مراجعة كتاب العنف السياسي، العوامل المادية والأيديولوجية والسيكولوجية للدكتور طارق رشاد محمود

اسم الكتاب: العنف السياسي؛ العوامل المادية والأيديولوجية والسيكولوجية
اسم المؤلف: طارق رشاد محمود
الناشر: مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر
مكان وتاريخ النشر: إسطنبول – تركيا، كانون الأول/ ديسمبر 2018
عدد الصفحات: 272
ISBN: 978-605-7964-21-2

محتويات الكتاب
مقدمة
فصل تمهيدي
الفصل الأول: الأسباب المادية
الفصل الثاني: العوامل الأيديولوجية
الفصل الثالث: العوامل السيكولوجية
خاتمة واستنتاجات

يهدف الكتاب إلى معرفة أسباب العنف السياسي، في مستوياته الفردية والمجتمعية والدولية جميعها، وفي المستويات المادية والأيديولوجية والسيكولوجية. يقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول. في الفصل الأول يتناول الكاتب العوامل المادية التي تحض على العنف السياسي، ويرى أن عوامل الصراع المؤدية إلى العنف تقسم إلى قسمين، وأن الصراعات، حتى تنشب، يجب أن تحوي هذين القسمين معًا:
عوامل أساسية كامنة: وهي عوامل طويلة الأَجَل، تخلق الشروط العامة للعنف السياسي، مثل الجغرافيا والتاريخ والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
الأسباب المباشرة: وهي أمورٌ من صنع البشر داخل الدولة، مثل نوعية الخدمات العامة، أو شدة القمع الذي تمارسه الدولة، أو تغييرٍ سريعٍ ومفاجئٍ في الحكم أو تدخلٍ خارجيٍ… إلخ. وهذه من شأنها إثارة وحشية الإجراءات التي تتخذها الحكومة.
كما يستعرض الكاتب في هذا الفصل أهم المدارس التي لها باعٌ طويلٌ في تفسير موضوع الصراع، مثل المدرسة الواقعية، وهي نظرياتٌ تشترك في الاعتماد على عددٍ من الفرضيات، أهمها: أن الجهات الفاعلة الرئيسة في العالم هي الدول ذات السيادة التي تعمل بعقلانيةٍ من أجل الأمن والقوة والثروة، في نظامٍ دوليٍ تسوده الفوضى. والفوضى لا تقود إلى الحرب بصورةٍ آليةٍ، ولكنها تخلق بيئةً تساعد في ذلك. وتميل الواقعية إلى التشكيك والنظرة المتشائمة، في ما يتعلق بالخطط الهادفة إلى إنشاء نظامٍ دوليٍ سلميٍ والمحافظة عليه. في هذه الحال، فإن ما يحدد النتائج الدولية في الأزمات والنزاعات، بما في ذلك الحرب والسلم، هو توزيع القوة في النظام الدولي.
وحول الأسباب المادية يورد الكاتب: ينظر البراغماتيون إلى الصراع وما ينتج منه من عنفٍ بوصفه صراعًا عقلانيًا ماديًا، فالمحافظة على البقاء إلى جانب الحصول على أعلى المنافع، هي الأهداف الحقيقية للصراع، بينما المحافظة على بقاء الدولة وقوتها في المستوى الدولي، وفقًا للواقعيين، والمحافظة على البقاء في السلطة في المستوى الداخلي، إضافةً إلى الموارد الاقتصادية والجيوسياسية والجيوستراتيجية، تعد عوامل رئيسة في الصراع، وما ينتج من ذلك من عنفٍ سياسي.
وفي ما يتعلق بالعامل الاقتصادي، يقول الكاتب: يعد عنصرًا استراتيجيًا في الحرب (….) وهناك أدلةٌ من تاريخ أميركا، تظهر من خلالها جدلية العلاقة بين السياسة والاقتصاد، كالحرب على العراق.
يشير الكاتب إلى أن هناك عدة دراسات نظرية وتجريبية أكدت وجود رابطٍ بين الفقر والصراع؛ حيث تُبيِّنُ هذه الدراسات أن الفقر وعدم المساواة وندرة الموارد تتضافر مع بعضها بعضًا، ليكون لها أثر مزلزل للاستقرار السياسي. ويورد الكاتب أمثلةً عن دور العلاقة بين العامل الاقتصادي والديموغرافي من جهةٍ، والعنف السياسي من جهةٍ أخرى. كما أن للسياسات الاقتصادية للحكومة دور في الصراع الداخلي.
عن العامل الجغرافي يورد الكاتب: تعد السيطرة على الأراضي والأقاليم من أكثر العناصر أهميةً في إشعال الحروب في القرنين أو القرون الثلاثة الماضية. ويعود ذلك إلى أسبابٍ أو سماتٍ ماديةٍ تحويها، مثل المعادن والنفط والمياه والأراضي الخصبة، أو أراضٍ توفر الوصول إلى البحر، وقد تعود أهمية الأقاليم بسبب احتوائها على مجموعةٍ عرقيةٍ أو دينيةٍ تحت سيادة دولةٍ أخرى مجاورة، أو إسهامها في تعزيز الأمن والدفاع، مثل مرتفعات الجولان.
في الفصل الثاني من الكتاب، يتناول الكاتب الأسباب الأيديولوجية المولّدة للعنف السياسي، وكيف تستغل النخب السياسية المُثُل الإنسانية، مثل الأديان وحقوق الإنسان والقومية، بهدف زج المجتمع أو الدولة برمتها في العنف السياسي.
عن العوامل الأيديولوجية، يقول الكاتب: عمومًا، يبدو أن السياسي في الغالب لا يلتزم أي مبادئ أو فكر، وهؤلاء الذين يصنفون بوصفهم أيديولوجيين ويرافقون عادةً بداية الثورات، وعندما يتولون زمام الأمور يبدؤون بالتراجع، هم أو خلفاؤهم عن مبادئهم لمصلحة العمل البراغماتي، فلا يمكن قياس تعلّق صحابة الرسول محمد (ص) بمبادئ الإسلام بمن جاؤوا بعدهم، ولقد جاء الإسلام بثورةٍ اجتماعيةٍ حاربها سادة العرب ودافع عنها المسلمون دفاعًا مستميتًا، غير أن الذين جاؤوا بعدهم، اشتغلوا بالعمل السياسي على أسس حددتها المصلحة على حساب الدين، كما أن تعلّق لينين بمبادئ الماركسية كان أكبر ممن جاؤوا بعده من القادة الماركسيين؛ فكلما ابتعدنا عن الثورة زمنيًا، اتجه العمل نحو البراغماتية بصورةٍ أكبر، إلا أن اللجوء إلى الأيديولوجيا عادةً ما يرتفع سقفه وقت الحاجة إلى استعمال العنف، فالإقدام على عملٍ عنيفٍ يحتاج غالبًا إلى مسوّغٍ دينيٍ أو أخلاقيٍ يضفي عليه الشرعية. ويستشهد الكاتب بعبارةٍ للمفكر عبد الله العروي: القومية والديانة أقوى وأشد وأكثر أنواع الولع السياسي بقاءً واحتمالًا.
يتناول الكاتب في الفصل الثالث من هذا الكتاب، الأسباب السيكولوجية التي تحضّ على العنف السياسي، حيث يتناول الكاتب ويستعرض أهم المدارس التي تناولت هذا الموضوع؛ كالغريزة ونظريات التعلم والنظرية الإنسانية وتأثير النواحي السيكولوجية في العقلانية. كما يتناول الكاتب في هذا الفصل، تفسير الحروب الأهلية ذات البعد المعرفي، وظاهرة الإرهاب، من خلال البعد السيكولوجي.
من النظريات السيكولوجية المفسّرة للعنف السياسي التي يستعرضها الكاتب: النظرية الغريزية والنظرية البدائية، ونظرية التحليل النفسي. عن النظرية الغريزية يقول الكاتب: تفترض أن العنف غريزيٌ لدى الإنسان، وهناك عدة اتجاهاتٍ تدعم هذه النظرية، ولعل أهمها علم سلوك الحيوان/ الإيثولوجيا الذي عممه دارسوه على السلوك البشري. الإيثولوجيا هي علم السلوك الحيواني الذي يدرس سلوك الحيوانات في بيئتها الطبيعية، وتدرس أيضًا روح الشعب ومزاجه وتشكيلاته، ورائد هذا النهج هو كونراد لورنتس الذي قدم الفكرة القائلة إن العدوان يظهر في الوجود بفعل الحاجات البيولوجية الرئيسة للإنسان، وإن الغريزة القتالية تتطور وتتكيف مع تطور الإنسان. ويتشكل التعبير عن هذا العدوان ويتطور من خلال التعرض للبيئة التي يعيش فيها والتفاعل معها.
النظرية البدائية: تدعي أن تراكم الكراهية بين الأمم يعود إلى أصلٍ بدائيٍ، وأن رفض الآخر يعود إلى عزلة الإنسان البدائي وأسلافه من الحيوانات. وبحسب هذه النظرية، عندما يتم تخفيف قبضة السيطرة المركزية يلجأ الفرد إلى هويته الإثنية أو القومية أو إلى أي عرقٍ ينتمي إليه، بوصف ذلك ردة فعل طبيعية أو غريزية، وتفترض هذه النظرية أيضًا أن الناس بطبيعتهم يلجؤون إلى عدم التسامح وكراهية الأجانب، أي إلى السياسة غير الليبرالية.
نظرية التحليل النفسي: ورائدها سيغموند فرويد الذي ينطلق من فكرة أن العدوان لدى البشر فطريٌ، وهو ينمو في أثناء التطور الطبيعي للإنسان.
نظريات التعلم الاجتماعي: وتفسر السلوك العدواني العنيف على أنه ناتجٌ عن التفاعل بين الفرد والمحيط الذي يعيش فيه، وأن سلوك العنف يأتي من خلال التعلم بصورةٍ عامةٍ. ويتبع لهذه النظرية: السلوكية، التعلم الاجتماعي، التعلم الاجتماعي المعرفي.
النظرية الإنسانية: تعد هذه النظرية الحاجات البشرية مصدرًا قويًا لتفسير السلوك الإنساني، فلدى الأفراد حاجات يسعون إلى تلبيتها، إما عن طريق النظام أو بطرائق إصلاحيةٍ أو ثوريةٍ، لذلك يجب أن تستجيب النظم الاجتماعية لها أو ستكون عرضةً لعدم الاستقرار والتغير القسري. ويرى ماسلو، رائد هذه النظرية، أن الإنسان يتأثر على نحوٍ واضحٍ بسلسلةٍ من الدوافع التي تتجاوز الحاجات الغريزية والسلوك المكتسب والتعلم بالنموذج، ولذلك فإن الصراع -بما فيه العنيف- ينتج عندما يفتقد الإنسان الحاجات الرئيسة، أو عندما يحتاج إلى تفهمها واحترامها. وهذا الحاجات الرئيسة عند ماسلو هي: الحاجات الفسيولوجية كالأكل والشرب والنوم والسكن والجنس. الأمن النفسي والبدني والصحي وأمن الممتلكات. الحاجات الاجتماعية كالعلاقات العاطفية والأسرية والصداقة والانتماء إلى جماعات. الحاجة إلى التقدير وكسب احترام الآخرين. وأخيرًا، الحاجة إلى تحقيق الذات.
ويختم الكاتب كتابه هذا بجملةٍ من الاستنتاجات، نذكر منها:
الدين بحد ذاته لا يولّد العنف، بل إن الأوضاع المادية هي التي تشرعن ذلك. فهناك أديان تجيز العنف ضمن شروطٍ محددٍة، وهناك أديان ترفض العنف رفضًا تامًا.
مع مرور الوقت تتحول الأيديولوجيا إلى حالةٍ سيكولوجيةٍ من الصعب الانفكاك عنها، ومع أول رصاصةٍ تصبح الحرب كأنها الحياة الطبيعية للفرد المقاتل. وكلما كانت أكثر دمويةً ازداد الإصرار على الانتقام، ولو بعد حينٍ، فكل فعلٍ له ردة فعل، والعنف يولد العنف.
يعود العنف السياسي بمعظمه، في المستويات الفردية والجمعية والدولية جميعها، إلى عوامل ماديةٍ غاليًا ما تكون غير معلنةٍ. ولا بد للطرف الذي يبادر إلى العنف أن يستند إلى أيديولوجيا ذات قيمٍ عليا، مستمدَّة من الدين أو القومية أو الأخلاق أو الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لا بد أن يستند العنف السياسي إلى سيكولوجية تدفع باتجاه العنف، وهذه السيكولوجية تتشكل استنادًا إلى الأيديولوجيا التي يؤمن بها الفرد والمجتمع.
يمكن للأيديولوجيا، بحد ذاتها، أن تكون سببًا للعنف السياسي. فتكون في هذه الحالة عنصرًا مستقلًا، وهنا يجب التفريق بين الأيديولوجيا بوصفها أداةً بيد السياسيين، ووقع الأيديولوجيا على المحكومين. وأن معظم القيادات تلجأ إلى الأيديولوجيا كأداةٍ لتحقيق أهداف مادية براغماتية. غير أن ذلك لا يمنع من وجود قادةٍ يخوضون غمار العنف لأسباب أيديولوجية، بعيدًا كل البعد عن البراغماتية، وهذه الأيديولوجيا من وجه نظر معتنقيها أفكار سامية. أما المحكومون الذين يتلقون الأوامر وأغلب الأفكار من النخبة الحاكمة، فإن عنفهم يستند بالدرجة الأولى إلى الأيديولوجيا، فالجندي الأميركي الذي قاتل في فيتنام أو العراق، فعل ذلك من أجل دحر الشيوعية الملحدة الشمولية في حال فيتنام، ومن أجل نشر الديمقراطية والعدالة في حال العراق، وفي الحالتين ظن الجندي أنه يناضل من أجل أهداف نبيلة تشرّبها بدل التعبئة العسكرية. هذه التعبئة تشكل سيكولوجيةً مندفعةً باتجاه العنف. وهذا النوع الذي يكون أساسه أيديولوجيًا لا يدور في الفراغ، بل تصبح أراضي الخصم وثرواته هدفًا من أهداف العنف. وإذا طال الصراع فمن المحتمل أن يتحول إلى صراعٍ جيوسياسي وجيوستراتيجي بصورةٍ واضحةٍ. فيتحول المتغير المستقل إلى تابعٍ والعكس صحيحٌ، وبذلك تبقى العلاقة جدليةً بين أسباب العنف.
من الممكن أن تكون العوامل السيكولوجية سببًا في اندلاع العنف السياسي، لقد مثّلت حروب الأسر الحاكمة في العصور الوسطى هذا النوع من الحروب، ومثيلاتها كثيرة في العصر الحديث. ومن السهل تحويل هذه السيكولوجيا إلى أيديولوجيا يؤمن بها الشعب. كصيحة هتلر “ألمانيا فوق الجميع” و”تفوق الشعب الآري” الجامعة بين الأيديولوجيا والسيكولوجيا في آن واحدٍ، ليندفع الشعب الألماني إلى حربٍ مدمرةٍ أكلت الأخضر واليابس.
لا توجد دالة قادرة على الجمع بين العوامل المادية والأيديولوجية والسيكولوجية، بحيث تفسر العنف السياسي بأطيافه وأشكاله جميعها.
يمكن العنف السياسي أن ينفجر بإرادة فئةٍ معينةٍ، كما هو الحال في الحروب أو العمليات الإرهابية أو عمليات الاغتيال المعتمدة على التخطيط. ويمكن أن ينفجر بسبب عوامل هيكلية ليس لأحد القدرة على التحكم فيها، كما هو الحال في كثيرٍ من الثروات بفعل العوامل الاقتصادية والتعليم. ويمكن أن ينفجر بفعل عمليات التصعيد غير المقصودة. غير أن العنف ما يلبث أن يشتعل، حتى تجد من يديرون دفته أو يزيدون سعيره، فالنخب السياسية في الحكم أو المعارضة، بفعل المنافسة على السلطة والمغانم الاقتصادية، قد يصبون الزيت على النار، وفي ظل غياب حكم القانون تدخل العصابات الإجرامية في تجارة السلع المهربة والمتاجرة بالبشر، كما قد تدخل دولٌ خارجيةٌ في العنف لتصفية حساباتٍ، أو دعم فئةٍ من دون أخرى، الأمر الذي يشعب الصراع.

مشاركة: