لا تخلو حياة النساء السياسيات أو العاملات في الشأن العام من التحديات والعقبات، وغالبًا ما يقعن في صدامات مع أفراد مناهضين لوجودهن، لا يتوانون عن استخدام أي تكتيك أو أسلوب من شأنه أن ينفر النساء من هذه المجالات ويدفعهن للانسحاب منه.
كنت قبل أيام أشاهد إحدى حلقات مسلسل جميل وهناء الجزء الثاني، وفي هذه الحلقة كانت “إيمان” إحدى الموظفات تفكر في أنه من حقها أن تكون مديرة ويمكن للنساء أن يشغلن هكذا مناصب، فعرضت على المدير “جميل الحمصي” أن يطلقوا انتخابات والمرشح الفائز يحصل على الإدارة.
قوالب نمطية
في هذه الحلقة كانت تعليقات زملائها وزميلاتها في العمل محبطة جدًا، مثل عبارات “أنا ما بتصير مديرتي مرة!”، و”نحن النساء لم نخلق للعمل الإداري” و”المناصب للرجال”، ومن هذا القبيل، وفي الحقيقة هذا ما يقال أيضًا في مجتمعاتنا وفي الأوساط السياسية أيضًا.
إذ توضع النساء في قوالب نمطية تسمح لهن بالعمل في مهن معينة، وفي حال فكّرن في مهن أخرى يُتَّهمن بأنهن “سهلات أو وقحات أو مسترجلات”، ويتعرّضن للهجوم والنقد اللاذع ومحاولات الإساءة.
قالت لي إحدى السياسيات السوريات ذات مرة إن رسائل عديدة من غرباء ومجهولين تصلها على “المسنجر”، تطلب منها أن تكفّ عن العمل السياسي، يُنصِّبون أنفسهم أوصياء عليها، وفي بعض الأحيان تُرسَل إليها رسائل جنسية وتهديدات بإنهاء الحياة، وذلك لأنها سياسية ليس إلا!
من بين العبارات التي تُتَداوَل في الوسط السياسي الذكوري، أن النساء غير مهتمّات بالسياسة أو أنهن غير قادرات على الخوض في مضمار السياسة، لكن الحقيقة هي أن هذه الأوساط لا تسمح للنساء بالدخول إليها، ولا تبذل جهدًا في تدريبهن وإعدادهن للعمل في هذا المجال.
غالبًا ما تَنبُذ التيارات السياسية المرأة وتحاول فرض الرأي عليها، وترفض استقلاليتها وفكرها الحر، وتتعرّض المرأة للإقصاء، كما يرفضون التعامل معها بندّية ولا يخاطبونها المخاطبة المهنية المحترمة، وإنما يستعيضون بكلمة “أخت أو مدام” بدل أستاذة أو دكتورة أو أي توصيف مهني آخر.
لا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي قامت به السياسية السورية خلال العشر سنوات الماضية، بالتزامن مع الحراك السياسي النسوي في العالم، سواء على الإنترنت أو في الشوارع، وقد تُرجم هذا النشاط في بلدان عديدة ضمن صناديق الاقتراع، وزيادة أعداد النساء المرشحات للمناصب إلى أرقام لم تصل إليها من قبل.
يمكن أن نشير هنا إلى الحراك السياسي النسوي السوري، الذي يتمثل بالعديد من الجهات منها “اللوبي النسوي السوري” و”الحركة السياسية النسوية السورية” وغيرهما، حيث تعمل هذه المؤسسات على تمكين المرأة سياسيًا بالدرجة الأولى من أجل استمرار النضال السياسي في تعزيز مشاركة المرأة بشكل حقيقي ومؤثر.
تشويه السمعة
وقعت العديد من النساء السوريات، سياسيات وعاملات في الشأن العام، ضحية تشويه السمعة والإساءة، إضافة إلى حملات إلكترونية شنّتها مجموعة من الذكوريين والذكوريات، ومثال على هذه الحملات، هي نشر صورة لإحدى السياسيات بلباس البحر، وتمت ملاحقتها وإهانتها، إضافة إلى رسم كاريكاتير تمت الإشارة من خلاله إلى سياسية تعمل في تشكيل سياسي سوري معارض.
كما تتعرض بعض السياسيات في الداخل إلى التهديد بشكل دائم، منهن من تم تهديدها بالضرب والقتل والتنمر والتشهير على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها خلعت الحجاب أو لأنها لبسته، وكل ذلك من أجل إبعادهن عن الشأن العام والعمل السياسي بشتى جوانبه.
العنف السياسي
إذا ما أردنا تعريف العنف السياسي ضد المرأة، فهو شكل من أشكال العنف الذي يمارس ضدها، وهو عنف ممنهج وموجّه، تُسلب المرأة من خلاله حقّها في التعبير عن رأيها السياسي؛ كالترشّح في البرلمان، المجالس البلديّة، أو في الأحزاب السياسية.
يأتي العنف السياسي نتيجة عدم المساواة الهيكلية ووضع قيود على المرأة تحول دون وصولها إلى مناصب القيادة لصنع القرار، وعدم تقديم المساعدة لها، إضافة إلى امتناع الأحزاب عن ترشيح نساء على قوائمها الانتخابية، كل هذا مرتبط بالتحيّز المتأصّل الذي يسببه القمع الذكوري المستمر والثقافة السياسية والاجتماعية السائدة. حقيقةً أرى أن هذا النوع من العنف من أكثر أشكال العنف تطرفًا، لأنه يساهم في ترسيخ الحالة المأساوية التي تعيشها المرأة في مجتمعاتنا، وبالتالي ينعكس على الدولة ومؤسساتها، وفي الحصيلة الاستمرار في استبعاد النساء من صنع القرار العام، وتجاهل حقوقهن.
هذا النوع من العنف يُعَدُّ انتهاكًا لحقوق الإنسان، وعاملًا لإعاقة المشاركة السياسية للمرأة وانتهاكًا لحقوقها السياسية.
ونجد أن مؤشر الفجوة الجندرية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنويًا، الذي يقيس مؤشر الفجوة الجندرية بين الرجال والنساء على أربعة محاور -الصحة، التعليم، المشاركة وفرص الاقتصاد، والتمكين السياسي- يتقدم في قطاعي الصحة والتعليم ويتراجع في القطاع الاقتصادي والقطاع السياسي.
لذلك يجب العمل بشكل أكبر على فتح مجالات أمام النساء للدخول في العمل السياسي، وإيجاد حلول للتحديات والمشكلات التي تواجههن، إضافة إلى وضع خطط واستراتيجيات للنهوض بالواقع السياسي للمرأة، أهمها النضال من أجل تغيير التشريعات والقوانين التمييزية ضد النساء، ولا بدّ من بناء مسارات حديثة تتيح للفكر المستقل الوجود وإحداث التأثير.