهمـة سـهلة يمكـن لأي ناطق بالعربية تأديتها بصرف النظر عن مؤهلاته الأكاديمية والعملية.
  • الافتقار إلى معايير للكفاءة في كافة مهارات اللغة العربية كلغة عالمية ّمتفق عليها، وإلى أدوات وطرق ترتبط بالمعايير العالمية (مثل الاختبارات المعتمدة عالميًا في عدد من اللغات العالمية) وتتيح تقييم هذه المهارات.
  • التأسيس لمستقبل جديد لّلغة العربية

بعد أن عرضنا للواقع الحالي للغة العربية ووقفنا على مظاهر النبض والحيوية وعلـى مواطـن التحدي فيـه كما تبـدت لنـا فـي مختلف المحـاور التـي قمنا بدراسـتها، نتوقف هنا لنطرح أسئلة المستقبل: كيف يمكن لنا التأسيس لمستقبل جديد ّللغة العربيّة يحتضـن مؤشِّرات النبـض والحيوية ويعززهـا ويتجـاوز مواطـن التحـدي؟ ومـا المبادئ والمنطلقات التي يجب أن يبنى عليها المستقبل؟ وما الخطوات التي يجـب أن نخطوهـا علـى درب هـذا المسـتقبل؟

 في ضوء المعطيات التي توفرت لدينا من استقراء الواقع الحالي للغة العربية، وقبل الشروع باقتراح الخطوات والجهود التي يجب القيام بها لصياغة مستقبل جديـد للعربية، نـود اقتـراح إطـار يحتضـن هـذه الجهـود المسـتقبلية ويرسـيها علـى قواعد متينة ويضمن لها النجاعة والفعالية في العبور من إشكاليات الواقع وتحدياته إلى آفاق المستقبل المنشود. وهذا الإطار يشتمل على المقومات التالية:

  • مقاربة واقعية لـ مفهوم ”اللغة العربية

تجلـت لنـا، مـن خلال الدراسـة والتحليـل فـي مختلـف محـاور هـذا التقريـر، رؤى متعـددة لما يشير إليه مصطلح ”اللغة العربية“ في الأذهان. فهناك أولًا الرؤية التي انعكسـت فـي كثيـر مـن المقـالات والدراسـات والتـي تـرى أن المقصـود بهـذا المصطلـح هو ”العربية الفصحى“ فقط، وهي تمثّل المستوى الرسمي من العربية الذي يستخدم في كثير من المجالات ولكن ليس في مجالات التواصل اليومي الذي يجري عادة بمحكية من المحكيات العربية المتعددة. وهذه الرؤية تتبنى فكرة أن الطريق إلى المستقبل إن ما تكون بالتمسـك بالفصحى كرمز أساسي ِّ معبر عنه في كافة مناحي الحياة انطلاقًا من كونها لغة القرآن والتراث والإنتـاج الثقافـي والحضـاري العربـي عبـر العصـور. وتدعـو هـذه الرؤيـة إلـى توسـيع نطـاق اسـتخدامات الفصحـى بحيـث تصبـح وسـيلة التواصـل الوحيـدة لأداء كل الوظائـف والمهـام اللغوية.

 وهناك، ثانيًا، الرؤية التي وقعنا عليها في ثنايا عدد من المقالات والدراسات فـي أنحـاء مختلفـة مـن العالـم العربـي والتـي تنطلـق مـن أن ”اللغـة العربيّة“ تتجسـد إلـى حـد كبيـر فـي المحكيات العربيّة المختلفـة التـي يسـتخدمها النـاس فـي غالبيـة مواقـف التواصـل. والفصحـى، مـن هـذا المنظـور، لغـة يقتصـر اسـتخدامها علـى مجـالات محـدودة، وهـي تشـهد ضمـورًا وتراجعًا فـي الحيـاة العامـة سـينتهي بهـا إلـى مـا آلـت إليـه اللغـة اللاتينية التـي تلاشت كلغـة حيّة بعـد أن تولـدت منهـا لغـات مختلفـة.

ثـم هنـاك الرؤيـة التـي تقـوم علـى أن المقصـود بـ“اللغـة العربيّة“ هـو العربيـة الفصحى والمحكيات العربيـة معًـا، باعتبـار أنها جميعًا تشترك في تحقيق الأغراض المختلفة للتواصل في الواقع الحقيقي للغة. وهي رؤية تمظهرت في كثير من النماذج التـي قمنـا بدراسـتها فـي محـور اسـتخدامات العربيـة فـي لغـة الإعلام المرئـي، وفـي لغة الإعلانات في الفضاء المكاني العام، وكذلك في محور استخدامات العربية في لغة الرواية العربية المعاصرة، وفي اعتقادات الطلاب الجامعيين حول اللغة العربيـة.

إن الطريـق إلـى المسـتقبل، فـي تقديرنـا، يكـون بتبنـي مقاربـة واقعية وتعددية للغـة العربيّة تبتعـد عـن الأحادية التـي تمثلهـا كل مـن رؤيتـَي ”الفصحـى فقـط“ أو ”المحكيـة فقـط“ لتتبنى رؤيـة تعكـس التنـوع الـذي يكتنـف السـياقات المختلفـة التـي تسـتخدم  من المستويات المتنوعة تتداخل فصحى التراث بالفصحى المعاصرة وبالمحكيّات العربية المتنوعة وفقًا لمتطلبات السـياق والوظيفـة اللغوية. وهـذه الرؤيـة تنظـر إلـى كل هـذه المسـتويات علـى أنهـا مكونات مختلفة لمنظومة لغوية واحدة هي ”اللغة العربية“، وهذه المكونات تتفاعل وتتقاطع فيما بينها بشكل دائم فـي علاقـة تناغـم وتأثر وتأثير تطال كل جانب مـن جوانـب التواصـل باللغـة العربيـة.

إن إرسـاء رؤيـة مستقبلية واقعية للغة العربيّة يسـتوجب منا مقاربـة جديـدة لماهية اللغة تضفي الشرعية على هذه المكونات المختلفة والمستويات والتنوعات الموجودة ضمن كل واحد منها وتحتفي بالتنوع والغنى الذي تمثله منظومة ”العربية“، وهو تنوع وغنى صاحب اللغة منذ بداياتها الأولى وظل، عبر القرون، يمدهـا بالقـدرة علـى التأقلـم والاسـتجابة للتغيـرات. فمنـذ فجـر العربيـة التـي وصلـت إلينـا، كان بهـا المسـتوى الرسـمي الـذي اختـص بسـياقات ومواقـف معينـة، وكانـت بهـا المحكيّات المتنوعة التي استخدمت لأغراض التواصل اليومي وللتعبير الإبداعي فـي فنـون الأدب الشـعبي . واسـتمر تطـور العربيّة عبـر العصـور ضمـن بيئـة لغوية غنية ومتفاعلـة تعايشـت فيهـا هـذه المسـتويات وامتزجـت ورفـدت بعضهـا بعضًـا لتعطينـا اللغة العربية التي نتواصل بها اليوم بكل أطيافها وتنوعاتها. وهي اللغة التي رأيناها تنعكس بقدر كبير من التجانس والتناغم والتماهي في لغة الروايات التي حللناها والبرامج الحوارية التي استمعنا إليها والإعلانات التي شاهدناها، وكلها تظهر أن العلاقة بين هذه المكونات المختلفة للغة العربية هي علاقة تلاحم وتكامل لا علاقة تزاحـم وإقصـاء. فوجـود حـوارات عامية في رواية ما لا يهدد وجـود الفصحـى، ووجـود روايـة كتبـت بالعامّية بشـكل كامـل لا يهـدد وجـود الفصحـى، لأن هناك جمهورًا يتفاعل بشكل أكبر مع هذا المستوى من العربية المكتوبة، كمـا أن وجـود روايـة كتبـت بفصحـى قريبـة مـن فصحـى التـراث لا يهـدد وجـود العاميـة أو ينفيه. وكذلك الأمر في لغة الإعلانات التي تمثّل اختيارات لغوية يقوم بها المعلنون لتحقيق أغراض جذب الانتباه والتأثير التي يسعون إليها لدى الجمهور الـذي يتواصـل مـع إعلاناتهم. وهـم يقومـون بهـذه الاختيـارات ضمـن منظومـة ”العربيـة“ التـي ينتخبـون منهـا عناصـر تلائم أهدافهـم واحتياجاتهـم.

مـا نـراه اليـوم فـي واقـع العربيّة هـو تجسـيد حـي لمقولـة ”لـكل مقـام مقـال“ التـي يقـوم فيهـا الناطق/ة بالعربيّة باختيـار ”المقـال“ الـذي يرتئيـه لأداء وظيفـة لغويـة مـا وفق الـ“المقام“ أو السياق الذي يجد نفسه فيه. وكذلك هو تجسيد لحال التنوع والتعدد الذي نلاحظه ضمن اللغة الواحدة التي يمثِّل كل مكون فيها جزءًا من لوحـة فسيفسـاء متكاملـة هـي اللغـة العربيـة. والخطـوة الأولـى علـى طريق مسـتقبل اللغـة العربيّة تكـون بالاعتـراف بشـرعية هـذه المكونـات وبـ“عربيتهـا”.

4.2 رؤية ”مستقبلية“ لا ”ماضوية“ للغة العربية

إن التأسيس لمستقبل جديد للغة العربية لا يمكـن أن يتحقـق بشـكل كامـل مـا لـم يبنّ علـى القناعـة بـأن مسـتقبل هـذه اللغـة لـم يتشـكل بعـد، وعلـى الإيمـان بـأن لنـا دورًا فاعـلًا فـي صناعـة هـذا المسـتقبل وتشـكيله فـي ضـوء مـا تحصـل لدينـا مـن معـارف وتجـارب ومهـارات نهلناهـا مـن ماضـي اللغـة وتراثهـا، وخبرناهـا عبـر التحوّلات والتغيـرات التـي تطبـع العالـم الـذي نعيشـه اليـوم وذلـك الـذي ينتظرنـا فـي المسـتقبل.

ومثـل هـذه الرؤيـة المسـتقبلية تسـتلزم إعـادة النظـر فـي العلاقة بالماضـي وبالتـراث اللغوي المرتبط به، إذ نلاحظ أن ثمة ميل لدى البعض إلى الاعتقاد بأن كمال هذه اللغة قد تحقق في الماضي، وقد تمّـت الإجابة عن كل الاسئلة في الماضـي. ومـن هـذا المنظـور فإنـه مـا علـى الناطقيـن بالعربيـة اليـوم، فـي سـعيهم للتأسـيس لمستقبل جديـد للعربيـة، إّلا اسـتعادة هـذا الماضـي وإعـادة إنتاجـه بقضايـاه وأسـئلته وتراكيبـه ومقارباتـه للغة والاسـتمرار فـي تقليـد نماذجـه الأدبية والبلاغية والنحوية. هـذه الرؤيـة الماضويّة للغة تمثـل عقبـة كبيـرة فـي طريـق المسـتقبل لأنها تبقـي اللغـة أسـيرة الماضـي، وتوصـد دونهـا الإمكانيـات الهائلـة التـي يتيحهـا الحاضـر بـكل مـا فيـه مـن نبـض وإبـداع وحركية. فـي الماضـي اللغـوي العربـي إنجـازات كبيـرة ورؤى وتصورات مهمّـة لقضايا وأسئلة شغلت بال اللغويين الذين قاموا بتقديم رؤاهم وإجاباتهم حولها مستخدمين الأدوات البحثية التي كانت متاحة لهم في تلـك العصـور. وإذا كانـت بعـض هـذه المقاربـات والإجابـات مـا زالـت تنطبـق علـى واقـع اللغـة فـي وقتنـا الراهـن وتتيـح لنـا، مـن ثـمّ، الإفـادة منهـا، فـإن بعضهـا الآخـر قـد تـم تجاوزه بفعل التغيرات التي طرأت على اللغة العربية عبر العصور. فاللغة كيان متحـول باسـتمرار يخضـع لقوانيـن التطـور والنمـو ويحتـاج إلـى مواكبـة نظريـة مسـتدامة تمكنه من استيعاب مثل هذه التغيرات والتحوّلات. واللغة العربية اليوم تشهد تطورات هائلة وتعيش حالة من الاحتكاك والتلاقح اللغوي والثقافي الذي جاء بأسـئلة جديـدة وأدخـل أنماطًـا ونمـاذج لا يمكـن التعامـل معهـا مـن منظـور المقاربـات الماضيـة. مـا تحتاجـه اللغـة العربيـة اليوم هو اسـتيعاب هـذه الأسـئلة والأنمـاط الجديدة وفهمهمـا فـي ضـوء السـياقات اللغوية-الاجتماعيـة التـي انبثقـت منهـا، لا السـعي إلى ردها إلى أنماط الماضي ونماذجه والحكم عليها على أساس مدى قربها منهـا أو ابتعادهـا عنهـا. ولعـل خيـر مثـال علـى هـذا هـو مـا نـراه فـي مقاربـة ”الأخطـاء الشـائعة“ التـي تحكـم علـى كثيـر مـن المفـردات والتراكيـب المسـتخدمة فـي العربيـة المعاصرة بأنها ”أخطاء“ بناءً على خروجها عما هو مألوف أو متعارف عليه من مفـردات الماضـي وتراكيبـه دون أي اعتبـار لمـدى تواتـر هـذه التراكيـب وانتشـارها، ودون أي اعتبـار للإحصائيات التـي توفرهـا لنـا التكنولوجيـا الحديثـة والتـي تظهـر درجـة انتشـار هذه العناصر اللغوية في الاستخدام اللغوي الواقعي. وبالتالي، فإن الاستجابة المنطقيـة لمثل هـذه الاسـتخدامات الحديثـة والشـائعة تكـون بإضفـاء الشـرعية عليهـا لأن اللغـة احتضنتهـا علـى أرض الواقـع، ولكـن المقاربـة ”القَيِمّيّـة“ و“الماضويـة“ ترفـض الاعتـراف بهـا لأنهـا تـرى أن أي اسـتخدام محـدّث فـي اللغـة يجـب أن يسـتمد شـرعيته مـن الماضـي، وهـو مـا يشـكل مخالفـة صريحـة لقوانيـن التطور فـي كل اللغـات الحيّـة.

وإذا كنا ندعـو إلـى إعـادة النظـر بعلاقتنا بالماضـي فـإن هـذا لا يعنـي قطـع العلاقـة به، بل على العكس، هي دعوة لفهم مقاربات هذا الماضي والسياقات التي انطلقـت منهـا والأسـئلة التـي نجمـت عنهـا، والبحـث فيهـا عـن العناصـر التـي مـا زالت ترتبـط بواقعنـا اللغـوي، وعـن الأسـئلة التـي لمـا تجـد إجابـات لهـا، والانطـلاق منهـا فـي البحث عن مقاربات وإجابات جديدة للحاضر والمستقبل بسيرورة تمثّل استمرارية اللغة وديمومتها. إذًا، فالرؤية التي نريد لها أن تنير دربنا إلى عربية المستقبل ليسـت رؤيـة ترفـض الماضـي وتنفيـه، بـل رؤية تنطلـق منـه وتحتضـن الحاضر وتستشـرف المسـتقبل.

4.3 مقاربة موضوعية لـ ”قدسية“ اللغة

كشـف استطلاع الـرأي الـذي أجرينـاه ضمـن هـذا التقريـر حـول اعتقـادات الطلاب الجامعيين العرب ومواقفهم من اللغة العربية أن غالبيتهم يعتقدون بأن اللغة العربية لغة مقدسة. وهو رأي ينبثق من العلاقة الوثيقة التي تربط اللغة العربية بالإسلام ويعكـس، فـي تقديرنـا، اعتقـادًا سـائدًا لـدى كثيريـن مـن الناطقيـن بالعربيـة. وإذا كانـت علاقة اللغة العربية بالإسلام والقرآن الكريم تشكل جزءًا مهمًا من تاريخ اللغة وتقـف وراء انتشـارها كلغـة عالمية، فإنـه لا يمكـن الانطلاق مـن هـذه العلاقة لتبنـي نظـرة تقديسـية للغة؛ لأن مثـل هـذه النظـرة تقيـد العربيّة بالماضـي وتجمدهـا فـي أطر وقوالـب ثابتـة تضعهـا خـارج قوانيـن التحول والتطور التـي تحكـم اللغـات الحيّة. كمـا أن نظـرة التقديـس هـذه تطـرح إشـكاليات حقيقية علـى صعيـد علاقـة الناطقيـن بالعربيـة بلغتهم وعلى مدى شعورهم بأن هم قادرون على التمكن منها. إذ كيف يمكن للإنسـان الـذي يؤمـن بقدسـية اللغـة أن يسـتخدمها ويتعامـل معهـا كوسـيلة للتواصـل العـادي؟ وإلـى أي درجـة يمكنـه أن يشـعر بأنـه متمكـن مـن هـذه اللغـة التـي تنتمـي إلى عالم القداسة؟ وإلى أي درجة يسهم هذا الشعور القوي بالقداسة بتنمية شعور بـ ”العجز“ أمام هذه اللغة المقدسة؟ وكيف يمكن لإنسان أن يقتنع بأن اللغـة قابلـة لأن تتطـور وتتغيـر وتتحـول إذا كانـت تنطلـق مـن ثبـات القدسـية؟ وكيـف يمكـن للباحثيـن فـي هـذه اللغـة أن يطرحـوا أسـئلة حـول تراكيبهـا ومفرداتهـا وطريقـة كتابتها في ظل هذه النظرة القدسية التي من شأنها تضييق المجال أمام أي محاولات لطـرح الأسـئلة حـول اللغـة لأن هـذه الأسـئلة سـتمسّ مـا هـو مقـدس. وبـذا، تتحـول اللغـة إلـى نـص مقـدس ثابـت يضعهـا خـارج نطـاق السـؤال وخـارج قوانيـن التطـور.

كمـا أن وجـود هـذه النظـرة التقديسية للغة العربيـة فـي أذهـان البعـض يسـهم فـي ترسـيخ فكـرة صعوبتهـا وصعوبـة تعلمهـا. وهـذه النظـرة تطـرح أمـام المجتمـع والأهـل والمدرسـين تساؤلات حـول الكيفية التـي نقـدم بهـا العربيّة ونعلمهـا لأولادنا وطلابنا فـي وقتنـا الحاضـر وفـي المسـتقبل. فاللغـة، أي لغـة، بصـرف النظـر عـن شـعورنا تجاههـا وتعلقنا بها، تبقى نظامًـا للتواصل ينشأ ويتطور ويخضع لتغيرات وتحولات تطال ّكل جانب من جوانبه تبعًا للظروف التي تكتنف اللغة وبيئتها. وهذا مبدأ يجدر بنـا الاهتـداء بـه إذا أردنـا لأولادنا وطلابنا أن ينظـروا إلـى أنفسـهم وثقافتهـم والعالـم المحيـط بهـم نظـرة موضوعية وعلميـة.

مـن هنـا، فـإن واحـدًا مـن الأسـئلة الوجوديـة التـي نجـد أنفسـنا فـي مواجهتهـا اليـوم هـو: كيـف يمكـن تحقيـق فهـم أكثـر موضوعيـة للعلاقـة التاريخيـة والحاضـرة بيـن اللغـة العربية والاسلام خارج إطار التقديس؟ إن الإجابة عن هذا السؤال على المستويين النظـري والعملـي تمثل خطـوة مهمـة علـى درب المسـتقبل.

  • رؤية قائمة على الإيمان والثقة لا على الخوف والشعور بالخطر

 بـدا جليًـا، مـن خلال الأدبيات التـي قمنـا باسـتقرائها فـي بعـض محـاور هـذا التقريـر، أن هنـاك مخـاوف جمة تـراود العديـد مـن الأكاديمييـن والسياسـيين والإعلامييـن واللغويين والنـاس العادييـن حـول مسـتقبل اللغـة العربيّة وحـول قدرتهـا علـى مواجهـة التحديـات والأخطـار التـي تداهمهـا بفعـل العولمة وهيمنتهـا اللغوية والثقافية. ويتجلـى هـذا الخـوف فـي الدعـوات المتكـررة التـي نجدهـا تطلـق لـ“حمايـة“ اللغـة العربيـة مـن هـذه الأخطـار، و“المحافظـة عليهـا“ مـن التراجـع والضمـور، وحتـى لـ“إحيائهـا“ علـى الرغـم مـن ّأنهـا لـم تمـت. وإذا كنا نتفهم الدوافـع التـي تقـف وراء هـذه الدعـوات، فإننـا نعتقـد أن أي رؤيـة مستقبلية للغة العربيـة ينبغـي ألّا تؤسـس علـى مفاهيـم الخـوف والشـعور بالخطـر والحاجـة إلـى الحمايـة بـل علـى الايمـان باللغـة وقدراتهـا علـى التكيـف والثقـة بأنهـا تمتلـك مـن المقومـات مـا سـيتيح لهـا البقـاء والازدهـار فـي المسـتقبل كمـا ازدهـرت فـي الماضـي.

مـا تحتاجـه اللغـة العربيـة أولًا هـو إيمان المجتمعـات العربيّة بها، وتغييـر النظـرة الدونية اللغوية والحضاريـة التـي ترتبـط باللغـة فـي أذهـان بعـض الناطقيـن بهـا. ومـا تحتاجـه ثانيًا هو تمكينها في مختلف مناحي الحياة وفتح الأبواب أمامها في مجالات أوصدت دونها، وخاصة في سوق الأعمال والمعاملات المالية والإدارية وكذلك فـي مجـال تدريـس العلـوم والبحـث الأكاديمـي فـي التخصّصـات العلمية الـذي غيبـت عنه اللغة العربية بشكل كبير. والطريق إلى تمكين العربية في هذه المجالات لا يكون بالتسرّع باتخاذ قرارات غير مدروسة ولا يكون بقرارات فوقية، إنما يكون بمبادرات للتفكير في تعريب العلوم بشكل مدروس يبني على فهم احتياجات السـوق والتحديـات التـي ينبغـي تطويعهـا علـى مسـتوى الـدول العربيّة ويتـم تدريجيًا وفـق خطة تبـدأ مرحليًا علـى مسـتويات تعليميـة قاعدية وتنطلق شيئًا فشيئًا إلى الوطن العربي، يتمثل في كيانات لغوية فاعلة في مجالات الترجمة العلمية وتوليد المصطلحات وفي مؤسّسات تربوية تتبنى مشروع تمكين العربية محورًا لمهامها واستراتيجياتها المستقبلية.

مـا تحتاجـه اللغـة العربيّة منا اليـوم هـو أن نذكـر أنفسـنا بأنهـا كانـت فـي فتـرة مـن تاريخهـا حاضنـة للعلـوم والاكتشـافات والبحـث والسـؤال، حيـن كان علمـاء تلـك الفتـرة منشـغلين بصناعـة المسـتقبل عبرهـا، وأن نؤمـن بأنهـا قـادرة علـى أن تكـون أداة لصنـع مسـتقبل جديـد إن نحـن مكّناهـا مـن ذلـك وشـرعنا أمامهـا مـا أوصدنـاه مـن أبـواب.

5.0 خطى على درب المستقبل

في ضوء الإطار العام الذي تناولناه في الصفحات السابقة قمنا، في ختام كل محور من محاور التقرير، بطرح رؤية مستقبلية ترجمت طموحات الفريق البحثي وأمنياتـه إلـى مقترحـات عملية تمثل خطـى علـى درب العبـور باللغـة العربيـة إلـى فضـاءات المسـتقبل فـي المناحي المختلفـة. وهـذا ملخـص لأبـرز المقترحـات التـي تـم طرحهـا:

5.1 في مجال القوانين والتشريعات والمرجعيات المؤسّسية

  • نقترح رؤية تصورية عمادها ثالثة عناصر أساسية:
  • سياسة لغوية حاكمة،
  • ومؤسسات مرجعية راسمة،
  • وإرادة سياسية فاعلة.
  • سياسة لغوية حاكمة: ونعنـي بهـا الرؤيـة الشاملة التـي ينبغـي أن تحتكـم إليهـا الجهـود التشـريعية التـي تبذلهـا الدولـة لتدبيـر الشـأن اللغـوي. وصياغـة سياسـة لغوية واضحـة المعالـم، مكتملة الاركان، ضمانـة قانونية لانسـجام التشـريعات اللغويـة المختلفـة داخـل الدولـة الواحـدة. وإذا ما أردنا لسياساتنا اللغوية النجاعة والنجاح، فإنه يجب علينا أن نراهن على تحقـق عـدة عوامـل لصياغـة هـذه السياسـات منهـا:
  • أن تتم وفقًا لرؤية استراتيجية؛
  • تنطلـق مـن معطيـات البيئـة الواقعية لتراعـي التنـوع الاجتماعـي وتضمـن العدالـة اللغويـة لأبنـاء القطـر الواحـد؛
  • تكون قائمة على المشاركة المجتمعية؛
  • تكون منفتحة على معطيات العصر؛
  • تكون قابلة للتحقق على أرض الواقع.
  • مؤسسات مرجعية راسمة: لصياغة السياسة الحاكمة، نحتاج إلى وجود مؤسّسات مرجعية تضطلع بمهمة التخطيط ورسم السياسات اللغوية. ونقترح بناءً على ذلك:
  • إنشاء مؤسّسات عليا في كل دولة تكون مهمتها الأولى التخطيط اللغوي، ورسم السياسات اللغوية العامة، والعمل على مشروعات القوانين، ومتابعة تنفيذها.
  • أن يقـوم علـى شـأنها أسـاتذة ومفكـرون مشـهود لهـم بالكفـاءة والدرايـة والتخصـص، والخبرة في مجال رسم السياسات والتشريعات، يعضدهم في ذلك لسانيون وقانونيون وتربويون واقتصاديون.
  • أن تعمل مؤسسة التخطيط اللغوي في كل ٍ دولة على التنسيق – فيما يخص السياسـة اللغوية – بيـن: (1) جميـع مؤسسـات الدولـة ذات الصلـة: كمؤسسـات القضاء والإعلام والتعليم؛ (2) والمؤسّسات المتخصّصة في اللغة العربية: كالمجامع اللغوية، وكلّيات اللغة العربية؛ (3) ومؤسسات العلوم الأخرى: كالجامعات، والمختبرات، ومراكز البحث.
  • ·                     أن تـؤول إلـى مؤسسـة التخطيـط اللغـوي قيـادة الجهـود اللغويـة فـي الدولـة، بحيـث تصبـح كالمايسـترو الـذي يضمـن أداء جميـع المؤسسـات والمبـادرات بإيقـاع متكامـل. وهذا يتطلب أن تعمل على التقويم المستمر للمؤسّسات اللغوية القائمة، وإنشـاء مـا يتطلب إنشـاؤه مـن مبـادرات ومؤسسـات، والعمـل علـى تضفيـر جهودها على نحو يخـدم الرؤيـة الوطنيـة المتكاملـة تجـاه اللغـة.
  • إرادة سياسية فاعلة: لا يمكن لأي مشروع لغوي أن يستقيم دون إرادة سياسية مؤمنة بأهمّية القضية اللغوية، تأخذ بمضامين التشريعات والقوانين، وتكفل تحقيقها، حتى تصبح واقعًا معيشًا، إذ ليسـت العبـرة فـي وجـود سياسـات لغوية فـي الأوراق، وبنـى مؤسسـاتية تبذل جهودًا في التخطيط، دون وجود إرادة تنتقل بالخطط إلى واقع التنفيذ.
  • تطوير آليات عمل مجامع اللغة العربية،

بحيـث تصبـح أكثـر فاعلية فـي مياديـن البحـث العلمـي والترجمـة والتعريـب؛ متواكبـة مـع مسـتحدثات العصـر فـي مجـالات العلـوم والتقانـة والابتـكار، متفاعلـة مـع التحـولات الاجتماعية والثقافية والاتصاليّة. ولا يتأتى ذلك إلا بالتنسيق الوثيق بين مراكز الأبحـاث والمختبـرات والجامعـات والمراصـد الاجتماعية مـن جهـة، وبيـن المجامـع اللغوية مـن جهـة ثانيـة

ج. العمل على تعزيز التنسيق بين الجوائز العربية

بهـدف تبـادل الخبـرات فيمـا بينهـا، ورفـع كفاءتهـا. ونقتـرح إلـى جانـب ذلك العمـل على اسـتحداث جوائـز عالمية لأفضـل البحـوث والدراسـات فـي مجـالات العلـوم والتكنولوجيـات الحديثـة المكتوبـة باللغـة العربيـة؛ وذلـك لفتـح بـاب التشـجيع والتنافـس علـى الإنتـاج العلمـي باللغـة العربيّة إلـى جانـب الإنتـاج الأدبـي والفنـي.

5.2 في مجال الإعلام والفضاء المكاني العام

 1. إقرار ميثاق إعلاميّ عربي مشترك يعنى باللغة العربية في الإعلام

وتحـدد بنـوده مسـتوى اللغـة التـي تسـود الإعلام والشـروط اللغويـة التـي ينبغـي أن  تتوفـر فـي الإعلامي وفـي المـادة الإعلاميـة.

 2. بوصفه السلطة الرابعة وصوت الشعب،

نقتـرح أن يؤسـس المجتمـع الإعلامي العربـي ”خليـة مراقبـة“ علـى مسـتوى الحكومات العربيّة، ومسـؤوليتها العمـل علـى احتـرام اللغـة العربيّة عمليًا مـن خلال اسـتصدار آليات تسـمح بمتابعـة تنفيـذ التشـريعات والقـرارات السياسـية التـي تخـص النهـوض بها.

 3. إنشاء ”خلية استشارات لغوية-إعلامية،

 تعمـل علـى النهـوض بلغة الإعلام ودراسـة المواضيـع والنشـاطات الإعلامية المتعلقة باللغة العربية لا على مستوى الرقابة فقط، بل وعلى مستوى الإشراف الفني واللغـوي أيضًا. والرعايـة تشـمل اقتـراح وتوفيـر مـواد إبداعية ذات مسـتوى لغـوي جيـد، وتشـمل أيضًا تأميـن التدريـب اللغـوي المناسـب الـذي يمكـن الصحفييـن مـن اسـتخدام اللغة العربية بطريقة سليمة وجميلة ومعاصرة، بما سيضمن تنمية الذائقة اللغوية لـدى المجتمـع العربـي.

 4. إطلاق مبادرات لغوية موسمية

تسـهم فيهـا كل القنـوات الإعلامية فـي المجتمعـات العربيّة وتخـدم القضايـا المرحليـة واهتمامـات المجتمـع، وتـزرع قيمًا مجتمعيـة ووعيًـا لغويًا. من ذلك، مثلًا، إطلاق حملـة مسـابقات تعنـى باللغـة فـي مشـاريع التنميـة الثقافية والاقتصاديـة، وتطويـر برامـج تلفزيونية تتنـاول محتويـات تخـدم اللغـة العربيـة، كالبرامـج التـي تناقـش قضايـا العربية المعاصرة، علاوة على مسابقات الشعر العامي والفصيح وكتابة القصص القصيـرة والمقـالات، ونشـر مخرجـات هـذه البرامـج فـي الصحـف والجرائـد.

5. تفعيل الشراكة بين قطاع الإعلام ومراكز البحث العلمي في مختلف التخصّصات الإنسانية واللغوية والعلمية من خلال إنشاء ”خلية استشارية إعلامية-اجتماعية“ هدفها مواكبة مقاربات البحـث فـي اللغويات المعرفية واسـتثمارها فـي الخطـاب الإعلامي لدراسـة وتنميـة السـلوك الاقتصادي والاجتماعـي والمنحـى الأخلاقـي والتربـوي فـي المجتمـع العربـي.

 6. إنشاء ”خلية استشارة إعلامية-اقتصادية تُعنـى بـإدارة سـوق الاسـتثمار اللغـوي فـي الإعلان. ومـن مسـؤولياتها رصـد المقـدرات باللغـة العربية والبحـث عـن سـبل توظيفهـا فـي إنتـاج مـادة اسـتهلاكية ترقـى لحاجـات وطموحات المجتمع العربي، سواء على مستوى توظيف اللغة بما هي مادة اسـتهلاكية ترقى لحاجات وطموحات المجتمع العربي(كانخـراط المموليـن الخـواص والحكومييـن فـي إنتـاج الأفلام والمسلسـلات التـي تعنـى بترقيـة لغـة المجتمـع)، أو على مسـتوى كونهـا وسـيلة للإنتـاج الاقتصادي والخدماتـي (كرعايـة مشـاريع تعريـب الصناعـة وقطـاع الخدمـات).

7. إنشاء خلية استشارة إعلامية-تعليمية تعمل على تمكين المتعلم من اللغة العربية، سواء بوصفها قيـمًا هوياتية ترسخ الانتماء إلى المجتمع العربي أو بوصفها مهارات تواصل، ولكن لا بوصفها مجرد قوالب وقواعد فقط. وهذا يعني العمل على تعزيز مدخلات رقمية عربية وتطبيقـات عربية تكـون بمثابـة المـادة التعليمية الرديفـة التـي تضـخ قطـاع التعليـم بمـوارد جذابـة ومفيـدة تضمـن الاتسـاع والتنـوع وتسـتجيب لحاجـات المتعلم العربـي.

8. إعادة النظر في مفهوم جودة ”النص الإعلامي” وعـدم حصـره فقط في سلامة القواعد، وعدم حصر سلامة القواعد فقط في سلامة الإعراب، بـل يجـب النظـر إلـى النـص مـن نـواح أخرى تتعلـق بتسلسـل الافـكار، وإسـهام بنية النص فـي إيصـال المعنى المـراد، وتماسـك الجمـل وترابطهـا، ومناسـبة المفردات للسياق. وعليه، فيجب أن تقدم قواعد العربية للإعلاميين في منهج قائم على الوظيفية اللغوية؛ لا يقـدم كل قواعـد العربيّة إليهـم بـل يركـز علـى الحيـوي الوظيفـي منها حتى يتمكن الإعلاميـون من تطبيقها في إنتاجهم التواصلي وتحليلهم للنصـوص الإعلاميـة.

9. ضرورة إقرار مقرر بكليات الإعلام وأقسامها في الجامعات العربية يقوم بتدريس الكتابة الأكاديمية بشكل يركز على تنظيم الأفكار وتسلسلها والتعبيـر عنهـا بلغـة سـليمة وسلسـة، وكذلـك أن يكـون هنـاك مقـرر آخـر قائـم علـى النتـاج الشـفهي التواصلـي هدفـه تمكيـن المشـاركين مـن تطويـر القـدرة علـى الارتجـال بـأي مسـتوى مـن مسـتويات العربية – وخاصة المسـتوى الرسـمي – بطلاقة واسـتمرار وانضبـاط ودقة، وأن يكـون توفر هـذه القـدرة مـن متطلبات قبـول الإعلامي المتقـدم للوظيفـة.

10. اسـتبدال الحاجـة لوجـود مدققيـن لغوييـن يعملـون بالصحـف أو القنـوات العربيـة الإخبارية بالحاجة لتطوير قدرة الإعلاميين أنفسهم على أن يكونوا هم المدققين والواعين بسلامة ما يكتبون أو ما يقولون لغة وأسلوبًا. وخلق هذا الوعي لن يتأتى إلا بتطوير المهارات اللغوية والتواصلية لدى كل العاملين في مجال الإعلام.

11. توظيف المحتوى الإعلامي في تطوير مقررات دراسية بالمدارس العربية تهـدف إلـى تعريـف الطلاب بمسـتويات العربيّة، وتوعيتهـم بتنوعهـا واتسـاعها، بحيـث لا يقتصر فهمهم للغة العربية على أنها المقامات والشعر والأدب القديم والنحو فحسـب، وأن يكـون هـذا جـزءًا مـن تدريبهـم علـى اسـتخدام اللغـة فـي سـياقات تواصليـة تربطهـم بالواقـع وتتيـح لهـم التعبيـر عنـه والتفاعـل معـه عبـر اللغـة.

12. تفعيل القوانين والتشريعات المتعلقة باستعمال اللغة العربية بالفضاء المكاني العام بـدلًا مـن كونهـا أسـيرة نصـوص التشـريعات وأدراج المكاتـب. وكذلـك التأكيـد علـى ضرورة وجود اللغة العربية في الإعلانات في الجرائد والبرامج التلفزيونية، وفي الفضاء المكانـي العـام، وفـي قوائـم الطعـام، ومراقبـة مـدى الالتـزام بذلـك بحيـث لا يكـون أمـر الإعلانات متـروكًا للمعلنيـن فحسـب.

13. إحياء تراث العربيّة الفنّي المكنون في الخط العربي بما فيه من تنوع وبهاء وجمال خلاب، والقادر على الإسهام في إثراء الفضاء المكاني العام به، ونشره في الإعلانات وعلى واجهات المؤسسات.

5.3 في مجال النشر والرواية

1. إنشاء مرصد عربي للكتاب: هدف هذا المرصد هو متابعة حركة النشر العربي بشكل دقيق حتى نستطيع تشـخيص الواقـع بموثوقية، ومـن ثـم نسـعى إلـى التطويـر بنـاءً علـى المعطيـات التي يقـوم هـذا المرصـد بجمعهـا وتحليلهـا. وقـد قـام بالدعـوة إلـى إقامـة هـذا المرصـد اتحـاد الناشـرين العـرب ومعظـم الباحثيـن الذيـن رصـدوا واقـع النشـر العربـي، وجميعهـم نـادوا بضـرورة الإسـراع فـي إنشـائه.

2. مواجهة ظاهرة قرصنة الكتب: ظاهـرة القرصنـة، سـواء كانـت ورقية أو إلكترونية، آخـذة فـي التوسـع والانتشـار بشـكل كبير في المجتمع العربي من قبل الأفراد ودور النشر، وعليه، فثمة حاجة إلى وقفة صارمة من الجهات المسؤولة، من الحكومات أولًا ومن اتحادات الناشرين العرب، لأن الملاحقة الفردية مـن المؤلـف أو مـن دار النشـر قـد لا تجـدي نفعًا، خصوصـًا وأن تكاليـف الملاحقـة القضائية قـد تفـوق أحيانـًا أربـاح الكتـاب المقرصـن فيعـرض صاحـب الحـق صفحًا عـن السـارق المقرصـن، وتضيـع الحقـوق.

3. تفعيل دور المؤسّسات الثقافية في نشر الوعي بأهمّية حقوق الملكية الفكرية: احتـرام الحقـوق الفكرية للآخريـن يجـب أن يكـون ثقافة سـائدة فـي المجتمع العربـي، بحيث يعـي الفـرد العربـي مـدى أهمّيتهـا فـي بنـاء وتطويـر المجتمـع مـن النواحـي العلميـة والحضارية والاقتصادية. وعليـه، فإننـا نقتـرح أن يكـون هنـاك عمـل عربـي مشـترك تقـوم فيـه وزارات الثقافـة بتطويـر وتقديـم برامـج إعلامية توعويـة حـول موضـوع احتـرام حقـوق الملكية الفكرية والمخاطـر السـلبية علـى المجتمـع التـي تترتـب عـن الإخـلال بها.

4. التخفيف من الرقابة الصارمة على الكتب والمنشورات: بنـاء مجتمـع مثقـف وواع يحتـاج إلـى إبـداع المفكريـن وأقـلام الكتّاب بشـكل أساسـي، والكتـاب محـوري فـي أي نهضـة مستقبلية للمجتمـع العربـي واللغـة العربيـة. وعليـه، فـإن المشـرع العربـي يجـب أن يعطـي حرّية أكبر للكتاب، وأن ينزع سـيف الرقيب المسـلط علـى الإبـداع الفكـري. لـذا، فإننـا نقتـرح صياغـة قانـون عربـي مشـترك يجيـز انتقـال الكتب بيـن الـدول العربيّة بحرية ومشـاركتها فـي كل المعـارض العربيّة للكتـاب. وإن كان لا بـد مـن المنـع أحيانًا لبعـض الكتـب فيجـب أن يقـوم علـى أسـاس معاييـر واضحـة وشـفافة.

5. تشجيع النشر الإلكتروني وتطويره: يسـير العالـم نحـو مسـتقبل جديـد يصبـح فيـه الكتـاب الإلكترونـي واقعـًا وضـرورة، فهناك توجـه كبيـر نحـو الكتـاب الإلكترونـي مجـاراة لمتطلبات عصـر التكنولوجيـا. وعليـه، فإننـا نقتـرح أن يكـون إصـدار الكتـاب الإلكترونـي مصاحبًا لإصـدار الكتـاب الورقـي؛ فـكل كتـاب ورقـي يصـدر، تصـدر معـه نسـخة إلكترونية بجـودة عاليـة وبسـعر معقـول، مما سيسـهم فـي إثـراء المحتـوى الرقمـي العربـي، ويسـاعد فـي تطويـر البحـث وسـرعة الوصـول إلـى المعلومة.

6. ضرورة الاستثمار في قطاع النشر: يعانـي قطـاع النشـر فـي الوطـن العربـي عـددًا مـن المشـكلات بسـبب ارتفـاع تكاليـف الطباعة والنشر وضعف العائد المادي على صاحب دار النشر. وعليه، فإن ضرورة الاستثمار في هذا القطاع من قبل الحكومات العربية باتت تشكل حاجة ملحة للنهوض به وتطويره.

7. تعزيز منتديات الكتابة الإبداعية للشباب: تشـكل المنتديـات الإلكترونيـة ملجـًأ بديـلًا للشـباب عـن النشـر الورقـي التقليـدي، حيـث تنشـر فـي هـذه المنتديـات الآلاف مـن الروايـات بالفصحـى والعامّيـة؛ لـذا نقتـرح أن تقـوم وزارات الثقافـة فـي كل بلـد عربـي بإنشـاء مواقـع ومنتديـات إلكترونيـة يمـارس فيهـا الشباب هواية الكتابة، وينشرون فيها إبداعاتهم، ويكون فيها نوع من الإشراف والتوجيـه مـن مختصيـن فـي الكتابـة الروائيـة ليسـاعدوا الشـباب علـى صقـل مواهبهـم الإبداعيـة.

8. إنشاء مسابقات للكتابة الابداعية في المنصات الالكترونية، حيث تنتخب الروايات الأفضل لتحصل على جوائز مادية وتقديرية، وترشح للنشر الورقي كل الروايات الفائزة بالمراكز الأولى، وهذا من شأنه أن يساعد على زيادة النشـاط الإبداعـي لـدى الشـباب مـن ناحيـة، ويسـاعد أيضًا علـى إثـراء المحتـوى العربـي الالكتروني من ناحية أخرى.

9. تطوير قواعد موحدة لكتابة المحكية في الحوارات الروائية: أشـرنا فـي مبحثنـا إلـى أن كثيـرًا من الروايـات العربيـة المعاصرة تسـتخدم حـوارات مكتوبة بالمحكيّات العربيّة المختلفـة، وقـد لاحظنا تنوعًـا واختلافًا فـي كتابـة كثيـر مـن الأحرفّ حتـى ضمـن المحكية الواحـدة. لـذا، نقتـرح، وضمـن رؤيتنـا لّلغة العربيـة الواحـدة، تطويـر نظام لكتابة المحكية في الأعمال الروائية بحيث تدخل في المنظومة اللغوية العربيـة بـدل مـن تركهـا علـى الحـال الاستنسـابية التـي هـي عليهـا الآن.

5.4 في مجال التكنولوجيا

1. زيادة مستوى التمويل والاستثمار في المشاريع الخاصة باللغة العربية والتكنولوجيا: لكي يكون هذا الاستثمار فاعلًا، ينبغي أن يمتد على مستوى العالم العربي كلـه، ويشـمل المشـاريع الصغيـرة والبادئـة والمواهـب الناشـئة ورواد الأعمـال فـي هـذا المجال.

2. إنشـاء المزيـد مـن الهيئـات والمنظمـات الخاصة بحوسـبة اللغـة العربيـة ورصد المحتوى الرقمي العربي: يكون من مهامها القيام برصد دوري لجهود الحوسبة وللمحتوى الرقمي باللغة وإجراء دراسات وإحصاءات تؤسس على هذا الرصد، ومن ثم البناء عليها للخروج بتوصيات يتم تعميمها وتطبيقها في الجهات الحكومية والخاصة.

3. تنشيط البحوث العلمية والدراسات الخاصة بالذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة العربية: هنـاك حاجـة ماسة للمزيـد مـن الجهـود البحثية حـول الدمج بيـن اللغـة العربيّة والتقنية بـكل فروعهـا، وعلـى وجـه الخصـوص الـذكاء الاصطناعـي ومعالجـة اللغـات. وهـذه الحاجـة تسـتدعي تبنـي هـذه البحـوث والدراسـات ودعمها مـن المؤسسات الحكومية والخاصة.

4. الشروع في تعليم لغات البرمجة العربية وتطبيقها: الحاجـة إلـى تأسـيس برمجـة آلية باللغـة العربيّة مـن الضـرورات الملحـة لتحقيـق نهضـة تكنولوجية عربية، لذا، ينبغي إدماج تعليم لغات البرمجة بالعربية في البرامج الدراسية بدءًا من الصفوف المبكرة ووصولًا إلى المقررات والتخصصات الجامعية. كذلك ينبغي تجاوز التركيز على أساسيات الحاسوب فقط في البرامج الدراسية والتوسع إلى آفاق تكنولوجية أخرى كالذكاء الاصطناعي لمواكبة العصر، وتهيئة الأجيال الجديدة للانخراط الفاعل في ميدان التكنولوجيا.

5. التوعية بثقافة توثيق المراجع والمصادر على شبكة الانترنت العربية: إن التوثيـق الدقيـق للمراجـع والمصـادر شـرط أساسـي لكتابـة أي محتـوى علـى الشـبكة العربيّة، وهنـاك حاجـة لتعزيـز الوعـي بضـرورة الالتـزام بالحقـوق الفكريـة، والتأكيـد علـى أهمّية نسـبة الآراء والأفـكار لأصحابهـا الأصلييـن بغيـة الحفـاظ علـى المصداقيـة فـي الشـبكة العربيـة.

6. الترويج لمحركات البحث العربية وتطويرها: وجود محركات بحث ذات قواعد بيانات عربية وتعتمد على معالجة اللغة العربية سـيجعل تجربـة الباحـث والمسـتخدم العربـي أكثـر سلاسـة ومرونـة، وخصوصًـا إذا كانـت محركات البحث تعتمد على تقنيات مطورة كالذكاء الاصطناعي. ومن الضروري توعيـة المسـتخدمين العـرب بوجودهـا وبفائدتهـا وسـهولتها فـي التوصـل إلـى النتائـج باللغة العربية بشكل أدق وأسرع.

7. رقمنة المعاجم والمخطوطات العربية: هنـاك ضـرورة للمسـارعة فـي رقمنـة المعاجـم المعروفـة ورقيـًا، والعمـل علـى تحديث محتواها وتوسيعه واعتمادها من قبل الجهات التعليمية لتكون مراجع للطلاب وللمتعلميـن، بالإضافـة إلـى رقمنـة المخطوطـات والكتـب والمسـتندات الورقيـة بغية حفظهـا وتخزينهـا علـى المـدى الطويـل.

8. تضمين استخدام أنظمة التحليل الصرفي العربيّة في مختلف التقنيات: بـات اعتمـاد شـركات التقنية لأنظمـة التحليـل الصرفـي العربـي مطلبًا مهمًـا لمعالجة اللغـة وبنـاء تقنيات الـذكاء الاصطناعـي المختلفـة، ذلـك أن هـذه الأنظمـة تتيـح للآلـة فهم اللغة العربية وتحليل مفرداتها وتفرعاتها الصرفية ومن ثم إنتاج معنى متكامـل وواضـح.

9. تكثيف المكتبات والموسوعات الرقمية العربية: هناك حاجة ماسة لدى المستخدمين الناطقين بالعربية إلى موسوعات ومنصات باللغة العربية على غرار ”ويكيبيديا“ العربية، ومنصة ”موضوع“، و“الموسوعة العربية“. وتعتمد هذه الموسوعات على قواعد بيانية كبيرة، لا سبيل لوجودها وازدهارها إلا عبر تكاتف مستخدمي الانترنت العرب بالإسهام في ترجمة الأوراق العلمية والمقـالات إلـى العربيّة، أو بتوليـد محتـوى علمـي غيـر مسـبوق يثـري تلـك الموسوعات.

10. زيـادة التواصـل بيـن المؤسسات التـي تعمـل علـى تطويـر البرامـج والمنصـات العربيـة: إن العامل الضامن لنجاح المؤسّسات التي تعمل على تطوير البرامج والمنصات العربيّة وإثـراء المحتـوى الرقمـي العربـي هـو التواصـل المسـتمر مـن أجـل رفـع مسـتوى التنسيق بينها؛ مما يحقق التكامل بين المبادرات العربية المتنوعة في هذا الميدان.

5.5 في مجال الترجمة والمصطلح

1. إجراء قراءة دقيقة لواقع الترجمة، تتوسل الإحصاءات لاقتراح خطة عربية شاملة للترجمة تعمل على الموازنة بين الحاجـة والإنتـاج وسـد الثغـرات التـي تعانيهـا كثيـر مـن الحقـول المعرفيـة فـي العالـم العربـي نتيجـة ضعـف وتيـرة الترجمـة فيهـا، إذ يتعـذر النهـوض بـأي قطـاع معرفـي مـالـم يـدرس واقعـه بعنايـة ودقة ومـا لـم توضـع خطـة شـاملة للنهـوض بـه.

2. إيجاد مؤسسة عربية علمية موحدة ومرجعية جامعة تأخذ على عاتقها مسؤولية المَعْيَرة والتقييس، ويكون لها هيئات ناظمة: (1) توحد جهود الترجمة وتنسقها؛ و(2) تشرف علميًا وتوجيهيًا على دور النشر والمؤسّسات المعنية بالترجمة؛ و(3) تضبط المصطلحـات في الحقول المعرفية المختلفة وتحدّث المعاجم وتسد الثغرات الموجودة فيها لتواكب المستجدات المعرفية، وتعمم هذه المصطلحـات والمعاجم وتضعها في متنـاول الجميـع؛ و(4) تضـع آليات منهجية ضابطـة واسـتراتيجيات واضحـة لتأطيـر عملية الترجمة ولا سيما التخصصية منها لتكون مرجعًا للمترجمين.

3. ولكي يكون لهذه المؤسسة ثمرة ملموسة على الواقع العلمي والأكاديمـي العربـي، فـلا بـد مـن تعاونهـا مـع الجامعـات لتكـون موئـلًا يرجـع إليه فـي ضبـط المصطلحـات العلميـة وتوحيدهـا وأيضًا لتغـذي مراكـز الأبحـاث الجامعيـة بما يجري عمليًا في الواقع الترجمي على الأرض وبحاجات السوق.

4. ولا بدّ للدوائر الجامعية من أن تنظّر للترجمـة وللمنهـج المعتمـد فيهـا لتكـون عملية الترجمة بعيدة كل البعد عن الذوق الشخصي ومحتكمة إلى إطار منهجي علمي ومرجعي. ولا بد أيضًا للجامعات من أن تضمن التواصل ما بين المنظرين للترجمـة والعامليـن فيهـا، إذ يستشـف المتتبعـون للواقـع الترجمـي وجـود ٍ قطيعـة مـا بيـن العامليـن فـي حقـل الترجمـة ومـا بيـن المنظريـن لهـا، وبالتالـي يجـب العمـل علـى رأب هـذا الصـدع.

5. ضـرورة السـعي الدائـم لـدى المترجميـن للتحلـي بشـجاعة الابتـكار ضمـن الأطر المرجعية الناظمـة لفعـل الترجمـة، والاسـتفادة مـن أوزان اللغـة العربيّة والتعـرف عليهـا وعلـى جوازاتهـا وعلـى الاشـتقاقات الصرفيـة واختيـار أنسـبها للمفهـوم قيـد الترجمـة، والاسـتفادة مـن نظـام السـوابق واللواحـق فـي توليـد المصطلحـات.

 6. التعاون الحقيقي والفعلي البناء ما بين المترجمين والخبراء اللغويين المختصيـن، إذ غالبًا مـا يقـوم المترجمـون فـي الوطـن العربـي بتأديـة الدوريـن معًـا، ولابـد مـن إيجـاد شـبكات تواصـل مـا بيـن الفريقيـن، لمعرفـة الروابـط مـا بيـن المصطلحـات ما وشجيرات المفاهيم المتولدة عنها، إذ لا يمكن اجتراح مقابل عربي لمصطلح دون الركـون إلـى الشـجيرات المفاهيمية المرتبطـة بـه ودون التعـرف علـى تاريـخ هـذا المصطلح وتطوره.

7. التفكير مليًا بما بعد الترجمة، فالترجمة حلقة أولى في عملية المثاقفة والتراكـم المعرفـي، وبالتالـي يجـب النظـر إلـى الترجمـة علـى أنهـا جـزء مـن مشـروع حضاري واعد لا عمل تقني محدود.

5.6 في مجال البحث العلمي وتعريب العلوم

1. رفع مستوى الجودة في المنتج العلمي العربي باللغة العربية عن طريق توفير قياس عربي لمعامل التأثير واستحقاق الامتياز في مستوى جـودة تعليـم العلـوم والبحـث العلمـي فـي الجامعـات ومراكـز البحـث وقنـوات النشـر. والقصـد مـن هـذا المقيـاس هـو الارتقـاء بالمنتـج العلمـي بالعربيـة إلـى مسـتوى مـن التنافسـية العربيّة إقليميًا يضمـن فـي مرحلـة أولـى تشـبيكًا عربيًـا داخـل المجتمـع العلمي العربي وفق معايير توفر حاجات المجتمعات العربية التنموية، ثم تراجع هـذه المعاييـر تدريجيًا لتكييفهـا مـع المسـتوى العالمـي وفـق خطة زمنية تدريجيـة.

2. توفير الانتشار والتلاقح للمنتجات العلمية العربيّة باللغة العربية من خلال توفير شبكة الشراكة العلمية بين مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحـث العربية. وقـد تكـون هـذه الشـراكة مـن متطلبات التخـرج الجامعـي أو الترقيـات، وهو ما يتطلب نصوصًا قانونية واتفاقيات تمنح الشـراكة العلمية العربيّة-العربيّة صفـة الإلـزام مـن حيـث الاعتمـاد الجامعـي. وتنظـم هـذه النصـوص والاتفاقيات – وفـق خطّة مسـبقة متَفـق عليهـا علـى مسـتوى الـوزارات والمؤسّسات العلمية – المنتج العلمي العربي باللغة العربية وفق حاجات كل إقليم وبما يستثمر موارده أحسن الاستثمار.

3. تفعيل الشراكة مع الأطراف الأجنبية لرسم استراتيجيات إدارة المعرفة اللغوية واستثمارها في سوق العمل، وتسخيرها لخدمـة تطويـر المعرفـة العلمية العربيّة باللغـة العربيـة علـى مسـتوى تعليـم العلـوم أو البحـث العلمـي. وتمتـد الشـراكة إلـى التلاقـح العلمـي ليتزود منـه الباحـث العلمي العربـي فـي نقلـه للمعرفـة إلـى اللغـة العربيـة.

4. توفير الانتشار للمنتج العلمي البحثي العربي عبـر ضمـان ”المرئية“ (أو الإتاحـة فـي قنـوات النشـر العالميـة) مـن خـلال توفيـر جهـاز ترجمـي علمـي ينقـل الأبحـاث العلمية مـن العربيّة إلـى اللغـات الاجنبيـة. وهـذا الأمـر يسـمح بمواكبـة المنتجـات العلمية باللغـة العربيّة لمعاييـر الجـودة العالميـة والدخول إلـى معتـرك التصنيـف العالمـي.

5. إقامة مراكز عربية (مراكز مشتركة بين الأقاليم العربية (متخصصـة فـي الترجمـة العلمية مـن وإلـى العربية، وتكـون مـن لجانهـا هيئـة تعنـى بالتكييف الاصطلاحي واقتراح مدخلات علمية جديدة في اللغة العربية ونشر اعتمادها بين المؤسّسات الجامعية والمراكز البحثية.

6. العمل على مشروع لمنهج عربي موحّد في الكتابة العلمية البحثية أو الكتابات الوظيفية الأخرى، تجري مراجعته دوريًا لتطوير أساليب التحرير والتوثيق في الكتابة العلمية في العلوم البحتة أو في العلوم الانسانية. وهذا على غرار منهج  APA لجمعية علم النفس الأمريكية أو منهج Turabian لجامعة شيكاغو.

7. إنشاء بنك معرفة عربي ذي سيادة استراتيجية، تناط به مسؤوليتا إدارة المنتجات المعرفية باللغة العربية وتدويرها. أما الإدارة فتعنى برصد منتجات العلوم بالعربية وإتاحة الوصول إليها وتنظيم الاستفادة منها بين المؤسّسات التعليمية ومراكز البحث العلمي. وأما التدوير فيعنى بالعمـل علـى تحويـل المخرجـات البحثية مـن البحـث النظـري إلـى الإنتـاج المـادي، ويتـم ذلـك عبـر دعـم قطاعـات التعليـم والبحـث العلمـي مـن خلال توفيـر الرعايـة المادّيـة للباحـث العربـي العلمـي بتشـبيك الجامعـات والأفـراد بصناع القـرار السياسـي وبمـوارد التمويـل، وإشـراك القطـاع الخـاص فـي الإنتـاج العلمـي بالعربية بـدل إلقـاء الحمـل كلـه على القطاع العام المثقل أساسًا بالالتزامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

8. إنشاء “وزارة تعريب العلوم”، وهي جهاز سيادي تنفيذي ينظم مجتمع المعرفة العربي ويدير الإنتاج العلمي باللغة العربية. ومن مسؤوليته رصد حاجات المجتمع العربي وتقدير موارده الطبيعية ورأس ماله البشري واللغوي من أجل رسم خطة زمنية موجهة لتنفيذ مشـاريع العلـوم باللغـة العربيّة فـي المجتمـع العربـي وفـق برنامـج بحثـي واقتصـادي واجتماعي مدروس. ومن الأهداف المنوطة بهذه الوزارة: إدارة الموارد البشرية والمقدرات المادية وفق برامج اجتماعية واقتصادية وسياسية وعلمية؛ ومراجعة المناهـج والأهـداف فـي مجـال تعليـم العلوم؛ وإعـادة تحديـد الأولويات البحثيـة؛ وتنظيم الشـبكة التنموية فـي اسـتثمار رأس المـال اللغـوي معرفيًا لخدمـة المجتمـع العربـي؛ وتسـيير النشـاط العلمـي ومجـالات اسـتثماره فـي مجتمعـات المعرفـة بشـكل فعـال ومسـتمر ينظم ويربـط بيـن التعليـم الأساسـي والمؤسسات الجامعيـة ومخابـر البحـث ومختلف القطاعات الأخرى التي لها علاقة بتعريب العلوم.

5.7 في مجال اعتقادات الطلاب الجامعيين ومواقفهم من اللغة العربية

1. تطوير مبادرات لتعزيز وجود اللغة العربية في التخصصات العلمية في الجامعات العربية: ومـن هـذه المبـادرات نقتـرح ”اللغـة العربيّة عبـر التخصصـات“، وهـي مبـادرة تهـدف إلـى إدخـال اللغـة العربية إلـى مسـاقات تـدرَّس باللغـة الانجليزيـة فـي مجـالات كالاقتصـاد والعلوم الاجتماعية والصحة العامة وإدارة الأعمال عبر وحدات تعلمية قصيرة، يكـون الهـدف منهـا تعريـض الطلاب إلـى مـواد باللغـة العربيـة تتنـاول جانبًـا مـن جوانـب الموضـوع الـذي يركـز عليـه المسـاق (مثـلًا قضيـة البيئـة، أو التنميـة المسـتدامة، أو التوعيـة الصحّية… إلـخ). ويكـون مطلوبـًا مـن الطلاب فـي الوحـدة قـراءة مقـالات باللغـة العربيّة تتنـاول تخصصهـم ومناقشـة مـا قـرأوه، ثـم القيـام بكتابة ورقـة قصيـرة أو تقديم عرض شفوي بالعربية. والهدف من هذا كله هو ربط اللغة العربية بالتخصصات العلميـة وتحفيـز الطلاب للنظـر إلـى اللغـة العربيـة كعنصـر فاعـل فـي تشـكيل وعيهـم المهنـي والأكاديمـي.

2. السعي الدؤوب إلى استبدال الشعور السائد بين كثير من الطلاب بأن اللغة العربية صعبة مقارنة باللغات الأخرى التي يعرفونها بالشعور بالثقة في قدرتهـم علـى تطويـر مهاراتهـم بهـا والراحـة فـي اسـتخدامها، خاصة وأنهـا لغتهـم الأم. ولعـل كيفية تذليـل هـذا الشـعور والتغلب ـعليـه تمثـل واحـدًا مـن أبـرز التحديـات التـي  تواجهها العربية اليوم، وهي تتطلب مراجعة جذرية لكثير من مقاربات تدريس العربية التي تسهم في تغذية هذا الشعور.

3. تغيير المقاربات البيداغوجية المتبعة في تدريس اللغة العربية في المدارس بشكل يعكس الرغبات التي عبر عنها الطلاب الجامعيون في الاسـتبانة: تنـوع فـي الأنشـطة والمـواد الدراسـية المسـتخدمة، نصـوص حيـة ممتعـة ّتتصـل بحيـاة التلاميذ وبيئتهـم واهتماماتهـم، تخفيـف مـن درجـة التركيـز علـى دراسـة القواعـد والتراكيـب بمعـزل عـن السـياقات التـي تسـتخدم فيهـا هـذه التراكيـب، مواقـف إيجابية مـن المعلميـن وتشـجيع مسـتمر منهـم للتلاميذ، وإيمـان بقـدرة هؤلاء علـى تعلم العربية، تركيـز أكبـر مـن المعلميـن علـى خلـق نشـاطات تفاعليـة بيـن التلاميذ فـي الصـف وحثهـم علـى اسـتخدام اللغـة بشـكل مسـتمر.

4. ضرورة وجود رؤى واستراتيجيات وطنية في الدول العربية تؤطـر المقاربـات والممارسـات المتصلـة بتدريـس العربيّة وتنسـقها بين كافة مؤسسـات التعليـم بشـكل يجعـل تدريـس العربيّة متوازنـًا فـي المـدارس الخاصة والحكوميـة، ويلزم المـدارس الخاصة بـأن تولـي عنايـة أكبـر بتعليـم العربيـة وبتطويـر طـرق تعليمهـا لتكون علـى نفـس مسـتوى جـودة تدريـس اللغـات الأجنبيـة الـذي تفاخـر بـه كثيـر مـن المدارس الخاصة وتعتبـره أهـم مـا يميزها.

5. تغييـر الممارسـة السـائدة حاليًا فـي كثيـر المـدارس الحكومية والخاصـة في المرحلـة الثانوية بتخفيـض عـدد السـاعات المخصصـة للغة العربيـة علـى اعتبـار أن العمـل علـى تطويـر المهـارات اللغوية العربيّة قـد تـم فـي المرحلتيـن الابتدائية والإعدادية، ومن ثم لم تعد هناك حاجة لتخصيص أكثر من ثلاث إلى أربع ساعات أسبوعيًا يتم التركيز فيها على دراسة الأدب. وهذه ممارسة نرى أن لهـا تداعيـات سـلبية علـى تطويـر قـدرات الطلاب فـي اللغـة العربيّة، ذلـك أن المرحلـة الثانوية، فـي تقديرنـا، تتطلـب تركيـزا أكثـر علـى اللغـة، ولكـن ليـس مـن خلال التوسـع فـي دراسـة النحـو بشـكل نظـري أو التعـرض للأدب بالشـكل التلقينـي التقليـدي، ولكـن عبـر تعزيـز القـدرات التحليلية والنقديـة لـدى الطلاب مـن خـال العمـل علـى مشـاريع تدربهم على البحث والكتابة الأكاديمية بالعربية في موضوعات وثيقة الصلة باهتماماتهم والواقع المحيط بهم.

6. ضرورة أن تبذل الحكومات العربية المزيد من الجهد لدعم اللغة العربية وتمكينها في الدول العربية، فغالبيـة الطلاب الجامعييـن عبّروا عـن رأي واضـح وصريـح بـأن مـا قامـت بـه الحكومـات إلى الآن غير كاف لتغيير واقع اللغة العربية ومساعدتها على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

5.8 في مجال تطوير مناهج العربية وطرق تدريسها

1. إنشاء مركز أبحاث لتعليم اللغة العربيّة وتعلمها يؤسس على تجربة المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج العربي ويوسعها لتشـمل الـدول العربيّة جميعهـا، ويكـرس جهـوده لخدمـة اللغـة العربيـة فـي المجـالات التالية: التركيز على إجراء البحوث المتصلة بالنواحي البيداغوجية في تعليم العربيّة وتعلمهـا، والاسـتقصاء المسـتمر للنظريـات والمقاربـات الجديـدة فـي هـذا المجال وكيفية تطبيقها.

2. توفيـر البحـوث والدراسـات المحكمـة التـي تسـتهدف فئـة القـارئ العربـي العـادي من المعلمين والمشتغلين في القطاعين التعليمي والتربوي؛ أي المعلمين والموجهيـن والإدارات، والقـارئ المثالـي مـن المتخصّصيـن فـي المجاليـن التعليمـي والتربـوي، مـن خلال إصـدار مجلة بحثية تخصصية شـهرية أو فصليـة، تعنى بالدراسـات التربوية واللغوية، ونشـر الأبحـاث ذات الصلـة بتعليـم اللغـة العربيّة وتعلمهـا.

3. تطبيـق مشـروع ”رخصـة المعلم“ فـي جميـع البلـدان العربيـة، والعمل المشـترك علـى توحيـد برامجهـا التدريبية ومعاييرهـا وشـروطها وقياسـها عربيًا، وجعلهـا شـرطًا أساسـيًا لقبـول مـن يرغـب بامتهـان التعليـم بمـا يضمـن أهليتهـم لذلـك وجدارتهـم بـه، والتركيـز فيهـا علـى قيـاس معرفـة المتقدميـن بـكل مـا يتعلق باللغـة العربيـة كاختصاص، وباستراتيجيات التدريس، وبالمقاربات البيداغوجية الجديدة، والمهارات الشـخصية التواصليـة.

4. إطـلاق مشـاريع تحق ـق بيئـة انغمـاس تدريبـي للمعلميـن تكـون علـى مسـتوى العالم العربي، نحو: المعسكرات الصيفية التي من شأنها تبادل الخبرات والاستفادة منها، والاطلاع على التجارب الجديدة والتدرب عليها.

5. إعـداد ممتحنيـن رسـمي ين لقيـاس الكفـاءات اللغوية الشـفوية، ووضـع الحقائـب التدريبيـة اللازمة لذلـك.

6. تهيئـة مدربيـن معتمديـن للمهـارات اللغوية والتربويـة، وجعـل التدريـب سياسـة تعليمية مستدامة في المدارس الحكومية والخاصة تلزم المعلمين بتطوير مسـتوياتهم المعرفية، وقدراتهـم الأدائية، وبالتجديـد والخـروج عـن النمطيـة والتقليـد.

7. دراسـة المناهـج التعليميـة وتقييمهـا، وتقديـم الـرؤى المقترحـة لتصميـم مناهـج تعليمية بالاعتمـاد علـى معاييـر الكفـاءة؛ وذلـك لمسـاعدة البلـدان التـي لمـا تبـدأ تجربة تطوير مناهج تعليم اللغة العربية بعد، أو التي تحتاج إلى دعم لإنجاز ذلـك، مما يختصـر الوقـت والجهـد أمامهـا، ويقـدم لهـا خلاصـة التجـارب العربيـة فـي هـذا المجـال والمنهجية التـي يجـب اتباعهـا لمواكبـة بقية الـدول العربيـة.

8. اعتمـاد مبـدأ الربـط فـي وضـع مناهـج تعليـم اللغـة العربيـة الـذي يحقـق بنـاء نسـق تعّلمـي شـامل، توظـف فيـه المكتسـبات والتعلّمـات المتتابعـة والمتكاملـة والمتطـورة، مـع التقـدم بالمسـتويات والمراحـل الدراسـية بمـا يحقـق الكفايـات التـي يجـب علـى المتعلِّمين اكتسـابها بعـد إنهـاء المرحلـة المدرسـية.

9. إطلاق مشروع معايير تعليم اللغة العربية للناطقين بها على مستوى العالم العربي، يشارك فيه مجموعة من الباحثين والاختصاصيين من جميع البلـدان العربيّة، وبالمشـاركة مـع وزارات التربيـة والتعليـم، والجهـات العامة والخاصة التـي تعمـل فـي هـذا المجـال، لإنتـاج معاييـر عربية موحدة لتعليـم اللغـة العربيـة للناطقيـن بهـا فـي مرحلـة التعليـم العـام ومرحلـة التعليـم الجامعـي. فمـا تحتاجـه المناهج التعليمية، هو بناء معايير موحـدة لتعليم اللغة العربية للناطقين بها تبين المعارف والمهارات والوظائف والسياقات ونوع اللغة التي يجب أن يكتسـبها متعلم اللغـة العربيّة فـي نهايـة تعلمـه المدرسـي ؛ وذلـك بغـض النظـر عـن الدولـة أو المنطقـة أو المدرسـة التـي يـدرس فيهـا، وهـذا مـا سـيجعل مـن تعليم اللغـة العربيـة فـي جميـع البـلاد العربيّة يحقـق الأهـداف ذاتهـا بشـكل يجعـل قياسـها ممكنًا عـن طريـق امتحانـات كفـاءة محكمـة.

10. التركيز على بناء المناهج التعليمية على أساس الوظائف اللغوية والمهـارات الأربـع، ووضـع مصفوفـة المعاييـر المتضمنـة توصيفات لكل المسـتويات الدراسـية مـن حيـث الوظائـف والمهـام والمهـارات اللغويـة التـي تعمـل المقاربـات البيداغوجية الجديدة على بنائها وتنميتها ونوع الكلام والسياق والسامة اللغوية، ووضـع الاختبـارات والامتحانـات المنسـجمة مـع المنهـج الوظيفـي التفاعلي التواصلـي المعتمد فـي السياسـة التعليمية فـي الـدول العربيـة والتـي تعكـس مخرجاته.

11. تشجيع التعلم الذكي الذي يهدف إلى توظيف التكنولوجيا المتطورة في إحـداث تغييـر إيجابـي فـي منهجيات التعليـم التقليـدي، وخلـق المنصات التعليميـة والبرامـج والمـواد اللازمة لـه، ليكـون ميسـرًا لقيـام المعلميـن بدورهـم التعليمـي، وداعمًا لعمليـة التدريـس ومواجهـة الصعوبـات التـي تواجههـا كمشـكلة اكتظـاظ الصفـوف.

12. التركيز على التعلـم التعاوني في المستويات الدراسية كلها، وبناء المهـارات وتنميتهـا لـدى المتعلميـن فـي تنفيـذ الأسـس التـي يسـتند إليهـا مـن الاعتمـاد المتبـادل الإيجابـي فـي إنجـاز المهـام المطلوبـة، والتفاعـل المباشـر، واتخـاذ القرار وتحمل مسؤوليته وتنفيذه عمليًا.

13. التركيـز علـى مهـارات التفكيـر التحليلـي والنقـدي وتشـجيعها، وجعلهـا أساسـية في المستويات كافة؛ كي يتعلم الطلاب كيفية مقاربة المشاكل، وطرح الأسئلة، والربط بين الظواهر المختلفة، وتكوين المعرفة لديهم بصورة مستقلة.

14. العمل على وضع نظام التقييم والامتحانات والاختبارات القياسية للّغة العربيـة بمـا يتوافـق مـع الرؤيـة الجديـدة لتطويـر المناهـج، بالتركيـز علـى المعرفـة والمهـارة اللغوية التـي يحتاجهـا المتعلمـون فـي كل مرحلـة مـن المراحـل بعيـدًا عـن المحتـوى والكتـاب المقـرر.

5.9 في مجال تعليم العربيّة وتعلمها في العوالم الجديدة

1. ضرورة إقامة مرجعية دولية للّغة العربية لتعزيز حضور اللغة العربيّة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًّا في العوالم الجديدة.

2. ثمة حاجة إلى استقراء واقع العربية في العوالم الجديدة، والعنايـة بالبحـوث العلمية المختصـة في دراسـة دوافع الطلاب والمقاربـات البيداغوجية السليمة التي يجب اتباعها والمقاربات التعليمية المثلى التي تضمن تعليم العربية بسياقات هي أقرب إلى الاكتساب منها إلى التعلم المصطنع. فتسارع وتيرة الاهتمام باللغة العربية فـي الفتـرة الأخيـرة يتطلـب تسـارعًا متزامنًـا فـي إجـراء البحوث عـن واقـع هـذا التعلم لناحيـة الكـم والكيـف سـعيًا لإيجاد سـبل فعالـة وناجعـة لتطويـر حضورهـا وانتشـارها. كمـا أنه مـن المهـم ترجمـة البحـوث الأجنبية المهمـة إلـى اللغة العربية ليسهل على الباحثين في المنطقة العربية الاطلاع عليها وكذلك لكي يكونوا مساهمين فاعلين في تطوير واقع العربية في عالمهم وفي العوالم الجديـدة.

3. إعادة النظر في المناهج، لمعرفـة مواطـن ضعفهـا وقوتهـا، والتفكيـر فـي تطويرها بحيـث تعلم المهـارات اللغوية وتقوم بشكل تكاملي لا فردي. كما ينبغي عمل دراسة حالة للبلدان لتصميم مناهـج مناسـبة لهـا ثقافيًا، فمناهـج العربيّة التـي تناسـب الولايـات المتحـدة وأوروبـا قد لا تناسب منطقة شرق آسيا أو إفريقيا. إضافة إلى ذلك من الضروري التفكير فـي تصميـم مناهـج للعربية لأغراض خاصة، بحيـث تكـون هنـاك مناهـج متنوعـة تخدم أغراضًا مهنية مختلفـة بحسـب توجهـات الطلبـة.

4. دمج الجانب الثقافي في المناهج، وذلـك عبـر تصميـم مناهـج لبرامـج التبـادل الثقافـي لتحقيـق أقصـى فائـدة تعليميـة منها، ودعمها وتنظيمها، وتصميم الكتب والمواد التعليمية التي تركز على العناصـر الثقافية المتنوعـة، وإدراج اللهجـات لتفعيـل قـدرات الطلاب علـى التواصـل فـي مواقـف الحيـاة اليوميـة.

5ـ. توفير مواد تعليمية إضافية نظـرًا للنقـص فـي المـواد الإلكترونية وخاصـة المسـموع منهـا، وسـيكون مـن المفيـد خلـق منصة إلكترونية متاحـة للمعلميـن للاستعانة بمـواد تسـاعد فـي تطويـر قـدرات الطلاب فـي مهارتـي الاسـتماع والتحـدث خاصـة.

6. إعداد متخصصين في تعليم العربيّة كلغة أجنبية، والاهتمـام بتخصص تعليمهـا للأجانـب فـي جامعاتنـا العربيّة بدايـة، ومـن ثـم التعـاون مع الدول الأجنبية لتدريب وتأهيل كفاءات عربية وأجنبية تواكب زيادة الاهتمام بتعلمهـا، وتـدرب المعلميـن الحالييـن بشـكل خاضـع لمعاييـر علميـة دقيقـة.

7. بناء الشراكات وتنظيمها بين المؤسّسات التعليمية في العالم العربي والدول الاجنبية، لأن ذلـك سيسـاعد حتمًا فـي تعزيـز حضـور برامـج التبـادل الثقافـي وإمكانيـة اسـتفادة الطلبـة منهـا، كمـا يشـجع علـى العمـل المشـترك لمراجعـة المناهـج وتطويرهـا وبنـاء طاقـات ذات كفـاءة عاليـة تعلم العربيـة.

—————————————————————

هذه المقترحات هي بمثابة خارطة طريق يمكن أن نهتدي بها في سعينا للتأسيس لمستقبل جديد للغة العربية، يبني على العناصر الحية في تراث العربية، ويحتضن نبض الواقع وحركيته. يبقى أن ندرك بأن الخطو على طريق المستقبل لا يمكن أن يتحقق إلا بإيمان راسخ باللغة وبقدراتها على مواجهة التحديـات ومواكبـة تغيـرات العصـر، وبالتخلـي عـن المقاربـات القائمـة علـى الخـوف وعلى حجر اللغة في قوالب الماضي، وبسعي حثيث من الجميع حكومات ومؤسّسات وأفرادًا لفتح الأبواب أمام العربية في مناحي الحياة كلها، وإتاحة المجـال لهـا لتكـون عنصـرا فاعـلًا في النهضـة العربية الجديـدة علميًا وتقنيًا وثقافيًا، ولتظل رمزًا لهوية متسامحة، منفتحة على الآخر، واثقة بذاتها، فخورة بتنوعها.