العدد الأول من مجلة (رُواق ميسلون)

تصدر اليوم مجلة (رُواق ميسلون) بعددها التجريبي، العدد الأول، وكلها أملٌ أن تساهم، بجانب غيرها من المشروعات الثقافية، في إضاءة شمعة في سماء خرابنا السياسي والثقافي، وفي فتح طاقة في جدار الأوضاع السياسية الخانقة التي تكاد تطبق على أنفاسنا، وفي تلبية جزء يسير من حاجتنا الشديدة إلى الحوار والتفاعل، وحاجاتنا الأخرى التي تمليها واقعة التدهور الثقافي التي تتجلى بتحويل الثقافة والفكر إلى أيديولوجيات إعلامية مرتبطة بحكومات أو جهات مختلفة.
ستكرِّس المجلة نفسها لتناول القضايا الحيوية، الثقافية والفكرية والسياسية، التي تؤثر في حياتنا ومستقبلنا، وتشغل تفكيرنا، وتسيطر على حواراتنا ونقاشاتنا، واضعةً نصب عينيها إعادة الاعتبار إلى الثقافة النقدية، والتطلع إلى مقاربة حقيقية وعميقة لمجمل القضايا والإشكالات الفكرية والثقافية التي تعيق التأسيس المعرفي الجاد من جهة، وتربك الممارسة الواقعية والأداء السياسي من جهة ثانية، بشكل انعتاقي من العموميات الأيديولوجية اللاعقلانية التي تذيب القضايا جميعها في شعارات عامة وفضفاضة تحافظ على تسطيح الوعي، وتثير البلبلة والفرقة والكراهية.
عرَّفت مجلة (رُواق ميسلون) نفسها بقولها إنها مجلة بحثية علمية للدراسات الثقافية والفكرية والسياسية، تصدر كل ثلاثة أشهر عن مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، وتُعنى بنشر الدراسات ومراجعات الكتب، ويتضمن كل عدد منها ملفًا رئيسًا ومجموعة من الأبواب الثابتة. وللمجلة هيئة تحرير متخصِّصة، وهيئة استشارية تشرف عليها، وتستند المجلة إلى أخلاقيات البحث العلمي، وقواعد النشر المعروفة، وإلى نواظم واضحة في العلاقة مع الباحثين، وإلى لائحة داخلية تنظّم عملية التقويم.
هذا يعني أن مجلة (رُواق ميسلون) للدراسات الثقافية والفكرية والسياسية تُعنى، بصورة أساسية، بقضايا الفكر السياسي، وتحليل واقع ومستقبل سورية، وعلاقات سورية بالمنطقة العربية والإقليم والعالم، وبالثقافة السورية في جميع أحيازها وأنماطها، بالاستناد إلى رؤية وطنية ديمقراطية سورية، وتسعى لتكون منصة حقيقية تُساهم، من خلال دراساتها ومقالاتها وندواتها وأوجه نشاطها الأخرى، في الارتقاء بالنظر والفعل السياسيين، وبالثقافة السورية، بالتعاون مع الجهات السورية الأخرى التي تشترك معها في رؤيتها وأهدافها. وفي هذا الإطار، تسعى المجلة لتأسيس خلفية معرفية وقيمية تقوم على ركيزتين، الأولى هي النظر إلى سورية، بحدودها المعترف بها دوليًا، وطنًا لجميع أبنائه، بتنوعاتهم العرقية والقومية والدينية كافة، واعتبار الوطنية السورية الانتماء الأسمى الذي يحتضن الانتماءات الأخرى. والركيزة الثانية هي الديمقراطية بما تتضمنه من احترام الحريات العامة، وصون حقوق الإنسان، ورعاية الضمان الاجتماعي.
إلى جانب ذلك، تسعى مجلة (رُواق ميسلون) أيضًا لتكون منبرًا يتناول قضايا فكرية سياسية حيوية بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة العربية عمومًا، بما يساهم في رفع سوية الاهتمام بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتناول المشكلات السياسية الواقعية، والإشكالات الفكرية، والقضايا الثقافية، بطريقة أقرب إلى الموضوعية، بعيدًا من سياسات المحاور التي تجيِّر السياسة والثقافة لمصالحها الضيقة.
تطمح المجلة إلى طرق أبواب فكرية سياسية وثقافية جديدة، عبر إطلاق عملية فكرية بحثية معمّقة أساسها إعمال النقد والمراجعة وإثارة الأسئلة، وتفكيك القضايا، وبناء قضايا أخرى جديدة، وتولي التفكير النقدي أهمية كبرى بوصفه أداة فاعلة لإعادة النظر في الأيديولوجيات والاتجاهات الفكرية المختلفة السائدة.
من شأن الأساس المعرفي القيمي الذي تسعى له المجلة، مواجهة التطرف بأشكاله كلها، أكان دينيًا أو أيديولوجيًا أو قوميًا، والتأكيد على أهمية التعددية، وعلى محاربة وهم المعصومية الذاتية، في السياسة، والثقافة، وفي الاقتصاد، وفي مجالات الحياة كافة. المبدأ العام الذي تهتدي به المجلة هو: كلما اقتربت الذات من إلغاء الآخر كلما اقتربت من إلغاء ذاتها.
تسعى المجلة لالتزام الموضوعية، ولعرض دراساتها وبحوثها على محكِّمين متخصِّصين، وفق معايير علمية دقيقة ورصينة، لكنها ستعمل أيضًا على نشر بعض المقالات المهمة والمفيدة سياسيًا وثقافيًا، فضلًا عن الأعمال الإبداعية لمثقفين وأدباء وفنانين سوريين وعرب وأوروبيين، وذلك توخيًا لمسألتين مهمتين؛ الأولى، عدم اقتصار المجلة على الطابع الأكاديمي البحثي الذي قد يبقى في دائرة اهتمام الأكاديميين والباحثين المتخصِّصين فحسب، فالمجلة تسعى للتعاون مع قطاع مهم من الكتاب والمثقفين والفنانين الفاعلين في المجال الثقافي، والذين يمكن أن يكون لهم دورٌ مهم في تنمية الثقافة والوعي الديمقراطي. أما الثانية؛ فالمجلة تسعى لإدماج الفاعلين السياسيين والمدنيين المؤثرين في سورية والمنطقة العربية في نشاطها وحواراتها وعملها، بما قد يعود بالفائدة عليهم، وعلى أدائهم، ومن ثم ما قد ينتج من ذلك من آثار إيجابية على مستوى الأداء والممارسة الواقعية.
تراعي هيئة تحرير المجلة، بالتعاون مع الهيئة الاستشارية، وعدد من الأكاديميين والمثقفين المتعاونين معها، مجموعة من العناصر المهمة في عملية التقويم؛ أهمية الموضوع المتناول، وضوح هدف الدراسة أو البحث، التبويب الواضح للبحث، جمال الصوغ والأسلوب وسلامة اللغة العربية، الانسجام الداخلي بين الأفكار، المنهج المتماسك، الجهد التوثيقي ودقة البيانات، أصالة الدراسة أو البحث، التجديد والابتكار، إحاطة الكاتب وإلمامه بجوانب الموضوع المطروح.
تعمل (رُواق ميسلون) على نشر المقالات والدراسات الفكرية والسياسية، والثقافية، والبحوث الميدانية التي تتعلق بالرؤى والأفعال السياسية، ومراجعات الكتب، والترجمات من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية، والأعمال الإبداعية لأدباء سوريين وعرب في مجال القصة والمسرح والشعر، والرسوم التشكيلية والكاريكاتورية التي يقدمها فنانون سوريون وعرب، وتنظيم الفاعليات الفكرية والسياسية، الشعبية والنخبوية، وعقد المحاضرات والندوات والدورات التدريبية وورشات العمل، واستطلاعات الرأي، وإعداد برامج مرئية ومسموعة داعمة للمجلة تنشر في موقعها الإلكتروني، فضلًا عن عقد شراكات بحثية وثقافية مع مجلات أخرى.
للمجلة هيئة تحرير خبيرة، مهمتها تحديد محاور المجلة وموضوعاتها، وتكليف الباحثين والمثقفين، وفق تخصصاتهم واهتماماتهم، بالكتابة في الملفات المتناولة، وفي زوايا وأبواب المجلة الثابتة، وتلقي الدراسات والأبحاث ومراجعات الكتب من الباحثين والمثقفين الذين يبادرون بالكتابة للمجلة من دون تكليف، وإقرار نشر البحوث والدراسات وفقًا لآلية التقويم المعتمدة بالاعتماد على أعضائها أو على أعضاء الهيئة الاستشارية، أو من خلال اللجوء إلى محكِّمين آخرين من خارج هيئة التحرير والهيئة الاستشارية.
تتلقى هيئة التحرير الدعم والمساندة في عملها من الهيئة الاستشارية المؤلفة من مجموعة من الأساتذة والأكاديميين المتخصِّصين بالعلوم الفلسفية والاجتماعية والسياسية، ومن ذوي الخبرة في مجال اختصاص المجلة، ومن الشخصيات العامة السورية والعربية القديرة، مهمتها مساعدة هيئة التحرير، وتزويدها بـآراء موضـوعية ذات بعد مستقل وبنَّاء، وبنصائح تتناول اسـتراتيجية المجلة وسياساتها العامة، وتقديم رؤى جديدة، وتحديد نقاط الضعف والخلل، علاوة على أنها تقترح توصيات وحلولًا، وتعطي رأيًا في الاتفاقيات مع المؤسسات الثقافية الأخرى.
جدير بالذكر أن مجلة (رُواق ميسلون) تصدر عن مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر، وهي مؤسسة ثقافية وبحثية مستقلة، غير ربحية، تُعنى بإنتاج ونشر الدراسات والبحوث والكتب التي تتناول القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وتولي اهتمامًا رئيسًا بالترجمة بين اللغات الأوروبية، الإنكليزية والفرنسية والألمانية، واللغة العربية. وتهدف إلى الإسهام في التنمية الثقافية والتفكير النقدي والاعتناء الجاد بالبحث العلمي والابتكار، وإلى تعميم قيم الحوار والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وإلى تبادل الثقافة والمعرفة والخبرات. وتسعى لإقامة شراكات وعلاقات تعاون وثيقة مع المؤسسات والمعاهد والمراكز الثقافية والعلمية، العربية والأوروبية. وتؤمن بأهمية تعليم وتدريب الشباب، والأخذ بيدهم، والارتقاء بهم ومعهم في سلَّم الإبداع والإنتاج، وتعمل لتكون خططها التدريبية متوافقة مع المعايير العالمية، بالتعاون مع مجموعة من الخبراء العرب والأوروبيين.
وتهدف مؤسسة ميسلون إلى تقديم قراءات سياسية، موضوعية وعقلانية، لواقع منطقة الشرق الأوسط، وإطلاق مشروعات ومبادرات سياسية منتجة، وإلى إنتاج الدراسات والكتب البحثيّة العلمية التي تستند إلى جهدٍ بحثيّ أصيل ورصين، وتتناول قضايا الفكر والواقع في منطقة الشرق الأوسط، بما يسهم في خلق فهم أفضل بالمنطقة وتاريخها، وإلى الإسهام في بناء جسر تواصل ثقافي، أوروبي عربي، وتشجيع الترجمة بين اللغات الأوروبية والعربية، وإنجاز الدراسات والبحوث المشتركة، والإسهام في نشر الثقافة والإبداع والمعرفة، ودعم الفكر النقدي والتنويري في مواجهة التيارات والأيديولوجيات المتطرفة، فضلًا عن تشجيع منطق الحوار والأساليب الديمقراطية في حل المشكلات الثقافية والواقعية، وتشجيع الشباب والمرأة على العمل الثقافي.
تتوجه (رُواق ميسلون) إلى القادة السياسيين، وإلى المثقفين والفنانين وأصحاب الرأي، على اختلاف مشاربهم وتياراتهم، الذين يؤلمهم هذا التدهور المستمر، ممن يشاركونها الاعتقاد بدور الوعي الفاعل، وبوظيفة الثقافة النقدية، كي يغذوا صفحاتها بإسهاماتهم ونتاجاتهم المختلفة، كونها لا تدّعي احتكار القول والتوجه، ولا تدعي الأسبقية في شيء، فهي وجه لجهود متنوعة، في الماضي والحاضر، حلمت وعملت من أجل وضع لبنة في مدماك مشروع تنمية الثقافة والوعي الديمقراطي، وتعزيز خط التنوير والتقدم.
نتمنى لميسلون أن تكون دائمة العطاء فكريًا، وفيّاضة دومًا بالإنتاج الثقافي، ونطمح أن يكون رُواقها، مجلة (رُواق ميسلون)، ركنًا حواريًا تتفاعل فيه الأنهار الفكرية والثقافية جميعها، بما يخدم القضايا الإنسانية والوطنية في منطقتنا، ويعزِّز حضور الحداثة والديمقراطية.
هذا هو العدد الأول من رُواق ميسلون نضعه بين أيدي قرائنا.. المجلة التي نريد لها أن تُغني الجميع وتغتني بالجميع.. تكبر بهم ويكبرون بها.

مشاركة: