إلياس مرقص؛ التأسيس يبدأ بالمفاهيم والوعي الكوني

مقدّمة

حَبُل القرن التاسع عشر، الزمن الذي هو بمنزلة مؤشر كثيف الدلالات بالنسبة للعرب وتموضعهم الحضاري المأزوم، بإشكاليات كثيرة ومتفرعة ومتشابكة ومعقّدة لمّا تزل إرهاصاتها مستمرّة حتى لحظتنا الراهنة. طبعا مثارات الإشكال النظري والإبهام الفكري التي تلفّ معضلة الأزمة الحضارية العربية لا يمكن تبسيطها وتسطيحها أو اختزالها في عنصر دون آخر. فالمعطى الثقافي-الاجتماعي لا يقلّ تأثيرًا عن طغيان السياسي وتدخّلاته، ولكن ما يعنينا هو إسهام المفكرين العرب الذين انهموا بهذه القضية وأشبعوها تنظيرًا وتحليلًا، محاولين تشخيص مكامن العجز والتدليل على مسبّبات الفوات الحضاري، وبالتالي محاولاتهم اجتراح حلول واستجلاب أفكار هي بمنزلة مقترحات للخروج من حالة التردّي البنيوي الذي يشمل الكل الحضاري العربي بكافة مستوياته. ربّما أسفر هذا الخوض الفكري عن إيغال في تعقيد المشهد، لأنه أنتج مراكمة طبقات من التحليلات التنظيرية التي على أهميتها وثرائها، إلا أنها حادت عن الواقع الذي من المفترض أنها انطلقت منه، فانحرفت باتجاه استدعاء المخارج من عوالم أخرى بعيدة في الزمان والمكان، ما أفضى إلى وجود نهضويين ومفكّرين حداثيين تغريبيين من جهة، أو نهضويين تراثيين من ناحية أخرى. وما بين الثنائيات المتجاذبة للفكر العربي المتأرجح بين الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة والشرق والغرب وغيرها من متقابلات تجد من يتبناها ويحاجج بها من قبل المفكرين العرب، لاذ الواقع العربي بمجتمعاته وناسه وإنسانه محجوبًا وراء ركم من التيارات الفكرية، فصار بإمكاننا أن نتحدث عن نهضويين عرب وليس عن نهضة عربية حقيقية وجذرية عميقة. 

لا يمكن الاكتفاء بأحكام اعتباطية تقويمية سريعة لهذه المرحلة الصاخبة، والتي يفور صخبها جرّاء صدمة حضارية كشفت عن نأي وتفاوت شاسعين وعاهما المفكّر وعاش قلق التباين المعرفي والعلمي والانتساء الفكري بين عالمه وعالم الآخر. هذا الآخر(الغرب)، ذو الوجوه المتعدّدة المتسيّد بنموذجه الحضاري والذي فرض ربّما بريادته المقتحمة لعوالم الكون الأخرى أشكالا من ردود الفعل في كيفية قبوله واقتباله. فالتغريبي انقاد إلى النمذجة الحضارية للغالب، والتراثي على تلويناته نفر رافضًا، منفعلًا، منتكسًا وناكصًا إلى ماضيه شأن المغلوب المتشنّج جراء هشاشة هويّته وخشيته من تضييعها. 

استمرّ العرب في التفاعل مع نتاجات الغرب ونشط استيراد التيارات الفكرية والسياسية واستجلاب الأفكار الفلسفية حتى مرحلتنا الراهنة. حضرت القومية والماركسية كمشاريع ورؤى بديلة عتيدة، منوط بها التغيير المأمول وتحوّلت إلى حراكات سياسية وأطر حزبية استقطبت بالانتظارات المعلّقة عليها، المفكرين ورجال السياسة. اختلطت المفاهيم النظرية بالبراكسيس العملي، وتخلّلت شوائب السياسة وإيحاءاتها محاولات ممارسة النظرية. واصطدم الإسقاط النظري الهابط من علٍ بحيثيات الواقع وخصوصيته، وظهرت إشكاليات التنظير والتأويل والاجتهاد وإعادة التركيب والتشكيل والصياغات والتصوّرات الفكرية ضدًّا لسكونية الفكرة التي تصلّبت الأحزاب بمبدأ التمسّك بها كنصوص منزلة. واستمرّ المشهد الفكري العربي على حاله منذ القرن التاسع عشر حتى النصف الثاني من القرن العشرين؛ استيراد لنظريات وأفكار وتيارات واتجاهات ومذاهب فلسفية وفكرية غربية والزج بها في واقع ليس لها، دون محاولة تبيئتها في بيئة ومناخ حضاريين بالغي الخصوصية. وعى المفكرون المنهمّون بقضية التغيير أن مقاربة هذه الإشكالية المزمنة تتطلّب التجهّز بمعاول فكرية أو ما يسمّيه الياس مرقص “المبضع التاريخي السياسي والجدلي”. والمبضع هو أداة تبدأ أولًا بالحفر في المفاهيم نفسها، لفحصها والتأكّد من تمكنّننا منها لنصوّب استعمالها في وجهة “التقدّم”، الذي بقي توقًا عربيًا، في حين تخطّى الفكر الغربي هذه اللازمة وانهال عليها ناقدًا صدقيّتها، مشكّكًا فيها بعد أن تحوّلت إلى عقيدة وأيديولوجيا فارغة من محتواها.

أولًا: مرقص؛ التأسيس يبدأ بالمفاهيم
الياس مرقص هو واحد من المفكّرين العرب الذي صوّب شغله الفكري نحو العمل الجاد والأصيل بهدف “الانخراط النقدي في مواجهة معضلات الفكر والواقع العربيين”. وأصالة اشتغاله تظهر على مستويين متشابكين؛ أولًا تشديده على الانطلاق من “معرفة الواقع” و”الإمساك بمعضلات التاريخ بأدوات الوعي الدقيق”، وثانيًا إدراكه أنّ رؤية الواقع وفهمه وبالتالي تغييره تقتضي “التأصيل النظري” أو “التأسيس النظري” للمفاهيم والأفكار لتخليصها من الشيئية ولاستعادتها حيويتها وديناميتها وتحريرها من ميتافيزيقا المفاهيم وتعاليها. فالحداثة يجب استدعاؤها إلى “ساحة الفكر العربي حيث يجب فتح هذه المعركة وخوضها معركة الفكرة والمفهوم والفكر”(2). فالتغيير مسار طويل يبدأ بتحديد المفاهيم.
ولكن اختيار مرقص أن يدخل معترك ضبط زحمة المفردات والنظريات، وإلحاحه على امتلاكه جاهزية “نقد الاستعمال العمومي والعشوائي للمفاهيم”(3)، لا يعني أنّه حيّد نفسه عن اقتحام جوانب الواقع العربي، ولكنّه افترض أنّ مفاتيح قراءة واقعنا والإحاطة بتعقيداته، لفهمه ومن ثمّ تغييره ووضعه على درب التقدّم، تبدأ من خلال تنقية المناظير التي تقارب حال الشعب العربي. وحتى لو كانت الأدوات النظرية والمفاهيم-المفاتيح التي يستعملها المفكرون العرب، وتلهج بها خطابات المنظّرين في الأحزاب التقدّمية تغبّ من القاموس الحداثي الغربي، فإنّ هذه المفاهيم والنظريات والأفكار تخضع لمحكّ الواقع الذي وحده يختبر جدواها وقيمة معناها أو يكشف صنميّتها وجمودها وبالتالي فقدانها وظيفتها المرتجاة في تحسين حال المجتمعات العربية. وهذا ما حصل فعلًا “إنّ الواقع العملي خطّأ الفكر النظري في نقاط عديدة، وليست دومًا ثانوية…لا يمكن أن يأتي الواقع العملي مصداقًا لكل ما جاء في الفكر النظري، ولأننا نسينا ذلك فقد زاد التناقض بين الواقع والفكر وحدث تباعد بين العمل والنظر”(4). إذًا انطلاقًا من التحت (الواقع) والتزامًا بغاية تغييره، انتهج مرقص النقد الذي تحصّن به لمقارعة “تصنيم الكلمات” ونقل المفاهيم من “الرمزية والشيئية إلى المفهومية والواقعية”(5). من هنا، فقد نافح مرقص أكبر المفكّرين العرب وحاججهم مماحكًا، لا يملّ، يحفر في أصل الكلمة ويغوص في نسب المصطلح، ويتقصّى مولده مزيلًا عنه طبقات الاستعمال والتوظيف التي تحرفه عن معناه. فتراه في كتابه “نقد العقلانية العربية”(6) يناقش مطوّلًا ومفصَّلًا ومستطردًا صادق جلال العظم وناجي علوش وبسام طيبي وبرهان غليون وآخرين، محذّرًا من سقوط المثقف في فخ توثين الكلمات وتعظيم المصطلحات وتفخيم المفردات. وهو لا يكتفي بالاستطالة الزاخرة بثقافة قارئ متعمّق تثري النص المرقصي وترفده بموسوعية صاحبها الذي احتوى عقله على علوم ومعارف وفلسفات انصهرت في بوتقة فكره المجهّز بالنقد، فتراه يسند متون نصوصه بتذييل وهوامش تضاهي النص أهمية حجمًا ومضمونًا.
يبيّن القاموس المرقصي الزاخر ولع صاحبه بالمصطلح والمفردة والكلمة، فتراه يضبطها، يقوّم استعمالها، يفرد لها علم أنساب خاصٍّ بها، يؤصّلها، ينحت، يشتق، يجتهد ويجهد في تبيين دقّة معناها. وغزيرة هي الكلمات-المفاهيم التي تلفتك وتستوقفك (الغنوزيولوجيا، التمغرب، الأشيائية، العيانية، المكاونة، التكاون، اللوات (جمع لو)، الترخنة بمعنى التأريخ، العلينة (من التعالي) Transcendantalisation، العيانية، الأسطرات، العلاقية، الثوراني، التهاوي من الهويّة، الإنخلاع والتمغرب بمعنى الاستلاب Alienation، إنفكار، المفكور أي المفكّر فيه، الفكرنة، الذهننة، المقولية، الأفرادية أي الفردية، النتوجية من النتاج والإنتاج، الإيجابوية، الدوراتي، الفكرتية، النفيية من النفي والسلب ،Negation) وربّما يذهب ذوو النفس القصير في القراءة إلى أن كثرة هذه المفردات تدخل القارئ في متاهة المصطلحات المستوردة أو المنحوتة بحجة أنها تُنبت صعوبات تبذّر الجهد وتصرف الانتباه عن المعنى السياقي العام فتحول دون تحقيق فهم النص المرقصي والإحاطة بمبتغاه. لكن مرقص يتصدّى لهذا الاحتجاج الضئيل الذي لا يصمد أمام صلابة اقتناعه بأن فوضى الرؤى النظرية أو انعدامها ناتجان عن كون واقعنا اللغوي يحتوي على أقانيم لغوية، ويعج بـ “مصطلحات غير مضبوطة، متسيّبة في الاستعمال ومع الاستعمال” وهذا ما يؤدي إلى “تضييع المفهوم” أو لفلفة المفهومية”(7). فبلاؤنا كأحزاب تقدّمية ترفع طروحاتٍ تغييريةً ناشئ من أن “لا عمل واع بالمفاهيم، لا فحص لطبيعة المفاهيم، لا جدل لا عقل”(8). والفكر الواعي أو العارف هو الذي “يعي قبل كل شيء وفوق كل شيء، أنه يستخدم كلمات، وأن يحذر كلماته أو ما يسمّيه فرنسيس بيكون أصنام اللغة، الكلمات ليست أشياء، أصنامًا، آلهة”(9). ومرقص المتحرّز من جمود المفاهيم يعي أن هكذا مفاهيم مؤقنمة لن تودي إلّا إلى “شيئية المعرفة”. وهذا النوع من المعرفة المشيّأة أو المتشيّئة أو الأشيائيةChosification منغلقة على الواقع في حين أنّ “المعرفة الحقّة في النهاية والغاية هي معرفة الواقع”(10). ولذلك فعلى الوعي العربي أن يساعد الفكر العربي في “الانتقال من الرمزية والشيئية إلى المفهومية والواقعية”(11).
ولكن ما هو معيار دينامية المفهوم؟ وكيف تندرج الكلمات في صيرورة التغيير المنقاد حتميًا برأي مرقص نحو حتمية التقدّم؟ كيف ننفض عن المفاهيم غبار الجواهر الصمّاء الساكنة؟ كيف نحرّرها من يباس المهايا المنغلقة، لنطلقها ضاجة بالحياة، ومسكونة بالواقع، ملتئمة به، ساكنة فيه وليس فوقه؟ وكيف تصير مساهمة وفاعلة في توليد المعرفة العربية المرتجاة لتحقيق الانوجاد العربي الجديد المتأتّي من التكوّن انطلاقًا مما هو قائم في الراهن والواقع والعيني المباشر، وليس ربطًا بالهدف الآمل إلى ما يجب أن يكون؟
مسألتان أو كلمتان- مفهومان تعتبران من المركزيات المفاهيمية في فكر الياس مرقص، وهما بمنزلة الأُسّ الذي بنى عليه رؤيته التقدّمية (وهو هنا يستخدم كلمة تقدّم Progres وليس تحديثًا Modernisation أو حداثة Modernite، وذلك لأن كلمة تقدّم ماركسية-هيجلية وتتناغم مع المرحلة التاريخية التي انتمى إليها مرقص، كما أنّه وبحسب مساره الرؤيوي الخاص للنهوض الحضاري لا يتوافق مع مفكّري النهضة التغريبيين على سردية الحداثة التي تبنوها، وسنأتي على تفصيل هذه النقطة في سياق هذه الدراسة). هذان المفهومان هما العقلانية والواقع أو الواقع والعقلانية، لا يسبق أحدهما الآخر لأنهما موصولان متفاعلان متواشجان، متصلان متواصلان بعلاقة جدلية لا يجدلها إلا “العقل السليم” الذي امتلك خواص الحركة والتجاوز والنفي والسلب ونفي النفي، والنقاضة وإفساد الراكد من المعارف الجاثمة على ركام الفكر الخابي والمطمئن، العقل الرابض عند فوّهة النقد والمتبرّم بزيوف السكينة الفكرية المخادعة المصادرة للواقع والحابسة له داخل تصوّراتها المدّعاة.
ليس الفكر العربي الحديث عقيمًا ولا الواقع العربي عصيّا أو منسدًّا على الدخول في طور التطوّر، لكنّه في حاجة إلى إعادة “تأسيس نظري أو تأصيل نظري” يصوّبان استخدام العقل العربي لتحريره من صنميات حالت بينه وبين الواقع. والأصفاد التي تأسر الفكر العربي كثيرة، وهي لا تقتصر فحسب على تلك الاتجاهات والتيارات السلفية (بالمعنى العام لمفردة السلف) التي توثق العقل العربي إلى تصوّرات الماضي، بل حتّى متبنّي الفلسفات والأفكار والمشاريع الحديثة والتقدّمية من ماركسيين وعروبيين لم يحترسوا من فخ اللغة الذي يحجز الكلمات في قوالب محنّطة، فيحجّرها، ويعطّل الروابط والصلات الوثيقة بين الفكر والواقع،”في ذهابنا إلى الواقع من طريق الفكر، علينا أن نحذر من الكلمات التي لدينا، فلنحذر أصنام اللغة”(12). ويلفت مرقص إلى أنّ كلمة الواقع ليست بداهة أو مسلّمة واضحة ويقينية على الطريقة الديكارتية Claire et Distincte ينطلق منها العقل في بناء مداميك التقدّم التراكمي، بل إنّ هذا الواقع بالذات مفردة غير محدّدة يشوبها الالتباس وتحجبها اللبوسات التي أتى بها المفكر العربي من كل حدب وصوب فطفق يسمّيه بمسمّيات شتّى (المادة، الطبيعة، الوجود الفيزيقي أو الفيزيائي المادياني، التاريخ…) من هنا كان على مرقص أن يبتكر منهجيته الخاصة في التعامل مع الواقع العربي لتعيينه في الزمان والمكان المعيشين بعيدًا عن الإسقاطات النظرية الطالعة من ذهن المفكّرين العرب، لذا فإنّ مرقص يشكّك بحاملي فكرة الواقع ويعود إلى فكرة الواقع ذاتها ليعاينها بنظره الناقد اليقظ والمتأهّب، وبعد تحديد المفهوم والوقوف عند معناه الحقيقي، نبحث عن المنهج والطريق المستضيئين بوضوح المفهوم وارتكازًا عليه، وهذه هي أصالة التأسيس الفلسفي عند مرقص. من هنا فإنّ مقارباته لقضايا عصره التي انعجن بها، كالنهضة والسياسة والعروبة والمجتمع والتربية وانتمائه الماركسي، انبجست من صلة مكينة بالواقع وبالإصرار على محايثته، والاقتناع بضرورة الإنصات إلى مقتضيات المعيش العربي بكل أحداثه وخصوصيته. فالعراك الفكري يبقى طواحين تناطح السراب ما لم يلتحم بالحضور الدوّام والمنغرس في تربة الواقع. ولكن قبل أن نتعرّف إلى أسلوب مرقص المتفرّد في تحديد مفاهيمه وكلماته ربطًا بالعقل والواقع، سوف نتطرّق إلى مراحل تفتّح وعيه المطهوّ بأناة ذاتٍ صبورة متعطّشة للمعرفة، شرّعت أبوابها للتيارات الفلسفية والفكرية الكثيرة، وأقبلت بشراهة على تعدّد الاختصاصات والمعارف والعلوم تعبّ منها، كافة هذه المنابع تمرّ بمصفاة عقل يفحص كل ما يتلقّاه بعين النقد، فتحصّنت هذه الذات من التشرنق داخل المدرسة الفلسفية، وتبرّمت من التخندق في تيار فكري، وتنبّهت من الانقياد والتبعية إلى غلبة النماذج المسيطرة والسائدة التي تبتر الفكر من تربته، منتقية تلاوين تشكّلها من استقلالية فكر ينقّي ويفحص ويتقصّى ويشكّك ويسائل ويتمرّد، ولكنه يبقى أمينًا لصدق حضوره لواقعه وللحظته التاريخية ولإرثه الثقافي العربي الذي انتمى إليه مرقص ولم يتبرّأ منه حال العديد من المفكرين النهضويين الذين أخذوا بالحضارة الغربية.

ثانيًا: مرقص؛ مشارب تكوّن الفكر
احتكّ مرقص بالعالم الغربي من باب طلب العلم. وعلى الرغم من إعجابه بهذه الحضارة إلّا أنه لم يغب عنه وهو العربي السوري أن للغرب قناعًا آخر يلبسه خارج تخوم بلاده فيصير مستعمرًا جائرًا. ولكنّ حسّه العروبي الفطري ومعاصرته للاستعمار الفرنسي لم يمنعا الشاب المقبل على الحياة من الإعجاب بالثورة الفرنسية. فليس كل منتج غربي ثمين يدعو للانبهار، وليس كل إفرنجي مرذول، فالثورة الفرنسية محطة تاريخية عالمية وليست محلية تستفيد من ثمارها كل الشعوب المتعطشة لقيم العدالة والحرية. فهو يقول: “كنت متعاطفًا جدًّا مع الثورة الفرنسية، وكنت أنا وغيري نلتهب حماسة عندما نقرأ جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau في وصف المجتمع الشيوعي البدائي، بأن الثمار للجميع والأرض ليست لأحد… يجب أن أكون جنديًا في جيش العدالة ومن أجل السلام والحرية والتسامح والعقل والنقد، وهذه المقولات هي التي جذبتني إلى الماركسية”(13). هذا التبرعم الماركسي من غير طريق التمدرس والتمذهب، ممزوجًا بثقافة نقدية فرنسية حيّدت الفكر الغض عن التقوقع في السكولائية الماركسية التي تصلّبت عندها الأحزاب الشيوعية العربية. والتمرّس على النقد هو ما حوّل عقل مرقص إلى مروحة نقدية طالت: المنظومة الحزبية، القومية، الثقافة الغربية، الثقافة العربية في صميمها. لا شكّ أن الماركسية شكّلت المعين الأساس الذي اغترف منه، فقرأ ماركس وفيورباخ وأنجلز ولينين وستالين. وتعرّف إلى التفريعات التي دفقت من الماركسية الفلسفة الضخمة والثرّة، واطلع عن كثب إلى تقاطعاتها بحكم الأحداث التاريخية مع الحراكات الثورية وتمفصلها مع الشيوعية والاشتراكية واليسارية. انتقد حتى نفسه المتضرّرة مع تطرّفات ستالين: “الستالينية ألحقت بتفكيري ضررًا كبيرًا…ومع ذلك آمنت بنظرياته (ستالين) السخيفة والحمقاء”(14). وفي سياق الغربلة النقدية الفطنة نفسها، وفي ما له علاقة بالحداثة الغربية التي استفاد من علومها ومنجزاتها، إلا أنّه لم يتبنّ فكرة اتباع نموذج التحديث “فالمطلوب ليس التحديث بل التأسيس، النقص ليس نقص الحداثة، بل نقص الأساس”. والتحديث المرتجى من قبل بعض المفكرّين هو”لحاق بالعالم المتقدّم وبعلومه المتقدّمة، وبالعقلنة والتنوير”(15). والعودة إلى الأساس لسبر لبناته الأولى، بهدف معاينته من أجل انتقاء الأسس التي تلائمه للبناء عليها في عملية التأسيس هو التزام بالمنهجية الماركسية التي تأبى ماديتها التاريخية التغاضي عن الشرط الواقعي التاريخي وتجاوزه. وهكذا خصّص مرقص لذاته المفكّرة والواعية والفاهمة مزاجها الخاص وفرادتها الناظرة إلى محيطها ومعطياته، فلا هو ابتهج بالغرب وهلّل له، ولا هو أُخذ بالتجربة الماركسية المتجسّدة في الحكم الشيوعي الذي تزعّمه الاتحاد السوفياتي. ولقد أطلق تصريحًا يبيّن صدق التزامه مع حرية عقله المجبول بالنقد، بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي 1956، وكان حينذاك برفقة صديقه ياسين الحافظ(16)، إذ يقول: “الكعبة سقطت” أي موسكو، ويكمل: “الكعبة الوحيدة هي الضمير…أنا لست تابعًا لأي شيء حتى لسوريا، إنّي تابع لمبدأ أعلى، لست تابعًا لعائلتي أو حزبي…المنطلق الضميري هو الذي يجعلني صبورًا، ويقول لي أنّ مسعانا يجب أن ينصبّ على التحسّن لا على صنع الفردوس على الأرض”(17). ربّما يغمز مرقص هنا من قناة مقولة البروليتاريا الماركسية بخاصّة إذا ما عرفنا رأيه غير المستسيغ لوضعية الثورة التي بشّر بها ماركس، فهي “تحوّل الأرض إلى سماء والدنيا إلى جنّة… الثورة القفزة الشاقولية إلى السماء تحمل معها السقوط حتمًا”(18). هذا لا يعني أن مرقص لا يؤمن بحتمية التغيير، وأنه بمعركته الفكرية لا يتغيّا التقدّم وتحسّن حال العرب، ولكنه يرفض اصطناع المقولات واستزراعها في غير بيئتها، لأنها ليست سوى مزايدة، “المزاودة جلبت لنا الخراب”. يصحّح مرقص النظرة، ويعيد تصويب وجهة انطلاقتها، علينا البدء من الواقع العربي، وهذا ما يسمّيه “العيانية” أي المرابطة عند الواقع والبقاء فيه والنظر من خلاله ووفق مقتضياته.
ليس أدلَّ على مرابضة مرقص عند تخوم واقعه العربي رفضه للولاءات الحزبية للرفيق الأعلى وتأليه الأخ الأكبر أي الاتحاد السوفياتي. ولكن الحسم في اشتباكه نظريًا وعمليًا وفكريًا مع الواقع بان عام 1967 بعد الهزيمة التاريخية المفصلية الكبرى أمام العدو الصهيوني، حيث قرّر تأسيس مجلة الواقع في بيروت عام 1980، ولقد عبّر عن هدف فكرة المجلة قائلًا: “وكنّا نصرّ على البعد العربي وعلى الأساس الفلسفي، وإلا ما بيمشي الحال”(19). ومرقص معجب بالمرحلة الناصرية وما نتج عنها من وعي قومي عربي تجلّى في الحركة القومية العربية التحرّرية. وهو يذهب إلى أنّ البعد العربي الذي تحتويه هذه الظاهرة هو أكثر أصالة واستجابة لواقع الفرد العربي، وهي نجحت في اجتذابه ودغدغة شعوره القومي أكثر من الأحزاب التقدّمية. فهو يقول في هذا السياق: “إنّ أكثرية الشعب مغلقة على حزبنا وعلى الأحزاب التقدّمية أو العقائدية عمومًا…في تلك الآونة كان جمال عبد الناصر قد بدأ بصفته زعيمًا حقيقيًا، إذ كان هناك أمر جديد ينبثق هو القومية العربية التحررية، مرحلة عامية وعوامية. وهي مرحلة ديمقراطية بالمعنى اللينيني، فالمجتمع الريفي المهمّش تحرّك وبدأت السياسة تخرج كونها نضالات مجتمع حديث، أي المجتمع القديم في سوريا ولبنان والعراق ومصر دخل لأول مرّة في الحقبة السياسية. هذه الظاهرة لفتتني منذ عام 1956، وكانت إحدى مكوّنات تفكيري”(20).
ولأن فلسطين رائز رئيس للعروبة الحقّة، يفرد مرقص لها كتابه “المقاومة الفلسطينية والموقف الراهن”(21). والتزامه بالقضية الفلسطينية مقترن بوعيه العروبي، وبإدراكه العميق أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو امتداد للهيمنة الأميركية واستمرار لمشاريع الاستعمار الغربي لمنطقتنا العربية، “الصهيونية العالمية تكشف أنها أداة فعّالة ومتنوّعة في مخططات الإمبريالية الأميركية الرامية إلى الهيمنة على العالم”(22). ومثل هذا المشروع العالمي الكولونيالي الهادف إلى تغيير هوية فلسطين وإزالتها لإبدالها بكيان مصطنع، خطير ويستدعي بالمقابل مقاومة شرسة وثابتة تتصدّى له، ويقول مرقص في هذا السياق: “إنّ عمق واتّساع وعنف وثبات الكفاح الفلسطيني قد قرّرته طبيعة الغزو الصهيوني الاستيطاني الرامي إلى إزالة الوجود الفلسطيني”(23). والمقاومة الفلسطينية لا تقل أهميةً وشأنًا وقيمةً عن شبيهاتها التي تخوضها الأمم الأخرى كتلك المجابهة للفاشيات، أو ملحمة الشعب الفيتنامي، وهي شرعية تمامًا كما نضال الشعب الجزائري وتصدّيه للاستعمار الفرنسي، “إن الكفاح التاريخي للشعب الفلسطيني العربي، واحد من أهم كفاحات الدفاع الشعبي الوطني والقومي في العالم المعاصر، إلى جانب كفاحات الأمم الأوروبية ضد الغزو النازي والاحتلال الألماني… والكفاح الثوري لشعب الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي”(24).
لكن ارتقاء المقاومة الفلسطينية إلى مصاف المقاومات العالمية، وتأمين شروط استمرارها من خلال العمل على تمنيعها، لا يتحقق فقط من كون هذه القضية محقة، أو من التسويغات الشرعية المنبثقة من البعد الكولونيالي الاحتلالي التوسّعي للعدو الصهيوني فحسب، وإنما يقع على عاتق الثورة الفلسطينية أن ترتّب بيتها الداخلي، وأن تتأهّب دائمًا لمنازلة وازنة، لا يصيبها العرج الذي يمكن أن يجهضها أو يؤخرها أو يثبط عزيمتها. فالمقاومة لا تستقيم بالعمل المسلّح وحده، ولا تستوي وتستمر إذا هي غذّت الجانب العسكري، وأهملت الوعي بأنّ احتلال فلسطين ونكبتها هي قضية عربية المنشأ والهويّة في الجغرافيا والسياسة والأرض، وبأنّ الشعب الفلسطيني ذو هويّة عربية في ثقافته وانتمائه ولغته وتاريخه. من هنا ولكي تطّلع المقاومة الفلسطينية بدورها التحريري والنضالي لا بدّ أن تخضع أداءها الذي راكمته للنقد والمراجعة والمساءلة، وإحدى منازل النقد المحبّبة لدى مرقص هي المصطلحات كما أشرنا. فمصطلح الثورة سيّال مفتوح على الواقع، متحرّك ومتحوّل، والأهم أنه لا يمكن الالتفاف عليه وأقنمته من خلال إسقاط مفاهيم عليه لا تندمج مع السياق العربي، ولا تجاري خصوصية فلسطين العربية، فهو يقول: “كلا لا نرفض مصطلح الثورة الفلسطينية. ولكننا لا نؤقنمه، لا نؤلهه، ولا نردده على الطالع والنازل. ونحذر من منهج “يسحب” ثورات أخرى (فيتنام، جزائر…) على “الثورة” الفلسطينية، نحذر من منهج يستنبط، بصورة واعية أو ربع واعية أو غير واعية، طريق الثورة الفلسطينية من مفهوم “الثورة” العام… من جوهر الثورة الأفلاطوني… إنّ قيمة هذا المصطلح -“الثورة الفلسطينية”- تنحصر في كونه يؤكّد كيان فلسطين وشعب فلسطين وحق شعب فلسطين”… “إنّ هؤلاء المجمعين على الثورة الفلسطينية يقولون: “الثورة الفلسطينية”، (مع التشديد على الثورة). نحن نقول: “الثورة الفلسطينية”، (مع تشديد أشد على الفلسطينية)”(25). يطلب مرقص إذن إلى حاملي لواء القضية المركزية العربية أن يحملوا سلاحًا ذا حدّين؛ من ناحية البندقية، ومن جانب آخر البقاء والمرابطة عند ساحة القتال الأساسية وهي الواقع الفلسطيني بكامل حقيقيته ووقائعه ومعطياته. لا يلحّ مرقص على النقد من أجل أن يقوّض أو يهدم أو ينسف، وإنما بهدف الوضوح، لأن الوضوح المفاهيمي يولّد الوضوح الثوري، ولتسقط كل تلك التشدّقات التي تنادي بالتقسيم، وبحل الدولتين، “ففلسطين كلّها عربية”(26). ويغور مرقص عميقًا في تاريخ العروبة العتيقة المناضلة، فهو “مع كل خط المقاومة الوطنية للغزو، من عبد القادر الجزائري…إلى سلطان باشا الأطرش، والحركة الوطنية الحديثة وأحزابها (وصولًا إلى)… عبد الناصر أيديولوجية ومعرفية، عالمية وسلام، وانفتاح وتحرر”(27).
نحن إذا أمام مفكّر حذق، حاد التفكير وجذري القناعات، بمعنى أنّ جذور خياراته الفكرية متينة ماكنة منغرسة في عقل على أهبّة النقد دائمًا، يطّلع، يتعرّف، يقرأ، يعاين، يفحص، وهو غير معني بالوصول والاستكانة والتسليم لقناعات نهائية، ولا يكرّر مصطلحات من طريق الاعتباط والتلقّف، فتصحيح المصطلح يؤدي إلى تحديد المفهوم الذي ينتج عنه وضوح في الفكرة، وسويّة في الرؤية، وحسن بصيرة في مشي درب التغيير، لكن كل هذه المسالك النظرية لا تنتظم وتكتمل وتكمل سدادها إلا في الإنصات الكامل للواقع.
هذه هي الدعامات الأساسية لفكر إلياس مرقص، وهي التي تلاقت وانجدلت وتشابكت لتشكّل الهمَّ الفكري الذي سبكت نصوصه، وشكلت الانهمام العام لاشتغاله النظري، الماركسي المورد، عربي الأفق، إنساني الانفتاح، كوني المعاني. ننتقل الآن لنفكّر مع مرقص في مصطلحي العقلانية والواقع.

ثالثًا: العقلانية من الفكر إلى الواقع
عند قراءة نصوص إلياس مرقص يلفتك جلْدَه لعشوائية استعمال اللغة والمفردات وصولًا إلى تضييع معاني المفاهيم في متاهات نظرية جوفاء. وتجويف الفكر هو إفراغه من مقدّراته وإمكانياته في التفسير ومن ثمّ التغيير بحسب المقول الماركسي(28). وإلحاح مرقص على ملاحقة صوابية المفهوم لتحديده وتنقيته من عيوب الاستخدام الطائش والمتسرّع هو وضع للعيانية الفكرية على أول الدرب الرصين والصائب لترتكز على مداميك راسخة وآمنة. فالأنساق الفكرية المحلّقة لا تستهوي الفيلسوف الذي استمدّ من ماركس منهج الجدل الذي هو قوام “العقل السليم”.
ومحك العقل السليم يتحدَّد بمدى توجهه نحو منازل الواقع بتاريخيته وشخوصه المتعيّنة، ومعايشته الدائمة والمستمرة به، ونفاده إلى “منطق الأشياء” كما هي لا كما نشتهي ونتوق أو نفترض أن تكون. فالكون والوجود والواقع والأشياء القائمة فيه هي المرتكز لتوليد الفكر والمعرفة، من هنا يرفض مرقص إنشاء “الكون الرأسي”، وتشييده الفكري المنبتر عن الكون الفعلي أو الواقعي، فهو يقول: “ثمّة وجود خارج الرأس، ويريدون كون الفكر، وينشئون من أجله كونًا رأسيًا”(29). و”العقل كلمة يجب أن تحيل مباشرة إلى الواقع والعالم، إلى هذا المجموع الذي هو خارج الرأس، فثمّة للعالم عقل، معقولية، عقالة، ولذلك فثمّة للإنسان عقل”(30). لذا يلفت مرقص إلى أن التفكّر والتفكير والانفكار والإِفكار والفكر لا بدّ أن تحضر في الوجود الذي هو أحد تجليات الواقع، تلامسه، تحايثه، تقاربه، تفعل فيه، تنفعل به، فالعالم يتطلّب فكرًا أمينًا يعبّر عنه و”المفكور” هو الشيء بواقعيته العينية المنغرسة في تربة واقعها، وليس الشيء مفهومًا متصوّرًا، “اقتراب الفكر إلى الوجود، والفرق بين مفهوم الشيء (شيء ما)، وواقع الشيء…الفكر يستطيع أن ينشئ صورة أمينة عن العالم”. وأمانة الفكر هي الواقعية أو صورة الواقع كما هو منقولة إلى العقل لتنتج المعرفة “معرفة الواقع”، والعلم أي “علم الواقع”، والفلسفة أو “التفلسف الواقعي”، “فالفكر في المعرفة يأتي إلى الواقع”، و”المعرفة هي إعادة إنتاج الواقع بالفكر”، وعملية الفكر واتجاهه ووجهته وحركته تكون صوب الواقع، و”الواقعية في رأس الإنسان العياني والمفكور، صورة الواقع الأخيرة… هي حاصل بناء فكري، نهاية وغاية عملية صعود الفكر إلى الواقع، الذي هو العالم المادي”. ولأن مقدمات بناء الفكر النظري تجد ركائزها ودعائمها في الواقع، لتنشئ مداميكها على أرضه المادية الموجودة وغير المفترضة، البعيدة عما يسمّيه مرقص “الذاتوية البشرية لفرد أو جماعة” و”الإرادوية” و “هذيان الهدف”، فإن الفكر هو ذو منحى حركي دينامي متحوّل مشروط بتغيّرات الواقع وضروراته، “فما دام الرأس يفعل فعلًا نظريًا، فالفكر في المعرفة حركة، حركة الفكر هي انفكار الحركة”(31). وهذه الأخيرة هي سمة العقل ونتاجاته وقراءاته وتأويلاته للواقع الذي لا يصحّ ابتساره في قوالب جامدة، وتجميده في ماهيات نهائية، وتخثيره في جواهر صامتة واجمة وخامدة، بل لا بدّ من أن تُلحظ في الواقع سيرورته وتحوّلاته واختلافاته، “إلا أنّ الطاغي هو الجوهر والماهية والجامد المادي والجامد الروحي، وليس بتاتًا جدل الاختلاف…وفكرة العملية أو السيرورة أو السير البسطي التحوّلي processus”(32).
والجدل Dialectique هو أداة العقل، وصلة الوصل بين الذهن البشري وعقل العالم، والناظم لحركة الفكر، والموجه لبوصلته نحو الواقعية وأشيائها ومنطقها، “الجدل قائم على مسلّمة أولية؛ للعالم عقل، للواقع منطق، لذلك يوجد تاريخ”(33). واضح استمداد مرقص مقولة الجدل كمنهج وكطريقة العقل لمقاربة الواقع من ماركس، وهو يصرّح بأخذه عن الماركسية قائلًا: “التوتر الجدلي بين الواقع والفكر هو نقطة الانطلاق في الماركسية، بل في الديالكتيك”(34). ومع توسيط الجدل بين عقل العالم وعقل الإنسان تتبلور تجليات الواقع وظهوراته ويصير أكثر تحديدًا وتعيّنًا، ونصير قادرين على تسميته، التاريخ، المجتمع حيث الوجود الإنساني المندرج في الزمان والمكان، وحيث يمارس الإنسان والبشر نشاطهم فتنضح كينونتهم من خلال تفاعلهم مع بيئتهم وفعلهم فيها أو ما يسمّيه مرقص “الكينونة الاجتماعية” أو “المجتمع كعمل وتعامل وعلاقة وموصولية مع العالم والإنتاج مع جملة العمل والتعامل، كينونة حرّة وصيرورة”(35). إن السيرورة والصيرورة الحاصلتان ضرورة لا بدّ منها، تجرفان معهما حركة الفكر كما حركة العالم والوجود. وهذه الحركة المضادة للثبات لا تتلاءم مع صنمية المفاهيم وجوهرانيتها بل وتدحضها، “المجتمع مفهوم، هوية وكينونة تاريخية. المجتمع ليس مقولة بديهية، التاريخ أو التقدّم، التقهقر أو الركود، تابع لواقع ومنطق واقع”(36). وهنا لا بدّ من التنويه بفرادة مرقص الذي لم يؤخذ منساقًا وراء أنشودة التقدّم التي تغنّت بها الحداثة الغربية، وافترضتها قاعدة وقدرًا. فمرقص فيلسوف يتنبّه من الوقوع في التناقض المفاهيمي أو الازدواجية المفاهيمية، لأن مفهوم الحركة الذي يلحظه طبيعة في جريان الوجود الإنساني، ليس بالضرورة أن يسير بخطوات إيجابية نحو الأمام، “فالتقدّم خير مبدئي، وهذا لا يعني أنه إله خير علينا أن نعبده، أن نركن إليه. هناك تقدّم، وهناك تقدّم إلى الهاوية”(37). ويسهب مرقص مشكّكًا في فكرة التقدّمية والسخرية من “المدنية المزعومة” في كتابه “الماركسية والشرق”(38). إنّ ما يلزم الفكر بالحكم على حركة التاريخ والمجتمعات هو واقعها كما هو كائن وليس كما نتمنّى أن يكون.
وإن كان مرقص يتمسّك بالجدل، فلأنه الطريقة المثلى المنجية للعقل من الانزلاق نحو خمول المفاهيم وتعطيلها كما يفعل “المذهب الجوهري” الذي يذهب “ضد المذهب العقلي”. “ففكرة الجوهر… تشوّه مبدئيًا ونهائيًا المعرفة، ولا سيّما المعرفة التي تريد إرشاد العمل… مذهب الجوهر يلغي هذه المعرفة”(39). فالهدف من انتهاج العقل إذًا لمنهج الجدل هو استقراء معرفة طالعة من الواقع الاجتماعي- التاريخي، ونابتة فيه، ليس بهدف تطويقه ضمن فكرة أو مفهوم أو معرفة أو علم أو فلسفة ذات منحى نظري تأويلي وتفسيري فحسب، وإنما منوط بهذه الأشكال الفكرية أن تبتكر أدوات إرشادية للعمل والفعل في الواقع من أجل تغييره. ولكن انتقاء المسلك العقلي الصائب ليس بالأمر السهل، بخاصة عندما تكثر الطرائق الفكرية والنماذج العقلية والصيغ العلمية المتنطّحة إلى إبانة حقيقة الواقع وجلاء كيفية تكوّنه، والإنصات إلى وقع الحركة في المجتمع والتاريخ. ولكن ليس كل مذهب فكري يزعم أنه يخاطب الواقع، فإنه يصيب منه الصدق والحقيقة. ويورد مرقص في هذا السياق الوضعوية أو الوضعانية positivisme التي ابتهج بها الفكر الغربي الحداثي، وتوّجها خلاصة المعارف ونصّبها معيارًا فصلًا، ومحكًّا قاطعًا لإطلاق الحكم على تنويعات المعارف الكثيرة، حتى الماركسية تشبّهت بها واستعارت منها إهابتها بالمادية كمعطى فاصل ويقيني ودامغ على استقامة المعرفة وصدقها، “المادية هي شرود الماركسية وانحرافها صوب العلموية”(40). لكن الوضعوية وكافة التيارات المادية والعلمية ومنها الماركسية بارتكازها على المادية أو الماديانية، بدّدت العنصر الأكثر فعالية في الفكر وهو النقد وطاقاته الخلاقة التي تبقي العقل نابضًا حيًّا متأهّبًا. وهذه الطاقة هي التناقض والنفي أو النفيية والسلب ونفي النفي، “العقل يتضمّن فكرة النفي السلب، الجدل هو بحكم التعريف جدل النفي أو النفيية، إذا بالتالي وكنتائج: بسط، تقدّم، نمو، تحوّل، تعاقب، تجاوز”(41). والفكر عندما يضيّع مقدرته على النفي يؤول إلى أيديولوجيا، لأنه ينتهي إلى خلاصات باتّة نافذة ومسدودة أو منسدّة على النقد ومتعالية عليه. ويستهجن مرقص نكوص الماركسية إلى ما قبل النقد قائلا: “الماركسية… استغنت عن النفي فكرة وكلمة. لم تعِ وحدة المنطق والجدل… وتحت سلطات المادية… انتكست إلى ما قبل النقد… وتحوّلت هي بتمامها إلى أيديولوجيا… تحوّلت إلى وضعوية… وتصوّرت أن العلمية هي العقلانية المتقدّمة وأن الماركسية، بل الأيديولوجيا الماركسية الطبقية الثورية هي المعرفة العلمية”(42). إذًا فإن كل عقل مستغنٍ عن الجدل الذي يؤمّن له مقدرة النفي هو عقل منتكس، شبه عقل، ولا بدّ من تخليص مفردة العقل من عشوائية الاستعمال، ومن كثرة شيوع التفاخر بامتلاكها، والتبجح بالمشي على دربها، فهي تارة الوعي وتارة الروح أو الوجدان، حتى أن البعض خلط بينها وبين الخيال، بينما بالنسبة إلى مرقص، “الجدل بحصر المعنى هو العقل مقيمًا الحدَّ على العقل السليم، ومتّهمًا دوغمائية الحس السليم والإدراك الحسي وملحقاته”(43). فالجدل يزعزع يقينيات العقل العادي، ويضع العقل السليم على مشرحة النفي الناقض والمتجاوز للأحكام المسبقة، ليولّد عقلا سليمًا جديدًا يحمل هو الآخر قابلية الرفع والسلب وهكذا دواليك، “العقل السليم (مجموع الأحكام المسبقة) These، العقل بلا سليم Antithese ينقض ويطوّع ويحوّله إلى عقل سليم جديد Syntheseومتقدّم على العقل السليم السابق… فالجدل هو جهاد المعرفة أو هو المعرفة كجهاد”(44). وكل الفتوحات المعرفية والعلمية والفلسفية هي “نقض للعقل السليم بالعقل”، ولكلّ منا عقله المستعدّ للتعثّر والسقوط في عقله السليم المشحون بالباطل الفكري، “الحزب الديني، الحزب الماركسي، الحزب القومي، الحزب الليبرالي… ليس فقط دوغمائية الأشياء هي أسس لهذه القاعدة العامة، بل العلوم نفسها تخلق هي أيضًا عقلها السليم الوثني. لا أحد منا بمعصوم من هذا الضلال…”(45).

رابعًا: مرقص؛ النفي ضد دوغمائيات المذاهب والأحزاب والأفكار والمفاهيم
بعد أن نفقه طريقة عمل العقل العاصم للفكر من الانحسار والضحالة والانزواء في أشكال صورية ناجزة من المذاهب والنظريات والاتجاهات والمدارس الفكرية، وبعد أن نبقي عقلنا على أهبّة النقد القادر على القفز عن المسلمات، والتشكيك بالثوابت أيًّا كان مصدرها، وبعد أن نتجهّز بالعدّة العقلية التي لا ترضى الركود والسكون، يصير هذا النهج النشط والمثابر بالنسبة إلى مرقص مشروعًا لتطبيقه على الدوغمائيات، والفلسفات والمشاريع الفكرية كافة التي تجمّدت في أيديولوجيات مكرورة وجوفاء، تفتقر إلى البعد الجدلي الذي يوثّق علاقتها بواقعها، ليس لتبرّره أو تسوّغه، أو لتحوّله إلى مادة للخيال المرتجى، بل لتنغرس فيه ولتنفذ إلى داخله، تستقرئه كما هو، ولتجتهد بعدها باحثة عن سبل تغييره انطلاقًا من خصوصيته وراهنه. وهكذا يطبّق مرقص هذا المبدأ الراسخ الذي التزم به فكرًا وممارسة، على قناعاته وتوجهاته الفكرية الماركسية والحزبية أولًا، فيبدأ بنفسه، ومن ثمّ على العقلانيات الكثيرة التي اطلع عليها، ولا سيّما العقلانية العربية، فينفر من تلك التي تؤول إلى صيرورات كاذبة وأهداف خائبة، لأنها قفزت عن الواقع وعُميت عن حقائقه بحجة أنها تتغيّا تحقيق الأهداف، فتغلّب وهي تمتطي صهوة التسرّع وتتعجل الوصول، الهدف على حساب الواقع ومعطياته الموضوعية، “ثمّة هوّة بين الواقع والهدف… لا بدّ من دراسة الشروط الموضوعية… متنقلًا من الشروط الموضوعية إلى الجملة الواقعية… المطلوب معرفة الواقع، معرفته كجملة حيّة ككل متناقض”(46). فقه التناقض ضروري لسبر أغوار الواقع، للابتعاد عن التسطيح والاختزالية والتجزيئية والتبسيطية والذرائعية والتبرير المغرض والمضلل للسلطات بأشكالها كافة حتى العلمية منها.
كيف طبّق مرقص هذا النهج من النقد اليقظ على قناعاته الفكرية؟ وكيف حاكم من خلاله العقلانية العربية؟ وكيف تخلّص عبر حسّه النقدي المتبرّم من الاطمئنان الفكري أو الدهشة الآخذة بلب العقل، من نوازع التبعية والانقياد الفكريين نحو الغرب وحداثته؟
اعتاش الفكر المرقصي على النقد الذي صار عنده بمنزلة مقصلة تترصّد كيفية مقاربة القضايا الفكرية والسياسية والاجتماعية والقومية بخاصة تلك التي راجت وبرزت في تلك المرحلة، أي الماركسية والقومية. فلقد بدر عن اعتناق مريدي هذه الأفكار، ابتذال في طريقة فهمها وبالتالي في صنوف ممارستها، أودت بها إلى اختزالها في ثنائيات مثنوية، “وثنية ومانوية القاموس”(47)، وشوّهتها من خلال جرّها إلى استعمالات شيئية بعد أن عطّلت حيوية مفاهيمها وأفرغتها من قابليتها للتفاعل مع أشكال الواقع العياني والمشخص. فهو يأخذ مثلًا على الماركسيين تمسّكهم بثنائية (بروليتاري/برجوازي)، ويرفض مقابلة مفهومي: الثورة والتقدم، وذلك لأن تحويل هذه المفاهيم إلى مقاييس اعتبارية ومعايير ثابتة للتفسير والفعل يفوّت على الفكرة في الذهن الاستفادة من التوتر الجدلي مع الواقع والاغتناء منه، لأن الأساس عند مرقص هو تكوين الفكرة في الذهن، “ففي الدنيا يوجد تكوّن”، أي أن الأفكار والمفاهيم والنظريات ليست خلاصات ناجزة ومقفلة، بل هي منفتحة على التكوّن من خلال مماحكتها لمنعرجات الواقع في أشكاله التي لا حصر لها. فمدى صوابية الفكرة مرتهن لصلاتها بالواقع، وهذه العلائقية (واقع/فكرة) هي المنظار الذي على أساسه “ينبغي إعادة النظر، ومراجعة كل التجربة (الماركسية) منذ ما قبل الثورة، ومنذ ماركس وحركة العمال، كان ينبغي استئناف عملية اكتشاف الواقع”(48).
وفي كتابه “الماركسية والشرق”، يعرض مرقص لأزمة الماركسية في نسختها العربية، ويصفها بالمدرسية والدعائية والصورية الشكلية، لأنها لم تُعنَ بردم الهوّة بين الواقع والفكر، فهو يقول: “إنّ الواقع العملي خطّأ الفكر النظري في نقاط عديدة، وليست دومًا ثانوية. ولا يمكن أن تسير الأمور على نحو آخر. لا يمكن أن يأتي الواقع العملي مصداقًا لكل ما جاء في الفكر النظري. ولأننا نسينا ذلك فقد زاد التناقض بين الواقع والفكر، وحدث تباعد بين العمل والنظر. تحوّلت الماركسية من نظرية الممارسة الإنسانية إلى لاهوت عاجز، تحوّلت من حافز للبحث والعمل إلى عائق… وفي البلاد العربية بلغ الانحلال الذرائعي والمدرسي والدعائي الذي أصاب الماركسية، درجة لم يبلغها في أي مكان آخر من العالم”(49).
لم يفقه الماركسي العربي الماركسية كعدّة نقدية ثورية، ولم يستزد من جهازها المفاهيمي القادر على إمداده برؤى وأدوات نظرية وعملية يتوجه بها إلى واقعه وبيئته الاجتماعية والتاريخية. بل اجتر الماركسي العربي مصطلحات الماركسية ومفرداتها، وردَّدها كأمثولة مطلوبة منه للحفظ والاجترار والتكرار، وأحيانًا للتبجح اللفظي. هذا الأخذ الأعمى المنقاد بالانتماء العقائدي، والتبعية الأيديولوجية منع الماركسي من إجراء فحص نقدي للماركسية غير المنزهة عن الأخطاء والزلات والتعثرات والشطحات والنواقص، فيصير إذاك ماركس إلها، يتمتم المؤمن به والمنضوي في دين الماركسية تعاويذها وتمائمها، ويلهج لسانه بمفرداتها كأقانيم لا يمكن المسّ بها. ويورد مرقص في هذا السياق: “إن مصيبة الماركسية مع الماركسي الذي قرأ مؤلفات ماركس وأنجلز ولينين ولم يجد خطأ فيها، مصيبة فادحة، وأفدح منها مصيبة الماركسية مع الماركسي الذي يؤمن بصورة قبلية بألَّا إمكانية للخطأ في مؤلفات ماركس وأنجلز ولينين. يريدون أن يجعلوا من ماركس وأنجلز ولينين آلهة”(50). إن التلقف الاجتراري لنصوص هؤلاء الفلاسفة، وإعادة صياغتها وتوليدها وتهجينها في كتب تنسخها نسخًا، بحيث لا تبذل الجهود الفكرية التنظيرية لمقاربتها وفقًا للواقع العربي ببعديه التاريخي الاجتماعي، “يجعلنا نشك في أن فوائد هذه الكتب ذات الطابع المدرسي الشعبي، تفوق أضرارها… بينما يقوم فريق من الماركسيين الجدد بنقل أحدث مكتشفات الفكر الماركسي المستقل، وهم وقرّاؤهم يجهلون كلاسيكيات الماركسية…”(51). وكما أنّ مرقص يوجه سهام نقده لمن لا يُبيّئ الماركسية، ويهيّئ لها أرضًا لاحتضانها وتوطينها من خلال الحراثة التنظيرية الجدّية والموضوعية المستندة إلى تربة الواقع، كذلك فهو لا يقبل قول من يورد حججه عن عدم ملاءمة الماركسية لعالم الشرق، كونها “بنت الغرب”، “فالماركسية بنت الغرب، تلك حقيقة بديهية، والماركسية بنت الغرب وصلت إلى الشرق وتفاعلت معه وباتت تحرك الشرق وتحرك العالم أجمع”(52). فالماركسية هي حتمًا وحسمًا “نظرية التطور والمتطورة أبدًا” وهي “نظرية الممارسة الإنسانية الثورية”، لذا فهي صالحة لكل زمان ومكان، ولكل شعب ومجتمع، فقط علينا أن نحسن استيرادها وأن نبتكر معها تعاطيًا جدليًا مفتوحًا على حسن الاستخدام وصوابية التوظيف من خلال الاعتماد على ما تفرزه الممارسة لأنها بنت الواقع والمحتكّة معه والملتصقة به، “إن الممارسة مصدر النظرية ومادتها، ومحكّها ومعيارها، وغايتها ومآلها، هي ممارسة الشرق وممارسة العالم أجمع”. لذا “علينا أن نسعى إلى عرض الماركسية ككل إلى استيعاب جوهرها ومنهجها وآلية عملها ونظريتها العامة”(53). وحده الجدل يمكن أن يكون مرشدًا للعملين النظري الفكري، والثوري التغييري العملي، لأنه يدلّنا على كيفية قراءة الماركسية في ضوء أسئلة الحاضر العربي.
وإذ يعترض مرقص على مثنوية المفاهيم الماركسية، فإنَّه يدحض كل فكر يحدّ حركته بين الثنائيات ويجعلها عالقة بين تجاذباتها، ويشهر احتجاجه على “مانوية ومثنوية القواميس البشرية، حيث تبقى فكرة العقل مخصية”(54). وهو ينهمّ بخصاء العقلانية العربية المتأرجحة بين ثنائيات: غرب/شرق، أصالة/معاصرة، ماضي/ حاضر، تحديث، حداثة/تقليد، انحطاط/تقدّم، ركود/نهوض. ويقول مرقص ناقدًا تقييد العقل العربي إلى هذه الثنائيات: “قبل مدّة غير طويلة، كنا مع فكرة الركود والنهوض، مع مقولة الانحطاط والتقدّم بحجة أن هذه الثنائيات فيها تبسيط، وهي كذلك قطعًا، لذا انقلب كثيرون عليها. بدلًا من أن يفحصوا الكلمات والواقع… من تبسيط إلى تبسيط، من تسرّع إلى تسرّع، من الفكر الماركسي والقومي إلى الفكر الديني… من ادّعاء إلى ادّعاء. لا فكر، إنّ عيب الفترة السابقة كان من بين جملة أمور اكتفاءها بمقولات عامّة شبه لفظية…”(55). فكيف أخضع مرقص العقلانيات العربية المجمّدة منذ عصر النهضة في مثنوية التقليد والحداثة، لمطحنته النقدية التي لا تستكين والتي لا تني تجرش كل ما تصادفه في طريقها؟

خامسًا: العقلانية العربية؛ انفصام بين الفكر والواقع
خير بداية نستهلّ فيها التناول النقدي المرقصي للتفكّر العربي الحديث والمعاصر هو المساءلة الجذرية، “هل الفكر العربي فكر؟”. فقبل أن يستنطق الفيلسوف السوري ذو الهويات المتعدّدة واللامتحددة، الواقع العربي المطموس والمُوارى تحت ثنائيات الأيديولوجيتين “الماركسية التجريدية الإقليمية، والأيديولوجيا القومية الفارغة والعاجزة عن تحقيق أهدافها”، يجذّر مرقص نقده ليلامس قاع العقل العربي وليصدّع بنيته المنعطبة المشلولة عن الحركة، والمغلولة إلى منطق الفقه، “هل الفكر العربي فكر؟ هو فقه؛ فقه قومي فقه ماركسي فقه ثوري… مسيّس دومًا… الفقه يتصوّر أنه هو الفكر. الفقه قوامه: مبادئ، تطبيقات، أصول، فروع…”(56). الفقه لا يبتكر، لا ينشط، لا ينفي ويتجاوز بل يتحجّر، لا يحاجج بل يكفّر، لا يصغي للواقع بل يتعلّق بالصنمية مهما كان شكل تجسّدها وتمظهرها، لا يصعد ويهبط ويتوتر وينفعل، بل يمشي في خط ثابت دوغمائي لا يحيد عنه. ولأنه فكر متصلّب يفتقر إلى الدينامية، فهو لا يسلك مسالك الابتكار التي تعود عليه بفائدة التجديد، وعلى الواقع بجودة القراءة، لاستجلاء صدق مفاهيمه التي من شأنها أن “تعكس الخصائص والملامح العامة للعالم المادي”. من هنا أهمية التأسيس وتغليبه على التحديث. الفكر العربي غير مؤسس على أعمدة تغرسه في واقعه، ولا يملك جذورًا تصير نبتات تتغذّى من تربة حاضره وراهنه، المجبولة بتاريخ مشبع بخصوصية اللغة والتراث والثقافة والدين والخصائص بعامة. وقبل تهافت المفكرين العرب على هذا أو ذاك من المشارب الفلسفية والمنابع الحضارية، عليهم أن يأسسوا لعقل عربي جدلي، يعمل كمصفاة تنقّي وتختار وتصطفي وتقبل وترفض، وتتقن جدلية الانفتاح والانغلاق بحسب ما يتواءم مع نسيج واقعها، وبحسب ما تقوّي علائق صلاتها بمجتمعها وبمشكلاته.
وربما يفاجئنا الموقف النقدي المرقصي من الحداثة الغربية، وهو الذي سافر إلى أوروبا ونهل من علومها، وأجاد لغاتها، وعبّ من ثقافتها، وتخصص في معارفها، وتبنّى أكبر فلسفاتها وأفكارها. وعلى الرغم من إعجابه بالعلم والفلسفة الغربيين، فهو يصرّح قائلا: “أنا لست من حزب العلمية، بل من حزب الحقيقة، لست من حزب السوربون والحداثة المعاصرة، بل من حزب الكلاسيك ومن حزب التأسيس”(57). وفي الوقت عينه يبدي مرقص إعجابه بذخائر التراث العربي الذي يشتمل على مقوّمات وعناصر وأصول وبذور يمكن سقايتها لتنمية غرسات القومية العربية، التي علينا أن نجتهد في ابتكار منهج لبلورتها وصقلها وإعادة بنائها بهدف تأصيلها، للحفاظ على أصالتها، ولإنقاذها من ثقافة الأصولية الماضوية المنتكسة إلى عهد بائد مناف لمنطق التاريخ وهو يحذّر من الأصولية التي تضعنا رهائن الماضي وتطمس الحاضر: “لسوء الحظ في حالتنا الحاضرة، كلمة أصولي هي أيضًا ضيّعت المعنى! صارت شدًّا ماديًا نحو ماضٍ مستحيل”(58). وردًّا على المنكرين على العرب تراثهم وإرثهم يذكر مرقص: “العرب كان عندهم لغة أدبية قومية، أنشأوا علومها، ربّما أعظم بناء من نوعه في تاريخ الحضارات الكبرى جميعًا”(59). وهو إذ يشيد باللغة العربية كحاضنة لإبداعات العرب، وناقلة لموروثهم الحضاري، وحافظة لنتاجهم العلمي والمعرفي، ولكنّه يحذّر من الانجراف صوب تقديسها، لأن التقديس يضيّق الخناق عليها، يمذهبها، “هي قومية؟ هي إسلامية؟ ما مبرّراتكم؟ ما براهينكم؟ من دين، من علم من عروبة، من ماذا؟ من جاهلية، من وثنية، من عجز، من تعويض؟”، إضفاء بعد عنصري على اللغة يحدّ من انفتاحاتها، يغلق دونها نوافذ الاستزادة والتطوّر، يلغي عنها صفة الكونية التي تتمتّع بها كل لغة، “فلغات آدم متساوية في الحق. هذا مستوى أساسي. الأكثر أساسية لغة قوم مع بيئة مناسبة لهذا القوم، والبيئة هي الجغراتاريخية، المجتمع، العيش، وإنتاج العيش”… لذا فإنّ الفكر العربي عن اللغة يحتاج إلى أمور عديدة: الوعي الفلسفي، الوعي التاريخي، الوعي الألسني”(60). يولي مرقص الاهتمام للغة أوّلًا لأن الفكرة بالنسبة إليه تبدأ بالكلمة، والمفهوم يتوضّح بلغته، فالاتجاه دائمًا يكون من”الكلمات إلى المفاهيم، من اللغة إلى الفكر…اللغة وسيط بين الفكر والواقع”. و”الوعي الزائف هو انحطاط اللغة وجمودها”(61). ينفرد مرقص هنا بسعة أفق تفكيره، ورحابة نظرته التي من خلالها يقيّم الثقافات والديانات من ضمن نطاقها الخاص، وبحسب مضامينها وخصوصيتها، وليس مقارنة بثقافة أو حضارة أخرى كما تفعل الحضارة الغربية التي تصنّف ثقافات الآخرين وتعليها أو تبخسها حقّها، تحقّرها أو ترفعها، تنبذها أو تقرّبها بحسب نموذجها الخاص الذي تفترضه الأعلى والأكثر تطوّرًا وتقدّمًا، والذي يجب ان تلحق به وتتبعه الشعوب الأخرى.
وفي سياق نقده الحضارة الغربية، ينبّه مرقص إلى أنّه يجب أن ننظر إلى الغرب من خلال نظرة شاملة كلية، تلمّ بالجوانب كافة فلا تقتصر نظرتنا إليه على جزئية واحدة وهي الحداثة بنتاجاتها العلمية والفلسفية. ولا يغيب عن ابن سوريا المحتلّة من قبل فرنسا في مرحلة عايشها مرقص، الوجه الاستعماري للغرب الأوروبي. ويلحظ الماركسي العروبي العلاقة الوطيدة بين الوظيفة الاستعمارية التوسّعية للغرب، وتعاظم الرأسمالية، فهو يقول: “الوجه الآخر لفتوحات الغرب الأوروبي، الترابط بين صعود الرأسمالية والتوسع الاستعماري في العالم، الوجه الآخر للحداثة أي الاستعمار والتوسّع الرأسمالي”. وهو يشير متعمّقًا في طبيعة النظام الرأسمالي المتغوّل والذي لا يعرف حدودًا، بل ينتشر ويتمدد ويستشري “ليس في أوروبا وحدها كنظام أوروبي صرف، بل هي تتولّد وتنمو في العالم ومن العالم كنظام عالمي… والوليد الرأسمالي ينمو يوميًا من المتروبولات والمستعمرات، إنّ الرأسمالية الأوروبية هي نظام عالمي”(62). من هنا يدعو مرقص المفكرين العرب المأخوذين ببريق الحداثة الغربية، إلى اعتبار الاستعمار والتوسّع الإمبرياليين كأحد أهم مسببات التأثيرات السلبية التي يلحقها الغرب بعالمنا العربي. وهو يطعن من باب هذه الانعكاسات المدمّرة لحروب الغرب التوسّعية ضد عالمنا الشرقي- العربي، بثيمة التقدّم التي يحمل لواءها كعقيدة يتولّى نشرها وفرضها على بقية الأمم الأخرى، ويقيم باسمها حروبه وفتوحاته وتوسّعاته، “القرن العشرون يشهد حربين عالميتين مع جرائم كبيرة وأزمات متنوّعة… التقدّم يوضع في السؤال والطعن. هذا حقّه واستحقاقه… لا يوجد تقدّم، التقدّم أكذوبة أيديولوجية”(63).
وإن كانت الويلات التي جرّتها حروب أوروبا الداخلية والخارجية، تضع الحداثة الغربية موضع التشكيك وإعادة المراجعة، فإنه بالنسبة إلى مرقص، حتّى النتاج الحداثي الغربي الفلسفي والفكري ليس موضع إعجاب بتاتًا، بقدر ما يخضع كغيره للنقد الهادف إلى التأسيس. وهو يكتب منتقدًا التيار التغريبي الذي لهث للحاق بأوروبا فيقول: “… إذ يتصوّر جميعهم أن مصيبتنا تكمن في أننا لم نلحق بأوروبا. أنا لا أريد أن ألحق بأوروبا، أريد أن أقيم الأساسات وأعمّقها فحسب. أنتم تركضون وراء ميشيل فوكو وجاك دريدا، أي أنكم تركضون وراء ورقة غصن الشجرة، أنا أريد الشجرة وأريد الأرض وتهمّني الجذور، وتهمّني الشجرة كلّها وليس أغصانها وحدها”(64).
لا ينتصر مرقص لأحد من الفريقين الذي يزيد انقسامهما وتموضعهما على طرفي نقيض الهوّة المتسعة أو البون الشاسع، المسبّبين لشرخ بنيوي في العقلانية العربية ككل. هذان الفريقان هما”الإسلاميين الميراثيين وفريق العقلانيين التقدميين، الثوريين، العلمانيين، العلمويين”(65). فالفريق الأول “لم يصفّ حسابه مع الماضي” و”القاتل الأكبر هو الماضي” و”حيث التحوّل نحو أشباح الماضي هو حكاية قبيحة وقاتلة”(66). والفريق الثاني يتغنّى بمفردات: الثورة والليبرالية والديمقراطية والتقدّم والعلمانية، دون أن يؤمّن لها أرضية جماهيرية واقعية في مجتمعاتنا، “المثقف العربي… يريد ديمقراطية من دون قاعدة جماهيرية… الليبرالي العربي يمكن أن يتحوّل إلى ما يشبه الفاشيستي على قاعدة النخبوية ذاتها… انشطار الوعي العربي وانشطار المجتمع العربي إلى اثنين؛ تقليد وحديث”(67).
يدعو مرقص إلى الابتعاد عن منطق التحيّز لفكر ما، وإلى عدم التخندق في مذهب فلسفي ما، وإلى التقصّي في كل فكر عن بعده الكوني والإنساني والكوكبي والعالمي. “فالفكر عالمي، ينتمي إلى الإنسان ككلّي مجرد وكعالم وأمم. الفكر؛ الليبرالي، القومي، الماركسي… الإسلامي في جوهره عربي وغير عربي، ولا يمكن فهمه من دون العالم… الفكر الإسلامي عالمي، وليس حكرًا على العرب…”(68).
لا يحرّض مرقص المنتمين إلى أيّ من الفريقين على أن يترك قناعاته ويستبدلها، أو أن يغيّر تموضعه الفكري والنظري، ولكنّه يلفت إلى ضرورة اعتماد مناظير فكرية لحيازة القناعات، مستندة إلى النقد وليس إلى الاعتناق العشوائي والاعتباطي. فلا ضير بأيِّ فكرة نضعها في عالمنا الرأسي، شرط أن نغربلها ونشرّحها ونتعمّق فيها قبل إدخالها إلى ذهننا كقناعة ما. والشرط الآخر هو أن نسأل دائمًا عن مدى اتصالها بالواقع، وكيف ستساعدنا في فهم راهننا من دون أن نقفز عنه، فننتهي إلى هوامات فكرية ونظرية لا قيمة فعلية لها ولا ترشدنا إلى تحسين مجتمعنا، كما أنه يجب دائمًا أن نربط النظرية بالممارسة الثورية الاجتماعية، وألا ننبتر عن سياقنا الثقافي المشدود إلى تاريخ، شئنا أم أبينا ممهور بثقافة وتراث خاصّين.

خاتمة
قليلون ربّما من يقدرون على البقاء في منطقة الخطر في عالم الفكر، والخطر نابع من عدم الركون والنفور من الاطمئنان، والبقاء في وضعية متعبة للرأس ولكنها تؤدي به إلى الطريق المنجية له من صدأ الاعتناق العقائدي الدوغمائي، “حيث يفترض الصفر كمنطلق، أي التجرّد والأمّية الروحية، الصحيفة البيضاء العقلانية، وذلك ضد المباشرة بالقبض على حدّ من الحدود ثمّ الركوع لهذا الحد الذي يتضخّم ويستطلق أي يصير مطلقًا”(69). إنّ المطلقات الفكرية هي القاضية على أيِّ عقلانية تختار أن تقعد مدحورة مذمومة بين أسيجة الماضي المشتهى والمنتظر، حيث العودة إليه خلاص، أو أن ترهن نفسها إلى عقلانية غريبة عنها، لا تحصل منها سوى على إيقاع لفظي فارغ من مضمونه. بينما العقلانية المرتجاة هي التي تتكاون أي تؤسس نفسها على التكوّن اللحظي المنشد إلى الواقع، والتكوّن هو تشكّل الفكرة وتبرعمها ونموّها وترعرعها في بيئة مناسبة ومؤاتية، فتصير إذّاك ممهّدة للتغيير المنشود. وإحدى لحظات التكوّن وانبناء الفكرة وتأسيسها تتركّز في حذاقة استعمال اللغة وتخيّر الكلمات. لذا لا يني مرقص يحذّر “من تصنيم الكلمات وتأليهها… الحذر من التصنيم… يجب إقامة الحد على الكلمات”(70).
ممتعة هي مجاراة مرقص في سباحته الفكرية العميقة والمتقنة. تتعلّم منه كيف تبقي ذهنك قيد السؤال المفتوح دائمًا على الانفجار في وجه الدوغمائيات الفكرية التي يسقط فيها الفكر العلموي كما الديني. لا مشكلة إن لم تقتنع، فمحاولة الوصول حتى وإن طالت أفضل من الوصول حيث استكانة الفكر وتعثّره بما وصل إليه، وانتهائه في قوقعة قاتمة ومظلمة. جميل أن تبقى مرتبطًا بخيط الماضي شرط ألا تلفّه حول رقبتك فتموت في غابر السلف، بينما مطلوب منك أن تلتقط خيط الماضي لترسّخ قدمك في الحاضر وفي واقعك وليس في واقع هجين غريب. جميل أن تعشق لغتك، أن تنضح شغفًا بها يجعلك في حالة بحث دائمة عن أصول كلماتها، فتصير مطواعة لديك كمادة قابلة للاشتقاق والنحت والابتكار. حبّ اللغة العربية، ليس من حيث كونها أداة الشعراء فحسب، فهي تستطيع أن تشكّل نواة بناء فلسفة عربية يقظة، تربط دائمًا ما بين مفرداتها وواقع الإنسان العربي، الذي لا بدّ أن يجد يومًا ما مفرداته الضالة التي تقوده إلى مفاهيم- مفاتيح يفقه بها واقعه، تمهيدًا إلى تغييره نحو الحرية والعدالة.

المراجع: مؤلفات الياس مرقص

1- الماركسية والمسألة القومية، دار الطليعة، بيروت، 1970.
2- تاريخ الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي، دار الطليعة، بيروت، 1964.
3- الماركسية في عصرنا، دار الطليعة، بيروت، 1965.
4- العقلانية والتقدم، المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط، ط1، 1992.
5- الماركسية والشرق، دار الطليعة، بيروت، 1968.
6- نقد الفكر القومي عند ساطع الحصري، دار الطليعة، بيروت، 1966.
7- نقد العقلانية العربية، دار الحصاد، دمشق، 1997.
8- المذهب الجدلي والمذهب الوضعي، نشر بعد وفاته عام 1991، ولم يذكر مكان النشر أو دار النشر.
9- المقاومة الفلسطينية والموقف الراهن، دار الحقيقة، بيروت، 1971.
10- في الأمة والمسألة القومية، دار الحقيقة، بيروت، 1971.
11- الماركسية السوفياتية والقضايا العربية المعاصرة، دار الحقيقة، بيروت، 1973.
12- الماركسية اللينينية والتطور العالمي والعربي، دار الحقيقة، بيروت، 1970.
13- نقد الفكر المقاوم؛ عفوية نظرية في العمل الفدائي، دار الحقيقة، بيروت، 1970.
14- طلال نعمة، إلياس مرقص؛ حوارات غير منشورة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2013.
15- نظرية الحزب عند لينين والموقف العربي الراهن، دار الحقيقة، بيروت، 1970.
16- جاد الكريم الجباعي، حوار العمر، أحاديث مع إلياس مرقص، دار حوران، دمشق، 1999.
17- موضوعات إلى مؤتمر اشتراكي عربي، دار دمشق، دمشق، 1963.
18- الحزب الشيوعي الفرنسي وقضية الجزائر، دار الطليعة، بيروت، 1959.
19- صفحات مجهولة من تاريخ الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان، مع محمد علي الزرق، دار الدراسات العربية، بيروت، 1960.
20- في الفكر السياسي (مع ياسين الحافظ وجمال الأتاسي وعبد الكريم زهور) وهو في جزءين، وله فيه مقالة بعنوان “الستالينية والمسألة القومية، بالإضافة إلى مقالة أخرى معنونة ب”حول تداعي النظام البرلماني”، دار دمشق، دمشق، 1963.



هوامش الدراسة:

1 – المفكر والفيلسوف السوري الياس مرقص من مواليد اللاذقية (1927). بعد أن حصل على البكالوريا (1946)، سافر إلى بلجيكا في بعثة تعليمية ودرس في جامعة بروكسيل حيث احتكّ بالشيوعية والماركسية وتعرّف إلى أفكار الثورة الفرنسية. عاد إلى دمشق ليعمل في مجال التدريس بعد أن نال إجازة في علم الاجتماع والتربية (1952). في عام 1955 انتسب إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري، ولكنه ما لبث سوى سنتين حتى 1957 حيث اختلف مع خالد بكداش زعيم الحزب آنذاك، وانتهى الخلاف إلى فراق بسبب رفضه النهج الستاليني وكامل المرحلة السوفياتية المروّعة في تلك الفترة. وكان قد بدأ العمل في الكتابة والترجمة، لكن المحطة الأهم في حياته هي التقاؤه بياسين الحافظ التي أنتج معه وبرفقة مجموعة باحثين كتاب “في الفكر السياسي” وتركّز مضمونه على كشف الانحرافات التي طالت الماركسية نتيجة الممارسة الخاطئة للنظرية. أسّس مجلة الواقع (1981) في بيروت، ومن ثمّ مجلة الوحدة (1984) في الرباط، وكتب في مجلات كالفكر العربي ودراسات. عُرف بنقده الماركسية العربية والقومية والعقلانية العربية، وألّف في هذا النقد كتبًا سنأتي على ذكرها في الهوامش أو في آخر الورقة. وكما التأليف اجتهد مرقص بالترجمات الغزيرة. انظر: طلال نعمة، حورات غير منشورة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2013.

2 – الياس مرقص، العقلانية والتقدّم، ص8

 3- المصدر نفسه، ص16.

 4- الياس مرقص، الماركسية والشرق، ص10.

5 – الياس مرقص، العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص21.

6 – – المصدر نفسه.

7 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص32.

 8- نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص349.

 9- العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص24.

 10- المصدر نفسه، ص7.

11 – المصدر نفسه، ص7.

12 – المصدر نفسه، ص17.

13 – طلال نعمة، حوارات غير منشورة، مصدر سابق، ص34-35.

14 – المصدر نفسه، ص39.

15 – الياس مرقص، العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص13.

16 – ياسين الحافظ: مفكّر سوري من مدينة دير الزور. بدأت أولى اهتمامات الحافظ الثقافية والسياسية من خلال مشاركته في التظاهرات والنشاط المدرسي وفي جريدة الحائط المدرسية حين كان طالبًا ثانويًا في مدرسة “تجهيز الفرات”. التحق بكلية الحقوق في الجامعة بدمشق، وانتسب إلى حزب البعث عام 1949 وانفصل عنه عام 1950. اعتقل بسبب رأيه عام 1966، وبعد إخلاء سبيله انتقل إلى بيروت، فباريس، ثم عاد إلى بيروت بعد نكسة 1967، وعاش فيها حتى وفاته في سنة 1978.تشبّث بالمبادئ والأهداف القومية المتمثّلة بالوحدة العربية وتحرير فلسطين ةالقضاء على الاستعمار وبالاشتراكية العلمية وبالماركسية اللينينية. عمل على تعريب الماركسية أي تحقيق اندماجها في حركة الجماهير العربية خلال الممارسة الثورية، طرح باكرا مفهوم العلمانية ووعى ارتباطها بالمجتمع المدني وبالديمقراطية ونادى بالقومية الحديثة أو الوطنية. ظلّت كتابات ياسين الحافظ ةالياس مرقص محظورة في أوساط الشيوعيين، حتّى أعيد لكاتبيها الاعتبار بقرار من المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي السوري الموحّد عام 1966. (هذه المعلومات مقتبسة من: جاد الكريم الجباعي، ياسين الحافظ معاصرًا: سيرة ذاتية وفكرية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ديسمبر 2014، بتصرّف) 34

17 – طلال نعمة، حوارات غير منشورة، مصدر سابق، ص96-97.

18 – الياس مرقص، العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص11.

19- طلال نعمة، حوارات غير منشورة، مصدر سابق.

20 – المصدر نفسه، ص82.

21- الياس مرقص، المقاومة الفلسطينية والموقف الراهن، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، ط1، نيسان،1971.

22 – المصدر نفسه، ص15.

23 – المصدر نفسه، ص14.

24 – المصدر نفسه، ص13.

25 – المصدر نفسه، ص24-25.

26 – المصدر نفسه، ص17.

27 – إلياس مرقص، في نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص149.

 28- المصدر نفسه.

29 – المصدر نفسه، ص 115.

30 – المصدر نفسه، ص 39.

31 – المصدر نفسه، ص121.

32 – في نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص146.

33 – المصدر نفسه، ص184

34 – الماركسية والشرق، مصدر سابق، ص14.

35 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص39.

36 – – المصدر نفسه، ص93. 

37 – المصدر نفسه، ص98.

38 – أنظر الماركسية والشرق، ص185.

39 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص52.

40 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص55.

41 – المصدر نفسه، ص46.

42 – المصدر نفسه، ص48.

43 – المصدر نفسه، ص40.

44 – المصدر نفسه، ص41-42.

45 – المصدر نفسه، ص42.

46 – المصدر نفسه، ص180-179.

47 – نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص85.

48 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص154.

49 – الماركسية والشرق، مصدر سابق، ص10. 

50 – المصدر نفسه، ص13.

51 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص22.

52 – المصدر نفسه، ص18.

53 – المصدر نفسه، ص17-19.

54 – المصدر نفسه، ص55.

55 – الصدر نفسه، ص155.

56 – المصدر نفسه، ص14.

57 – – المصدر نفسه، ص109.

58 – نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص87.

59 – المصدر نفسه، ص27.

60 – نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص142- 145.

61 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص 28.

62 – الماركسية والشرق، مصدر سابق، ص184-186.

63 – نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص89.

64 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص45.

65 – نقد العقلانية العربية، مصدر سابق، ص349.

66 – المصدر نفسه، ص99.

67 – العقلانية والتقدّم، مصدر سابق، ص11.

68 – المصدر نفسه، ص17-18.

69 – المصدر نفسه، ص180.

70 – المصدر نفسه، ص17.

 

 

 

 

 

مشاركة: