حوار مع بهي الدين حسن
مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
أوضاع وإشكالات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في سورية
أجرت مجلة (رواق ميسلون) حوارًا مع الأستاذ بهي الدين حسن، حول أوضاع حقوق الإنسان في سورية، والعجز الدولي عن حل مشكلات المعتقلين والمخطوفين، وعن الفشل في تحقيق العدالة لجميع الضحايا في تجارب العدالة الانتقالية، وفرص بناء مجتمع مدني سوري خارج سورية، إضافة إلى الحوار حول فشل مشروعات التنوير الديني في المنطقة العربية، وسيطرة الجماعات الجهادية المتطرفة على المشهد، وأخيرًا التساؤل عن وجود احتمالات لتحقيق السلم والانتقال الديمقراطي في المنطقة، ومنها سورية، في ظل الأوضاع الراهنة.
السؤال الأول: حقوق الإنسان وملف المعتقلين
طُرحت قضية المعتقلين في سجون النظام السوري، على طاولة المفاوضات التي بدأت في جنيف برعاية دولية، بوصفها جزءًا من الملف الإنساني إلى جانب قضايا المخطوفين والمفقودين، وجرى التأكيد على أن حلّ هذه القضايا كلها مسألة ضرورية لبناء الثقة، مثلما جرى التأكيد على ضرورة فصل المسار الإنساني عن السياسي، لغاية الإسراع بتنفيذ الملف الإنساني حتى لا يكون موضوعًا للمساومة، لكن الواقع كان غير ذلك؛ فقد مرت سنوات عديدة على القرارات الدولية وبدء التفاوضات، في وقتٍ لا يزال فيه الملف الإنساني معرقلًا، والنظام السوري يمسك بملف المعتقلين كأحد الأوراق القوية والمهمة في التفاوض.
في سورية، في ظل هذا العجز الدولي عن حل مشكلات المعتقلين والمخطوفين، ما الذي يدفع السوريين للاقتناع بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وبالثقافة الغربية المناصرة لقضايا حقوق الإنسان؟ هل من سبل حقوقية أخرى لتفعيل ملف المعتقلين؟
أ. بهي الدين حسن
لا أظن أن الشعب السوري يملك بديلًا آخر لـ “الشرعة الدولية لحقوق الانسان” من أجل حل قضايا المعتقلين. البدائل الأخرى ليست حلًا للمشكلة. أحد هذه البدائل الأخرى هو الاستسلام لنظام بشار الأسد وحلفائه من الدول والميلشيات المحتلة لسورية. بديل آخر، هو شرعة الإرهاب باسم الإسلام.
ملف المعتقلين والمخطوفين في سورية وغيرها، وكذلك كل ما يمكن أن يندرج ضمن ما يسمي “المسار الإنساني” هو ملف سياسي بامتياز؛ فالحكومات هي التي تتخذ القرار بالاعتقال أو الإفراج، والمنظمات الحقوقية لا تملك من أدوات إلا المطالبة بالإفراج، وتحريك الرأي العام الوطني والدولي ومؤسسات المجتمع الدولي لدعم هذه المطالب والاستجابة لها.
للأسف، لا يملك العالم مؤسسات “ملائكية” مستقلة لتفعيل الشرعة الدولية لحقوق الانسان وفقًا لمبادئ هذه الشرعة، وإلا لكان ممكنًا تطبيق هذه المبادئ في كل الحالات والأوقات وبالمعايير ذاتها. فعلى رأس مؤسسات المجتمع الدولي لا تجلس منظمات حقوقية، بل حكومات دول لها مصالحها، بعضها يملك حق الفيتو في مجلس الأمن، وبعضها يحتل مقاعد في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان. لا أتحدث عن الدول الكبرى فقط، ولكن عن عدد وافر مما يسمى “دول العالم الثالث” أيضًا، التي يلعب بعضها دورًا سلبيًا كبيرًا في قضايا حقوق الانسان العالمية في الأمم المتحدة. بين مجموعة دول العالم الثالث التي تتخذ مواقف سلبية إزاء حقوق الانسان أغلبية الدول العربية، وكذلك إيران: إحدى الدول التي تشارك فعليًا في احتلال سورية.
إذا ابتعدنا قليلًا عن الحكومات، واقتربنا من المعارضات السياسية في الغرب أو في الدول العربية والعالم الثالث، فسنجد الصورة أفضل ولكن ليس كثيرًا. فبين هذه المعارضات (خاصة العربية) من يعد السفاح بشار الأسد رمزًا للصمود أمام إسرائيل أو في وجه الإرهاب باسم الإسلام. وبينهم من يعد دولتي الاحتلال، إيران وروسيا، قلاعًا للصمود أمام “الإمبريالية الأميركية”. بل سنجد أيضًا من ما زال يرى في موسكو “فاتيكان” اليسار في العالم!
هذا قد يفسر تناقضات موقف الرأي العام العربي والعالمي. لكنه لا يبرر بالطبع ازدواجية المعايير، والتقدم البطيء جدًا في ملف حقوق الانسان في سورية ودول أخرى. كما يوضح من ناحية أخرى أهمية تمسك السوريين بالشرعة الدولية لحقوق الانسان مبدأ وممارسةً، لتجنب تصنيف كفاحهم ضمن أحد تلك التصنيفات الملغومة، التي تلتمس الأعذار أو تمنح مشروعية زائفة تختلف من تصنيف لآخر لارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سورية.
السؤال الثاني: المجتمع المدني السوري
شُكِّلت مئات، وربما آلاف، المنظمات والجمعيات المدنية، خارج سورية، خلال العقد الفائت، وكلها تُعلن انتماءها إلى “المجتمع المدني السوري”، لكن هذا الأخير ما زال غائبًا فعليًا عن المشهد والفعل؛ إذ تفتقد أغلبية المنظمات السورية الحالية إلى صفتي الكفاحية والتطوعية مثلًا؛ فكثير منها أقرب إلى بنية وأداء الشركات، خصوصًا أن أعضاءها جميعهم موظفون، وأن رؤساءها هم فحسب الذين يحضرون في المشهد العام، ويكاد يقتصر المستفيدون من المنظمة على الموظفين أو العاملين فيها، ولا تتجاوز عضويتها عضوية الموظفين العاملين فيها، ونتائج عملها تذهب غالبًا إلى الداعمين، ولا تؤثر أو تتفاعل مع المجتمع أو المجتمعات السورية التي تعمل فيها، ربما باستثناء المنظمات الخيرية أو التي تعمل في مجال الإغاثة، لكن هذه الأخيرة أقرب عمومًا إلى منظمات المجتمع الأهلي المعروفة في تاريخنا، لا المدني. هل يمكن بناء مجتمع مدني سوري خارج سورية؟ وإن كان ممكنًا، ما الشروط التي ينبغي توفيرها؟
أ. بهي الدين حسن
إحدى الكوارث التي كشف الربيع العربي عن مدى هولها، هي مدى تشظي المجتمعات في العالم العربي. ليس بسبب مؤامرات دولية، ولكن بفعل تخلف التطور الاقتصادي والاجتماعي المسؤول عنه أنظمة الحكم على مدار أكثر من سبعة عقود. أغلبية من حكموا دول المنطقة لم يجدوا مصلحة لهم في التمكين الجماعي للشعوب، بل في تعميق جذور الانقسامات الطائفية والعرقية والدينية والسياسية، ومقاومة التعلم من دروس دول أخرى في تعزيز تماسك دولها ومجتمعاتها ووحدة شعوبها، وذلك من خلال تعزيز احترام التنوع العرقي والديني بل اللغوي.
للأسف، أولويات أغلبية الحكام في العالم العربي هي تأبيد حكمهم، بل وتوريثه للأبناء والأحفاد، في إطار العائلة أكان كسورية واليمن وليبيا، أم في إطار المؤسسة العسكرية، مثل حالة مصر والجزائر. نتيجة لهذا التشظي وعوامل أخرى، كان ممكنًا في سياق الربيع العربي الانزلاق في دول عربية عديدة إلى حروب أهلية وصراعات مسلحة تحت رايات متعددة.
لكن من ناحية أخرى يلاحظ أن أحد ثمار الربيع العربي الباهظة الثمن هي نمو المجتمع المدني العابر للأيدولوجيات الدينية وغير الدينية، وللانقسامات العرقية والدينية والقبلية. {هذا بالطبع لا يعني تقليلًا من شأن أي أيديولوجية أو عرق أو دين أو قبيلة}. السودان يقدم مثالًا على هذا التشظي الذي امتزج بالصراعات المسلحة وصولًا إلى انفصال جنوب السودان. لكن السودان يقدم أيضا لنا نموذج المجتمع المدني العابر لأسباب التشظي، والذي يحترم التنوع العرقي والديني والسياسي، والذي ناضل لعقود عديدة من أجل دولة تنظر لهذا التنوع على أنه مصدر قوة لا ضعف. المجتمع المدني في العراق والجزائر ولبنان يقدم لنا نموذجًا مبهرًا في ذات الاتجاه في العامين الأخيرين أيضًا.
إذا انتقلنا إلى سورية، فإنني أعتذر مسبقًا لأنني لست خبيرًا بالشأن السوري. شطر جوهري من رأيي في هذا الشأن تبلور من خلال ما هو متاح لي خلال سنوات من معلومات محدودة. بعض هذه المعلومات مستقى من خلال التفاعل المباشر وغير المباشر مع فاعلين سوريين أكاديميين وكتاب وحقوقيين ومعارضين سياسيين وسجناء سابقين. مع ملاحظة أنني عندما أتناول في السطور التالية “المعارضة”، لا أعني أشخاصًا، بل الهيئات التي انتظمت في إطارها المعارضة السياسية وأعيدت هيكلتها عبر السنوات العشر الماضية.
في سياق الهزيمة الدامية للنظام الحاكم ولقوى المعارضة العلمانية والإسلامية والكردية والعسكرية في سورية، فإن في تقديري أن أفضل من يجسد مستقبل سورية وساعد ويساعد السوريين وقضيتهم هو المجتمع المدني. أقصد المجتمع المدني بالمعني العريض (وليس التقني) للكلمة، والذي بالتأكيد لا يقتصر على الحقوقيين. فرغم كل الخراب السياسي والأخلاقي والاقتصادي في سورية، وهول كارثة السوريين الإنسانية، يبقي المجتمع المدني داخل وخارج سورية هو الطرف الرئيس الذي يمنح السوريين وغير السوريين أملًا في مستقبل سورية، ولو بعد حين. يجمع بين أطراف هذا المجتمع المدني رسالة إنسانية وسياسية واحدة عابرة لأي وظيفة حقوقية أو إغاثية أو قانونية أو إعلامية أو ثقافية أو فكرية. جوهر هذه الرسالة هي المساعدة والتمكين. المساعدة الإنسانية غير المشروطة بأي توصيف. والتمكين من خلال خلق وتعزيز هياكل ذات طابع أهلي يديرها السوريون بأنفسهم ويحددون أهدافها وتتطور عبر الزمن.
هذا بالطبع لا يحدث في وضع مثالي، بل في وضع جهنمي. حيث تخضع سورية لاحتلال داخلي وأجنبي متعدد الأطراف، ولمزيج من الحرب الأهلية والصراعات المسلحة بالأصالة عن النفس وبالوكالة عن أطراف أجنبية. وخلال ذلك يجري استئجار سوريين للتصدير بكونهم مرتزقة في دول أخرى لحساب أطراف ثالثة.
هي رسالة واحدة للمجتمع المدني رغم أن بعض أطرافه ينفق عليها من ماله الخاص أو من متبرعين سوريين أو من مانحين دوليين. رسالة واحدة على الرغم من أن بعضهم يقوم بمهمته منفردًا، أو مع آخرين، في إطار جمعية أو شركة أو جماعة ثقافية أو حتى من دون أي إطار قانوني. رسالة واحدة على الرغم من أن بعضهم مقيم في سورية، وبعضهم الآخر مقيم/متنقل على حدودها مع دول أخرى، وغيرهم في الشتات العربي وغير العربي. بفضل الدور البطولي لهؤلاء “الجنود” شبه المجهولين الذين لا يجمع بينهم قيادة أو هيئة تنسيق عليا مازالت قضية سورية الدولة ومواطنيها حية، بل مازال ممكنًا محاكمة أعوان السفاح بشار الأسد حتى في محاكم دولية.
قد لا يدرك أغلب هؤلاء “الجنود” قيمة مساهمتهم في هذه المهمة “التاريخية”، بل قد لا يدركون أنه إذا ظلت سورية دولة موحدة، فإن دور “مجتمعها المدني” سيسجل بوصفه كان عاملًا حاسمًا.
السؤال الثالث: التنوير الديني
تُظهر سنوات ما بعد انطلاق الربيع العربي أن مشروعات التنوير الديني كلها، في المنطقة العربية، لم يكن لها أي أثر في تنوير وعقلنة توجهاتنا وسلوكاتنا، وسيطرت بدلًا منها تيارات أشد تعصبًا وأكثر عنفًا من تيارات الإسلام السياسي التي عرفناها منذ بداية سبعينيات القرن الماضي إلى عام 2010. أين الخلل في فشل مشروعات التنوير الديني في المنطقة العربية؟
أ. بهي الدين حسن
الخلل ليس عند التنويريين، بل عند السياسيين. آباء التنوير في أوروبا كان خلفهم مشروع سياسي ثوري هائل، موجه ضد السلطات والطبقات الحاكمة في ذلك الزمان. بينما مشروع التنوير في العالم العربي اختطفه الحكام المتسلطون لأهداف تكتيكية وقزموه على مقاسهم. أعني حكامًا من أمثال صدام حسين، والأسدين الأب والابن، وزين العابدين بن علي، وحسني مبارك، والمنشار محمد بن سلمان. بل إن السفاح عبد الفتاح السيسي المتحالف مع السلفيين يسوق نفسه على أنه رسول للإصلاح الديني! في هذا السياق يصعب أن تجد الشعوب مصلحة لها في ما يسمى “أجندة” التنوير. بالطبع هذا لا ينفي أن بعض الموصوفين بالتنويريين في منطقتنا وفي الغرب يؤمنون بأن “التنوير” لن يزدهر في العالم العربي إلا في ظل حكام متسلطين.
لكن دعني ألاحظ أن تفاعلات الربيع العربي قد أدت أيضا إلى فتح آفاق من نمط جديد أمام المشروع التنويري. هذا يمكن ملاحظته من التراجع المتزايد لشعبية أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة، خاصة تونس والمغرب والسودان والعراق ولبنان ومصر. في مصر بدى ذلك التراجع جليًا قبل الانقلاب العسكري في يوليو ٢٠١٣. كما تتجلى هذه الآفاق الجديدة أيضا في الانتشار الملحوظ للمنظور العلماني بين الأجيال الجديدة في العالم العربي في النظر والتعامل مع المسألة الدينية، ومع القضايا الاجتماعية اليومية.
السؤال الرابع: العدالة الانتقالية
هناك العشرات من تجارب العدالة الانتقالية في العالم، ومعظمها فشل في تحقيق العدالة لجميع الضحايا، وفي محاكمة جميع المجرمين، فضلًا عن أن هذه التجارب كانت تبدأ عادة بعد انتهاء أزمة الدولة والمجتمع، وأحيانًا بعد زمن طويل، ما يؤدي إلى بعثرة الأدلّة، وربما إلى فرار المجرمين، فلا يعود لتحقيق العدالة أيّ معنى فعال، ويضاف إلى ذلك كله أن المحدِّدات الرئيسة لطبيعة وماهية سقف العدالة الانتقاليّة غالبًا ما ترتبط بالطريقة التي جرى فيها إنهاء الأزمة، والتوازنات الإقليمية والدولية. هل من سبل أو نصائح لتلافي هذه العيوب في تجارب العدالة الانتقالية؟ خصوصًا أن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، قد مرَّر مؤخرًا مصطلح “العدالة التصالحية”، خلال إحاطة لمجلس الأمن، حول سير أعمال اللجنة الدستورية، في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2020.
أ. بهي الدين حسن
العدالة الانتقالية ليست فرعًا من العدالة الجنائية. فهي مشروع سياسي مجتمعي أكثر منها مشروع قضائي/عدلي/قانوني/حقوقي. العدالة بالمعني الحرفي للكلمة ليست الهدف الجامع أو حتى الرئيس للعدالة الانتقالية.
العدالة الانتقالية لها هدفان رئيسان. الأول هو تهيئة المجتمع والدولة سياسيًا وسيكولوجيًا لتجاوز مرارات وآلام مرحلة تاريخية دامية، جرى خلالها استباحة دامية جماعية للمواطنين بأبشع الوسائل، بما في ذلك حقهم في الحياة. الهدف الثاني هو تحفيز المواطنين ومؤسسات الدولة الجديدة للانتقال إلى مرحلة جديدة. في هذا السياق، فإن العدالة بالمعنى التقليدي هي إحدى الوسائل الرئيسة.
تنطلق العدالة الانتقالية من ثلاث نقاط: الأولى إنه من المستحيل عقب مرحلة تاريخية دامية ممتدة (قد تكون نصف قرن، مثل حالة سورية) من العسف بالقانون وبالدستور وبحياة الناس، التوصل إلى الحقيقة حول كل الجرائم وإنصاف كل الضحايا ومحاسبة كل المجرمين. النقطة الثانية هو أن استغراق النظام الجديد في هذه المهمة المستحيلة قد يعوق وضع أسس الدولة الجديدة، وقد يقوى أكثر مقاومة بقايا النظام القديم. النقطة الثالثة: المطلوب ليس تصفية تركة الماضي فقط، ولكن منع تكرارها مستقبلًا، تحت أي مبرر على أيدي الحكام الجدد. لذلك من الضروري تمتع المجتمع الجديد بحصانة سياسية وثقافية ضد الركائز الثقافية والأيدولوجية والدينية للنظام الديكتاتوري الراحل، بل والمحتمل الجديد. وهذا قد يتطلب ثورة شاملة في مناهج ونظام التعليم في كل المراحل، وفي أسس إعادة هيكلة وسائل الإعلام.
ربما قد يكون مفيدًا لإدراك بواعث من طور مفاهيم العدالة الانتقالية، تأمل ماذا يمكن أن يكون حال سورية (كمثال) إذا جرى استبدال بشار الأسد ببعض الآن ما يسمى بمناطق “محررة” فيها؟ هذا بالطبع لا يعني موافقتي على الكيفية التي تدير بها الأمم المتحدة مهمتها في سورية.
السؤال الخامس: الانتقال الديمقراطي
على ما يبدو، لا توجد طريقة واحدة للانتقال الديمقراطي؛ فخبرات وتجارب الانتقال الديمقراطي على الصعيد العالمي جرت من خلال طرق عديدة، كان لكل منها أحوال وسمات خاصة. وغالبًا ما يتأثر النظام الوليد بعد الحكم الاستبدادي بعوامل عديدة؛ منها طبيعة الحكم الاستبدادي قبله، ودرجة شراسته، وأسلوب الانتقال إلى الديمقراطية، لكن يُضاف إليها في منطقتنا عوامل أخرى، مثل الانقسامات العمودية في مجتمعاتنا، والصراع بين العسكر والإسلام السياسي. في ضوء ذلك، هل هناك أبواب ما تزال مفتوحة لاحتمال تحقيق السلم والانتقال الديمقراطي في المنطقة، ومنها سورية؟
أ. بهي الدين حسن
إجابتي المختصرة هي نعم بالتأكيد، هناك أبواب ماتزال مفتوحة لاحتمال تحقيق السلم والانتقال الديمقراطي في سورية كما في مصر. ولكن بأي ثمن؟ هناك ثمن سيدفع في كل الأحوال، فالوضع الراهن هو انتقالي بامتياز. إما ثمن في حالة محاولة العودة المستحيلة إلى ما قبل ٢٠١١، وإما ثمن الإصرار على الانتقال إلى دول تستحق هذه الصفة.
لا أعني بالثمن فقط مزيدًا من التضحيات الإنسانية المحتملة، بل أيضًا الثمن المتصل بمدى استعداد النخب السياسية والثقافية للتضحية بأفكار ورؤى بالية تجاوزها الزمان.
بالتوازي مع مئات الألوف من الضحايا الذين فقدناهم في سياق الربيع العربي، هناك رؤى وأفكار كبيرة ماتت في العالم العربي في السنوات العشر الماضية. آن الآوان لدفنها بطريقة لائقة.
هذه ليست مهمة الحكام، لكنها مهمة النخب السياسية والثقافية. بقدر تحلي هذه النخب بالشجاعة الأدبية اللازمة لإعادة النظر بعمق كاف في ما لم يعد صالحًا من رؤى لمسار تطور مجتمعاتنا ودولنا، بقدر ما تكون التضحيات الإنسانية المحتملة أقل، ومحطة الوصول إلى السلم والانتقال الديمقراطي أقرب منالًا.