التفكير مع العولمة

ملخص

صار لمفهوم العولمة في علم الاجتماع تأثير كبير في توجيه البحوث والدراسات السوسيولوجية. إذ ظهر هذا المفهوم في الفترة الأخيرة من القرن العشرين. 

وتهدف هذه المقالة، إلى المساهمة في إعادة قراءة مفهوم العولمة، والتعرف إلى أهم الانتقادات التي وجهت إليه، إضافة إلى أهمية استمرار مفهوم العولمة، لمساعدة القارئ في رؤية كيفية تطور المفهوم في علم الاجتماع.

الكلمات المفتاحية

العولمة ـ العولمة الجديدة ـ الثقافة ـ الاقتصاد ـ الدولة 

مقدمة

     توجد كتابات عديدة حول “الــعــولمــــة”، وعلى نطاق واسع في مختلف العلوم الاجتماعية، نظرًا إلى أهمية هذا المفهوم في فهم ما يحدث من تحولات في كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية وغيرها. وهي من المفاهيم العلمية التي انبثقت من مجال علم الاقتصاد وعلم الاجتماع في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين.

    يتميز مفهوم العولمة عامة بأنه مرتبط بتغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية؛ أو بعبارة أخرى، إنه مفهوم يحيل إلى التغير في كل شيء، وفق مجموعة من المميزات التي يجب أن تتفق حولها معظم الأنظمة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وهو مفهوم مرتبط كثيرًا بمجموعة من الآليات أهمها؛ المؤسسات والمنظمات الدولية، والشركات المتعددة الجنسيات، ووسائل الاتصال والمواصلات…إلخ. 

     في هذا السياق يمكن طرح الأسئلة الآتية: ما هي أصول مفهوم العولمة؟ ما المعنى الذي يتخذه مفهوم العولمة في الأدبيات السوسيولوجية؟ وما هي مظاهر العولمة الجديدة؟ وما أهم الانتقادات التي وجهت للعولمة؟ وهل هناك أهمية لاستمرار المفهوم في السوسيولوجيا؟

     وانطلاقًا من هذه الأسئلة، سنحاول أن نعرض تصورنا للعولمة عبر ما تنطوي عليه من اللايقينيات واللامتوقع في عالمنا المعاصر المركب الذي ندعوه بالكوننة، أي المجتمع العالمي، لأن العولمة وضعت الأسس والقواعد من أجل بناء مجتمع عالمي. ومع ذلك، قد تكون مستعصية على البناء بسبب التناقض الذي يميز عملياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية في الآن نفسه.

أولًا: المفهوم العملي

     يأخذ تعريف العولمة أبعادًا عديدة، فهناك من يربطها بتراجع الدولة القومية، وهناك من يربطها بتحرير السوق وتشجيع التبادل الاقتصادي الحر بين الدول، وهناك من يربطها بتعميم الخطاب الواحد على مستوى القيم والأفكار والسلوكات والتمثلات. ولهذا، فإن العولمة من وجهة نظرنا، تعني قيام مجتمع عالمي واحد على الأصعدة كلها؛ بمعنى جعل كل المجتمعات التي تبدو متباعدة جغرافيًا بأنظمتها (الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية) متقاربة، ومترابطة، ومتضامنة، وعلى تواصل دائم مع بعضها بعضًا، فتصير ذات مصالح مشتركة ومصير مشترك (العالم الواحد، المجتمع الواحد).

ثانيًا: أصول المفهوم

     غالبًا ما يتم الحديث عن أن مفهوم العولمة له جذور تاريخية تعود إلى قرون خلت، نظرًا إلى أن الظاهرة في مستواها الكوني، كانت حتى قبل الرأسمالية أو الحداثة، وذلك عبر الهجرات الإنسانية، وظهور الأديان العالمية، وبروز الأنظمة الإمبريالية الأولى، وتطور شبكات التجارة البعيدة المدى بين المناطق المختلفة. إلا أن النقاش حول العولمة يرتبط دائمًا بالعصر الحديث أو المعاصر. إذ يمكن تتبع فكرة العولمة من خلال الأعمال الكلاسيكية التي تم إنجازها في أواخر القرن التاسع عشر، مثل حديث “إيميل دوركهايم” Émile Durkheim حول الانتشار الجغرافي لظاهرة تقسيم العمل، وحديث “كارل ماركس” Karl Marx عن التوجهات الممتدة للرأسمالية، وحديث “ماكس فيبر” Max Weber عن الاقتصاد والقيم المسيحية. غير أنهم يشتركون في تركيزهم على مشكلات المجتمع في أغلب الأحيان، على الأقل في ما يتعلق بأزمنتهم التي كانوا معاصرين لها. وعلى سبيل المثال، نجد أن الإرث السوسيولوجي الذي تركه لنا “دوركهايم” كان يركز في تحليله على المخاوف بشأن التحولات المجتمعية وتأثيرها في نفسية الأفراد. وهو تحليل يحمل تشابهًا كبيرًا مع الحقبة التي نعيشها اليوم بسبب التحول العالمي المتزايد الذي تفرزه العولمة. ومع ذلك، يمكن إرجاع مصطلح العولمة إلى “مارشال ماكلهون” Marshall McLuhan الذي استحدث مفهوم “القرية العالمية” Global Village في كتابه “مجرة غوتنبرغ” في أوائل الستينيات من القرن العشرين. كما يعد كتاب (نظرية منظم العالم) لــ “إيمانويل فالرشتين” Immanuel Wallerstein واحدًا من أهم الأعمال السوسيولوجية التي تفسر ظهور النظام العالمي الحديث، فهو يمثل في الواقع تحليلًا اجتماعيًا للعولمة. ويبين في كتابه أن النظام الاقتصادي الرأسمالي يشتغل على مستوى عابر للقوميات، حيث إن السياسة العالمية والأحداث الاجتماعية تتحرك ضمن إطار عالمي يخضع لمنطق النظام الرأسمالي. وهو نظام يقوم على الترابط بين مختلف المناطق والدول، وهي علاقة تقوم على مركزية الدول الغنية، بينما الدول الفقيرة والمتخلفة فهي جزء من العالم المهمش أو شبه المهمش. وقد نجحت هذه العلاقة في تسريع العولمة، وذلك عبر آليات عديدة مثل المنظمات الدولية، وهي منظمات خلقتها دول الشمال واندمجت فيها دول الجنوب، إذ تقوم بتسهيل التعاون والتعامل الاقتصادي بين الدول، وأشهرها “منظمة التجارة العالمية” World Trade Organization، و”البنك الدولي” The World Bank، و”صندوق النقد الدولي” The International Monetary Fund. إضافة إلى الشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات، وهي شركات تتميز بميزانيات ضخمة تفوق ميزانية دول الجنوب، كما ساهمت مجموعة من العوامل في تسريع العولمة مثل تطور وسائل النقل والمواصلات وانخفاض تكاليف السفر، إضافة إلى ظهور الشبكة العنكبوتية Internet التي ساهمت في ربط الدول بعضها ببعض عن طريق ما هو رقمي. ما جعل من المعلومات الإلكترونية تحل محل اللغة من دون اتصال لغوي مباشر. وبالتالي، فإن كل هذه الآليات والعوامل جعلت من العولمة منظومة معقدة تمتد إلى كل القطاعات والمجالات. وانطلاقًا من عام 1990، دخل مفهوم العولمة في صلب علم الاجتماع مؤثرًا في كل حقوله المعرفية. حيث جاء نتيجة مجادلات في العلوم الاجتماعية، إضافة إلى استخدام وتضمين السياسيين هذه الرؤى بعيدًا عن بعض حكومات اليسار.

ثالثًا: البحث عن المعنى

     قدم الباحثون في علم الاجتماع كثيرًا من التعريفات المتشابهة حول العولمة. فهي تعرف “بوصفها عملية يتم بمقتضاها تحطيم الحدود القومية والدولية عن طريق النشاط الاقتصادي، والسياسي، والثقافي الذي يجري على مستوى العالم بأسره. ويعزى هذا الوضع إلى ظهور الشركات العابرة للقوميات، والتقسيم الدولي الجديد للعمل، وتطور شبكات الاتصال العالمية”، ويعني ذلك أن العولمة تشير إلى سيولة ارتباط العالم بعضه ببعض. وعلى الرغم من أن التعريف العملي الذي أشرنا إليه في البداية قد يتم قبوله من طرف الباحثين على نحو نسبي، فإن هناك بعض الخطابات التي تنظر إلى العولمة بوصفها “علة فاعلة وعلة نهائية لتطور المجتمعات. هي علة فاعلة، عندما نرى في العولمة تفسيرًا للتصاعد القوي لبعض الصناعات على حساب صناعات أخرى، أو لتسارع حركات الهجرة. وهي علة نهائية، إذا ما وافقنا على أن العولمة تؤدي إلى نمو مطرد لانعدام المساواة ما بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة أو إلى تدهور في المناخ”. 

     تضم العولمة عمليات عديدة تؤثر في النشاط البشري، مثل نشر التكنولوجيا الرقمية، والتعاون في مكافحة الأمراض العابرة للحدود، وتشجيع الهجرة الدولية، والتصدي للجرائم الدولية، وتحقيق التبادلات التجارية، وتسويق المنتجات، والبضائع، وغيرها. فمن وجهة نظر أنثروبولوجية “يمكن تعريف العولمة بأنها تسريع لتدفقات رأس المال والكائنات البشرية والسلع والصور والأفكار”. إذ تجعل من النشاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي يجري بسرعة على المستوى العالمي. حيث تؤدي إلى نوع من التوحيد الثقافي وتقليص التباين عبر توحيد الممارسات الثقافية وأساليب الخدمة والعمل داخل المؤسسات والتنظيمات. فهي تعمد في الأساس إلى توحيد نظام الإنتاج والتوزيع والاستهلاك في المجتمعات الإنسانية. وعلاوة على ذلك، فإن هذه العمليات تؤثر في الدولة، ذلك أن العولمة تنتج في الأساس من ضعف الدولة في سيطرتها على جميع النشاط الاقتصادي، فالعولمة تشير إلى تراجع الدولة التي تسمح لعلاقات السوق الدولية أن تحظى بموطئ قدم. لأن العولمة تهدف إلى تعزيز اقتصاد عالمي يتجاوز الحدود الإقليمية، ودمقرطة العلاقات الاجتماعية خارج سلطات الحكومات الحالية، من خلال وسائل عديدة أهمها التطور التكنولوجي. فالعولمة “تعني الزيادة والسرعة في نقل الاقتصاد العالمي، وقد ظهر ذلك في أثناء النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة التكنولوجيا المتقدمة واتحاد السوق الفردية”. 

     كما تتميز العولمة بأنها اتجاه أو خطاب يسعى لتعزيز ما يسمى بـ “المواطن العالمي”، “وهو اتجاه يدعو إلى نبذ المشاعر الوطنية والثقافة القومية والخروج عن النطاق المحدود للمجتمع المحلي، باسم وحدة الجنس البشري”. وبما أن المواطن العالمي يعيش في المكان الذي يعيش فيه الآخرون حتى إن كان بعيدًا عن موطنه الأصلي، فهذا يعني أنه جزء مما يعيشه الآخرون، فهو يساهم بشكل أو بآخر في تجسيده للمجتمع العالمي أو الدولي. فالعولمة تؤثر في إعادة رسم المجالات والأمكنة، فهي “تشكل عالمًا مشتركًا حيث يمكن لكل واحد أن يجد ما يخصه من مؤشرات مهما كان بعده عن موطنه الأصلي”. كما أنه كثيرًا ما ينظر إلى المواطن العالمي على أنه الشخص الذي يعيش في أي مجتمع من المجتمعات التي تضمن له ممارسة الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، مع الحق في التصويت السياسي والمشاركة السياسية. 

     ولعل أفضل معنى يمكن تقديمه للعولمة، هو تعريف كلًا من دافيد هيلد David Held وأنتوني مكرو Anthony McGrew الذي يركز على تنامي الترابط العالمي، فالعولمة بالنسبة إليهما تدل على “النطاق الواسع، والضخامة المتزايدة، وتسريع تعميق أثر التدفقات بين الأقاليم، وأنماط التفاعل الاجتماعي. وتشير العولمة إلى التغير أو التحول في حجم التنظيم الاجتماعي الإنساني الذي يربط المسافات بين المجتمعات بعضها ببعض، ومد نطاق علاقات القوة بين المناطق الرئيسة في العالم، وقاراتها”. حيث نستكشف من خلال هذا التعريف أن للعولمة أربعة مفاهيم:

ـ تمدد العلاقات الاجتماعية، حيث إن الأحداث والعمليات التي تحدث في جزء واحد من العالم لها تأثير كبير في أجزاء أخرى من العالم.

ـ تكثيف التدفقات Intensification of Flows بمزيد من الكثافة الاجتماعية، والثقافية العامة، والاقتصاد، والتفاعل السياسي في أنحاء العالم كافة.

ـ تزايد التداخل بحيث تمتد العلاقات الاجتماعية، كما أن هناك تداخلًا متزايدًا في الاقتصاد والممارسات الاجتماعية لتقريب المسافات بين الثقافات وجعلها تتفاعل وجهًا لوجه.

ـ البنية التحتية العالمية التي تمثل الترتيبات المؤسساتية الأساس الرسمية وغير الرسمية لعمل الشبكات المعولمة.

رابعًا: العولمة الجديدة

     يمكن القول، إن العولمة تتغير من حالتها القديمة إلى حالتها الجديدة، فإذا كانت “العولمة القديمة” مرتبطة بتدفق السلع والخدمات والهجرة عبر الحدود، فإن “العولمة الجديدة” تتعلق بالتكامل الاقتصادي السريع من خلال التبادل الرقمي والتكنولوجيا والابتكار الذي يمس مختلف المجالات، فهي عولمة قائمة على انتشار الأفكار ونشر المعرفة، وفي الوقت نفسه، لها تأثير كبير في النظام البيئي وتؤدي إلى انتشار الأوبئة، حيث يلاحظ تراجع العولمة القديمة، ونمو العولمة الجديدة بسرعة. 

     يلاحظ أن للعولمة الجديدة تأثير كبير في الناس والمجتمعات في أنحاء العالم كافة، بسبب مجموعة من التغيرات في حركة التنقل والمواصلات والاتصالات. فقد قامت بدور كبير في زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، وسهلت أيضًا من النمو الاقتصادي السريع بلدان ومناطق عديدة. وكما يقول “إدغار موران” Edgar Morin: “بدأت تطالعنا خلال العشرية الأخيرة بوادر مجتمع عالمي فهو مجتمع له شبكته من وسائل الاتصال، التي صار لها فروع في كل مكان، وله اقتصاده الفعلي المعولم”. 

     في العولمة الجديدة، ساهم الانفتاح الاقتصادي في إعادة تنشيط الاقتصاد العالمي بعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008. علمًا أننا نتذكر الخطاب حول نهاية العولمة، نظرًا إلى ارتباطها بالنظام الرأسمالي. غير أن العولمة لا تتعلق بالاقتصاد فحسب، لأنها تمثل في نظرنا مشروعًا أيديولوجيًا يسعى إلى جعل المجتمعات أكثر مرونة؛ حيث إن العولمة تسمح بتدفق رؤوس الأموال والمعلومات والمعارف بسرعة كبيرة بسبب تكنولوجيا الاتصال، ما يؤدي إلى التكامل الرقمي لأنها تشمل تكوينًا زمنيًا يجعل من العالم اليوم أكثر ارتباطًا مما كان عليه في السابق. كما أن انفتاح الاقتصادات الوطنية على ما هو رقمي، يؤدي بالأفراد إلى الانخراط بشكل متزايد في عمليات تكامل المعرفة وتعميق الروابط غير السوقية، بما في ذلك تدفق الثقافة والأيديولوجيا والتكنولوجيا. 

     يلاحظ أنه كلما تطورت التكنولوجيا عمومًا في العولمة الجديدة، زادت في إحداث تغير كبير في المجتمعات الإنسانية. وعلى سبيل المثال، هناك اعتماد كبير على الروبوتات الذكية في مجموعة من الصناعات، ما يعني أن هناك تأثيرًا كبيرًا في أسواق العمل، ما يؤدي إلى فقدان الوظائف، ولا سيما في قطاع الصناعات الثقيلة. وقد زاد هذا التأثير في أغلبية البلدان في أنحاء العالم كافة، عندما أصبحت التكنولوجيا تعتمد الذكاء الصناعي وتقنية الاتصال معًا، ما أثر في أسواق العمل ورؤوس الأموال. ولهذا، يجب الانتباه إلى أن البلدان التي ليس لديها إمكانية الوصول إلي هذه التكنولوجيا سوف تبقى معرضة لخطر التخلف عن الركب.

     وقد بات من الواضح أن العولمة الجديدة هي عولمة ناقلة للأمراض المعدية، فمن الحقائق الراسخة أن السكان الذين يعانون من مشكلات اجتماعية واقتصادية هم أكثر عرضة لأوضاع صحية سيئة ويعانون أكثر من الأمراض المزمنة التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية، خصوصًا في سياق COVID-19. ذلك أن العولمة اليوم تؤدي دورًا مهمًا في تغيير حياتنا وطريقة عيشنا. وعلى سبيل المثال، فإن التجارة والسفر أضحت جزءًا مهمًا من حياة الناس، وفي الآن نفسه، تعد أهم المحددات الرئيسة لانتشار المرض. علاوة على ذلك، فإن تعقد الحياة الحضرية والترابط العالمي بسبب التكامل الاقتصادي، قد جعل من العولمة الجديدة آلية أساس في انتقال الأمراض المعدية بسرعة كبيرة. 

     إن العولمة الجديدة تؤدي إلى مخاوف كبيرة بسبب انخفاض التكلفة المخصصة لقطاع الصحة، خصوصًا في الدول النامية أو دول الجنوب، ويتمثل ذلك في “قلة الأطباء والممرضات وأسرة المستشفيات والخدمات الصحية الأخرى، والأكثر هو أن أغلبية الأطباء والممرضات وأسرة المستشفيات تقع في المناطق الحضرية التي تجعل الموقف أكثر سوءًا في المناطق الريفية”. وعلى سبيل المثال، هناك نقص في الأطباء المختصين بأمراض التهاب السحايا، وهو مرض يؤدي إلى العدوى.

     والأهم من ذلك، أن العولمة الجديدة لها تأثير كبير على البيئة، فالنشاط الاقتصادي وتغيير نمط الحياة والتحضر، جميعها لها تأثير في البيئة، وهي تساهم في تغير المناخ. ومع ذلك، نجدها تساهم من خلال التكنولوجيات الجديدة في حل المشكلات القديمة للبيئة، مثل نقل تقنيات العناية بالبيئة عبر الحدود بشكل أسرع. فما يميز العولمة الجديدة، هو أن البيئة أصبحت معيارًا عالميًا وضروريًا للعالم.

     تعمل العولمة الجديدة بتوسيع دور الجهات الفاعلة غير الحكومية في مجال الحماية البيئية؛ حيث إن العالم اليوم أصبح يتطلب إدارة بيئية عالمية، وقد ظهرت بالفعل بنية عالمية أساس من الاتفاقات والمؤسسات الدولية التي تهتم بحماية البيئة والمحافظة عليها. لكن العديد من المشكلات البيئية العالمية تجاوزت أنظمة الحوكمة المصممة لحلها. ومع ذلك، فإن عديد من هذه المؤسسات تكافح، حيث يتعين عليها الاستجابة لمجموعة متزايدة من التحديات العالمية. فهناك “عدد كبير من المشكلات البيئية تعد عالمية؛ لأنها تتطلب القيام بإجراءات قومية ودولية لمواجهتها؛ فتسرب الغاز من مصادر مختلفة من دول عديدة، وتدمير الغابات المدارية عن طريق دول مختلفة، والتصحر الذي يؤدي إليه نشاط الأفراد في دول عديدة، وانخفاض التنويع البيئي في المحيطات أو الغابات أو الجو، تعد كلها مشكلات عالمية تتطلب القيام بإجراءات دولية وعالمية لمواجهتها”.

     في هذا الإطار، إن العمليات البيئية (تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي)، والعمليات الاجتماعية البشرية (أي مصالح الشركات، والثقافة والنمو السكاني)، يمكن أن تحدث الأوبئة في المستقبل. ولذلك، فإن التدخل يتطلب تعديلات أو تثبيط هذه المولدات ومنع الأوبئة في المستقبل التي من شأنها أن يكون لها انعكاس سلبي على العالم. فالمرض المعروف باسم COVID-19 أدى مؤقتًا إلى تغيير السلوك الجماعي للأفراد والتأثير بشكل خطر في السكان الآخرين جميعهم في هذا العالم بطرق عديدة. فقد تم تقييد تحركات عديد من الدول المكتظة بالسكان التي أثرت في ما لا يقل عن 50 في المئة من سكان العالم الذين يعيشون في المناطق الحضرية وشبه الحضرية. وتم أيضًا إيقاف الصناعات عن الإنتاج، ولوحظ أن هناك انخفاضًا في تلوث الهواء في مدن عديدة بسبب انخفاض انبعاثات الكربون. فمع الإعلان عن أن مرض كوفيد 19 جائحة، تراجع النشاط الاقتصادي العالمي، وهناك أدلة متزايدة على حدوث ركود وأزمات اقتصادية عالمية. وعلى ما يبدو فإن العولمة الجديدة غيرت المسار التاريخي للحضارة الإنسانية، على الأقل بشكل مؤقت.

     وعلى ما يبدو لنا أن العولمة الجديدة هي عولمة متناقضة. وعلى سبيل المثال، تحاول أن تضمن حقوق المهاجرين وتساعدهم على الاندماج مع السكان المحليين، وأن تقلل الحواجز المفروضة على الجنسيات، خصوصًا مع أولئك الذين يمتلكون الكفاءات والمهارات التي يمكن أن تستفيد منها الدولة المستقبلة لهم، لكنها في الوقت نفسه، عولمة طاردة للمهاجرين الذين يدخلون خلسة إلى البلدان الغربية بطريقة غير قانونية. وإذا كانت الهجرة سابقًا تتسم غالبًا بمعيار اقتصادي، فإن الهجرة في العولمة الجديدة تقوم على معايير مختلفة، مهنية، سياحية، تعليمية، إنسانية، لكنها تبقى عولمة حذرة أمام الأقليات والإثنيات المهاجرة؛ حيث يلاحظ أنها تعزز النزعة الفردانية في المجتمعات الغربية التي تنطوي على حواجز عرقية مركزية وانعزالية.

     وقد أصبحت الهجرة في العولمة الجديدة لا ترتكز على العالم الغربي فحسب، وإنما تمتد إلى أقطار مختلفة من العالم، وعلى وجه التحديد في منطقة الشرق الأوسط، وآسيا، وفي دول جنوب أفريقيا. علاوة على ذلك، أدت العولمة الجديدة إلى إدخال اتجاه جديد في الهجرة العالمية، تسبب في اقتلاع العالم من جذوره وتشريد البشر على نطاق غير مسبوق. فقد ساهمت في تفاقم عدم المساواة بين الدول؛ حيث أصبحت الهجرة بالنسبة إلى كثيرين ضرورية، من أجل الهروب من الأوبئة والاضطهاد والفقر والحروب الأهلية. ويعود إلى “التغريب المهيمن الذي أدى إلى أزمة في الحضارات التقليدية”، والذي نتج من الاستعمار الأوروبي للمجتمعات التقليدية في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية.

خامسًا: نقاط نقدية

     يعد بعض المنظرين أن العولمة وسيلة إيجابية محتملة لنشر الثروة والحرية والمساواة في أنحاء العالم كافة. فهي تستطيع أن تجلب “في نظرهم الرفاهية لمستوى المعيشة، وتحقق الديمقراطية، وترفع مستويات التفاهم المتبادل بصورة متزايدة”. نظرًا إلى أن العولمة تحمل كثيرًا من المظاهر الإيجابية، مثل تدفق الصناعات الإلكترونية، والصناعات الطبية، والخبرات المعرفية والعلمية، والتعاون الاقتصادي. لكن بالنسبة إلى “زيجمونت باومان” Zygmunt Bauman فإن العولمة التي تعيشها المجتمعات المعاصرة هي عولمة سلبية، ويقول في هذا الصدد “إن عولمتنا حتى هذه اللحظة إنما هي عولمة سلبية بأسرها، إنها عولمة تفتقر إلى فحص وإلحاق وتعويض بعولمة إيجابية، ما زالت تمثل إمكانية بعيدة المنال على أقل تقدير”. ويمكن عد سلبية العولمة من وجهة نظر باومان، في كونها تساهم بشكل كبير في سهولة التدفقات العالمية التي ترتبط بالواردات السلبية، مثل الأمراض العابرة للحدود، والإرهاب، والجريمة، والفساد. أما “لوك مارتيل” Luke Martell، فإنه يجادل في عمله المعنون بـ (سوسيولوجيا العولمة)، بأن العولمة توفر فرصًا عديدة لمزيد من التفاعل والمشاركة في المجتمعات في أنحاء العالم كافة، من خلال وسائل الإعلام والهجرة، ولكن لها جوانب مظلمة أيضًا مثل الصراع والفقر العالمي وتغير المناخ وانعدام الأمن الاقتصادي. 

     وعلى الرغم من أن العولمة قد خلقت فرصًا على المستوى الاقتصادي، فقد أدت أيضًا إلى تطور مشوه بالنسبة إلى البلدان النامية، فقد تركتها عرضة بشكل متزايد للتحولات والتوترات داخل نظام التجارة العالمي. “وقد لاحظ هيلد Held أن الاندماج في الأسواق التجارية والمالية له عواقب مختلفة للبلدان التي تمر بمراحل التنمية”. لأن الدول النامية لا تستطيع أن تتعامل مع الضغوطات الخارجية من حيث استجابتها للعولمة، فالضغط الخارجي على الدول النامية يساهم في تفاقم ضعف المؤسسات والجهات الفاعلة فيها، ما يمنعها من المنافسة بشكل عادل أمام الدول التي تحتكر السوق العالمية. ومن ثم، فإن العولمة تعيد إنتاج عدم المساواة وتعمق الفجوة بين دول المتقدمة والدول النامية. وقد “لاحظ تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2005، أن هناك اتجاهًا واضحًا على مدى العقدين الماضيين نحو ارتفاع عدم المساواة داخل البلدان، حيث إن عدم المساواة قد ارتفع في 53 دولة من بين 73 دولة كانت تضمهم قاعدة البيانات”. ويعود السبب إلى أن التجارة والاستثمار والتدفقات المالية متمركزة في جنوب شرق آسيا (اليابان) وغرب أوروبا وشمال أميركا.

     من جانب آخر، فإن الفكرة التي تشير إلى أن العولمة قد ساهمت في تراجع دور الدولة “القومية”، يمكن في الوقت الراهن مواجهتها. فالحكومات الوطنية لا تزال تقوم بأداء أدوارها وواجباتها، من خلال تنظيم نشاطها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كما أن اشتراك الدولة مع فاعلين آخرين على مستوى العلاقات الاقتصادية مثل توقيعها على الاتفاقات التجارية لا يعني بالضرورة خسارتها للسيادة الوطنية.

     ومن النقاط النقدية للعولمة أن هناك تشكلات اقتصادية جديدة ذات طبيعة إقليمية، كالاتحاد الأوروبي، وفي منطقتي آسيا على المحيط الهادي أميركا الشمالية، ما يعني أن هناك تحالفات وصراعات وتضاربًا في المصالح على المستوى الاقتصادي. فضلًا عن ذلك، فإن الأزمات مثل (الأزمة الاقتصادية 2008، وجائحة كورونا “كوفيد 19”) قد بينت إلى حدود هذه اللحظة، أن العالم ليس مترابطًا ولا متضامنًا بما فيه الكفاية حتى يكون نظامًا واحدًا، وذلك على الرغم من أن العالم كان يواجه الأزمة نفسها والمصير نفسه. نظرًا إلى أن العولمة عبارة عن “عملية نسبية، بمعنى أن أثرها ليس شاملًا، كما أن الناس في المناطق المختلفة سيلمسون آثار العولمة بطرق مختلفة. ولا تظهر العولمة بصورة منطقية أو ضرورية داخل مدى زمني محدد، وذلك لأن تطورها مرتبط بالأوضاع الاجتماعية السائدة في كل مجتمع”.     

     تؤثر العولمة كثيرًا في بعض مظاهر الحياة الثقافية، من خلال نشر وتوزيع السلع الاستهلاكية بغية نقل مجموعة من الأفكار والقيم والرموز وأنماط اجتماعية من الحياة. وإذا كانت العولمة تسعى في الأساس لنقل نماذج من الثقافة المهيمنة نحو المجتمعات المحلية، وخصوصًا تلك التي ترتبط بالقيم الغربية، والتي تحركها وسائل الإعلام والاتصال، والشركات المتعددة الجنسيات…إلخ، وذلك بغرض إزالة الحدود الثقافية والاجتماعية التي تميز المجتمعات عن بعضها بعضًا. فإنها مع ذلك تحمل في جوهرها تناقضًا كبيرًا؛ أي إن العولمة تحاول فرض نماذج معينة من الثقافة الغربية. لكنها في الآن نفسه، تتميز بحرصها الدائم على تكييف تلك النماذج مع الخصوصيات المحلية. وعلى سبيل المثال، عندما نستحضر الأطعمة المعولمة (الأميركية)، فـ”الماكدونالز الهندية، في ما يخصهم، تخضع لتحريم لحم البقر عند الهنود وتحريم لحم الخنزير عند المسلمين”. وهو ما يدل على أن هناك من لا يستجيب للعولمة الثقافية الأميركية بشكل إيجابي. وهذا ما يؤكده “لوك مارتيل” بقوله: “من الناحية الثقافية، يقال إن الدول تستجيب للعولمة بشكل مختلف. ربما انتشرت ماكدونالدز في أنحاء العالم كافة، لكن المكونات تختلف لتلائم العادات المحلية (من برغر الجمبري في اليابان إلى برغر الكوشر للعملاء اليهود)”.

     وبصرف النظر عن طبيعة العولمة وتأثيرها في العالم، فإن المتعارف عليه أنها تتسم بقدر كبير من التعقيد والتشابك. ويرتبط هذا التعقيد بالخلافات النظرية بين علماء الاجتماع حول الدلالة التي تنطوي عليها العولمة، وهي خلافات مهمة بالنسبة إلى الطريقة التي يمكن أن نرى بها المجتمعات الإنسانية. فإذا كانت العولمة “تقوم بإعادة تشكيل العالم كمكان واحد ـ كما يقول كثيرون ـ فالنتيجة المنطقية لذلك نقل بؤرة اهتمام المشروع السوسيولوجي، وذلك بالابتعاد عن الاهتمام بالمجتمع والدولة القومية والاتجاه ـ بدلًا من ذلك ـ نحو التركيز على المجتمع العالمي الآخذ بالظهور. وسيكون هذا التحول في الاهتمام شرطًا لفهم الوضع الإنساني المعاصر على نحو صحيح”. ومع ذلك، فإن فهم المجتمع العالمي يرتبط أساسًا باستحضار الدراسات والأبحاث غير المتروبولية (في الأقاليم غير الغربية بشكل أكبر).

سادسًا: أهمية استمرار مفهوم العولمة

     يمثل مفهوم العولمة في علم الاجتماع أحد المفاهيم الرئيسة الموجهة لأي بحث سوسيولوجي، فالعولمة تتمتع بحضور واسع في كثير من القضايا التي تهتم بها الأبحاث والدراسات المعاصرة، مثل الهجرة، والإرهاب، والتطرف الديني، والحركات الاجتماعية، والتلوث البيئي، …إلخ. ذلك لأن تأثير العولمة أصبح سمة بارزة في عديد من المناقشات لدى علماء الاجتماع في المتروبول. إلا أن كثيرًا من هذه النقاشات كانت تستبعد وجهات النظر الأخرى، فهي نادرًا ما تشير إلى سوسيولوجيا غير متروبولية في دراستها للعولمة. ومع ذلك، نجد بعض علماء الاجتماع يخرجون إلى العالم غير المتروبولي في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وينجزون عديدًا من الأبحاث والدراسات المقارنة. ومن الأمثلة اللافتة للنظر كتاب (الطبقات الوسطى في أفريقيا: تغيير الحياة والتحديات المفاهيمية) الذي أنجزه لينا كروكر Lena Kroeker، ديفيد أوكين David O’Kane، طابيا شرير Tabea Scharrer، وهو كتاب يدرج النقاش من الجنوب في النقاش العالمي حول الطبقة الوسطى في زمن العولمة.

     يلاحظ أن الدراسات المعاصرة تعالج الأبعاد الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعولمة. وعلى سبيل المثال، يركز “كيفن ماكدونالد” Kevin McDonald في أحد أعماله حول الحركات العالمية، من حيث مبادئ الثقافة والفعل، فهو يبحث في الانتقال من أشكال التنظيم والفعل التي ميزت الحركات الاجتماعية في القرنين الماضيين، إلى أشكال جديدة تستند إلى مبادئ الخبرة. ويحاول ماكدونالد أن يستكشف بعضًا من أهم هذه الحركات، بما فيها تلك التي تناهض العولمة إلى جانب الحركات الإسلامية الجديدة. إذ يبين أن هذه الحركات تتطلب إعادة التفكير في فكرة الحركة الاجتماعية نفسها، وهو مفهوم يدين بقدر كبير للثقافة المدنية والصناعية التي كانت ذات أهمية كبيرة في الحداثة الغربية، ولكنها قد تكون أقل ملاءمة عند استكشاف أشكال الثقافة والفعل والتواصل في عالم معولم. فهو يستكشف الأبعاد الأساس لهذه الحركات، والتوترات التي تواجهها، والأزمات التي تتعرض لها. 

    وتبين بعض الدراسات العلاقة الآخذة بالظهور بين السمات العالمية والسمات المحلية، من خلال دراسة العلاقة بين الثقافة والاقتصاد، ذلك أنهما شيئان مترابطان ومتصلان أكثر من أي وقت مضى في زمن العولمة. فهناك تسويق للمدن والأماكن العالمية على المستوى الثقافي، وهو ما يظهره “روبن كوهن” Robin Cohen و”باول كندي” Kennedy Paul ، إذ إن أهم نشاط اجتماعي يمزج بين الثقافة والاقتصاد هو السياحة. فتطوير السياحة جعل منها أداة عالمية لترويج الثقافة الوطنية والمحلية للدول والمجتمعات الإنسانية، من خلال وضع تراث المنطقة على شكل مشروع حتى يصبح سلعة للاستهلاك السياحي، ما يجعل من السياحة بحسب تقرير اليونسكو الفئة الرائدة في عالم التجارة الدولية وهي متقدمة على تجارة السيارات والكيماويات. إذ تهيمن أوروبا وأميركا على وجهات الزوار السياح.

     وأمام التغيرات الاجتماعية التي ساهمت فيها العولمة، فإن هناك عديدًا من الباحثين الذين وجهوا اهتمامهم لدراسة الصراع والتمييز العنصري في المجتمع العالمي، ومن الأمثلة كتاب (الصراع العنصري في المجتمع العالمي) للباحثين “بولي ريزوفا” Polly Rizova و”جون ستون” John Stone، وهو كتاب مقارن يحاول استكشاف العوامل المؤدية إلى الصراع العرقي في بعض البلدان الأفريقية، وباعتماد حالات من الهجرة العالمية إلى انتفاضات الربيع العربي، حيث يهتم في هذا الإطار بدراسة العلاقة بين الهوية والسلطة، ويحاول أن يبرز كيف تؤثر التغيرات العالمية التي تحدثها الأنظمة الاقتصادية مثل الشركات المتعددة الجنسيات، والرأسمالية العالمية في الأنظمة الاجتماعية المتصارعة.

     إضافة إلى أن هناك اتجاهًا سوسيولوجيًا يهتم بدراسة دور العقلانية النقدية في التوصل إلى اتفاق حول القيم والمؤسسات المشتركة على نطاق عالمي. إذ يناقش “مسعود محمدي العموتي” Masoud Mohammadi Alamuti في كتابه (العقلانية النقدية والعولمة) كيف أن قيمة الإجماع على مؤسسات السيادة والقانون بين الدول قد مهدت الطريق لظهور نظام عالمي من المجتمعات الوطنية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ويجادل مسعود بأن الانفتاح غير المتكافئ للاقتصادات الوطنية على التجارة والاستثمار العالميين يجب أن يُفهم في إطار السياق القانوني والسياسي لما بعد الحرب. ويرى مسعود أنه بمجرد أن يفتح الناس في العالم، عبر المجتمعات الوطنية، طرقهم الأساس للحياة الجيدة أمام النقد المتبادل، يمكنهم إنشاء قيم عالمية مشتركة ضرورية لقيام نظام اجتماعي عادل على نطاق عالمي.

خاتمة

     إن العولمة بكونها من المفاهيم الأساس في العلوم الاجتماعية، تعرف تنوعًا عريضًا من حيث استخدامها. وهي من وجهة نظرنا كتلة من المعاني والدلالات المتناقضة، حيث تحمل وعودًا بعالم أفضل تطغى عليه مجموعة من القيم الإنسانية، مثل الحرية والعدل والمساواة والديمقراطية، إلى جانب وعدها بتحقيق الرفاهية والغنى لأفراد المجتمع العالمي، لكنها في الحقيقة تبقى مجرد وعود كاذبة لكونها لم تتحقق بعد على أرض الواقع. 

     لقد أصبحت العولمة عملية شاملة تمسّ مختلف المجالات وتتطلب في الآن نفسه تعديلات في هياكل وعمليات وآليات الحوكمة العالمية. وعليه، يمكن القول إن عيوب العولمة في الوقت الراهن ترجع إلى أسباب تاريخية، وإلى النظام الرأسمالي الليبرالي الجديد. حيث أصبح ذلك واضحًا في سياق COVID-19، خصوصًا عندما أدى بدء التطعيم إلى انتهاكات للقيم العالمية للإنصاف والحق في الحياة من بعض الدول القوية والثرية.

المراجع المعتمدة

  • أبيليس، مارك (2017). أنثروبولوجيا العولمة، ترجمة عبد الحميد بورايو، ط 1، سورية ـ دمشق: دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع.
  • باومان، زيجمونت (2017). الخوف السائل، ترجمة حجاج أبو جبر، ط 1، بيروت ـ لبنان: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
  • تشيرتون، ميل/براون، آن (2012). علم الاجتماع: النظرية والمنهج، ترجمة هناء الجوهري، ط 1، القاهرة ـ مصر: المركز القومي للترجمة.
  • جرج، فيك/ويلدنج، بول (2005). العولمة والرعاية الإنسانية، ترجمة طلعت السروجي، ط 1، القاهرة ـ مصر: المركز القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة.
  • روبرنسون، رونالد (1998). العولمة والنظرية الاجتماعية والثقافة الكونية، ط 1، القاهرة ـ مصر: المركز القومي للترجمة. المجلس الأعلى للثقافة.
  • العجيلي، شمسي/هايدن، باتريك (2016). النظريات النقدية للعولمة، ترجمة هيثم غالب الناهي، ط 1، بيروت ـ لبنان: المنظمة العربية للترجمة.
  • ماكدونالد، كيفين (2017). الحركات العالمية: الفعل والثقافة، ترجمة جلال الدين عز الدين علي، ط 1، مؤسسة هنداوي سي أي سي.
  • موران، إدغار (2012). هل نسير إلى الهاوية؟، ترجمة عبد الرحيم حزل، الدار البيضاء ـ المغرب: أفريقيا الشرق. 
  • Alamuti, Masoud Mohammadi. (2015):  Critical Rationalism and Globalization_ Towards the Sociology of the Open Global Society. Routledge-London And New York.
  • Kroeker, Lena & O’Kane, David & Scharrer, Tabea. (2018): Middle Classes in Africa_ Changing Lives and Conceptual Challenges-Palgrave Macmillan .
  • Martell, Luke. (2016): The Sociology of Globalization. Cambridge, UK ; Malden, Polity Press : 2 Nd Edition, (PDF).
  • McLuhan, Marshall. (1962): The Gutenberg Galaxy_ The Making of Typographic Man  -University of Toronto Press, Scholarly Publishing Division.
  • Stone, John &Rizova, Polly. (2014): Racial Conflict in Global Society. Polity Press-Combridg-UK.
  • Wallerstein, Immanuel. The Modern world-System, 3 Vols. (new york : Academic Press, 1974 ; 1980 ; 1989).
عبد اللطيف طالبي

عبد اللطيف طالبي

باحث في علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل القنيطرة ـ المغرب. ملحق اجتماعي لدى قطاع وزارة التربية الوطنية. عضو الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، يحضر الدكتوراه في علم الاجتماع في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة تحت إشراف الأستاذ الدكتور مبارك الطايعي. يهتم الباحث بمجال علم الاجتماع وقضايا التنمية الجهوية، وقضايا التربية، وعلى وجه التحديد قضية الأمية وتعليم الكبار، متخصص في البرامج الإحصائية الأكثر استعمالًا في العلوم الاجتماعية، مثل الحزمة الإحصائية للعلوم الاجتماعية SPSS، SPHINK.

مشاركة: