مقدمة
لم تكن السُّجون حكرًا على الرجال الثائرين ضدَّ النظام منذ سيطرة آل الأسد على الحكم في سورية، بل كان للمرأة حضور صارخ فيها، ولا سيما المرأة التي اتَّخذت موقفها السياسيّ والثوريّ المناهض للسلطة الحاكمة، ونتيجة لذلك اعتُقِلَت وعُذِّبَت بأساليب لا تمتُّ للإنسانية بصِلة، من دون مراعاة خصوصيتها الجسدية والنفسية، بل ربَّما كانت تلك الخصوصية ميزة استغلَّها رجال النظام الأسدي لصالحهم؛ وقد كان السرد الروائي النسويّ منبرًا للناجيات من سجون الاستبداد، فتحدَّثن عن عوالم سجون النساء بأدقِّ التفاصيل التي طالما سُكِتَ عنها.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنه ستتناول الدراسة روايات تنتمي في أزمنتها إلى عهدَي الأسدَين، وليس ذلك بغرض الدراسة المقارِنة، إنَّما بهدف تأكيد حقائق مهمَّة؛ منها الإشارة إلى أنَّ النظام الشمولي الذي انتهجه الأسد الأب، ومارس من خلاله سلطته الاستبدادية على الشعب السوري المستضعَف هو النظام ذاته الذي تبنَّاه وريثه غير الشرعي بشار، وكلُّ المستبدين في العالم، بمعنى أنَّ الطغاة يتشابهون في الأماكن والعصور كلّها، وما يتغيَّر هو موقف الشعوب من تلك النُظُم الفاسدة، فالشعوب الحرَّة لم تتوقَّف يومًا عن السعي لحلمها الأوحد، وهو الثورة على الظلم والفساد وممارسة الفعل السياسي الحرِّ.
لذلك فقد وقع اختيارنا على أربع روايات تنتمي إلى أدب السُّجون، تتحدَّث الروايتان الأولى والثانية عن السُّجون السورية في فترة حكم حافظ الأسد، وهما رواية (خمس دقائق وحسب) للكاتبة هبة دبَّاغ، ورواية (نيغاتيف) للكاتبة روزا ياسين حسن، أمَّا الرواية الثالثة والرابعة فتتحدَّثان عن السُّجون في عهد بشار الأسد وهما (إلى ابنتي) للكاتبة هنادي زحلوط، ورواية (الوشم) للكاتبة منهل السَّراج. لقد كان هدف الكاتبات من وراء تلك الفاعلية الثقافية أبعدَ من تحطيم التابوهات التي سيطرت على المرأة من خلال مقولات العادات والتقاليد وغيرها، فالكتابة النسوية التي تتعلَّق بأدب السُّجون تنطوي على حلم أكبر، وهو حلم الحرية بأوسع مداها، الحرية التي تبدأ من الذَّات، وتنتهي بوطن تسوده العدالة والديمقراطية.
أسئلة البحث
يحاول البحث الإجابة عن سؤال إشكالي أساس: هل استطاعت الرواية النسوية السورية أن تنقل للقارئ صورة المرأة داخل السجون السورية ضمن حقبتين زمنيتين مختلفتين تنتمي الأولى إلى زمن حكم حافظ الأسد وتنتمي الثانية إلى حكم ابنه بشار الأسد؟ ويتفرَّع عن هذا السؤال مجموعة من الأسئلة الفرعية:
- لماذا كتبت المرأة الرواية النسوية التي تتناول أدب السجون؟
- كيف عبَّرت الروايات عن النشاط الثوري لناشطات منتميات إلى أحزاب سياسية مختلفة؟
- كيف صوَّرت الروايات استغلال السلطة لجسد المرأة؟
- هل تمكّنت الرواية النسوية من رصد الحالة النفسية للسجينات داخل السجن؟
- ما هي الآثار الاجتماعية التي تركتها تجربة السجن في حياة المرأة السورية المعتَقَلة؟
أهمية البحث
تعود أهمية البحث إلى كونه يتناول قضية أدب السجون المتعلِّقة بالمنتوج الثقافي النسوي في سورية، هذه القضية التي بدأت بالظهور على الساحة الثقافية منذ أكثر من عقد من الزمان، وهذا لا يعني أنَّه قبل هذه الفترة لم يكن لأدب السجون حضور فاعل في تلك الساحة، إنَّما يعني تسليط الضوء وتركيزه على هذا الجنس الروائي المكتوب بأقلام نسائية ضارعت الواقع السياسي منذ اعتلاء العائلة الأسدية لكرسي الحكم في سورية.
منهجية البحث
سنقوم بمقاربة النصوص الروائية مقاربة نقدية تنتهج منهجًا وصفيًا تحليليًا من خلال أدوات نقدية محدَّدة تعتمد على فهم النصوص وتفسيرها، وذلك بعد قراءتها قراءة عميقة، والوقوف على الجزئيات التي تتعلَّق بموضوع بحثنا من أجل الوصول إلى النتائج المرجوَّة منه.
أولًا: لماذا تكتب المرأة هذا الجنس الروائيَّ؟
في حديثنا عن أدب السُّجون والأدب الروائي تحديدًا، ينبغي علينا أن نكون دقيقين في تحديد المفاهيم التي يفترق عندها هذا الجنس الروائي عن غيره من الأجناس الروائية، إذ لا بدَّ لنا من الإشارة إلى أنَّه ثمَّة فرق كبير بين الغايات التي وُجد من أجلها أدب السُّجون والغايات التي كانت دافعًا وراء كتابة الرواية بشكلٍ عام، إذ تختلف غاية الروائي بين أن يكتب من أجل متعة القارئ الصِّرْف، وبين أن يكتب لأنَّه في حاجة إليه ليزوِّده بمعرفة ما لن يتمكَّن من معرفته إلا من خلال السرد، بمعنى أنَّ الكاتب يحتاج إلى طرف آخر على تفاوت درجته في التلقِّي، سواء أكان قارئًا عاديًا أو قارئًا متذوِّقًا للأدب، لذلك فهو يستهدف جمهورًا غير محدَّد، يخلقهم في وعيه قبل أن يبدأ بعملية الكتابة، وإضافةً إلى كلِّ ما ذكرناه فإنَّنا نتحدَّث عن جنس روائي مكتوب بقلم المرأة، بمعنى أنَّ الغايات التي يستهدفها أدب السُّجون هنا ستكون محمَّلة بالكثير من الدوافع التي دأبت المرأة المثقّفة على استخراجها إلى حيِّز الوجود، فجاهدت ليكون صوتها مسموعًا، بعد زمن طويل من الصمت والاستلاب، انطلاقًا من إيمانها بأنَّ ما لم يُكتب سيطاله النسيان والتغييب، بل سيبقى حبيس قضبان السُّجون التي أسعفها حظُّ الحياة من دون غيرها فخرجت من ورائها لتمارس حريتها من جديد.
قد تتحقَّق المتعة في تلقِّي أدب السُّجون، ولكنَّها متعة من نوع خاص، هي متعة الاكتشاف والمعرفة، متعة تتجلَّى فيها الحقيقة التي دأبت السلطة الاستبدادية في سورية على إخفائها، فتقول روزا ياسين حسن في مقدمة روايتها (نيغاتيف) مشيرة إلى قصدية إمتاع القارئ: “إنَّ ما استحوذ على اهتمامي، منذ اللحظة الأولى هو أنْ أستطيع إخراج كتابٍ مُمتع إلى قارئ مفترَض؛ كتاب يحاول أن ينقل لذلك القارئ أيضًا، بعض الويلات والانتهاكات التي ارتُكبت بحقِّ النساء والرجال على السواء من دون أن يُعلم بها”، بمعنى أنَّ لكشف الحقيقة لذة تستحوذ على الكاتب والقارئ في آنٍ معًا، بصرف النظر عمَّا يصاحبها من مشاعر الألم والمرارة، ولذلك يمكن أن تقع الرواية بين فكّي صراع تفرضه عملية الإبداع الأدبي، بين الحاجة إلى السرد التخييلي والوفاء للسرد التوثيقي، “لأنَّ التخييل سيعمل، كالعادة، على ليِّ القصة الحقيقية، أي سيعمل على حقن ما حدث بنكهة ما لم يحدث”، فاللغة السردية التي تمتزج فيها الحقيقة بالخيال تحتاج إلى أن تكون غير بريئة، وإلى تكثيف في حوادث الواقع، وفضاء زماني ومكاني ينسجم مع تقنيات السرد وأدواته، وإقحام ذات الكاتب وهواجسها التي تطوف في مناطق غير مرئية أو غير معروفة، لتكون على تماسٍ مع رؤية للعالم تتطلَّع إلى تحقيق الوعي الممكن الذي تعبِّر عنه الكاتبات من خلال هذا الأدب.
ولا ريب أنَّ عالم السُّجون يحتاج إلى أصوات كثيرة لتعبِّر عنه، هذه الأصوات تحمل مختلف الثقافات والرؤى التي تعاين الحوادث من وجهة نظر مختلفة، وإن كانت جميعها تتقاطع في نقطة واحدة هي السُّجون، لذلك كانت تجربة الرواية النسوية التي تناولت أدب السُّجون ذات أبعاد مختلفة عمَّا كُتِبَ في هذا المجال؛ لأنَّها تعبِّر عن تجربتها الخاصة والمتفرِّدة التي لا يمكن أن تنطبق على أيِّ تجربة أخرى، وذلك لما للمرأة من خصوصية جسدية ونفسية واجتماعية، إذ ينبغي معاملة “كلِّ ما يمكن أن يُكتب عن السُّجون، كومضات ضوء تتوالى في العتمة، ولن يتَّضح المشهد إلا بتوالي تلك الومضات وتكثيفها في تجارب متعددة بتعدُّد مسارات الطغاة، متنوِّعة بتنوع أساليب تعذيبهم وقمعهم، وعميقة عمق أقبية السُّجون”، وبذلك تكون تجربة الكتابة النسوية في أدب السُّجون جزءًا من صراعها الطويل لتحقيق وجودها، من خلال حريتها في التعبير عن رأيها، فالحرية كما تقول الكاتبة الألمانية حنة آرندت هي “السَّبب الذي من أجله يعيش الناس في أيِّ نظامٍ سياسيٍّ على الإطلاق، ومن دونها لا معنى للحياة السياسية كحياةٍ سياسيةٍ، وإنَّ السبب المبرِّر للسياسة هو الحرية”، وإذا كانت فاعلية المرأة قد غُيِّبت لسنوات طويلة على يد النظام السوري في المجالات كافةً، إلا ما كان بإشرافه ورعايته، فإنَّها بعد الآن لن تعدم أيَّ وسيلة لتتكلم من دون خوف أو حرج عن الطاغية ونظامه الفاسد، على الرغم من أنَّه مهما حاولت الكتابة أن تجسِّد التجربة ستكون قاصرةً عن بلوغ الحقيقة كما كانت في الواقع المعيش.
والآن يمكن أن نتساءل: هل تكتب المرأة تجربتها في السجن لتصعِّد مشاعرها المكبوتة جرَّاء ما عاشته وراء قضبان السُّجون من انتهاك وتعذيب؟ هل ستكون قادرةً على التخلُّص من عذاباتها فتتصالح مع نفسها من جهة ومع الواقع من جهة أخرى؟ هل “نَبْشها لممارسات القمع طريقة للخلاص منها، ولمقاومة ذاك التهديم الذاتي الذي يأكلها من جوانيتها”؟ إنَّ ما نتساءل عنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلاقة المجتمع السوري مع الخوف، فالخوف متجذِّرٌ في أعماقه، ومُرَسخٌ في منطقة اللاوعي عنده، وهو خوف مبرَّر؛ لأنَّه ارتبط تاريخيًا بالاستبداد والظلم، وليس من السهل أن يتخلَّص الإنسان من الرعب المعشِّش في جذوره، ولعلَّ الكتابة عن هذه التجربة بكلِّ ما تحمله من معاناة في أثناء عملية الإبداع التي تستدعي استرجاع ذكريات الماضي المشؤوم بجميع حيثياته وإعادة معايشتها ذهنيًا تكون وسيلة لمواجهة الطغيان والتخلُّص الأبدي من ذلك الخوف، لذلك ترى هبة دباغ أنَّ من واجبها أن تتحدَّث عن مظالم النظام وانتهاكاته لحقوق الإنسان، بل ترى أنَّها أمانة ملزمة تستحقّ أن نبذل في سبيلها بعض العنت والتكدُّر حتى لا يضيع الكثير مما بُذِل والكرب الجلل والعذاب الشنيع.
إنَّ الكتابة عن مرحلة قاسية وغير معقولة في حياة السَّجينات السوريات، والتي كانت فيها المرأة فاقدة لحريتها، وفاقدة لقدرتها على الدفاع عن نفسها “تصفِّي الحسابات مع آلة القمع والاستبداد بفضحها، وتقدِّم دفاعًا بليغًا عن النفس، بحيث يصبح بدوره جزءًا من آليات التأثير والتغيير باتجاه واقع تاريخي أرقى. إنَّ هذه الكتابات تصبح برحلتها إلى الجحيم مرةً أخرى، رحلة اختيارية هذه المرة لتأمُّله وتفحُّصه وكتابته، عملًا تاريخيًا بامتياز يسترجع الماضي ليتدخَّل في الحاضر والمستقبل”، إذ يمكن من خلال تلك الكتابات أن تخلق المرأة رؤية للمستقبل، تكون فيها في مكانة غير المكانة التي ناضلت لتتحرَّر منها، مكانة تليق بالمرأة السورية الحرَّة، تُصان فيها كرامتها، ويتحقَّق من خلالها وجودها.
ثانيًا: فاعليَّة المرأة الثوريَّة والسِّجن
اختلفت فاعلية المرأة الثورية بين حوادث الثمانينيات وبين ثورة 2011م؛ وذلك لأنَّ المعارضة التي ظهرت في ذلك الوقت (الثمانينيات) كانت على شكل تنظيمات وخلايا سريَّة، وانقسمت إلى حزبين رئيسين، لذلك فإنَّ سجينات الثمانينيات كنَّ إمَّا من الإسلاميات أو من الشيوعيات، ولا بدَّ أن نشير إلى قضية مهمَّة وهي أنَّ معظم الإسلاميات اللواتي سُجنَّ كنَّ رهائن عن أزواجهنَّ أو آبائهنَّ أو أخوتهنَّ، ولم يمارسن الفعل السياسي المعارض بشكل مباشر، وإنْ حملن داخلهنَّ بذرة التنكُّر للنظام وما يقوم به من استبداد وظلم، تقول هبة دباغ في هذا السياق: “لم يكن عدم انتظامي أو تحزُّبي سببًا في الوقت نفسه لأعمى عن ممارسات النظام السوري الظالم وأعماله التعسفية ضدَّ أبناء الشعب من جميع الاتجاهات والطبقات والانتماءات؛ وما أكَّد لي ذلك شيءٌ قدر مشاهدتي ومعايشتي لأصحاب الاتجاهات السياسية المختلفة وأصحاب اللا اتجاه من المواطنين والمواطنات الذين كانوا مثلي ضيوفًا بالإكراه على زنازين النظام وسجونه، ولم يُستثنَ من ذلك حتى أبناء طائفة النظام نفسه”، فقد اعتُقِلَت دباغ لمدة تسع سنوات كرهينة عن أخيها الناشط سياسيًا، والذي فرَّ هاربًا إلى الأردن من بطش النظام الأسدي الذي ارتكب مجازر بشعة في حماة كان منها أنْ قتل كلَّ أسرة هبة دباغ صغارًا وكبارًا.
إضافةً إلى ذلك كانت تهمة إيواء الإسلاميين في البيوت أو دعمهم ماديًا أو حماية أسرهم أو مساعدتهم في الهرب خارج سورية مبرِّرًا لسجن عائلات بأكملها، ولم تسلم من هذه الحملات السيدات المتقدِّمات في العمر، فقد “كانت الحاجَّة مديحة في الأربعينيات من عمرها، وهي امرأة معروفة في حلب تدرِّس النساء دروسًا في الدِّين على الرغم من أنَّها تكاد تكون أميَّة لا تقرأ أو تكتب، وكانت قد جعلت من بيتها قاعدةً، سكن فيها بعض الملاحَقين”، لذلك فقد عومِلَت السَّجينات الإسلاميات معاملةً أشد قسوة من غيرهنَّ، ليعترفن بأسماء الملاحَقين في أسرهنَّ، ويبلِّغن عن أماكن وجودهم، فمنهنَّ مَن كانت ترضخ تحت التعذيب، ومنهنَّ من كانت تستمرُّ في مقاومتها، حمايةً لأسرتها ورغبةً في مواجهة الاستبداد والتخلُّص منه، إلا أنَّه يمكننا أن نلاحظ تبعية الفاعلية الثورية التي قامت بها السَّجينات الإسلاميات للنشاط السياسي الذي كان يقوم به الذكور من العائلة، وعدم تفرُّدها بالفعل السياسي، وعلى العكس من ذلك كانت السَّجينات الشيوعيات.
لوَّحت ظلمة المعتقلات بقضبانها للكثير من الناشطات السياسيات، وشكَّل ذلك لهنَّ عنصر تهديد؛ لأنَّ السجن يعني فقدان الحرية، ومن ثمّ توقُّف متابعة النشاط السياسي، إلَّا أنَّ ذلك لم يمنع الشيوعيات من محاولة ممارسة عملهنَّ السياسي داخل السجن، فقد “كانت اللجنة الموازية تقيم الحلقات المؤلَّفة من حوالي اثنتي عشرة معتقلة، نوقشت العديد من المواضيع في تلك الحلقات الثقافية من تاريخ الحزب، إلى برنامج الحزب، إلى عدد من المواضيع الفكرية المتنوعة؛ مثل اجتياح الكويت أو قراءات في كتب حسين مروة وغيره”، ولكنَّ لم يستمر ذلك النشاط بسبب الحالة النفسية السيئة التي قضت على أحلامهنَّ الثورية، وأفقدتها مع الزمن بريقها، وهذا ما كانت السلطة الأسدية تسعى لتحقيقه، فمارست في سبيل ذلك أشدَّ أنواع التضييق والتعذيب الوحشي اللاإنساني.
وقد زاد من سوء الأوضاع داخل السجن عدم انسجام السَّجينات مع بعضهنَّ البعض، إذ نظرت الإسلاميات للشيوعيات نظرة (الكافرات أو الملحدات)، ولم تتقبَّل الشيوعيات التشدُّد الذي أظهرته الإسلاميات، بل إنَّ الاختلاف بين السَّجينات من الحزب الواحد كان سببًا في مشكلات كان من الصعب التعايش معها أو قبولها بسهولة، تقول روزا ياسين حسن: “جيء بنا من مختلف أرجاء البلاد، يجمعنا العمل أو محاولة العمل في السياسة من الموقع اليساري المعارض، جيء بنا وكلٌّ منَّا تحمل اختلافاتها عن الأخرى، اختلافات في العمر والتجربة، اختلافات في النشأة والتربية والعادات اليومية، اختلافات في الأمزجة والميول الشخصية، وهنا ابتدأ ما سمَّيته يومًا المختبر البشري المركَّز والذي لا يُتاح إلا في مثل هذه الأماكن”، إلا أنَّ الأحوال الجديدة فرضت نفسها على الجميع، لتتراجع الأحلام الكبرى أمام أمنيات صغيرة لا تعدو متطلبات الحياة اليومية كالحصول على مكان جيِّد للنوم، أو الظفر بحصة أكبر من الطعام.
كما كان للاطلاع على عوالم السجن دور في ملامسة الواقع على نحو مباشر، إذ وجدت الناشطات السياسيات أنَّ البنى الذهنية للمجتمع السوري في حاجة إلى أن تتغير، وليس النظام السياسي الفاسد فحسب، وذلك بعد أن عايشن في السجن نماذج اجتماعية لم يكنَّ قد عرفْنَ بوجودها من قبل “فتغيَّرت رؤية الكثيرات من المعتقلات السياسيات، كما تغيَّرت رؤيتي تمامًا. كنَّا نعتقد، قبل دخولنا السجن المدني، أنَّنا سنغيِّر العالم بعملنا السياسي. اكتشفنا، بعد خروجنا أنَّنا لم نكن نعرف الشيء الكثير عن عالمٍ كنَّا نسعى لتغييره!!”، وهذا بحدِّ ذاته كان دافعًا لإعادة النظر بالمقولات الثورية وإعادة صوغها، إذ تفشَّى الفساد في المجتمع، بحيث باتت عملية التغيير تحتاج إلى العمل على أكثر من مستوى، وعلى الأصعدة كافةً.
أمّا في ثورة 2011م فقد تغيَّر وعي المرأة، وبات فكرها ناضجًا بالقدر الذي يخوِّلها أن تعرف حقوقها فتدافع عنها، حيث شاركت المرأة السورية في التظاهرات، ونادت بحريتها وحرية شعبها، محطِّمة العادات والتقاليد التي قيَّدتها لسنوات طويلة، تقول لولا الآغا بطلة رواية (الوشم): “شجاعة هائلة اقتحمتني، لم أتردَّد، نسيتُ ما كان يشغل بالي، واندفعت لأكون بينهم وأرفع الصوت، رحتُ أهتف وأهتف؛ هتفتُ عن عمري كلِّه، صرختُ؛ لأنِّي لم أكمل تعليمي، صرختُ؛ لأنِّي تزوجتُ وأنا صغيرة، صرختُ؛ لأنِّي عوقبت في المدرسة ظلمًا، صرختُ؛ لأنِّي أُهِنت في بيت زوجي وعند أهله، أُمِرتُ بالصمت عن الأسئلة، صرختُ عن الفقر وسكوت البنات وصرختُ عن الظلم الذي يلحق بشبّان البلد.”، تختصر الكاتبة منهل السَّراج المظالم التي تعاني منها المرأة في سورية، وتعلن رفضها، والثورة على جميع القوانين والعادات والتقاليد التي جعلت منها ضحيةً لمجتمعها، وضحيةً للقانون الذي لم ينصفها يومًا، وبذلك نتبيَّن أنَّ ثورة المرأة لم تنشأ بين يوم وليلة، إنَّما كانت نتيجة التراكمات التي أثقلت كاهلها فما عاد الصمت مجديًا بعد أن تنسَّمت الحرية.
لقد “أدركت المرأة السورية أنَّ إشهار ما يحدث في الداخل السوري مهمٌ جدًا في تشكيل وتوجيه مسار الحوادث السورية. أصبحت النساء السوريات يدعمن قصص الحرب الثورية. فهناك نساء ضمن المؤسِّسين لصحف محلية في ظلِّ الثورة السورية، مثل: صحيفة “عنب بلدي” التي أصبحت ثنائية اللغة. وهناك أيضًا مدوِّنات سوريات يقمن بتغطية حوادث الحرب اليومية ضمن مقالات تُترجم لجمهور ناطق باللغة الإنكليزية”، فقد كان لتطوُّر وسائل الاتصال دور مهم في اتساع نشاط المعارضة السورية، فكانت المنشورات المتناقلة بوساطة الانترنت وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بديلًا موفَّقًا عن المنشورات الورقية التي كان توزيعها عملًا صعبًا جدًا؛ لأنَّه يعرِّض صاحبه لخطر الاعتقال وملاحقة بقية أفراد المجموعة المعارِضة.
لقد دأبت الناشطات السياسيات ليُسمع صوتهنَّ، ويعرف العالم أنهنَّ لسن أقل شأنًا من النساء اللواتي خلَّد أسماءهنَّ التاريخ، لذلك سعت هنادي زحلوط لتفعل أيَّ شيء من أجل الثورة، في سورية، تقول: “بدأتُ العمل على صفحة التنسيقية مستخدمة علاقاتي مع أصدقائي للحصول على معلومات عن أماكن خروج التظاهرات، وأسماء المعتقلين والشهداء”، وكذلك قدَّمت كلُّ امرأة ما استطاعت أن تقدِّمه مفعِّلة دورها السياسي في مجتمع هي جزء مهمٌّ منه، فقد حاز نضال المرأة العربية في هذه المرحلة على تأييد منظمات دولية دعمًا للنتائج المبهرة التي حقّقتها، ما يعدُّ اعترافًا بدور المرأة في صنع الثورات، وفضح الممارسات القمعية للنظم الفاسدة، ونقل أخبار الثورة والتعبئة لها، ما جعلها تتقدَّم خطوات في عملية تحرُّرها، خطوات لا يمكن التراجع عنها إلا باستكمال مسيرتها الثورية التي تستلزم زيادة وعي المجتمع بأهمية دورها السياسي الفاعل.
ثالثًا: جسد المرأة ورقة السلطة الرابحة
لم تكن عقوبة السجن واستلاب الحرية التي هي أغلى ما يملكه الإنسان وسيلة ردعٍ كافية بالنسبة إلى النظام السوري، على الرغم من كلِّ القوانين الدولية والتوصيات الأممية التي تمنع انتهاك حقوق الإنسان، وتطالب ببيئة توفِّر المتطلَّبات الدُّنيا للمسجونين؛ كالمكان والغذاء الملائمَين والرعاية الصحية اللازمة، إضافةً إلى الالتزام بكيفية معينة من المعاملة مع المسجونين، مهما كان الجرم الذي ارتكبوه، فكيف بهم وقد كان جرمهم أن ثاروا على السلطة الطاغية، وطالبوا بحقِّهم في التنعُّم بدولةٍ ديمقراطيةٍ تسود فيها العدالة ويتمتع أفرادها بالحريات، لقد كان التعذيب بأقسى الطرائق سببًا لتصنيف السُّجون السورية وعدّها من أسوأ السُّجون في العالم، فـ “قد أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) تقريرًا بتاريخ 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2019م عن التعذيب في مراكز الاحتجاز السورية الذي يوثَّق 72 أسلوبَ تعذيبٍ يمارسه السَّجّانون على المعتقلين”، وبما أنَّنا نتحدث عن النساء فإنَّنا سنتكلَّم بشكل خاص عمَّا لاقته المرأة من انتهاكات على أيدي معتقليها، إذ كان “لأجساد النساء نقاطُ ضعف كثيرة في المعتقلات، لا اعتزاز بالأنوثة، بصدور ناهدة أو وجوه مدورة وشفاه مكتنزة، لا فخر بقامة شهيَّة وأذرع ناعمة أو أصابع نبيلة، كلُّ المرأة إثمٌ، جسدًا وروحًا، وكلُّها موضوعٌ مناسبٌ لممارسة السادية والانتهاك”، ففي سجون النظام المستبد تنقلب المعادلة، وتتجاوز اللاإنسانية كلَّ التوقعات، وذلك ينطبق على عهدي الأسدين، إذ تختلف الضحايا والجلاد واحد.
وقد استخدمت السلطة في سورية في ظلِّ تغييب القانون وتوظيفه في خدمة الاستبداد، ومن خلال سجَّانيها التعذيبَ كوسيلة للضغط على السَّجينات، وعلى أجسادهنَّ بشكل خاص، لانتزاع اعترافات منهنَّ، قد لا يكون لها في الحقيقة أيُّ وجود، فتختلف التُّهم الملصَقَة بهنَّ بحسب مزاج المحقِّق، أو بحسب ما تمليه عليه الأوامر، فإذا كانت التُّهم في عهد الأسد الأب تتركَّز في الخروج عن طاعة النظام فإنَّها في عهد الابن تتنوَّع ما بين دعم الإرهاب والتعامل مع المسلحين، أمَّا التهمة الثابتة فهي جهاد النكاح، وقد كان جسد المرأة في حدِّ ذاته وسيلة تعذيب استخدمها المحقِّقون للضغط على السجينات، وجعلهن يصلن إلى حالة الانهيار والاعتراف بما يُرضي المحقِّق ويَرضى عنه، ففي الثمانينيات “أُجبرت الكثير من الإسلاميات على الظهور بلباسهنَّ الداخلي فحسب، ويتمُّ إحضار السجَّانين كي يتفرَّجوا عليهنَّ وهنَّ عاريات تقريبًا، يسمعوهنَّ الكلمات البذيئة التي يتفنَّن عناصر الأمن والجلادون في اختراعها. إحدى الحاجَّات أُجبرت على التعرِّي، وأدخلوا أخاها ليراها وهي على تلك الحال، يُقال إنَّ الأخ خرَّ مغشيًا عليه على الفور”، أمَّا لولا الآغا فتروي بجرأة من لم يعد عنده ما يخسره كيف اغتُصِبَت على مرأى من زوجها فتقول: “شدَّ كنزتي وخلعها، ثمَّ مزَّق بنطالي، ووقعتُ على الأرض عاريةً، أمسك بي اثنان والمحقِّق فوقي. لا أتذكَّر في غيبوبتي إلا صوت زوجي يعوي، وهم يرفعون وجهه كي يشاهد الاغتصاب، وسمعت صوت عنقه وعويلي، مات وظلَّت عينه مفتوحة تشاهدني وتشاهد العار”، إنَّ الخزي المقصود إلحاقه بالمعتقلين بهذا التعذيب يتجاوز كلَّ الوسائل التي تُبتَكَر في سجون سورية، ذلك لأنَّ التعذيب كما حدَّده ميشيل فوكو يرتبط بـ “كمية الوجع” الذي يُنَفَّذ على المعتقلين، ولعلَّهم بذلك قد حقَّقوا أكبر كمية من الوجع التي يمكن إلحاقها بإنسان.
أمَّا عند التفتيش فلا يمكن وصف بربرية الطريقة التي تُنفَّذ بها هذه العملية، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنَّما يدلُّ على الهمجية التي لم تروضها الحضارة الإنسانية ولم تشذبها يد الأخلاق، فإنْ كان حظُّ المعتقلة أفضل من غيرها ستفتشها بعض السَّجينات السابقات، أمَّا لولا الآغا فقد كانت من ذوات الحظِّ السيئ، إذ تصف عملية التفتيش المهينة قائلة: “اشلحي ثيابك كلَّها! قال آمرًا بصوت مرتفع كأنَّه يُسمع آخرين، وعرفتُ بعد ذلك أنَّه كان يُسمع الشبان المشبوحين؛ ليهدِّدهم بإحضار نسائهم. وقفتُ أمامه مثل فرخ مذبوح ومنتوف”، ويمتدُّ التفتيش إلى ما بعد الثياب الداخلية فيما يسمَّى بـ (التفتيش العاري) من دون احترام خصوصية المرأة وجسدها، بل إنَّ همَّ السجَّان الأوَّل هو انتهاك حرمة جسدها وخلق حالة من الذعر والرعب بوصف التفتيش فاتحة رحلة الجحيم التي ستمتدُّ طويلًا داخل السجن.
ومن هنا كان الحديث عن ماهية السجَّان الذي تجرَّد من إنسانيته، وراح يتفنَّن بألوان التعذيب التي تؤكِّد ساديته وتلذُّذه في أثناء ممارسة التعذيب التي غالبًا ما تترافق بالسخرية والاستهزاء والضحك الهستيري، فهذه “إحدى المعتقلات الشيوعيات بثيابها الداخلية كانت تُضرب بالكرباج أمام الملازم، وتُضرب بعيون الجلادين التي تلتهمها شبقة متشهية لعريها”، ففي اللحظات ذاتها التي تصل إلى أقصى العذاب الممتزج بالذُّل والإهانة لا يتورَّع السَّجانون عن إظهار شهوتهم الحيوانية مستغلِّين ضعف المرأة في ذلك الوقت، أمَّا المعتقلة حميدة فقد “وُضعت في الدولاب من دون أن يلبسوها البنطلون على الرغم من صراخها طويلًا، في نهاية التعذيب تُركت مرميةً، وهي ما تزال مضغوطةً بالدولاب، فيما السَّجان يقهقه شامتًا: لقد رأيتُ كلوتك. لونه أبيض”، إنَّ بعض حالات التعذيب هذه تتسبَّب بأمراض جسدية مزمنة وعاهات دائمة، وقد تكون في بعض الأحيان مميتة، ناهيك عن الأمراض النفسية التي سنتحدَّث عنها لاحقًا، ومن إحدى حالات الانتهاك فقد إحدى الفتيات المسجونات عذريتها، إذ “علقوها عاريةً، وشدُّوا ثدييها بملاقط، أدخلوا أدوات حادَّة في المهبل وفي الشرج”، ومنهنَّ من تحمل في رحمها ثمرة الاغتصاب، ومنهنَّ من تُعلَّق مشبوحة كالذبيحة من يديها وتُضرب حتى تفقد وعيها، ومنهنَّ من تُحرق أطراف أصابعها وتُقلع أظافرها، ناهيك عن الضرب بعصا الخيزران حتى يتفزَّر الجلد واللحم، وهناك الصعق بالكهرباء على سائر أنحاء الجسم والكثير الكثير ممَّا لا يمكن حصره، جميع تلك التجاوزات للقانون، والانتهاكات لحقوق الإنسان كانت تُنَفَّذ على المسجونات؛ لأنَّه لا يوجد رادع يردع المجرم الحقيقي، إذ كان السَّجانون يمارسون سلطتهم الغاشمة بعلم السلطة التي كانت تعطيهم الضوء الأخضر ليقوموا بما شاؤوا، فلا قانون يحاسبهم، ولا إنسانية تمنعهم، فكانوا أداةً في يد السلطة التي تنفِّذ بوساطتهم ظلمها واستبدادها.
رابعًا: تردِّي الحالة النفسيَّة وراء القضبان
إنَّ سعي السلطة الاستبدادية في سورية للسيطرة على الآخر وإلغاء وجوده إرضاء لشهوة الخلود على كرسي الحكم، لها تجلِّياتها المتعددة والتي لا يمكن حصرها بمنحىً واحد، وسنتحدَّث هنا عن تلك الممارسات القمعية التي تحمل قصدية تدمير الجانب النفسي عند السَّجينات السياسيات، إذ تشير الدراسات إلى أنَّ نسبة إصابة النساء بالاكتئاب داخل السجن أكثر ارتفاعًا بالمقارنة مع السُّجناء الرجال؛ ذلك لأنَّهن يواجهن معظم حالات الاضطراب الانفعالي بالصمت، ومن ثمّ فإنَّهن يصبحن غير قادرات على تصعيد أزماتهنَّ بمواجهتها أو تجاوزها، خاصة إذا كنَّ قد تعرَّضن للاغتصاب أو التحرُّش الجنسي، لذلك تعتري الكثيرات منهنَّ ردَّات فعل نفسية تختلف في شدَّتها من سجينة إلى أخرى، فتجعلهنَّ ضحايا الأمراض النفسية أو الأمراض العقلية نتيجة عدم قدرتهنَّ على تجاوز تلك الصدمات.
ولعلَّ أولى تلك الممارسات أنَّهم في السُّجون يقومون بتحويل أسماء المعتقلين والمعتقلات إلى أرقام مجرَّدة، فتحمل كلُّ سجينة رقمًا منذ دخولها إلى السجن وتختفي معه إنسانيتها تدريجيًا، لتصبح شيئًا لا ملامح له، كما أنَّ تشييء السَّجينات والتعامل معهنَّ بحسب الكمِّ لا الكيف، وتجاهل مشاعرهنَّ ووجودهنَّ وسمَ العلاقة بين السجَّان والسَّجينات بالسيطرة والتحكُّم والإذعان؛ لأنَّ التشييء حوَّلهنَّ غالبًا إلى مجرَّد آلات تنفِّذ ما يُطلب منها من دون جدال أو نقاش، مع فقدٍ قاسٍ لكينونته الإنسانية التي كنَّ عليها.
لذلك فإنَّ تجربة السجن وما تحتويه من ذلٍّ ومهانة تحفر في ثنايا الأنفس آثارًا عميقة، ثمَّ تتحوَّل مع مرور الأيام إلى ندبات تشوِّه الروح وتفقدها نقاءها، وتجعل منها مسخًا ينفر من هذا العالم المليء بكلِّ أشكال القهر والاستبداد، فالتعذيب في السُّجون “مجرد وسيلة للحطِّ من النوع الإنساني، أي تحويل الإنسان إلى مجرَّد كائن مقهور بلا أيِّ اعتبار ذاتي أو كرامة، فتصبح غريزة البقاء، ليس إلَّا، المحرِّك الأساس لوجوده”، وبناء على ذلك فإنَّ المسجونات انقسمن إلى قسمين؛ فمنهنّ من تجاهد للمحافظة على الحياة بكلِّ ما أوتين من قوَّة المصابرة، ومنهنّ من تستسلم لمصيرها من دون أيِّ رغبة في الحياة، وتصبح كالورقة في مهبِّ الريح تحرِّكها كيفما تشاء، بحسب إرادة كل واحدة ورغبتها في إكمال مسيرتها في مواجهة الطاغية أو انسحابها واستسلامها. فمنهنَّ من عدَّت السجن بداية الطريق أو مرحلة من مراحل المقاومة، ومنهنَّ من رأته نهاية الطريق.
كما كان لجوء السجَّان إلى وضع السجينة في غرفة منفردة أو تأجيل التحقيق معها لمدة طويلة قبل أن يبدأ التعذيب المرافق للتحقيق مع السَّجينات السياسيات هي محاولة لإخضاعها منذ البداية، وذلك من خلال جعلها تخوض حربًا نفسيةً لا هوادة فيها، يريدون من ورائها أن تصل إلى حالة الانهيار التام، أن تتحطَّم من داخلها فلا يبقى بمقدورها أن تتحمَّل المزيد من الألم النفسي، أو إطالة زمن العذاب، ومن ثمَّ يأتي التعذيب الجسدي استكمالًا للتعذيب النفسي الذي يعدُّ أشد وطأةً على أنفسهنَّ، إذ “تتعدد عذابات السجن وتتنوع، لكنَّ عذابات الجسد كانت على شدَّتها تندمل ولو بعد حين ، بينما لم يكن من السهل التخلص من عذاب الروح وقلق الأنفس”، ويصبح الوقت في السجن عدوًا لدودًا لا يمكن التعامل معه، حيث تتباطأ ساعاته وتتمطَّى حتَّى تغدو كلُّ ساعة دهرًا كاملًا، على الرغم من محاولة بعض السَّجينات تمضية الوقت بالعديد من الأشياء التي تعود عليهنَّ بالنفع المادي، كشغل الخرز وخدمة بعض السَّجينات كغسل ثيابهنَّ والقيام ببعض مهامهنَّ وصنع الطعام وبيعه، إلا أنَّ الهروب من الوقت ومن الواقع بحوادثه المريرة كان دواؤه الأجدى هو النوم، وتعبِّر هنادي زحلوط كيف يتحوَّل النوم إلى نافذة أمل تفتح بوابتها الأحلام بالكثير من الأشياء التي تعجز السَّجينات عن تحقيقها في الواقع، فتقول: “يغدو الوقت كلُّه للكلام، والنوم لحلمنا الأوحد بالحرية، الصغرى والكبرى”، وممَّا يجعل الوقت في السجن ذا أثر سلبي على نفسية السَّجينات منع الزيارات عن السَّجينات السياسيات، لجعلهنَّ في عزلة تامة عن المجتمع في الخارج.
إنَّ عالم السجن بعيد عن التصنُّع والتجمُّل، عالم الحقيقة من دون منكِّهات، للألم فيه طعمه الحقيقي، وللفرح طعمه الحقيقي أيضًا، ولا فرق بين داخل الإنسان وخارجه، بين ما يظهره وما يخفيه؛ لأنَّه حين “يُغلَق الباب يفيض الأسوأ، وكلُّ ما عمل المرء خارجًا على إخفائه أو مداراته، أسوأ ما في الإنسان، أي الجانب الذي لم يفكِّر به يومًا، يخرج بكلِّ وضوح”؛ لأنَّ الظلم الذي لقينه على أيدي جلاديهنّ حفَّز طاقة الشر الكامنة في دواخلهنَّ، وجعلها تطفو فتظهر في سلوكهنَّ من دون إرادة منهنَّ.
وإضافةً إلى ذلك فإنَّ الإهمال الذي يمارَس على السَّجينات، من جميع النواحي الطبية والغذائية والنفسية، ينعكس على مظهرهنَّ الخارجي، وتصف روزا ياسين حسن بألمٍ ما آلت إليه حال السَّجينات بعد سنوات من السجن في قبوٍ لا تصله الشمس، الرطوبة فيه تحوِّل بعصاها السحرية كلَّ جميلٍ إلى قبيح، وإذا بهنَّ يواجهن الحقيقة الصادمة بعد خروجهنَّ للتنفيس في ساحة السجن، لتتلاشى فرحة ملاقاة الشمس أمام لوحة القبح التي تفنَّنت فيها السجون، فتقول: كان “العفن يعشش بين جذور شعورنا، في زوايا أفواهنا، وعلى رموشنا! العفن كان يغلفنا بكلِّ تفاصيلنا، راحت الضحكات تتلاشى وهي تطبق على العفن الذي وصل إلى ما بين الأسنان! ربما كان المحزن في الأمر أنَّ الأنثى انكسرت داخلنا، انكسرت بصورة قاسية، في الأسفل كنَّا نعتقد أنفسنا جميلات، على الرغم من كلِّ ما مرَّ، في الخارج بدا أنَّ العفن طال الأرواح أولًا، ثمَّ تفاصيل الأنثى من دون أن ندري.. عفن.. عفن”.
أمَّا أسوأ ما كان يحطِّم دواخلهنَّ هو ذلك الشوق الذي لا يمكن أن تُطفئ نار سعيره، فالسَّجينات الأمهات اللواتي انُتزع أطفالهنَّ من أحضانهنَّ، وما زال الحليب حارًا في أثدائهنَّ كنَّ الأكثر عذابًا، فكانت لولا الآغا مثالًا للأم التي حاولت التماسك حتَّى النهاية من أجل أبنائها، لذلك فقد كانت دائمًا تواجه الواقع باستنكاره، تستنكر حقيقة وجودها وراء قضبان السجن وأنَّ أبناءها في الخارج لا معيل لهم سوى الله، تستنكر حقيقة اغتصابها وموت والد أبنائها على مرأىً منها، تستنكر مرضها التي شارفت فيه على الموت لأنَّها تمنِّي نفسها بأنَّها ستخرج يومًا.
إنَّ تكامل عذابات النفس والروح مع عذابات الجسد أفضى إلى أمرين، إمَّا إلى حساسية مفرطة تجاه كلِّ شيء، وإمَّا إلى تبلُّد المشاعر وقسوة القلوب، وفي كلا الحالتين كانت المرأة ضحية جلادها، ولكنَّ ذلك لا ريب جعلها في كثير من الحالات أكثر معرفةً بذاتها، وبما تريد أن تحقِّقه من أهداف استكمالًا لثورتها على الظلم والطغيان.
خامسًا: إلى أين أذهب؟ المجتمع يرفضني
إنَّ مرور سنوات طويلة على السَّجينات وراء قضبان السُّجون، والتي غالبًا ما يقضينها في الأقبية المعتمة والرطبة، تؤثِّر في شخصياتهنَّ بشكل مباشر وواضح؛ لأنَّ تكيفهنَّ مع بيئتهنَّ المنغلقة والمنعزلة يجعلهنَّ أكثر تقوقعًا حول الذات، ورفضًا للآخر، وكلما طال وقت الاعتقال كلما زادت صعوبة اندماج المعتقلات مع المجتمع بعد خروجهنَّ من السجن، إذ “يعاني السجناء بعد خروجهم من السجن من اضطراب توتر ما بعد الصدمة، الذي يسبِّب الاكتئاب المزمن، وحالة من الهياج العنيف غير المبرَّر من الناحية الظاهرية، وردّات الفعل الانفعالية تعرِّضهم لصدمات جديدة، إضافةً إلى الكثير من حالات الانتحار”، ذلك لأنَّهن عشن في أوضاع قاسية، لا خصوصية لهنَّ فيها، فكلُّ شيء متاح وفي أيِّ وقت، لذلك فإنَّ خيار التكيُّف والتأقلم هو الخيار الوحيد لاستمرار الحياة، الحياة فقط.
وتبدأ مشكلة الاندماج من طبيعة علاقة السجينة بذاتها، من مدى تصالحها مع الواقع وتقبُّلها له؛ لأنَّ الشيء الموكَّد أنَّها لم تعد الإنسان ذاته بعد دخولها إلى السجن، وتتحدَّث ياسين حسن عن تلك التحولات في العلاقة مع الآخر قائلة: بعد الخروج من السجن “نكتشف أنَّ هناك مناطق من أنفسنا حرقت نهائيًا، وليس من السهل أن نتابع الحياة معها، تغدو تفاصيل العيش بعد السجن مختلفةً تمامًا عمَّا كانت قبله، الحب غير الحب! حتَّى الفرح غير الفرح! للذة طعم مختلف. كأنَّ الروح استحالت إلى روح أخری!”، لذلك غالبًا ما يبدين سلوكًا يتَّصف بعدم المبالاة والاكتراث بالآخرين، إضافةً إلى المشاعر الفاترة والانفعالات غير المنضبطة.
أمَّا في ما يخصُّ موقف الآخر والمجتمع من السَّجينات، فمن المهم أن نتحدَّث أولًا عن علاقة السَّجينات المدنيات بالمعتقلات السياسيات داخل السجن نفسه، فقد كان التوجُّس من الاختلاط بهنَّ هو الهاجس العام لدى السَّجينات المدنيات، إضافةً إلى عدم رغبة السلطة بحدوث أيِّ انسجام بين الطرفين، فكانت تهمة التظاهر ضدَّ السلطة والخروج عن طاعة النظام بالنسبة إليهنَّ “تهمة خطيرة تهون أمامها تهمة القتل”، لذلك كنَّ يمتنعن عن الاختلاط بهنَّ، إضافةً إلى الجو المشحون بالعداء والتوتر الذي تدعمه السلطة، فتعطي للسجينات المدنيات ميزات لا تمنحها للسجينات السياسيات؛ كالسماح بالزيارة أو إدخال الطعام والملابس والمال من الخارج، كلُّ ذلك كان له أثره السلبي على علاقة السَّجينات السياسيات مع مجتمع السجن، وإرغامهنَّ على الشعور بالدونية ما سينعكس لاحقًا على علاقتهنَّ بالمجتمع عامةً بعد خروجهنَّ من السجن.
لقد كان الخوف المزدوج مسيطرًا على السَّجينات السياسيات من جهةٍ وعلى أقاربهنَّ ومعارفهنَّ من جهة أخرى، فخوفهنَّ كان منحصرًا بعدم رغبتهنَّ بإلحاق الأذى بأحبابهنَّ، وبنظرة المجتمع الذي تحكمه العادات والتقاليد من جهة أخرى “فالحصار الاجتماعيُّ خارجًا يكبلهنَّ، خوفهنَّ على أهاليهنَّ وأطفالهنَّ وتوجسهنَّ من رأي المجتمع، لأنَّهنَّ في النهاية نساء، نساء في مجتمع بطريركي”، فالمجتمع الأبوي الذي يسيطر على البنية الذهنية في المجتمع السوري يعدُّ اعتقال المرأة أمرًا يمسُّ الشرف، وذلك لما ترسَّخ في اللاوعي العام أنَّ كلَّ امرأة تُعتقَل سوف تُغتَصَب أو يُتحرَّش بها لا محالة، لذلك تقول إحدى الشخصيات في رواية (نيغاتيف) عندما جاء والدها لزيارتها كان “أوَّل سؤال سأله وهو يحتضنني بين ذراعيه: هل اقترب منك أحدهم؟ لا يابا… ما حدا قرَّب، تنفس الكهل الصعداء كأنَّه ينتظر هذا الجواب منذ أشهر، وتهاوى على كرسيه”، وإذا كانت لولا الآغا عانت من شعورها بالاغتراب عن أهلها بعد خروجها من السجن، إذ كانوا يرون أنَّ في البعد عنها بعدٌ عن الشر الذي قد يلحق بكلِّ مَن كان على احتكاك بمعتقلة سابقة، فإنَّ بعض الأسر تبرَّأت من بناتها، فكان الموقف السياسي أقوى من أيِّ رابطة أخرى ليصبح في هذا المقام الدم ماءً، وتروي هنادي زحلوط كيف يُشهَر بالسَّجينات السياسيات ليكنّ عبرةً لمن يعتبر من خلال بثِّ مقابلات لأهلهنِّ على شاشات التلفاز وهم يعلنون انسلاخهم عنهنَّ، فتقول: “في الليل حين ينام الجميع، يصلني صوت نشرة الأخبار من قناة الدنيا. أسمع أخا صديقتي فدوى سليمان، يتبرَّأ منها، ويقول: “لا، مو هيك نحنا تربينا يا فدوى”، لا أعرف ماذا فعلت فدوى، لكنَّني أوقنت في تلك اللحظة أنَّها فعلت ما يستحق العقاب من إعلام النظام، والنظام، وما يجبر عائلتها على أن تتبرأ منها علنًا!”.
أمَّا الخوف الآخر فهو خوف المجتمع من المعتقلة بعد خروجها من السجن، ذلك أنَّ السلطة لم تكن توفِّر جهدها في بثِّ عيون مخبريها في كلِّ مكان، ولأنَّ الحاجة إلى العمل دفعت لولا الآغا للاندماج في المجتمع من جديد من أجل إعالة أطفالها فإنَّها تعرضت للقسوة والازدراء من مجتمع لا يرحم المرأة، تقول: كنتُ “أخرج في النهار إلى الشوارع أسعى وأفتش عمَّن يريد موظفة، قابلت العديدين، وكنت أخبرهم أنِّي كنت في المعتقل وأحتاج إلى العمل، فيخاف الناس ويعتذرون، وبعضهم يرفضون بخشونة”، وعندما تجرَّأت لولا بالحديث عن المسكوت عنه داخل المعتقلات نالت إعجاب الكثير من الداعمين لحقوق المرأة، ولكن في الوقت نفسه بقيت شريحة واسعة من المجتمع، مهما بلغت من التحرُّر، تعامل المرأة عامة، والمرأة المعتقلة بشكل خاص انطلاقًا من بنية ذهنية رجعية، فبعد تصريحها في مؤتمر صحفي أقيم في إسطنبول عن ممارسات النظام الأسدي الوحشي داخل السُّجون وحديثها عن تفاصيل اغتصاب الضابط لها، وعلى مرأىً من زوجها على إحدى القنوات التلفزيونية، يهاجمها أبو جاد ذلك الرجل الذي يجمع بيانات المعتقلات الناجيات من سجون النظام حين شكَّت أنَّه من المخابرات قائلًا “ساقطة. تتكلَّمين عن اغتصابك في التلفزيونات، أنت محتقرَة من مجتمعك، ومن التلفزيون الذي ظهرتِ فيه، ألم ينذرك مجتمعك أن تصمتي؟ أليس هناك المئات من المغتصبات لم يتكلمن ويفضحن أنفسهنَّ؟”.
إنَّ مواجهة المجتمع خطوة مهمة على السَّجينات السياسيات أن يقمن بها، عليهنَّ أن يتكلَّمن، ويكسرن أغلال الصمت، ويتحررن من التخلف والخوف والكذب، على الرغم من كلِّ ما في ذلك من ألم لا يقلُّ عن جحيم الاعتقال. لذلك كانت كتاباتهنَّ التي اتسمت بالجرأة والشفافية، سواء كتبن تجربتهنَّ بأنفسهنَّ أو كتبت الروائيات عن تلك التجربة الحقيقية مرحلة انتقلت فيها المرأة بحق إلى مرحلة جديدة من عملها الثوري الذي يعدُّ جزءًا من مسيرة تحررها، ولبنة ضمن المنظومة الذهنية الجديدة التي تسعى المرأة السورية للمشاركة في صوغها وبنائها كما ينبغي لها أن تكون.
خاتمة البحث ونتائجه - تعدُّ كتابة الرواية النسوية التي تتناول أدب السجون بحدِّ ذاتها مشاركة للمرأة في الفعل السياسي الحرِّ؛ ذلك لأنَّها تناولت في كتاباتها جوانب كانت في ما سبق مسكوتًا عنها، بل لا يجوز الاقتراب منها لاعتبارات كثيرة، منها الخوف من السلطة والخوف من المجتمع، وقد لاحظنا من خلال الروايات التي قاربناها الاختلاف الجندري في التجربة الإبداعية الثقافية التي قدَّمتها المرأة والتي استطاعت من خلالها الخوض في عمق هذه التجربة وملامسة خصوصيتها. فكانت تسعى بذلك لاستشراف مستقبل المرأة السورية الحرة، المستقبل الذي يعترف بوجودها ويحترم كيانها ويصون كرامتها.
- كان العمل السياسي المنظَّم المناهض للسلطة الأسدية سببًا في اكتظاظ السجون بالمعتقلات السياسيات من مختلف الانتماءات والأحزاب المعارضة، منهنّ من مارس الفعل الثوري بشكل مباشر ومنهن من اعتقلن كرهائن عن أقاربهنَّ، إضافةً إلى سعي السلطة لتلفيق التُّهَم المختلفة التي تتناسب مع سياستها الاستبدادية الظالمة التي تمنع الحريات وتعد ممارستها خروجًا عن القانون.
- انتهكت السُّجون في سورية القوانين الدولية وتوصياتها في حماية حقوق الإنسان وحفظ كرامته، فمارس السَّجانون على السَّجينات وسائل التعذيب الجسدية والنفسية المختلفة لإرضاخهنَّ وانتزاع اعترافاتهنَّ بالإكراه، حتَّى صُنِّفَت السجون السورية ضمن أكثر السجون وحشيةً في العالم، وقد قدَّمت الروايات صورًا عديدة لتلك الممارسات، تراوحت بين الجرأة في وصف أدق تفاصيل التعذيب وبين الحديث بشكل عام من دون الخوض في جزئيات التعذيب اقتصارًا منهنَّ على الإشارة العابرة للأفعال الإجرامية التي تتمُّ داخل السجون السورية.
- عمل السَّجانون على تدمير نفسية السَّجينات السياسيات من خلال الضغط عليهن في أثناء التعذيب حتى يفقدن السيطرة على ردة فعلهنَّ، ولم تستطع معظم السَّجينات نتيجة القهر والكبت من تصعيد انفعالاتهنَّ فوقعن ضحية الأمراض النفسية كالاكتئاب والهلوسة والعزلة التي امتدَّت آثارها على حياتهنَّ داخل السجن وخارجه.
- تصاب معظم السَّجينات بعد إطلاق سراحهنَّ باضطراب ما بعد الصدمة، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة اندماجهنَّ مع المجتمع من جديد، ذلك لأنَّ علاقتهنَّ بالآخر تبدأ بالانهيار منذ وجودهنَّ في السجن، أمَّا خارج السجن فتبدأ مشكلة العودة إلى الحياة الطبيعية من الأسرة التي ترفض في بعض الأحيان وجودهنَّ فيها أو لا يبدي أفرادها أيَّ تعاطف معهنَّ، وتبقى نظرة المجتمع حبيسة العادات والتقاليد التي تتغلغل في البنية الذهنية للمجتمع السوري، ومنها أنَّ سجن المرأة يجلب العار لها ولذويها، ما يجعلها أكثر عزلةً وابتعادًا عن المجتمع.
قائمة المصادر والمراجع
أولًا: المصادر
دباغ، هبة. خمس دقائق وحسب: تسع سنوات في سجون سورية، (إسطنبول: دار الأصول العلمية، 2018).
زحلوط، هنادي. إلى ابنتي، ط1 (دمشق: بيت المواطن للنشر والتوزيع، مبادرة من أجل سورية (باريس)، 2014م).
السراج، منهل. الوشم، ط1، (إسطنبول: دار موزاييك للدراسات والنشر، 2022).
ياسين حسن، روزا. نيغاتيف: من ذاكرة المعتقلات السياسيات (رواية توثيقية)، (القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2008).
ثانيًا: مراجع البحث
آرندت، حنة. بين الماضي والمستقبل: ستة بحوث في الفكر السياسي، عبد الرحمن بشناق (مترجم)، ط1، (بيروت: دار جداول للنشر والتوزيع، 2014).
فوكو، ميشيل. المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن، علي مقلد (مترجم)، (بيروت: مركز الإنماء القومي، 1990).
كوبرز، تيري. الجنون في غياهب السُّجون: أزمة الصحة العقلية خلف القضبان ودورنا في مواجهتها، أميرة علي عبد الصادق (مترجمة)، ط1، (القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2015).
المعموري، نبراس. المرأة والربيع العربي: دراسة مقارنة تحليلية لحال المرأة المصرية بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011م، (القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2013).
يوسف، شعبان. أدب السُّجون، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2014).