كتاب “الانتقال إلى الديمقراطية” للدكتور علي الدين هلال

اسم الكتاب: الانتقال إلى الديموقراطية: ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟
المؤلف: علي الدين هلال
الناشر: الكتاب صادر عن سلسلة عالم المعرفة، الكويت (العدد 479)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب
تاريخ النشر: كانون الأول/ ديسمبر 2019.
عدد الصفحات: 439
ISBN: 9990606528, 9789990606522

ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟
يشير كتاب «الانتقال إلى الديمقراطية» للمفكر المصري د. علي الدين هلال إلى أن قوة النظام الديمقراطي تنبع من تشييده بناءً مؤسسيًا ومجموعةً من القواعد والمعايير المستندة إلى إرادة المجتمع، ومجموعةً من “القيود” و”التوازنات” بين المؤسسات والفاعلين السياسيين إلى حدٍ لا يسمح لأيٍ منهم التمتع بسلطةٍ مطلقةٍ أو تحكميةٍ، إذ تجعل ممارسة أي سلطةٍ مرهونةً بالتشاور، والحصول على موافقة سلطةٍ أو سلطاتٍ أخرى غيرها، فتنتج نظامًا قادرًا على تصحيح نفسه وتعديل مساره إذا انحرف عن الطريق الصحيح.
يرى المؤلف أن النظام الديمقراطي يعد شأنًا حديثًا، وهو ظاهرةٌ تاريخيةٌ تطورت مع نشأة الرأسمالية وتبلور الطبقة البرجوازية والمدن، حتى اتخذ شكله المعروف حاليًا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويمكن التمييز في هذا الشأن بين ثلاث مدارس أو اتجاهاتٍ رئيسةٍ سعت إلى تفسير بروز النظام الديمقراطي ومؤسساته.
أولًا: اتجاه التنمية/ التحديث (توافر الشروط المسبقة)
ينطلق أنصار هذا الاتجاه من وجود شروطٍ وعوامل مسبقةٍ وبيئةٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ يجب توافرها قبل نشأة النظام الديمقراطي، من أبرزها: التنمية الاقتصادية، والتعليم، والتحضر.
ويلخص المؤلف أهم العناصر التي يطرحها أنصار مدرسة التحديث بوصفها الشروط أو المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطية، كما يلي:
بلوغ المجتمع درجةً ملموسةً من النمو الاقتصادي.
وجود طبقةٍ وسطى واسعةٍ ونظامٍ طبقيٍ مرنٍ.
ارتفاع نسبة التعليم.
وجود ثقافةٍ داعمةٍ لمؤسسات النظام الديمقراطي وترتيباته.
ثانيًا: اتجاه الفاعلين السياسيين (اختيارات النخب وتفضيلاتهم)
ينطلق هذا الاتجاه من مركزية دور الفاعلين والاختيارات أو التفضيلات التي يعتمدونها في مراحل الانتقال إلى الديمقراطية، ويركز أنصاره على دور النخب، لأهمية اختياراتهم في فترات السيولة السياسية والاضطراب الاجتماعي.
ثالثًا: اتجاه التحليل البنائي (نمط توزيع القوة الاقتصادية والاجتماعية)
يقوم هذا الاتجاه على ما سبق ذكره بشأن اختيارات النخب السياسية وتفضيلاتها، إذ لا تُحدّد هذه التفضيلات عبثًا، إنما في سياقٍ اجتماعيٍ يفرض مجموعةً من القيود والفرص التي يفرضها بناء القوة وتوزيع الموارد ونظام القيم والمعايير في المجتمع.
ويتناول المؤلف كيفية انهيار النظم السلطوية، فيعرض أولًا سماتها وانتقالها من مرحلة السلطوية النقية إلى مرحلة السلطوية الهجينة، ثم يعرض ثانيًا آليات انهيار هذه النظم، والتفاعلات المرتبطة بها، والفاعلين الرئيسين في هذه العملية.
من السلطوية النقية إلى السلطوية الهجينة
يقول المؤلف: إذا كانت الديمقراطية تقوم على أسس الحدية والتنافسية والشفافية والمحاسبة وحكم القانون، فإن النظم غير الديمقراطية تنهض على أسس الإكراه والهرمية والمركزية والتحكمية والسلطة المطلقة، وقد وصف الباحثون هذه النظم بمسمياتٍ عديدةٍ مثل الأوتوقراطية والأوليغارشية والدكتاتورية والاستبدادية والشمولية ونظم الحكم المطلق.
إضافةً إلى ذلك يشير المؤلف إلى سمات السلطوية النقية، ويجدها متمثلةً بما يلي: سلطةٌ هرميةٌ، ومطلقةٌ، وتحكميةٌ، وبلا محاسبةٍ، وسلطةٌ تمارس الإقصاء السياسي والاجتماعي، وسلطةٌ احتكاريةٌ.
السلطوية الهجينة وأزماتها
يرى المؤلف أن ظهور هذا المفهوم يعود إلى حقبة التسعينيات من القرن الماضي، للدلالة على بعض النظم السلطوية التي أدخلت تغيراتٍ سياسيةً على بعض جوانبها –بإرادةٍ ذاتيةٍ أو تحت ضغوطٍ شعبيةٍ ودوليةٍ– الأمر الذي أكسبها سماتٍ جديدةً تختلف عن سمات النظم السلطوية النقية، فجمعت بين بعض سمات النظم السلطوية وبعض سمات النظم الديمقراطية، ما جعلها هجينةً Hybrid، توجد في هذه النظم بعض مظاهر النظام الديمقراطي، مثل تعدد الأحزاب وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية دوريًا، والحرية النسبية لأدوات الإعلام، والنظام القضائي المتمتع بدرجةٍ ملموسةٍ من الاستقلال، إلا أن هذه المظاهر كلها تمارَس في ظل هيمنة حزبٍ مسيطرٍ، ورئيسٍ ذي سلطاتٍ دستوريةٍ واقعيةٍ واسعةٍ يستخدم الأغلبية البرلمانية بطريقةٍ تعسفيةٍ لتمرير القوانين من دون إتاحة الفرصة الكافية لمناقشتها؛ ويضرب المؤلف أمثلةً على هذا النوع من السلطة، فيذكر: كرواتيا في عهد فرانجو تودجمان، وصربيا في عهد سلوبودان ميلوسيفيتش، وأوكرانيا في عهد ليونيد كرافتشوك وليونيد كوتشما، وبيرو في عهد البرتو فوجيموري، وتونس ومصر واليمن قبل اندلاع الانتفاضات الشعبية فيها.

أنماط الانتقال إلى الديمقراطية
يحدِّد المؤلف خمسة أنماطٍ للانتقال إلى الديمقراطية:

  1. نمط الانتقال من أعلى، دور النخبة الحاكمة: يقصد بهذا النمط حدوث عملية الانتقال الديمقراطي من خلال سياسات النظام السلطوي، واتباع سياساتٍ إصلاحيةٍ تدرجيةٍ من داخله.
  2. نمط التفاوض بين نخب الحكم والمعارضة معًا: ويقصد بهذا النمط التقاء الإرادة المشتركة لدى نخبٍ من السلطة والمعارضة معًا على عملية الانتقال إلى الديمقراطية عبر مبادراتٍ ومشاريع مشتركةٍ، وهذا يحصل في أحوال وأجواء التوازن بين القوى الاجتماعية والسياسية المؤيدة للنظام القائم، وتلك المعارضة له.
  3. نمط الانتقال من أسفل (دور التعبئة الجماعية والفعل المباشر): ويشير هذا النمط إلى عملية انتقالٍ أداتها الرئيسة هي الضغوط الشعبية والتحركات الجماهيرية التي تترتب على وجود أزمةٍ سياسيةٍ تؤدي إلى تعبئةٍ جماعيةٍ ضد النظام القائم، لا تسيطر عليها نخب المعارضة الحزبية التقليدية.
    من مظاهر هذه الأزمة التدهور السريع لصورة النظام بسبب عدم الوفاء بالوعود، وتأكّل دور الدولة لمصلحة السوق ومجموعات رجال الأعمال المستفيدين، وتراجع مصداقية الخطاب الرسمي للنخبة الحاكمة وتردي الأداء السياسي والاقتصادي.
  4. نمط الانتقال عن طريق الاحتجاجات الشعبية والثورات الانتخابية: يشير هذا النمط إلى الدول التي شهدت ثوراتٍ وانتفاضاتٍ ديمقراطيةٍ لم تكتمل، وشهدت عودة ملامح النظام السلطوي، وفي مواجهة ذلك نشطت حركاتٌ اجتماعيةٌ وتحركاتٌ نقابيةٌ وشعبيةٌ لمواجهة “السلطوية الجديدة” التي فرضت نوعًا من نظم “السلطوية التنافسية” ودعت إلى احترام الدستور، وإجراء انتخاباتٍ نزيهةٍ تعبّر نتائجها عن إرادة الشعب، ومن أهم الأمثلة على هذا النمط ما يُعرف باسم الثورات الملوّنة في سلوفاكيا 1998، وكرواتيا وصربيا عام 2000، وجورجيا 2003، وأوكرانيا 2004.
  5. نمط الفرض بالقوة من الخارج: جوهر هذا النمط أن يقام النظام الديمقراطي في أعقاب غزوٍ أو هزيمةٍ عسكريةٍ، وتعمد الدول المنتصرة إلى فرض هذا النظام على الدولة أو الدول المهزومة، وتتراوح الحالات التي تندرج تحت هذا النمط كإقامة النظام الديمقراطي في ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، والحملة العسكرية على أفغانستان عام 2001، والحرب الأميركية على العراق عام 2003 لإسقاط النظام في البلدين وإقامة نظامٍ بديلٍ.
    ويشير المؤلف إلى أن النظم التي تمر بمرحلة الانتقال إلى الديمقراطية تواجه تحدياتٍ عدة تتعلق بالنظام الجديد، وأهم ما في هذه الحال ترتيب الأولويات والقضايا، ويتضمن التصميم المؤسسي عددًا من الموضوعات في مقدمها وضع الدستور، ويلي ذلك إصدار مجموعةٍ من التشريعات المنظمة للحياة السياسية.

ملاحظة نقدية ختامية
على الرغم من أهمية الكتاب النظرية، إلا إنه يعاني نقصًا واضحًا وجليًا لبعده عن الواقع العربي، وخصوصًا أنه صدر بعد الزلزال العربي الكبير الذي سمي بـ “الربيع العربي”، وبغض النظر عن مدى صحة التسمية من عدمها فإن كتاب د. علي الدين هلال لم يسقط المفاهيم النظرية المتضمنة في الكتاب على الواقع العربي، وبهذا بقيت أفكار الكتاب نظريةً بحت، إذ لم يحدد–مع الأسف– رؤيته للثورات العربية وأسباب انتكاستها، والتدخلات الخارجية والانقلابات والثورات المضادة لها، وكيف أن الاستبداد العربي الذي تملّكه الرعب تواطأ وتضامن عبر دوله لوأد الحراك الذي قام في أكثر من دولةٍ، فبرأيي كان عليه أن يتحدث -على الأقل- عن أسباب انتكاسة الحراك الديمقراطي في سورية ومصر واليمن وليبيا) كل هذا وغيره كان من المفترض أن يتناوله د. هلال في كتابه، ما كان سيرفع من مستوى كتابه ليكون مثار اهتمام وعناية المتابعين والقراء والناشطين السياسيين من المحيط إلى الخليج.

مشاركة: