من الحراك المدني السلمي إلى الحرب الأهلية والاستقطاب الطائفي
Revolution in Syria: Identity, Networks, and Repression Book Title
Kevin Mazur
Princeton University, New Jersey Author
Cambridge University Press (July 8, 2021) Publisher
Language English
300 pages Hardcover
1108843271 ISBN-10
978-1108843270 ISBN-13
6.25 x 1 x 9.25 inches Dimensions
في كتابه الصادر حديثًا (2021)، “الثورة في سوريا: الهوية والشبكات والقمع”، يحاول كيفين مازور الإجابة عن السؤال الرئيس الآتي: كيف تحول تحدٍّ مدنيٌّ غير عنيفٍ إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ، وما الذي ضيَّق مطالب المتحدِّين للنظام الحاكم، وأثننها، بحيث جعلها تنحصر في مطالب إثنيةٍ؟ والخطوط العريضة جدًّا التي يقدمها مازور/ الكتاب للإجابة عن هذا السؤال، ولرؤيته لما حصل، في العام الأول من الثورة السورية، عمومًا، تتمثل فيما يلي: ثمة هيمنةٌ إثنيةٌ/ علويةٌ على النظام الحصري/ الإقصائي إثنيًّا، أي النظام الذي يقصي غير العلويين عمومًا، والسنة خصوصًا؛ لكنَّ ذلك النظام (كان) يمتلك شبكةً من العلاقات مع المجتمع، تتجاوز الحدود الإثنية/ الدينية الطائفية. ويحاجج الكتاب أنه إضافة إلى الدور الأساسي للبنية الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا للنظام، ثمة دورٌ مهمٌّ لهذه الشبكة في الانتفاضة السورية، عمومًا، وفي تحديد (عدم) مشاركة السوريين فيها، وفي محاولات النظام إخمادها واحتوائها، خصوصًا؛ لكنه يشدِّد على أن تلك الشبكة لم تكن، غالبًا، أداةً كافيةً لتهدئة التحديات الاحتجاجية الشعبية السلمية؛ وأنه لهذا السبب، خصوصًا أو تحديدًا، لجأ النظام إلى العنف، في مواجهة تلك التحديات الاحتجاجية، فأفضى ذلك، بالنتيجة، إلى تحول تلك التحديات السلمية “الوطنية” إلى مواجهةٍ عنيفةٍ إثنيةٍ/ طائفيةٍ.
فصَّل مازور إجابته عن السؤال المذكور، وعن الأسئلة الأساسية المتصلة به، في كتابه المكوَّن من تسعة فصولٍ، يتضمن أولها “المقدمة”، ويحتوي آخرها “الخاتمة”. إضافة إلى ذلك، يتضمن الكتاب، الذي يقع في 306 صفحاتٍ، عددًا من الملاحق والفهارس واللوائح، من بينها لائحةٌ مطولةٌ بأسماء المراجع. يتضمن الفصل الأول مقدمةً أو تقديمًا عامًّا للكتاب، بأسئلته الرئيسة وافتراضاته وأطروحاته وإطاره النظري وأقسامه أو فصوله. أما الفصل الثاني فيتضمن عرضًا للإطار النظري الذي يتأسس عليه الكتاب، ويؤسس له، ويناقش تفاصيله، في الحالة السورية، في الفصول التالية. ففي الفصل الثالث، يشرح مازور الخلفية التاريخية والبنية العامة للأوضاع في سوريا، عند انطلاق الثورة والسورية عام 2011. وفي الفصل الرابع، يعرض سيرورة أو تطور الأحداث البارزة والمهمة في العام الأول من الانتفاضة السورية، ويقدم الأنماط المثالية الخمسة للصراعات أو النزاعات في الانتفاضة السورية. أما الفصلان الخامس والسادس فيدرسان أنماط التعبئة والحراك في الانتفاضة السورية. وفي حين أن الفصل الخامس يبين أسباب انخراط بعض السوريين في الانتفاضة، خلال الأشهر الأولى منها، فإن الفصل السادس يبين أسباب امتناع سوريين آخرين عن الانخراط في تلك الانتفاضة. وفي الفصلين السابع والثامن يحاول مازور شرح أو تفسير التحول الذي طرأ على الحراك السوري الذي انتقل، تدريجيًّا، من وجهة نظره، من كونه انتفاضةً سلميةً مدنيةً إلى أن يكون حربًا أهليةً تُخاض على أساسٍ إثنيٍّ، إلى حدٍّ كبيرٍ. فالفصل السابع يشرح سيرورة الانتقال إلى العنف الإثني/ الطائفي، ويتناول، بالدرجة الأولى، الاستراتيجية القمعية للدولة والرد المجتمعي عليها. أما الفصل الثامن، فيتناول الانتفاضة في بعض المناطق المحلية ذات الأغلبية الكردية، حيث حصلت أثننةٌ للنزاع، لكن تلك الأثننة بقيت سلميةً. ويتضمن الفصل التاسع/ الأخير بعض الخلاصات والاستنتاجات المتعلقة بديناميات الصراع في سوريا، بعد آذار/ مارس 2012. وسأعرض، فيما يلي، لمضامين كل الفصول، ثم أقدم بعض الملاحظات النقدية المكثفة والموجزة.
تتضمن المقدمة عرضًا لإشكالية الكتاب وأطروحته الرئيسة، وتعريفًا بأقسامه وببعض أهم أفكاره ومضامينه، إضافةً إلى بعض التوضيحات الاصطلاحية/ المفاهيمية والمنهجية المهمة. وباستثناء الفصل الأخير/ الخاتمة، يقتصر الكتاب على تناول الانتفاضة السورية في عامها الأول، من آذار/ مارس 2011 إلى آذار/ مارس 2012؛ ويسعى إلى توضيح وتفسير الأسباب التي أفضت إلى أثننة أو تأثنن تلك الانتفاضة، في بعض السياقات، وعدم أثننتها أو عدم تأثننها، في سياقاتٍ أخرى. وأطروحة الكتاب الأساسية هي أن الانتفاضة السورية قد تأثننت أو تمت أثننتها، لعوامل عديدةٍ يأتي في مقدمتها أن النظام السياسي القائم في سوريا هو نظامٌ حصريٌّ/ إقصائيٌّ إثنيًّا. ولا تتوفر لدى هذا النوع من الأنظمة أدواتٌ كثيرةٌ، غير استخدام العنف، لمواجهة التحديات/ الاحتجاجات التي يمكن أن تواجهه. وهذا العنف هو العامل الرئيس في الأثننة أو التأثنن المذكورين. وفي توضيحه للمفردات/ المفاهيم الأساسية التي اختارها في هذا الكتاب، يشير مازور إلى أنه على الرغم من أن الحديث عن الاختلافات الدينية (بين المنتمين إلى الدين الواحد) يتم عادةً، في سوريا والعالم العربي الإسلامي عمومًا، وفي العالم الغربي الأكاديمي أيضًا، من خلال مفردات الطائفة والطائفية والتطييف، فإن كتابه يتعامل مع تلك الاختلافات على أنها نوعٌ فرعيٌّ من أنواع الاختلافات الإثنية، ويحيل عليها بهذه المفردات تحديدًا: إثنية، أثننة/ تأثنن … إلخ. كما أنه يستعمل مفردة “النظام” للإحالة على السلطة الحاكمة في سوريا، مع التشديد على التمايز المفاهيمي بينها وبين مفردة الدولة. ويرى أن السمة الأساسية لهذا النظام تكمن في وجود هيمنةٍ وإقصاءٍ إثنيين فيه: هيمنةٌ لعلويةٍ، بالدرجة الأولى، وإقصاءٌ لسنةٍ، بالدرجة الأولى أيضًا. لكن “الهيمنة العلوية” المذكورة تعني، تحديدًا، أن أفرادًا علويين (في معظمهم) هم المهيمنون في النظام السياسي القائم وعليه، ولا تعني أن الطائفة، ككل، هي المهيمنة أو الحاكمة. وعلى هذا الأساس، تجنَّب مازور الحديث عن “نظام الأقلية” minority regime.
في الفصل الثاني، الموسوم ﺑ “النظرية”، يعرض مازور الإطار النظري الذي استند إليه، في قراءته للانتفاضة السورية، ويقدم المزيد من التوضيحات الاصطلاحية/ المفاهيمية والمنهجية المهمة، حول أثننة/ تأثنن الانتفاضة السورية وتحولها إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ. فالعاملان الرئيسان المستخدمان لتفسير قيام حرب أهليةٍ إثنيةٍ هما وجود نظام حكمٍ حصريٍّ/ إقصائيٍّ إثنيًّا، من جهةٍ، واستخدام ذلك النظام العنف في الرد على التحديات الاحتجاجية/ الثورية التي يواجهها، من جهةٍ أخرى. ويبدو، لوهلةٍ أو أكثر، أن هذين العاملين موجودان في الحالة السورية. فمن ناحيةٍ أولى، يهيمن علويون على نظام الحكم، ويحظون، عمومًا، بفرصٍ أكبر من فرص العرب السنة، للحصول على موارد الدولة (التوظيف في الدولة وفي مؤسساتها الأمنية، والامتيازات المترتبة على ذلك، خصوصًا)؛ ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، جاء التحدي الاحتجاجي من أطرافٍ سنيةٍ بالدرجة الأولى. على الرغم من ذلك، يقرُّ مازور بوجود عددٍ من السمات المميزة للحالة السورية التي لا تنسجم بسهولة مع استخدام العاملين المذكورين في تفسير قيام حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ في سوريا. فمن جهةٍ أولى، شارك في التحدي الاحتجاجي أفرادٌ من الجماعة/ الجماعات الإثنية غير المقصية من النظام؛ في حين امتنع عددٌ كبيرٌ من أفراد الجماعة المقصية (السنة) عن المشاركة في ذلك التحدي الاحتجاجي. ومن جهةٍ ثانيةٍ، لم يتبنَّ النظام السوري الخطاب الطائفي/ التطييفي تبنيًّا صريحًا، بل أعلن رفضه القاطع لهذا الخطاب. ومن جهةٍ ثالثةٍ، أقام النظام الحاكم شبكةً من الصلات والعلاقات الزبائنية والمصلحية مع عددٍ الأفراد والأطراف المحلية من السنة.
انطلاقًا من هذه المعطيات، ركَّز مازور دراسته للحالة السورية على المواجهة بين ممثلي الدولة/ النظام والفاعلين الاجتماعيين، في المستوى المحلي/ المناطقي، لتفسير أثننة/ تأثنن الأشكال المختلفة من الاحتجاجات الأولية وتحوُّلها إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ. والأطروحات الأساسية التي تبناها في هذا الفصل، هي:
1)- الحرب الأهلية الإثنية وضعٌ ثوريٌّ يتسم بمستوياتٍ عاليةٍ من العنف الإثني.
2)- الأشكال الأولية من تحدي الأنظمة الاستبدادية ذات الهيمنة الإثنية تكون غالبًا متنوعةً بطريقةٍ تعكس تنوُّع العلاقات القائمة بين الدولة والمجتمع، قبل نشوء ذلك التحدي.
3)- من غير المرجح أن يكون العنف الخيار الاستراتيجي للأنظمة ذات الهيمنة الإثنية، لكن عدم امتلاكها للكثير من الأدوات والخيارات، وضعف أو هشاشة صلاتها بشرائح واسعة من المجتمع عمومًا، ومن الجماعة أو الجماعات المقصية خصوصًا، يمكن أن يجعل العنف خيارها الوحيد لمواجهة التهديدات الاحتجاجية الثورية.
4)- إن (ردود) أفعال النظام الحصري/ الإقصائي إثنيًّا على التحديات الاحتجاجية تغيِّر من تركيبة المشاركين في هذه التحديات ومطالبهم. فعنف ذلك النظام يفضي على الأرجح إلى تهميش المطالب الوطنية/ المواطنية للمحتجين، وجذب فاعلين اجتماعيين جددٍ ذوي قدراتٍ أو توجهاتٍ عنفيةٍ أكبر، وشعاراتٍ وتعابير ومطالب إثنيةٍ أضيق.
يُنظِّر الكتاب للثورات التي تحصل ضد أنظمةٍ سلطوية حصريةٍ-إقصائيةٍ إثنيًّا، ثم تتأثنن، وتتحول إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ، أي إلى تفاعلاتٍ قائمةٍ على العنف الإثني، بالدرجة الأولى، بين المتحدين/ المحتجين والنظام القائم في الكيان السياسي. ويحصل هذا التحوُّل نتيجةً لعاملين رئيسين: السمة الإثنية الحصرية/ الإقصائية للنظام، ورد فعله العنيف على التحديات الاحتجاجية التي تواجهه. فعلى الرغم من أن شبكة العلاقات العابرة للإثنيات التي يقيمها النظام الحصري/ الإقصائي إثنيًّا تخفِّف من قوة أو شدة تلك السمة الحصرية الإقصائية للنظام، فإن “اضطرار” النظام إلى العنف، تجاه التحديات الاحتجاجية التي تهدد حكمه، يحطِّم (جزءًا كبيرًا من) الشبكة المذكورة، ويفضي ذلك إلى زيادة أثننة/ تأثنن المواجهة بين النظام القائم والمتحدين له. وأثننة الانتفاضة أو تأثننها يعني التضييق/ التضيُّق المتزايد للجماعات التي ينتمي إليها المتحدّون المحتجُّون، وتضييق/ تضيُّق مطالبهم، لتصبح متعلقةً بمصالح تلك الجماعة، أكثر من تعلقها بمصالح جماعاتٍ مناطقيةٍ أو وطنيةٍ/ مواطنيةٍ أخرى. وفي تنظيره لكيفية حصول النظام السياسي على خضوع مواطنيه، في فترة الاستقرار السياسي، وللعوامل التي تفضي إلى زعزعة ذلك الاستقرار، يتبنى مازور مفهومين أساسيين: نموذج نظام أو تنظيم الحكم the polity model، والوضع الثوري. فالمفهوم الأول يحيل على التنافس الاجتماعي على الحصول على الموارد والخيرات التي تسيطر عليها الحكومة/ الدولة. ويتفاوت نصيب الأطراف الداخلة في ذلك التنافس؛ ولهذا رأى مازور ضرورة دراسة هذه المسألة في المستوى المناطقي، وليس في المستوى الوطني الكلي أو العام. ويبدأ الوضع الثوري بالظهور، عندما ترفض الجماعة أو الجماعات المقصية الوضع القائم، وتطالب بأن تصبح جزءًا من الكيان السياسي، وبحصولها على نصيبها من الموارد والخيرات المذكورة. ويصنف مازور النزاعات الناجمة عن ذلك الوضع الثوري، انطلاقًا من معياري نطاق هوية (و)مطالب المحتجين، ومدى هيمنة العنف على تفاعلهم مع النظام القائم. وقد اتخذ هذين المعيارين أساسًا نظريًّا لقراءة سيرورة الانتفاضة السورية في عامها الأول، وانطلق من أن التطييف عمليةٌ أو سيرورةٌ تزمنيةٌ تحدث من الأعلى إلى الأدنى top-down process، من خلال الإقصاء الإثني، وممارسة العنف القمعي، على أساس خليطٍ من الصلات العابرة للإثنيات التي تزاوج بين النمطين المثاليين الفيبريين للسلطات: سلطات/ صلات تقليدية قائمة على النسب والقرابة والولاء الشخصي، وسلطات/ صلات عقلانية قانونية قائمة على قواعد وأسس غير شخصية وعلى مساواةٍ مبدئيةٍ بين المواطنين. وفي هذا المزيج، يقيم النظام الحصري/ الإقصائي إثنيًّا شبكة علاقات عابرة للإثنيات، مع استمراره في إعطاء أفراد الإثنية المهيمنة فرصًا أكبر للوصول إلى الموارد التي تتحكم بها الدولة.
إضافةً إلى شرح بنية النظام الحصري/ الإقصائي إثنيًّا، يتضمن الإطار النظري الذي يستند إليه الكتاب، ويبلوره، رؤيةً للسمات الرئيسة للصيغ الأولية من النزاعات أو التحديات الاحتجاجية التي يواجهها النظام المذكور، ولرد فعله على تلك التحديات. فتلك التحديات تبدأها، بالدرجة الأولى، جماعاتٌ محليةٌ تفتقر إلى فرصٍ كافيةٍ للحصول على الموارد التي تتحكم بها الدولة، من جهةٍ، وتكون خارج شبكة العلاقات العابرة للإثنيات التي ينسجها النظام من جهةٍ أخرى؛ مع احتمال مشاركةٍ ضعيفةٍ ومحدودةٍ من أفراد الإثنية أو الإثنيات المهيمنة في النظام وعليه. وفي ردود فعله الأولية على تلك التحديات، تكون الاستراتيجية الأولية والمرجحة للنظام هي تعزيز علاقاته بالإثنية المهيمنة وشبكة علاقاته العابرة للإثنيات، عبر تقديم بعض الامتيازات و/ أو التنازلات، وتوظيف تلك العلاقات، لمواجهة تلك التحديات، في الوقت نفسه. لكن معظم الأنظمة الاستبدادية الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا لا تمتلك الإمكانات لتوسيع شبكة علاقاتها الزبائنية، لدرجةٍ كافيةٍ، لاحتواء تلك التحديات، فتلجأ إلى استخدام القمع والعنف وتكتيكاتٍ أخرى تزيد من (ممكنات) أثننة التحديات الاحتجاجية، وتحولها إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ. ويخلص هذا الفصل إلى أن المنظور المحلي يبرز أمرين أساسيين، في خصوص التحدي الثوري الذي تواجهه الأنظمة ذات الهيمنة الأثنية. من ناحيةٍ أولى، من النادر أن تتبنى الدولة المحكومة بالأنظمة المذكورة استراتيجية الأثننة تبنيًّا صريحًا، وتكون الأثننة، عادةً، نتيجةً، من الدرجة الثانية، من نتائج افتقار تلك الأنظمة إلى مساحةٍ للمناورة، في مواجهة التحدي الثوري. ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، عندما تصبح الإثنية هي الرؤية المهيمنة في الانقسام، فإنها تكتسب تلك المكانة من خلال التفاعل بين التحدي الاحتجاجي والنظام الحاكم القائم.
في الفصل الثالث الموسوم ﺑ “الشبكات والهويات والمحسوبية في سوريا المعاصرة”، يبدأ مازور بتطبيق الأساس النظري، الذي عرضه في الفصل الثاني، على الوضع السوري، وفي تقديم المعطيات الإمبريقية والمعلومات التفصيلية التي تسوِّغ تبنيه، وتثبت صحته، في السياق السوري. ويتضمن الفصل الثالث وصفًا مفصَّلًا للسياق الذي شهد اندلاع الثورة السورية: تركيبة النظام السوري وتبنيه أو ممارسته لنمطي السلطة الفيبريين، التقليدية والعقلانية القانونية، من حيث جمعه بين شبكات الضبط القائم على الولاء التقليدي والنسب، من جهةٍ، والحكم البيروقراطي القانوني والزبائني، من جهةٍ أخرى. وبمثل هذه التركيبة الهجينة، حافظ النظام السوري على محاباته للإثنية العلوية من ناحيةٍ، وعلى صلاتٍ مهمةٍ عابرةٍ للإثنيات مع العرب السنة وغيرهم من الإثنيات غير العلوية، من ناحيةٍ أخرى. وإلى جانب القمع، كان كلا الأمرين مهمين جدًّا للنظام السوري، من أجل أن يحافظ على طاعة السوريين وخضوعهم له. وفي هذا الخصوص، لم يُقِم البناء البعثي للدولة حاجزًا قويًّا بين النظام الحاكم وإثنيته العلوية، من جهةٍ، والجماعة السنية المقصية، من جهةٍ أخرى، بل ساعده على إقامة بعض الصلات والعلاقات المصلحية المهمة. وإلى جانب الانتماء إلى الإثنية أو الإثنيات المقصية أو غير المقصية، فإن شبكة علاقات النظام المصلحية بالجماعات أو المجموعات المحلية لعبت دورًا مهمًّا في بلورة أنماط التفاعل بين تلك الجماعات/ المجموعات والنظام القائم والتحدي الاحتجاجي ضده. فعلى العكس من ادعاء بعض المتحدِّين المحتجين بأن النظام لا يفيد إلّا إثنيته العلوية، كان المرتبطون بالنظام، من خلال شبكات العلاقات المتعددة، يدركون عدم صحة هذا الادعاء، ولا يرونه محفزًا للمشاركة في التحدي الاحتجاجي ضد النظام. كما كان على المسيحيين المقصيين من الشبكات المصلحية أو التوزيعية للدولة، مثلًا، أن يفكروا في إمكانية أن يفضي التحدي الاحتجاجي إلى إقامة كيانٍ سياسيٍّ مدنيٍّ، مقارنةً بإمكانية أن يفضي إلى إقامة دولةٍ دينيةٍ يهيمن عليها السنة، كما (كان) ينادي (بعض) القادة الدينيين للسنة. ويخلص الفصل إلى التشديد على أن الأسس المتغيرة والمتعددة التي طوَّر النظام، على أساسها، روابط مع السكان المحليين كانت عاملاً حاسمًا في تنوع التفاعلات بين النظام/ الدولة والفاعلين الاجتماعيين عمومًا، وفي مدى انخراطهم في النضال الثوري، وطبيعة هذا الانخراط.
ينتقل مازور في الفصل الرابع، المعنون ﺑ “أحداث في الانتفاضة السورية”، إلى الوصف المفصَّل للسيرورة التي انتقلت الانتفاضة، بموجبها، من تظاهراتٍ متفرقةٍ تطالب بالإصلاح السياسي إلى صراعٍ عنيفٍ موسعٍ على أساس إثنيٍّ، بالدرجة الأولى. ويشدِّد مازور على أن ذلك الانتقال لم يحصل كقفزةٍ، بل تدريجيًّا، وعلى مراحل متعددةٍ، يمكن تمييز أربعٍ منها، على الأقل. فبعد المرحلة الاولى المتمثلة في تظاهراتٍ سلميةٍ تهدف إلى إصلاح النظام، وليس إلى إسقاطه (فبراير/ شباط – مايو/ أيار 2011)، تصاعدت الاحتجاجات، في المرحلة الثانية (يونيو/ حزيران – سبتمبر/ أيلول 2011)، وأصبحت تطالب بإسقاط النظام، مع بقائها سلميةً غالبًا. أما اللجوء إلى العنف فقد كان عفويًّا، وتمثَّل، بالدرجة الأولى، في حمل سكانٍ محليين، في حمص ودرعا مثلًا، لأسلحةٍ خفيفةٍ، لردع هجمات النظام عليهم أو على المتظاهرين. وشهدت المرحلة الثالثة، (أكتوبر/ تشرين الأول – ديسمبر/ كانون الأول 2011)، تزايد الانشقاقات عن الجيش، وحركة الناشطين إلى الأرياف، والتوجه إلى تكوين تشكيلاتٍ عسكريةٍ تحت مظلة الجيش الحر. وتضمَّنت المرحلة الرابعة (يناير/ كانون الثاني 2011 – مارس/ آذار 2012) حربًا أهليةً على نطاقٍ واسعٍ، بعد حصول انشقاقاتٍ كبيرةٍ وكثيرةٍ في الجيش، وازدياد حضور العنف وكثافته.
وقد قدَّم مازور خمسة أنماطٍ مثاليةٍ رئيسةٍ، لتصنيف الأشكال المختلفة من النزاع بين النظام القائم والتحدي الثوري الموجه ضده، خلال العام الأول من الانتفاضة السورية:
1)- تحدياتٌ احتجاجيةٌ سلميةٌ متمحورةٌ حول المواطنة، والمطالب السياسية الوطنية.
2)- تحدياتٌ احتجاجيةٌ ضيقةٌ تتركز، بالدرجة الأولى، حول المظلومية أو المظالم المحلية، وبالدرجة الثانية، حول المطالب السياسية الوطنية.
3)- تحدياتٌ شعبيةٌ هجينةٌ من الناشطين المدنيين والسكان المحليين، ومن المطالب المحلية والإثنية والوطنية، في الوقت نفسه، ومن التوجهات السلمية والوطنية مع التوجهات العنفية والإثنية.
4)- تمردٌ إثنيٌ، عربيٌّ سنيٌّ، تنوس شعاراته ومطالبه بين المحلية الضيقة والوطنية الواسعة، لكنها تركّز، بالدرجة الأولى على الشعارات والمطالب الإثنية. ويقترب التحدي التمردي الذي حصل في دير الزور، في مارس/ آذار 2012، من هذا النمط من التحديات الاحتجاجية.
5)- تحدياتٌ خاصةٌ تكون سلميةً، ويشارك فيها أفراد جماعةٍ إثنيةٍ محددةٍ (الأكراد) وتعلن بوضوحٍ أنها تروم تحقيق مطالب خاصةٍ بتلك الجماعة فقط. وتتسم هذه التحديات بالسلمية في بدايتها، وتحافظ على سلميتها، لاحقًا، في ظل التسامح النسبي للنظام معها، وعدم مواجهتها بالعنف والقمع (الشديدين). وتقترب التظاهرات الكردية التي حصلت في نهاية عام 2011 من هذا النمط الخاص من التحديات الاحتجاجية.
استنادًا إلى هذا التنظير للأنماط المثالية الخمسة للتحديات الاحتجاجية أو النزاع بين المحتجين أو الثائرين والنظام القائم، وبناءً على المعطيات والمعلومات التي استند إليها مازور في كتابه عن أحداث السنة الأولى من الانتفاضة السورية، تم تقديم صورةٍ مفصلةٍ عن صيرورة الأحداث في الفترة المذكورة، وانتقال الانتفاضة السورية من الحراك السلمي فوق أو تحت الإثني إلى حراكٍ عنيفٍ تهيمن عليه الصبغة الإثنية، ويتضاءل فيه حضور الناشطين السلميين ومطالبهم الوطنية. وتتضمن الفصول التالية بحثًا في آليات ذلك الانتقال، وتوضيحًا لطرق ظهور الأشكال الأولى من التحديات الاحتجاجية، ومناقشةً للأسباب التي دفعت تلك التحديات إلى التحول إلى نزاعٍ إثنيٍّ أو تحدٍّ إثنيٍّ خاصٍّ، وعرضًا للمنطق الذي تبنته الدولة في هذه العملية.
ففي الفصل الخامس، المعنون ﺑ “الأشكال الأولى من التحدي”، يعرض مازور، بعمقٍ وبتفصيلٍ، الأشكال الأولى من التحديات الاحتجاجية، في بعض المناطق السورية، التي رأى إمكانية مقاربتها ومقارنتها مع ثلاثٍ من الأنماط المثالية الخمسة التي عرضها في الفصل السابق: تحدياتٌ احتجاجيةٌ متمحورةٌ حول المواطنة، تحدياتٌ احتجاجيةٌ ضيقةٌ، تحدياتٌ احتجاجيةٌ هجينةٌ.
تتميَّز التحديات الاحتجاجية المتمحورة حول المواطنة بثلاث سماتٍ رئيسةٍ: من ناحيةٍ أولى، تركّز مطالبها على إصلاح الطبيعة الاستبدادية الوراثية أو العائلية للنظام القائم، وعلى إقامة علاقاتٍ جديدةٍ بين الدولة ومواطنيها. ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، المشاركون في هذه التحديات ذوو خلفياتٍ إثنيةٍ ومناطقيةٍ مختلفةٍ وينسقون نشاطهم وشعاراتهم في مواقع مختلفةٍ. ومن ناحيةٍ ثالثةٍ، تقدم هذه التحديات مطالبها من خلال تظاهراتٍ واعتصاماتٍ سلميةٍ، في الساحات المركزية العامة، بالدرجة الأولى. فهذه التحديات تشمل (“كل” سكان) البلد/ الوطن بأكمله، ويشارك فيها أشخاصٌ من كل الإثنيات، ويقودها أشخاصٌ متعلمون أو شخصيات معارضة “معروفةٌ”. وقد تضمَّن هذا الفصل دراسةً مفصلةً للاحتجاجات التي حصلت في مركز دمشق، في مارس/ آذار 2011، بوصفها تجسيدًا قريبًا لهذا النمط المثالي.
أما التحديات الاحتجاجية الضيقة، فتتميز بثلاث سمات رئيسة. أولًا، تتمحور مطالب تلك التحديات حول المظلوميات أو المظالم المحلية، ويتأسس حراكها، بالدرجة الأولى، على شبكاتٍ محليةٍ كثيفةٍ موجودةٍ مسبقًا، وتستحضر شعارات التعاضد والتضامن المحلي؛ ثانيًا، تحصل تلك التحديات لدى جماعاتٍ محليةٍ سنيةٍ عربيةٍ، وتتضمن غالبًا وساطةً إلى سلطات الدولة عبر أقنيةٍ غير رسميةٍ موجودةٍ مسبقًا؛ ثالثًا، تكون تلك التحديات غير عنيفةٍ غالبًا، لكن المشاركين فيها ينخرطون أحيانًا في عنفٍ عفويٍّ غير منظمٍ، ردًّا على ممارسات الدولة العنيفة بحقهم. وتفضي إلى العنف، في أحيانٍ متقطعةٍ. وبيَّن مازور، في هذا الفصل، أن بداية الاحتجاجات والتظاهرات في درعا وبانياس، في الأسابيع الأولى من الانتفاضة السورية، تجسد ما هو قريبٌ من هذا النمط من التحديات الاحتجاجية.
والسمات الرئيسة للتحديات الشعبية الهجينة تتمثل في أنها، من ناحيةٍ أولى، ترفع شعاراتٍ متنوعةً، وتتمحور مطالبها الواسعة والمتنوعة حول مسائل محليةٍ وإثنيةٍ ووطنيةٍ، في الوقت نفسه، فتتضمن، مثلًا، إعلانًا عن التضامن مع المتحدين من مدنٍ أخرى، وشعاراتٍ دينيةً وطائفيةً، إضافة إلى المناداة بإسقاط النظام؛ ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، ينحدر المشاركون فيها من الجماعات العربية السنية المحلية، ويشارك فيها ناشطون مدنيون من المجتمع المدني وسكانٌ محليون من المجتمع الأهلي (من العرب السنة)، ويكونون مزيجًا من الشبكات الإنترنتية العابرة للمواقع المحلية ومن تضامناتٍ على المستوى المحلي لشبكات الأحياء الكثيفة؛ ومن ناحيةٍ ثالثةٍ، تكون الحشود السلمية المتجمعة في الساحات العامة هي المهيمنة على هذه التحديات ويتخلل هذه التجمعات السلمية بعض الممارسات العنيفة الناتجة عن قمع النظام العنيف وردود فعل المشاركين في التحديات عليه، فتمتزج فيها التوجهات السلمية والوطنية مع التوجهات العنفية والإثنية. وتقترب التحديات الاحتجاجية التي حصلت في حمص ودوما، في أبريل/ نيسان 2011، من هذا النمط المثالي من التحديات.
وفي دراسته لهذه الأنماط الثلاثة من التحديات الاحتجاجية للانتفاضة السورية، في أسابيعها الأولى، بيَّن مازور الدور الرئيس والحاسم الذي لعبته بنى شبكة علاقات الدولة بالمجتمع أو الجماعات المحلية في ظهور التحديات في هذا النمط أو ذاك من الأنماط المذكورة. فإقصاء الدولة/ النظام لجماعةٍ محليةٍ ما جعل مشاركتها في التحديات أكثر ترجيحًا. وأفسح وجود أقنية أو شبكة علاقاتٍ بين أجهزة الدولة/ النظام والجماعة المحلية مجالًا لوجود بعض المفاوضات بينهما؛ في حين أن غياب تلك الأقنية أو الشبكة المترافق مع وجود إقصاءٍ حادٍّ للجماعة أفضى إلى مشاركةٍ شعبيةٍ واسعةٍ في تحديات احتجاجيةٍ ضيقةٍ أو تحدياتٍ شعبيةٍ هجينةٍ تضمَّنت تظاهراتٍ ضخمةً تمزج شعاراتها بين التوجه الإثني والوطني والمطالبة بالإصلاح السياسي. لكن مازور بيَّن أن التهديد الأكبر للنظام، في هذا السياق، تجسَّد في التظاهرات التي كان المشاركون فيها ينحدرون من إثنياتٍ متنوعةٍ، حتى المتضمنة أو غير المقصية منها، والتي كانت تطالب بضرورة صياغة عقد مواطنةٍ جديدٍ يشمل كل السوريين، في تحدٍّ للخطوط الحمر والممكنات التي وضعها النظام في هذا الخصوص. ويرى مازور أنه لهذا السبب، كانت تلك التظاهرات الهدف الأول للنظام الذي بذل كل الجهود الممكنة للقضاء عليها.
بعد شرح السمات الرئيسة للتحديات الاحتجاجية التي حصلت في الأشهر الأولى من الثورة السورية، يركِّز الفصل السادس – الموسوم ﺑ “شبكات الدولة وعدم المشاركة [في الانتفاضة ضد النظام]” – اهتمامه على دراسة الأسباب أو العوامل أو الآليات التي أفضت إلى عدم مشاركة عددٍ (كبيرٍ) من السوريين في تلك الاحتجاجات الثائرة؛ فيبيِّن وجود أربعة مساراتٍ تحولت، من خلالها، العلاقات القائمة بين المجتمع والدولة، قبل الانتفاضة، إلى عدم مشاركةٍ في هذه الانتفاضة. 1)- كانت الجماعات غير السنية تحظى، عمومًا، بفرصٍ أكبر للوصول إلى موارد الدولة، أو الحصول عليها، وكانت لديها مخاوف من التهميش تحت “الحكم السني”، فاندفع الكثيرون من أفرادها إلى معارضة الانتفاضة ضد النظام، وممارسة دور الشرطي أو المخبر عمومًا، ضمن الجماعة، لمنع أفرادها من الانضمام إلى تلك الانتفاضة. 2)- لعبت العلاقات غير الرسمية بين ضباط الأمن وبعض الوجهاء المحليين دورًا بارزًا في الحد من مشاركة أفراد بعض الجماعات المحلية ذات الخلفية القبلية في الانتفاضة. 3)- أدى الطابع النقابي للدولة إلى خلق علاقاتٍ، بين المواطنين الأفراد والدولة، كانت بمنزلة القاعدة التي تم على أساسها ثني بعض الأفراد عن المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية المضادة للنظام، وتجييش حراكٍ مضادٍّ لتلك التظاهرات. 4)- لم يشهد المركزان السياسي والاقتصادي لسوريا (دمشق وحلب) حراكًا جماهيريًّا ضخمًا، مقارنةً بالحراك الجماهيري الذي حصل في المدن السورية (الكبرى) الأخرى، وذلك بسبب الحضور الأمني الأكبر، من جهةٍ أولى، وبسبب الصلات بين النظام وشرائح من سكان المدينتين المذكورتين، من جهةٍ ثانيةٍ.
في عرض تلك المسارات الأربعة، يشدد مازور على الدور الكبير لشبكة علاقات الدولة بالمجتمع في عدم مشاركة سوريين كثر في التحديات الاحتجاجية ضد النظام، ويبين السمتين الأساسيتين التي تتسم بهما كل الأشكال المختلفة من الآليات والروابط بين الدولة والمجتمع، التي دفعت شرائح (كبيرة) من المجتمع السوري إلى عدم المشاركة في التحديات الاحتجاجية ضد النظام الحاكم. تتمثل السمة الأولى في تلقي الفاعلين الاجتماعين المعنيين منافع ماديةٍ، عبر العلاقة مع النظام أو منه، قبل انطلاق الانتفاضة. وقد تكون المنافع مباشرةً ومستمرةً عبر مستوياتٍ عاليةٍ من التوظيف في مؤسسات الدولة، أو غير مباشرةٍ ومتقطعةً، كأن يحظى بعض الوجهاء المحليين ببعض الامتيازات أو الإعفاءات من تطبيق بعض القواعد والإلزامات (القانونية) العامة. وتتجسَّد السمة الثانية في سعي النظام، بعد قيام الانتفاضة الشعبية ضده، للحفاظ على شبكة العلاقات مع الفاعلين الاجتماعيين، التي كان يملكها، قبل انطلاق الانتفاضة. ولهذا الغرض، لجأ النظام، في بداية الاحتجاجات، على الأقل، إلى الوساطات والحلول التصالحية غير العنفية، في التعامل مع الاحتجاجات التي نشأت لدى الجماعات والمناطق التي يرتبط معها بشبكة العلاقات المصلحية المذكورة، وإلى إفساح المجال للضبط الداخلي لتلك الجماعات أو المجموعات لذاتها، بعيدًا عن التدخل المباشر من النظام. وقد نجحت استراتيجية النظام هذه أحيانًا، لكنها فشلت، أحيانًا أخرى، ولم تستطع، عمومًا، الوقوف في وجه التصاعد والتصعيد السريع والمستمر، في كم التظاهرات الاحتجاجية ضد النظام، وكيفها.
يتناول الفصل السابع المعنون ﺑ “منطق قمع الدولة والاستجابة المجتمعية”، مسألة ذلك التصعيد السريع في كم تجليات الانتفاضة السورية ضد النظام وكيفها، ويركِّز، تركيزًا خاصًّا، على مسألة تصاعد حضور العنف (الإثني) في تلك الانتفاضة، ونتائج ذلك التصاعد، ودور النظام/ الدولة، خصوصًا، فيه. وفي هذا الفصل، يبيِّن مازور الدور المحوري والكبير لعنف الدولة/ النظام في التحول الذي أصاب الانتفاضة السورية، وجعلها تصبح أقرب إلى الحرب الأهلية الإثنية، منذ الأشهر الأولى من عام 2012. فذلك العنف أفضى إلى تغيير مهمٍّ في تركيب الجماعات أو المجموعات المشاركة في الانتفاضة السورية، بحيث أن المشاركة فيها أصبحت مقتصرةً على العرب السنة حصرًا عمومًا. وترافق إبعاد/ ابتعاد غير السنة عن المشاركة في الانتفاضة مع انضمام أطرافٍ جديدةٍ أكثر استعدادًا لممارسة العنف عمومًا، وعلى أساسٍ إثنيٍّ خصوصًا؛ كما خَفَتَ، تدريجيًّا، حضور الاحتجاجات السلمية المتمحورة حول المواطنة، والمطالب السياسية الوطنية. ويحاجج مازور أن عنف النظام تجاه المنتفضين ضده لم يكن خياره الأول، ولم يكن يهدف إلى أثننة النسيج الاجتماعي السوري أو الصراع السياسي فيه؛ بل كان انعكاسًا لخياراته المحدودة في مواجهة تلك الانتفاضة التي شكَّلت تهديدًا حقيقيًّا له. ويتضمن هذا الفصل تصنيفًا لعنف النظام، ضمن أربعة أنماطٍ رئيسةٍ:
1)- عنفٌ يهدف إلى تجنب وجود “ساحة تحرير سورية”، على غرار ساحة التحرير المصرية.
2)- عنفٌ يعقب فشل أو انهيار مفاوضاتٍ بين النظام وجماعةٍ من المنتفضين ضده.
3)- عنفٌ مفرطٌ يمثِّل رد فعلٍ متطرفًا، واستجابةً غير متناسبةٍ مع الفعل (العنيف) الذي يتعامل معه.
4)- عنفٌ مرتبطٌ بحصول العنف في منطقةٍ أخرى، وانتشاره محليًّا لاحقًا.
لقد سمح المنظور المحلي/ المناطقي لمازور بإظهار أن العنف الذي مارسه النظام حيال المنتفضين، في العام الأول من الانتفاضة السورية، كان، عمومًا، استجابةً تكتيكيةً لأغراضٍ محددةٍ (كإنهاء اعتصامٍ في ساحةٍ عامةٍ، أو الرد على مهاجمة قواته الامنية) فشل في تحقيقها، عبر وسائل أخرى، لكنه أفضى إلى ازدياد عدد المنتفضين، وإلى توجيه النزاع في اتجاه عنفيٍّ (و)إثنيٍّ متصاعدٍ. وقد لعبت شبكة العلاقات الموجودة قبل اندلاع الانتفاضة دورًا رئيسًا في تحديد مضامين هذا التفاعل بين النظام والمحتجين عليه. فعلى الرغم من أن معظم التحديات الاحتجاجية الأولى ظهرت، بالدرجة الأولى، لدى العرب السنة، وبالدرجة الثانية، لدى غير العرب السنة، فإن رد الفعل العنيف للنظام تجاه تلك التحديثات انحصر في تعامله مع العرب السنة، تحديدًا. وقد كان ذلك من العوامل المهمة التي ساهمت في أثننة السنة لهويتهم ولصراعهم السياسي مع النظام القائم. وأفضى ذلك، بالنتيجة، إلى تحويل الصراع مع النظام إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ، بالدرجة الأولى.
الفصل الثامن مخصصٌ لدراسة التحدي الاحتجاجي الخاص في المناطق ذات الأغلبية الكردية، أو لمناقشة خصوصية الحالة الكردية في الثورة/ الانتفاضة السورية. وتكمن خصوصية الحالة الكردية، مقارنةً مع حالة العرب السنة، مثلًا وخصوصًا، في أنه على العكس من العرب السنة الذين أفضت انتفاضتهم إلى تحول صراعهم مع النظام القائم إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ، فإن الانتفاضة في المناطق ذات الغالبية الكردية قد أُثنِنت أو تأثننت، بحيث أصبحت الشعارات والمطالب تتمحور حول حقوق الكرد الثقافية والسياسية، بدون أن تتحول إلى مواجهةٍ (دمويةٍ) عنيفةٍ مع النظام، على الرغم من أن الإقصاء الذي تعرض له (معظم) الكرد، من النظام السوري الحاكم، لم يكن أقل قوةً من الإقصاء الذي تعرض له (معظم) العرب السنة. ويفسِّر مازور هذه الخصوصية بالتعامل المتسامح المميَّز للنظام مع الكرد وانتفاضتهم، عمومًا، وتنظيماتهم السياسية خصوصًا. فقد سمح هذا التعامل المتسامح للتنظيمات الكردية المهيمنة بتوجيه وتركيز مطالبها نحو الحقوق الكردية الخاصة، بدلًا من المطالب المتمحورة حول المواطنة والحقوق المتساوية لجميع السوريين، التي كانت مهيمنةً على النشاط الاحتجاجي الكردي بين آذار/ مارس وتشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2011. وقد ساهم التسامح المذكور في قيام مؤسساتٍ إثنيةٍ، هيمنت عليها قوىً كرديةٌ مارست بعض العنف القمعي، ليس ضد السكان المحليين من العرب فحسب، بل وضد السكان الكرد أيضًا، لكن كثيرين من السكان الكرد المحليين تسامحوا ويتسامحون مع ذلك العنف؛ لأنهم يرون أنه أقل سوءًا من العنف الذي مارسه أو قد يمارسه “العرب” ضدهم.
يتضمن الفصل الأخير، كما يشير عنوانه (الخلاصة)، أهم الأفكار الرئيسة التي تناولها الكتاب و/ أو خلص إليها، إضافة إلى مناقشةٍ لبعض أهم هذه الأفكار والخلاصات. وإضافةً إلى تكثيف أطروحته الرئيسة المتمثلة في الماهية أو الطبيعة الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا للنظام السوري الحاكم، والدور المهم لتلك الماهية، ولشبكة علاقات النظام مع (أطرافٍ في) المجتمع السوري، في تحديد ماهية الانتفاضة عليه ومسار تلك الانتفاضة، تتضمن الخاتمة عرضًا مكثفًا لبعض أهمِّ الآثار أو النتائج النظرية المترتبة على رؤيته أو تنظيره للعام الأول من الثورة/ الانتفاضة السورية، وربطًا لتلك الرؤية والآثار بما حدث في سوريا، بين عامي 2012-2018، وبما (يمكن أن) يحدث في سوريا بعد انتهاء الحرب فيها عمومًا.
فمن ناحيةٍ أولى، يؤكد مازور أن القول بخصوصية الحالة السورية، أو حتى استثنائيتها – والمتمثلة، مثلًا وخصوصًا، في حكم البعث لها لمدة خمسين عامًا – ينبغي ألا ينفي، مشابهة النظام السوري للعديد من الأنظمة الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا، في منطق الحكم والقمع، وفي استخدام العناصر النقابية والقرابة التقليدية والمصادر المادية، لشراء الولاءات، من أجل إقامة شبكة العلاقات مع (بعض أطراف أو شرائح) المجتمع. ومقارنةً بالدراسات التي تدرس الأنظمة الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا، يبيِّن مازور أن كتابه يتضمن دراسةً إمبريقيةً وتحويلًا للاهتمام في دراسة الأثننة، وانطلاق الحرب الأهلية، من الجماعة الإثنية إلى فاعلين اجتماعيين محددين يضغطون من أجل مطالب معينةٍ من الدولة، بما يغني الإجابة عن سؤال: كيف يفضي حكم حصريٌّ/ إقصائيٌّ إثنيًّا إلى إنتاج ثورةٍ (إثنيةٍ) ضده، وفقًا لمنظوراتٍ أو حقولٍ معرفيةٍ مختلفةٍ؟
ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، يعرض مازور مسوغات أو إيجابيات اقتصار كتابه على دراسة العام الأول من الثورة/ الانتفاضة السورية، والحدود أو السلبيات التي يفرضها هذا الاقتصار. وفي تجاوزٍ، جزئيٍّ ونسبيٍّ، لتلك السلبيات، يشير إلى صلات الأساس النظري الذي يتبناه في كتابه ﺑ “الحرب الأهلية السورية” بين عامي 2012-2018. فمن السلبيات البارزة للاقتصار المذكور هو أن الكتاب لا يدرس إلا جزءًا صغيرًا من الظاهرة المدروسة (الثورة/ الانتفاضة السورية). لكن تلك السلبية هي الثمن الذي قبل مازور دفعه، من أجل تقديم دراسةٍ أكثر تفصيلًا للثورة/ الانتفاضة السورية في عامها الأول، ليس لأن تلك الدراسة المفصلة (يمكن أن) تساعد في تقديم معرفةٍ أكثر دقةً وموثوقيةً فحسب، بل لأن نتائج تلك الدراسة (يمكن أن) تساعد في فهم أحداث المراحل أو السنوات اللاحقة لتلك الثورة/ الانتفاضة أيضًا. وعلى الرغم من أن تلك المراحل أو السنوات اللاحقة تضمنت قطيعةً، جزئيةً ونسبيةً، مع المرحلة أو السنة الأولى من الثورة/ الانتفاضة السورية، فإن تلك القطيعة لم تكن كاملةً بالتأكيد؛ فثمة استمراريةٌ، جزئيةٌ ونسبيةٌ، أيضًا، بين تلك المراحل، بحيث يمكن الحديث عن وجود سماتٍ أساسيةٍ مشتركةٍ فيما بينها. ومن بين تلك السمات المتعلقة بسلوك النظام السوري الحاكم، يشير مازور إلى استمرار استخدام النظام استراتيجية “فرِّق تسُد”، واستخدامه لشبكات علاقاته مع المجتمع، في محاولاته لتحقيق تلك الاستراتيجية وإنهاء الانتفاضة السورية عمومًا، والتي ظهرت، على سبيل المثال، في تأسيس ميليشيات “قوات الدفاع الوطني”، وفي تعامله مع الميليشيات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.
ومن ناحيةٍ ثالثةٍ وأخيرةٍ، وبعد عرضٍ مقتضبٍ للأضرار الهائلة التي خلفتها الحرب (الأهلية)، اقتصاديًّا وماديًّا وعلى النسيج الاجتماعي السوري عمومًا، يحاجج مازور بأن نظامًا جديدًا قد بدأ بالظهور والتبلور في سوريا المعاصرة ما بعد الحرب. فبعد نجاح النظام في البقاء أو عدم السقوط، بدأ ينسج شبكةً جديدةً من العلاقات مع الأطراف المجتمعية المحلية، في ظل تنامي قدرته الهائلة على تقييد عودة المواطنين إلى مناطقهم، والبت في قضية ملكية البيوت والأراضي، أو مصادرتها، بما يسمح له، أحيانًا، بإحداث تغييرٍ كبيرٍ في أحياء ومناطق كاملةٍ، كما حصل في منطقة بساتين الرازي، مثلًا. ولهذا الغرض، أصدر النظام القانون رقم 10 في عام 2018، والذي يسمح بمصادرة الأراضي وإنشاء مناطق تنظيميةٍ جديدةٍ في جميع انحاء سوريا. كما ظهرت طبقةٌ جديدةٌ من السماسرة – كحسام قاطرجي ومحي الدين المنفوش – الذين يؤمنون خدماتٍ اقتصاديةً وسياسيةٍ للنظام، ويحصلون، في المقابل، على تسهيلاتٍ وامتيازاتٍ منه، بالتوازي مع احتفاظ النظام بشبكة علاقاته مع الكثير من الأطراف المحلية، في جرمانا مثلًا.
وبعد الإشارة إلى أن العنف المفرط الذي واجه به النظام المنتفضين ضده عمومًا، والذي طال الكثيرين من العرب السنة خصوصًا، قد أضعف من صلاته العابرة للإثنيات بالعرب السنة خصوصًا، وهي الصلات التي عانى النظام، كثيرًا، للحفاظ عليها، لضرورتها في تأمين طاعة المواطنين أو ولائهم، يختم مازور كتابه بالقول إن الكيفية التي (يمكن أن) يتم بها بناء هذه الصلات مجدّدًا، على أنقاض النظام السياسي الاجتماعي القديم، (يمكن أن) تقدم قرائن دالةً أو مفتاحيةً لفهم النظام الجديد قيد التشكل في سوريا المعاصرة.
حاولت، في كل ما سبق، أن أقدم عرضًا موضوعيًّا لأبرز مضامين كتاب مازور، مستخدمًا مصطلحاته، وعارضًا أفكاره، بدون أن أقوم بأي تدخلٍ أو إقحامٍ، تقريبًا، لرؤيتي لهذه المضامين وتلك المصطلحات والأفكار. وسأحاول، فيما يلي، أن أقدِّم، بإيجازٍ شديدٍ، بعض الملاحظات النقدية، العامة والمكثفة، التي سأقتصر فيها، عمومًا، على مناقشة الأطروحة الرئيسة للكتاب.
يعد المنظور الطائفي/ الإثني (أحد) أبرز المنظورات المستخدمة لدراسة الأوضاع السياسية والمجتمعية في العالم العربي الإسلاماتي. ووفقًا لهذا المنظور فإن الانقسامات الأساسية بين الناس هي انقساماتٌ هوياتيةٌ قائمةٌ على النسب الديني/ الطائفي/ الإثني. ولوهلةٍ أو أكثر، يبدو أن كيفين مازور يتبنى هذا المنظور في كتابه. فتوصيفه للنظام السياسي الحاكم وللثائرين عليه أو المؤيدين له، أو الساكتين عنه، يتأسس، بالدرجة الأولى، على نسبهم الإثني/ الطائفي. لكن، ينبغي عدم الاكتفاء بهذا الانطباع العام، فثمة تمييزاتٌ وتفصيلاتٌ كثيرةٌ ينبغي إضافتها، وأخذها في الحسبان؛ ففيها تكمن لا الشياطين فحسب، بل الملائكة أيضًا. ولعل أول ما ينبغي إضافته، في هذا السياق، هو أن المنظور الإثني الطائفي الذي يتبناه مازور لا يتضمن أي رؤيةٍ جوهرانيةٍ ذات صيغةٍ بدائيةٍ/ دائميةٍ primordial. فهو يشدد على ضرورة الذهاب إلى ما وراء الاعتقاد التبسيطي القائل بأن الطائفية (السياسية) أو التطييف هما مجرد نتيجةٍ آليةٍ أو مؤكدةٍ أو “طبيعيةٍ” لوجود طوائف متعددةٍ، ليؤكد أن تطييف صراعٍ ما هو صيرورةٌ، ينبغي فهم أسبابها ودوافعها واستراتيجيات المؤثرين فيها.
يمكن تجاوز النقاش، هنا، فيما إذا كانت “الطائفة” ذاتها موجودةً، كطرفٍ أو فاعلٍ اجتماعيٍّ سياسيٍّ، بدون وجود فعلٍ سياسيٍّ تطييفيٍّ؛ لأن هذا الفعل موجود مسبقًا في الوضع السوري منذ عدة عقودٍ على الأقل. فإلى درجةٍ أو لأخرى، ثمة طوائف وطائفيةٌ في المجتمع والدولة السوريتين، قبيل انطلاق الثورة السورية عام 2011؟ ما ينبغي التفكير فيه هو تحديد كتاب مازور لهوية كل السوريين على أساس انتماءاتهم الدينية/ الإثنية/ الطائفية، واتخاذ ذلك التحديد أساسًا لتفسير مواقفهم النظرية والعملية من النظام الحاكم ومن الانتفاضة/ الثورة عليه. لكن من الواضح عدم صلاحية ذلك الانتماء (الديني/ الإثني/ الطائفي) القائم على النسب للتفسير المذكور. فإضافةً إلى وجود أفرادٍ من العلوية أو من أقلياتٍ نَسبِيِّةٍ أخرى شاركوا في الانتفاضة السورية، هناك عددٌ كبيرٌ ومعتبرٌ من السنة لم يشاركوا في تلك الانتفاضة أو وقفوا موقفًا مترددًا، بل معاديًا لها، في أحيانٍ ليست قليلةً. قد يكون بإمكان “التفسير على أساس الانتماء/ الإقصاء الطائفي/ الإثني” تحقيق بعض النجاح، من خلال الإشارة إلى عدم حصول أي تظاهراتٍ أو احتجاجاتٍ جماعيةٍ لدى المنتمين نسبًا إلى الطائفة العلوية في المناطق التي يشكلون فيها الأغلبية العددية. لكن ذلك التفسير سيجد صعوبةً في توضيح سبب مشاركة عددٍ كبيرٍ من الإسماعيلية في الانتفاضة السورية، ومنذ الأشهر الأولى منها، في المناطق/ المنطقة التي يشكلون فيها أغلبيةً عدديةً (السلمية). لكن الصعوبة الأكبر التي تواجه ذلك التفسير، في الحالة السورية، هو الانقسام الكبير في مواقف السنة من تلك الانتفاضة/ الثورة.
مازور أدرك، مسبقًا، وجود مثل تلك الصعوبات، لكن ذلك الإدراك لم يدفعه، وكثيرين غيره، إلى التخلي عن الإطار النظري الذي يتبناه وما يتضمنه من تفسيرٍ إثنيٍّ/ طائفيٍّ، بل جعله يقدم ببعض الإضافات والتعديلات في رؤيته النظرية التفسيرية. فقام بإدخال أساسٍ تفسيريٍ جديدٍ: شبكة العلاقات المصالحية التي أقامها النظام مع (بعض أطراف أو شرائح) المجتمع السوري. وانطلاقًا من هذا النموذج التفسيري المركَّب، الذي يتأسس على الانتماء الإثني/ الطائفي، وعلى شبكة العلاقات المصالحية المذكورة، مضافًا إلى ذلك أخْذ “اضطرار” النظام إلى ممارسة العنف لإخماد الانتفاضة ضده في الحسبان، رأى مازور ضرورة الدراسة المناطقية، تحت الوطنية، للانتفاضة السورية، لمعرفة العوامل المحددة التي دفعت سوريو تلك المناطق، إلى الثورة أو عدم المشاركة في الثورة ضد النظام؛ كما رأى إمكانية تفسير ليس اندلاع الانتفاضة/ الثورة ضد النظام فحسب، بل وسيرورتها وتحولها تدريجيًّا من انتفاضةٍ سلميةٍ وطنيةٍ إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ/ طائفيةٍ. فوفقًا للتفسير المزدوج المعتمد، تكون “ثورة بعض السنة” مفهومةً ومفسرةً بكونهم مقصيين من النظام السياسي الحاكم، ويكون امتناع بعض السنة عن المشاركة في تلك الثورة مفهومًا ومفسَّرًا أيضًا، لكن ليس بانتمائهم الطائفي، بل بشبكة العلاقات التي تربطهم بالدولة/ النظام الحاكم. ومفهوم شبكة العلاقات مفهومٌ واسعٌ ويتضمن خدمات الدولة التي يسيطر عليها النظام ويقوم بتوزيعها على المواطنين، وتتضمن التوظيف في مؤسسات الدولة وخدماتٍ أخرى كثيرة قد تشمل منافع ماديةً أو خدماتٍ أخرى، تكون المحسوبيات والزبائنية من العوامل المؤثرة في توزيعها، جزئيًّا على الأقل.
على الرغم من الإضافات التي قدمها مازور، والتعديلات التي أجراها على نظرية “النظام الحصري/ الإقصائي إثنيًّا”، لا يبدو أن النموذج التفسيري الذي يقدمه قادرًا على النجاح، نجاحًا كاملًا، في فهم/ تفسير أسباب انطلاق الانتفاضة/ الثورة السورية وسيرورتها. ويمكن المحاججة بأن نقطة ضعف ذلك النموذج التفسيري تكمن تحديدًا في قوته “المزعومة” المتمثلة في زعمه تقديم تفسيرًا شاملًا وكاملًا أو وافيًا، في هذا الخصوص. إذ يبدو أنه قادرٌ على تفسير كل شيءٍ يتناوله. فالسنة ثاروا هنا (في درعا ودوما مثلًا)، لأنهم (سنةٌ) مقصيون من النظام القائم، ولم يثوروا هناك (حلب ودمشق مثلًا)، بسبب العلاقات المصلحية التي تربط كثيرون منهم بالنظام. لكن، لمَ لم يشارك السنة في مدينة الرقة، بكثافةٍ، في الأشهر الأولى من الثورة/ الانتفاضة ضد النظام، على الرغم من أنهم سنةٌ مقصيون، وليس هناك شبكة علاقات مصالحية بين الأغلبية الساحقة/ المسحوقة منهم والنظام/ الدولة، كما يبين مازور نفسه في الكتاب، وفي مقالٍ سابقٍ له عن الموضوع؟ إجابة مازور عن السؤال السابق تتمثل في وجود شبكة علاقات مصالحية تربط النظام ببعض الوجهاء المحليين، القبليين العشائريين، في تلك المدينة. لكن، ألا يملك النظام شبكةً مماثلةً في دوما مثلًا، وشبكةً أقوى منها في درعا، خصوصًا؟ إجابة كتاب مازور عن تلك الأسئلة ليست واضحةً، أو إنها تحيل على عناصر أخرى تقع خارج نموذجه التفسيري، بدون إقرارٍ، صريحٍ أو حتى ضمنيٍّ، غالبًا، بوجوب الخروج، الجزئي والنسبي، من ذلك النموذج، أو عدم الاقتصار عليه.
السوريون (الثائرون أو المنتفضون على النظام خصوصًا أو تحديدًا)، في كتاب مازور، غير حاضرين، عمومًا، لا بوصفهم شعبًا، ولا بوصفهم أفرادًا، ولا بوصفهم جماعاتٍ مدنيةً. فهم ليسوا شعبًا، بالمعنى السياسي للكلمة، لأنه حتى حين يكون الحديث عن التحديات الاحتجاجية السلمية المتمحورة حوال المواطنة، والمطالب السياسية الوطنية، غير الطائفية/ غير الإثنية، يتحدث الكتاب عنهم بوصفهم سنةً أو من هذه الأقلية الإثنية/ الطائفية أو تلك. وهم كذلك، في نظر الكتاب، لأنه يتبنى معيارين أساسيين في تصنيفهم ودراستهم: معيارًا إثنيًّا طائفيًّا، ومعيارًا مناطقيًّا محليًّا. وفي ظل هذين المعيارين، لا يكون هناك غيابٌ أو تغييبٌ للسوريين بوصفهم شعبًا فحسب، بل بوصفهم أفرادًا أو أشخاصًا أيضًا. ففرديتهم ملغاة، لأنهم معرَّفون أساسًا بنسبهم إلى هذه الجماعة العضوية/ المنطقة أو تلك. ويبلغ غياب/ تغييب فرديتهم ذروته في الإصرار على تعريفهم على حساب نسبهم الأهلي وليس انتسابهم المدني. فالسوريون ليسوا حاضرين، بوصفهم، منتمين بالانتساب إلى تيارٍ سياسيٍّ أو رؤيةٍ أيديولوجية سياسيةٍ ما، وإنما يتم تفسير رؤيتهم وتوجهاتهم السياسية على أساس نسبهم الأهلي اللاإرادي أو شبكة العلاقات المصلحية التي تجمعهم بالنظام. فليس هناك، على سبيل المثال، محاولةٌ لتصنيف السوريين على أساس أفكارهم أو توجهاتهم السياسية الأيديولوجية، بين ساعين إلى الديمقراطية أو الحريات (السياسية) أو الليبرالية ورافضين لها. لكن إذا كانت السياسة هي التي تفسر وجود الطوائف/ الإثنيات، أو على الأقل، النزعات والأحداث والأفعال الطائفية/ الإثنية، كما يرى مازور نفسه، فما معنى الحديث عن الانتماءات الإثنية في سياق الحديث عن فعلٍ سياسيٍّ يقدم نفسه على أنه غير إثنيٍّ/ غير طائفيِّ، بل مضادٌ للإثنية/ الطائفية، أيضًا.
حديث مازور عن السوريين، بوصفهم إثنيات/ طوائف، لا يفضي به إلى الحديث عن الحرب الأهلية التي بلغها الصراع لاحقًا، بوصفها نتيجةً حتميةً للبنية الطائفية للنظام و/ أو للمجتمع السوري، كما فعل نيقولاس فان دام في كتابه “تدمير وطن: الحرب الأهلية في سوريا”، عام 2017، على سبيل المثال. فمازور لا يقول ﺑ “الحتمية الطائفية” التي تحدث عنها ياسين الحاج صالح، محقًّا، في نقده لكتاب فان دام المذكور. وعلى العكس من فان دام الذي يفسر تلك الحتمية، بالدرجة الأولى، بالطائفية الاجتماعية/ السياسية للطوائف في المجتمع السوري، من خلال نظرةٍ أو رؤيةٍ جوهرانيةٍ دائميةٍ لتلك الطوائف، فإن مازور لا يكتفي بالإشارة إلى أن شواهد وأمثلةً تاريخيةً عديدةً تثبت أن التحديات الثورية في الأنظمة الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا لا تفضي بالضرورة إلى حربٍ أهليةٍ إثنيةٍ، (عمان 2011، السودان 1991)، بل ينفي وجود تلك الحتمية أصلًا، ويفسِّر حصول تلك الحرب، بالدرجة الأولى، ببنية النظام السياسي الحصرية/ الإقصائية إثنيًّا، من جهةٍ، وبخياراته العنفية في مواجهة التحدي الثوري، من جهةٍ أخرى. صحيحٌ أن كتاب مازور يعطي الانطباع، أحيانًا، بأن النظام لم يختر استخدام العنف إلا مضطرًا، أو أن العنف لم يكن خياره الاستراتيجي الأساسي، لكنه لا ينفي، “في النهاية”، أنه خيارٌ من بين خياراتٍ أخرى كان بإمكانه اللجوء إليها واستخدامها، وأنه لو اختار خيارًا آخر، كان يمكن لسيرورة الانتفاضة/ الثورة السورية أن تفضي إلى نتائج مغايرةٍ. لكن، مرةً أخرى، يكون تركيز مازور منصبًا على الفاعلية الذاتية (agency) للنظام، فقط، وليس للسوريين المنتفضين ضده أو الثائرين عليه.
الثورة أو الانتفاضة ضد نظامٍ استبداديٍّ هي فعلٌ سياسيٌّ بامتيازٍ، ولا شك أنه يمكن ويجب الحديث عن الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية لذلك الحدث السياسي. وهذا ما فعله، على سبيل المثال، محمد جمال باروت في أحد أبرز وأول النصوص البحثية التي تناولت الثورة السورية في عامها الأول. لكن، من الضروري إفساح المجال لما هو سياسي أن يبقى سياسيًّا، جزئيًّا على الأقل، بعيدًا عن الاختزال الكامل للسياسة، التي هي مجالٌ مدنيٌّ، من خلال ردها بالكامل إلى ما هو أهليٌّ أو اقتصاديٌّ مصلحيٌّ، أو مناطقيٌّ محليٌّ. والنظر إلى (بعض) السوريين كفاعلين سياسيين، أو ذوات فاعلة (agents) سياسيًّا، يعني الإقرار بعدم إمكانية اختزالهم إلى نسبهم اللاإرادي وأي بنى اقتصاديةٍ أو اجتماعيةٍ أخرى. وهذا يتضمن الإقرار معرفيًّا بإمكانية أن يتبنوا أفكارًا وقيمًا ومطالب وأيديولوجياتٍ تتجاوز نسبهم الأهلي وأي بنىً، موضوعيةٍ أو ذاتيةٍ، أخرى، وتتضمن قطيعةً، جزئيةً ونسبيةً، معها، بدون أن تفضي بالضرورة إلى تناقضٍ كاملٍ معها. كما يتضمن السعي المنهجي إلى فهمهم، انطلاقًا من وعيهم الذاتي، وليس إلى مجرد تفسيرهم بعوامل أو بنى أو أسبابٍ موضوعيةٍ لا إراديةٍ. إن توصيف الكتاب لبنية النظام التي ساهمت في أثننة الصراع معه مفيدٌ جدًّا، لكونه يساعد في تجاوز التركيز المفرط على دور الأفراد والفاعلين السياسيين المشاركين في الانتفاضة/ الثورة، أو المؤيدين لها في تلك الأثننة، كما يفعل باسيليوس زينو، على سبيل المثال، في بحثٍ مهمٍّ منشورٍ حديثًا. لكن التوازن مطلوبٌ بين الطرفين. ولا يعني التوازن موقفًا وسطيًّا بين الطرفين، البنية وفاعلية الذات، بحيث يجري المساواة بينهما من حيث القوة السببية أو الوظيفة التفسيرية، وإنما يعني العدالة، التي تعني هنا “إعطاء كل طرفٍ حقه، بدون إفراطٍ أو تفريطٍ”. فهما يمثلان وجهين لعملةٍ واحدةٍ، على حدِّ تعبير أنطوني جيدنز الذي يرى، مع معظم المنظرين للعلوم الإنسانية والاجتماعية، خلال العقود الأخيرة خصوصًا (بيير بورديو ومارغريت أرتشر، على سبيل المثال)، ضرورة الجمع بينهما، وإظهار إمكانية إقامة الجدل بينهما وتكاملهما.
استحضار السوريين، بوصفهما ذواتًا فاعلةً يتم، في الكتاب، من خلال الإحالة على نصوصهم وأفكارهم وآرائهم. فعلى العكس من باحثين آخرين لا يرون السوريين إلا موضوعًا للدراسة والبحث، لا ذواتًا مفكرةً (قد يكون) لديها ما يمكن تقديمه في هذا الخصوص، في نصوصها المنشورة باللغة العربية، وهو ما ينبغي للباحثين أخذه في الحسبان، عند دراسة الموضوعات ذات الصلة بذلك؛ نجد أن مازور قد أخذ ذلك في الحسبان، إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ تقريبًا، من حيث استناده إلى (“معظم”) المراجع والمصادر العربية/ السورية ذات الصلة، وإحالته عليها. لكن الاستناد إلى آراء السوريين والإحالة على آرائهم لا يعني ولا يقتضي بالضرورة تبنيها. وعلى الرغم من أن (معظم) المصطلحات والمفردات الرئيسة التي تبناها مازور في كتابه تتقاطع عمومًا مع منظور السوريين الثائرين أو المؤيدين للثورة، من حيث الحديث عن ثورة أو انتفاضة أو نظامٍ الأسد الاستبدادي، والتمييز بين النظام والدولة – وهو تمييزٌ رفضه (نظام) الأسد بشدةٍ – فإن بعض مصطلحاته ومفاهيمه تبدو إشكاليةً جدًّا، من وجهة معظم السوريين على الأقل. وتبدو مصطلحات/ مفاهيم الإثنية والإثني والأثننة أو التأثنن، وإحلالها محل مصطلحات/ مفاهيم الطائفية والطائفي والتطييف أو التطيُّف إحدى أبرز هذه المصطلحات. فلا يتحدث السوريون عن الاختلافات الدينية بينهم، (بين السنة والعلويين مثلًا)، بوصفها اختلافاتٍ إثنيةً، وإنما بوصفها اختلافاتٍ طائفيةً. وعلى الرغم من السمعة السيئة لمفهوم الطائفية، في المجال السوري العام، وعلى الرغم من أن مفهوم الطائف وما يرتبط بها في الاشتقاق اللغوي والمفهومي يحيل على انقساماتٍ غير مستحسنةٍ ولا مرغوبٍ بها، من حيث المبدأ، فإن الحديث عن الاختلافات الدينية المذكورة بمصطلحات الإثنية، يتضمن تعميقًا وترسيخًا، معرفيًّا على الأقل، لسلبيات ما يراه السوريون في مفهوم “الطائفية”. فالحديث عن طوائف دينيةٍ مختلفةٍ يتضمن إقرارًا، ضمنيًّا على الأقل، بانتمائها إلى إطارٍ هوياتيٍّ مشتركٍ ما، فهي طوائف مسلمةٌ، “في النهاية”. وفي تلك الحالة، ليس نادرًا أن يرى السوريون هويتهم في مستوى الإطار المشترك، الأعم أو الأوسع، (الدين أو غيره)، وليس في مستوى الإطار المختلف عليه، الأخص أو الأضيق. مع الحديث عن الاختلافات الدينية/ الطائفية، بوصفها اختلافاتٍ هوياتيةً إثنيةً، تغيب تلك الإحالة، الموجودة صراحةً أو ضمنًا، عند الحديث عن وجود انتماءٍ (هوياتيٍّ) مشتركٍ بين المختلفين. لا شك في وجود سوريين كثر اختاروا الانتماء الطائفي/ الإثني ليكون هويتهم الوسيطة بين التظلمات أو الظالم أو الانتماءات المحلية والحقوق المواطنية والانتماءات الوطنية، كما يشير مازور إلى ذلك محقًّا (ص 33-34)، لكن إلى جانب ذلك، ليس نادرًا رفض سوريين كثر، قبل انطلاق الثورة السورية أو بعد ذلك، الحديث عن انتمائهم الطائفي بلغة الإثنية، أو جعله أساس هويتهم ومؤسس فاعليتهم، في المجال السياسي، على الأقل. المشكلة أو الإشكالية، في هذا الخصوص، تكمن تحديدًا في المبالغة في إبراز (أو) هيمنة الطرف الأول، وغياب أو تغييب، أو التقليل من، حضور الطرف الثاني، ومن قيمة أو أهمية أو فاعلية هذا الحضور.
ختامًا، أودّ التشديد على أن الملاحظات النقدية المقدمة لا تروم التقليل من قيمة الكتاب، فضلًا عن نفي تلك الأهمية، بل تهدف إلى إظهار مدى أهمية المسائل التي يتناولها، وإشكالية تلك المسائل، وإلى إبراز ضرورة أخذ هذه الأهمية، وتلك الإشكالية، في الحسبان عند تناول الوضع السوري عمومًا، وذلك الوضع بعد قيام الثورة السورية خصوصًا. ويتضمن كتاب مازور إدراكًا للأهمية والإشكالية المذكورتين، وإغناءً لهما، في الوقت نفسه. ولهذا السبب، ولأسبابٍ أخرى آمل أنني نجحت في إظهارها، من خلال عرضي النقدي للأفكار الرئيسة التي يتضمنها الكتاب، لا أجد صعوبةً في تأكيد أن قراءة هذا الكتاب مفيدةٌ، بل واجبةٌ وضروريةٌ، لكل مهتمٍّ بالمواضيع التي يتناولها.
⦁ المراجع
⦁ فان دام، نيقولاس. تدمير وطن: الحرب الأهلية في سوريا، ترجمة لمى بوادي وآخرون، (بيروت: دار جنى تامر للدراسات والنشر، 2017).
⦁ صالح، ياسين الحاج. “⦁ الحتمية الطائفية و«تدمير وطن» السوريين”، موقع الجمهورية، 1 تموز/ يوليو 2020.
⦁ باروت، محمد جمال. العقد الأخير في تاريخ سورية: جدلية الجمود والإصلاح (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012).
⦁ Bourdieu, Pierre. Esquisse d’une Théorie de la Pratique: Précédé de Trois Etudes d’Ethnologie Kabyle. Paris: Seuil, 2000.
⦁ Archer, Margaret S. Structure, Agency and the Internal Conversation. Cambridge: Cambridge University Press, 2003.
⦁ Callinicos, Alex. Making history: agency, structure, and change in social theory. Leiden: Brill, 200).
⦁ Elder-Vass, Dave. The Causal Power of Social Structures. Emergence, Structure and Agency. Cambridge: Cambridge University Press, 2010.
⦁ Gabriel Hilu Pinto, Paulo. “The Shattered Nation: The Sectarianization of the Syrian Conflict,” in Sectarianization: Mapping the New Politics of the Middle East, edited by Nader Hashemi and Danny Postel, Oxford: Oxford University Press, 2017: 123-42.
⦁ Mazur, Kevin, Revolution in Syria: Identity, Networks, and Repression. Cambridge: Cambridge University Press, 2021.
⦁ _, “State Networks and Intra-Ethnic Group Variation in the 2011 Syrian Uprising.” Comparative Political Studies 52, no 7 (2018): 995-1027. https://doi.org/10.1177/0010414018806536.
⦁ Zeno, Basileus. “The making of sects: Boundary making and the sectarianisation of the Syrian uprising, 2011–2013,” Nations and Nationalism: 1–21. https://doi.org/10.1111/nana.12825