العدد التاسع من (رواق ميسلون)الثورة السوريّة؛ هُزمت أم ما زالت مستمرّة؟

يتناول العدد التاسع من مجلة (رواق ميسلون) موضوع الثورة السوريّة، والربيع العربي عمومًا، من جانب قراءة المآلات والحصائل في الواقع، ويبحث المشاركون فيه في وضعيتها الراهنة ومساراتها المستقبليّة، بعد أن طرحت عليهم هيئة التحرير سؤالًا مباشرًا ومثيرًا؛ هل هُزمت الثورة أم ما زالت مستمرّة؟، ونتوقَّع أن تثير بحوثه ومقالاته كثيرًا من الجدل، والفائدة أيضًا، مع إدراكنا عمومًا صعوبة التعاطي مع هذا السؤال من نواحٍ عدة، لأن النِّقاش حوله، في اللحظة الحاليّة، ما زال محفوفًا بالمخاطر، سواءً من جهة تقديم آراء متسرِّعة حول مسار حدثٍ مركزيٍّ ومآلاته، خصوصًا أنه ما يزال حارًّا وحاضرًا، أو من جهة أنَّ النقاش حوله ما زالت تحكمه، وتتحكَّم فيه، في كثيرٍ من الأحيان، داخل الأوساط السوريّة المعارضة، مواقف ومسلّمات انفعاليّة وتصوّرات متخمة بالتخبّط والضّياع.
كتب افتتاحية العدد رئيس التحرير، حازم نهار، وكانت بعنوان “الهزيمة السوريّة، وما بعدها”، تناول فيها مجموعة من الأفكار الأساسية المتعلقة بهزيمة النظام والثورة معًا، وإنكار الهزيمة من الجانبين، وتفسيرها وتبريرها، فقد كان واضحًا طوال السنوات الماضية، كما يقول، أنَّ “معايير الهزيمة والانتصار بالنسبة إلى النظام والمعارضة السائدة هي واحدة لأنَّ هناك ثقافة سياسيّة واحدة تجمعهما في الحصيلة.” وأشار أخيرًا إلى عددٍ من الأفكار الخاصة بمرحلة ما بعد الهزيمة، ورأى أنَّ “كلَّ هزيمة تتعرَّض لها جماعة بشريَّة تعني أنَّ ثمَّة تفكيرًا زائفًا وغير عقلانيٍّ يقبع خلفها، وأنَّ تخطِّيها مشروطٌ بنقد هذا التفكير وإنتاج رؤىً ومقارباتٍ بديلةٍ.”
وتضمّن ملف العدد خمس دراسات محكّمة. كتب الأولى الباحث راتب شعبو، وهي بعنوان “النجاح والإخفاق في الثورة”، رأى فيها أنَّ هناك إخفاقين متلازمين في التجربة السورية: “ساهم النظام في تغذية النزوع الإسلامي في الثورة وصولًا إلى سيطرة أكثر التنظيمات الإسلامية رفضًا للديمقراطية، والسيطرة الإسلامية ساهمت بدورها في تعزيز بقاء النظام،” لكنّه يشير في الخاتمة إلى أنَّ “التجربة المريرة التي عاشها المجتمع السوري خلال العقد المنصرم، سوف تؤلّف قاعدة ومنبعًا للمزيد من التبصر والتفكير في طرائق التحرر الممكنة. أي أن ما يبدو فشلًا اليوم، ينطوي على قدر من مقدمات النجاح غدًا.”
وكتب الأستاذ ريمون المعلولي دراسة بعنوان “اتجاهات السوريين نحو واقع الأزمة ومآلاتها”، وقد ركَّزت الدراسة على رصد التغيرات والتحولات التي طرأت على أمزجة السوريّين وميولهم في هذه المرحلة الحساسة من عمر قضيتهم. وتنبع أهمية من جانب أنَّ “ما كان يقينًا في وجدان البعض حيال موضوعات متعلقة بالأزمة: عواملها وخلفياتها، والبدائل الممكنة، والاستقطابات التي فرقت السوريين ومزقت نسيجهم الاجتماعي ودمرت توازنهم النفسي، لم يعد كما كان، فالخبرات المؤلمة التي عاشها أغلبهم، ومآلات الصراع وحيثياته، على المستويات الفردية والعامة، قد حفرت عميقًا في وجدانهم وعقولهم، ما أدى إلى ضمور اتجاهات وأمزجة وعواطف كانت قوية، في مقابل نمو قناعات وعواطف وآراء لم يكن لها نصيب في السنوات السابقة.”
وكتب جمال الشوفي دراسة بعنوان “الثورة السورية بين الامتداد الواسع والهزيمة و”البارادايم” الصوفي”، حاول فيها “مقاربة معايير تقدّم الثورة بدايةً، ثم انكسارها وهزيمتها، وفق مقارنات متعدِّدة مع نماذج وقراءات سابقة، ومقارنة نقدية لواقع الحالة السورية ومستويات عطالتها الذاتية، وطرح الأطر الممكنة لتجاوزها.”، ورأى أنَّ “القوى والفعاليات السورية تباينت محدِّداتها بين أيديولوجية ونظرية ونفعية وتابعة للأجندات الدولية. ولم تدخل -حتى الآن- في مقاربة مفهومية وواقعية لإنتاج مقومات التحول من الثورة والفوضى والهزيمة، للتعاقد العام في مثلث المصلحة المادية العامة والفكر التنويري والقيم الحضارية المنتجة للاستقرار، وشروط التعاقد الوطني واستحقاق الدولة.”
وكتب الدراسة الرابعة الباحث رياض زهر الدين بعنوان “الثورة العسيرة: تحولات الثورة السورية في ضوء ممارسة المعارضات المنقسمة، والاستراتيجيات الدولية المتصادمة”، وتدرس هذه الورقة البحثية الثورة السورية في ثلاث مراحل “خلال كل مرحلة من هذه المراحل، تغيرت طبيعة الصراع، إذ تحولت من ثورة شعب مكبل بالاستبداد متعطش للحرية إلى حرب أهلية وإقليمية بالوكالة، وبعدها إلى أزمة دولية مزمنة، تكبد الشعب السوري نتيجتها خسائر فادحة، وأصبحت هذه الحرب، الأبشع في فظائعها من أي حرب عرفتها البشرية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.”
أما الدراسة الخامسة، فكانت بعنوان “انتفاضات الربيع العربي بين العطب الموضوعي والذاتي”، كتبها الباحث مهران الشامي، وتناولت الدراسة بالتحليل هذه القضية و”وضع كلٍّ نصاب من المسؤولية؛ الموضوعية والذاتية، في مكانه وحجمه، مع ميلها للاعتقاد أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأحوال الموضوعية؛ العامة والخاصة، التي ولدت هذه الثورات في ظلها وأحاطت بها كالسوار في المعصم؟ ولكن من المؤكّد أيضًا أنّ ثمة مسؤوليات تقع على عاتق الذات، أفرادًا وقوى سياسية وجماعات وحركات؛ مدنية أو مسلحة، تنطّحوا لاحتلال المواقع الأولى في قيادة الانتفاضات هنا أو هناك.”
وفي باب مقالات الرأي كتب السياسي والكاتب محمد عمر كرداس مقالة بعنوان “الثورة السورية: قراءة في أسباب الهزيمة وما بعدها”، رأى فيها “أنَّ الثورة ستستمر، وأنَّ الثورات لم تكن في يوم من الأيام سريعة الإنجاز؛ ستتحول وتتحول وتمر بمراحل هبوط وصعود، ومع أن شعبنا أصابه الإنهاك من نظامه ومعارضته، ومن المجتمع الدولي الذي أدار ظهره لهذا الشعب المقهور والمظلوم، والذي يستحق حياة حرة كريمة، لا بد أن تتوج نضالات شعبنا بالنصر ولو طال الزمن، فنحن الآن نعيش في القاع ولا بد من الخروج، ولكن لا بدّ من شروط، وبزيادة الوعي، وعي أولًا أنه لن تنجح مقارعة هذا النظام بالسلاح بل بالوعي وبالفكر الواضح والعمل الدؤوب.”
وكتب الباحث عبد الله أمين الحلاق مقالة بعنوان “ثورات الشعوب السورية: خرافات سياسية و(سلفيات) رومانسية راسخة”، قدَّم في بدايتها ملاحظتين تحملان دلالة وظيفية، وربما تصلحان لأن تكونا مدخلًا لمساهمته في هذا الملف، بحسب ما رأى، “تتعلق الملاحظة الأولى باستحالة الإحاطة بكافة الأسباب والعوامل التي قادت إلى هذه الهزيمة، وإلى هذه النتيجة المأسوية لثورة عام 2011 وما تلاها…. فإن الكاتب يركز في هذه المقالة على الأسباب التي يرى أنها ساهمت بقوة في تعبيد الطريق نحو الهزيمة، وكان التطرق إليها وتناولها قليلًا جدًا في الكتابات السورية…. الملاحظة الثانية تتناول سؤال الـ (ما بعد) و(إلى أين يجب علينا أن نتوجه) و(الاستراتيجيات الجديدة)، وهي أسئلة من المبكر تناولها والحديث عنها، أقله إلى أن يكون هناك اعتراف من جهة معظم “النُخَب” السياسية والثقافية والفكرية بالهزيمة.”
وكتب شوكت غرز الدين مقالةً بعنوان “مهمتان مستحيلتان، ولكن!”، أكَّد فيها “أنَّ الاعتراف بالهزيمة لا يبرِّر قبولها، بل يعدّ خطوة في فهمها، من أجل تغييرها. ولهذا يحتاج تحويل الهزيمة إلى نصر، إلى تحسين أنظمة معالجة البيانات على المستوى الوطني. فمع تغير أوضاع وطرائق معالجة البيانات قد تصبح المهمتان غير مستحيلتين.”
وفي الملف الخاص؛ تجارب نسوية، كتبت سلوى زكزك مقالة بعنوان “السوريات والثورة؛ تفرعات ثورية نسوية”، رأت فيها أنَّ ثمة علاقة فريدة نمت بين السوريات والثورة “علاقة مصلحية ومتنافرة في الوقت نفسه، كُنّ للمرة الأولى على موعد مع وجود علني وإعلان مباشر لثورتهن، ما الفرق بين حضورهن صامتات أو صارخات؟ إنه فرق كبير، كمن يعاني الخرس، وجاء الوقت ليدرِّب صوته على الصراخ! على الرغم من أن الخرس لم يُعِق صاحبته عن التعبير يومًا، حتى لو لم تجني سوى العبث.”
وكتبت أمل فارس مقالة بعنوان “هنا دُفِنتْ طفلة تلبس كنزة خضراء مجهولة الهوية” ركَّزت فيها على أنَّ “ثورة بدأت باللغة لا بدّ أن تُحيا باللغة أو، أضعف الإيمان، ألا تضيع من قاموس ثورات العالم وتتحوَّل إلى مجرد حرب أهلية كما أرادوا تسميتها زورًا. ثورة بدأتها براءة الأطفال وشجاعتهم كيف لها أن تُهزم؟ قد أقبل بمصطلح الخسارة، لكن لا أقبل بمصطلح الهزيمة، الهزيمة تساوي الموت ونحن بعد على قيد الحياة.”
وكتبت هدى سليم المحيثاوي مقالة بعنوان “الثورة السورية.. الهزيمة العربية”، رأت فيها أن الذكرى السنوية للثورة السورية هذا العام “تتواكب مع إعادة بعض الدول العربية علاقاتها مع النظام الحاكم في سوريا، لتتكاثفَ نتائجُ الثورة السورية، كهزيمةٍ عربيةٍ جديدة، تُذكرنا بهزيمة الخامس من حزيران من العام 1967، التي لم يعد الشرق الأوسط بعدها كما كان قبلها، ولتكون الثورة السورية بنتائجها، عنوان الهزيمة الجديدة في المرحلة العربية المُقبلة، ليس من زاوية إعادة العلاقات فحسب، بل ومن زاوية وأدِ فكرة التغيير في الواقع العربي، بصيغة الثورات.”
وفي باب الحوارات، أجرت مجلة (رواق ميسلون) حوارين مهمّين مهمة، الأول مع بينت شيلر، وهي باحثة ألمانية، ومديرة مكتب الشرق الأوسط لمؤسسة هاينريش بول في بيروت عام 2012، وتحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسيّة ومتخصِّصة بالسياسة الخارجيّة والأمن، وعملت خلال الفترة من 2002 إلى 2004 في السفارة الألمانيّة بدمشق–سورية. وكان الحوار الثاني مع الفنان والشاعر السوري المعروف سميح شقير، تناول انطباعاته عن الأيام الأولى للثورة السوريّة، ومشاريعه الفنية الحالية والمستقبلية.
واختارت هيئة التحرير المفكر السوري إلياس مرقص ليكون شخصية هذا العدد، فنشرت له مخطوطة لم تُنشر سابقًا بعنوان “الاشتراكية ضرورة يجب أن توعى، الاشتراكية ليست حتمية”، وكتبت الزهراء سهيل الطشم دراسة بعنوان “إلياس مرقص؛ التأسيس يبدأ بالمفاهيم والوعي الكوني”، بينما كتب مضر رياض الدبس دراسة بعنوان “مفهوم العصر؛ تفلسف على عتبة إلياس مرقص”.
وفي باب دراسات ثقافية نُشر في هذا العدد ثلاث دراسات. كتب الأولى سعيد بوعيطة بعنوان “المثقف العربي وسياقات الثورة ومساراتها: الثورة السورية أنموذجًا”، رأى فيها أنَّ “تأمل التجارب الثورية، في سورية ومصر واليمن وليبيا وتونس على وجه الخصوص، يقود حتمًا إلى أسئلة مقلقة عن حجم التباين في أدوار المثقفين، وارتباطاتها بالعلاقة الملتَبَسة بين الثقافي والسياسي، وإلى زحزحة كثير من التصورات التقليدية والنمطية عنها.” وكتبت الباحثة والإعلامية نور الهدى مراد الدراسة الثانية بعنوان “صفقات بطريركيتين: دراسة حالة عن “القبيسيات” وفاعلية الجماعات النسائية الدينية في سوريا”، وذكرت فيها أن هدفها “دراسة فاعلية الجماعة الدينية النسائية السورية المسماة القبيسيات، إلى جانب مساوماتها مع النظام وعلماء السنّة كي يتاح لها التبشير والتعلم والتعليم والعمل.” وأنَّ نتيجة هذه المساومات كانت “إضفاء الشرعية على السلطة الذكورية للنظام الاستبدادي الحاكم.” وكتب عبد الرحيم الحسناوي الدراسة الثالثة “العنف السياسي في تاريخ المغرب الراهن؛ من وطأة الذاكرة إلى قلق البحث” سلَّط فيها الضوء على الحالة المغربية، واضعًا العنف السياسي في سياق مراحل التحولات التي عرفتها الدولة في المجتمع منذ بداية الاستقلال.
وفي باب إبداعات ونقد أدبي اخترنا نشر قصيدتين للشاعرة شيرين عبد العزيز، الأولى بعنوان “موسم النمل”، والثانية بعنوان “باء”، وكتبت أمل حويجة قصة قصيرة بعنوان “ابنة السطح”، وكتب عمّار الأمير قصة قصيرة عنوانها “عين الحقيقة”، وكتب أيضًا جبر الشوفي مقالة نقدية عنوانها “خيط البندول؛ بين الميتافيزيقيا والواقع“.
وفي باب ترجمات، ترجم ورد العيسى دراسة بعنوان ” تفكيك الثورة السورية” لـ مايكل بروفينس، وهو أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو. وفي باب مراجعات وعروض كتب، قدّم عبد الرزاق دحنون قراءة في كتاب (ثورة بلا ثوّار؛ كيف نفهم الربيع العربي) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، نيسان/ أبريل 2022، وهو من تأليف آصف بيات، أستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط في “جامعة إلينوي- إيربانا شامبين” في شيكاغو في الولايات المتحدة، وترجمة فيكتور سحّاب.
وأخيرًا في باب وثائق وتقارير، نشرنا تقريرًا كتبه سائد شاهين بعنوان “التمثيل السياسي في الثورة السورية؛ استعراض وتقويم”، ركَّز فيه على استعراض التشكيلات السياسية بعد آذار/ مارس 2011، وأشار إلى طبيعة علاقات القوى السياسية ببعضها بعضًا. إضافة إلى وثيقة بعنوان ” دستور المملكة السوريــة العربيـة (13 تمــوز سنة 1920)”، وهو الدستور السوري الأول الذي لم يُعمل به إلّا مدة قصيرة جدًا، إذ سرعان ما احتلَّ الفرنسيون سورية، وأنهوا المملكة السورية بعد معركة ميسلون في 24 تموز/ يوليو 1920.

هيئة التحرير

مشاركة: