منظمات المجتمع المدني السوري في قلب المخاطر؛ مواجهة زلزال 6 شباط 2023 نموذجًا

هذا البحث

يحاول البحث إضاءة دور منظمات المجتمع المدني -هذه التجربة الجديدة في حياة السوريين- في التصدي لنتائج زلزال شباط/ فبراير 2023 الذي ضرب جنوب تركيا، وشمال سورية، وأفعالها الرائدة، على الرغم من إمكانياتها البسيطة! ويقتضي البحث الإجابة الموجزة، عن أسباب الفواجع التي تخلفها الزلازل في مثل بلادنا، وأهمها عجز الإنسان عن التنبّؤ بوقوعه، على الرغم من التقدم العلمي وأدواته، ويتخذ البحث نموذجه من خلال وقائع عينية رصدتها أعمال منظمات الدفاع المدني (الخوذ البيضاء ، وفريق ملهم، ومنظمة أريج الإغاثية، إضافة إلى وحدة دعم الاستقرار، وعموم المتطوعين أفرادًا وفرقًا) ويبرز البحث روح الاندفاع الوطني والإنساني التي تجسدت تعاونًا خلاقًا وعملًا جادًا دؤوبًا، إنقاذًا وإغاثةً، وصولًا إلى النتائج وما ترتّبه على المجتمعات المتضررة، والدول المعنية.

خطوات البحث

أولًا: مقدمة عامة

ثانيًا: تعريف موجز عام بظاهرة الزلازل، استنادًا إلى علم الجيولوجيا.

ثالثًا: دور منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) وفريق ملهم، ونماذج من منظمات الإغاثة، والحملات الشعبية التطوعية، فرقًا وأفرادًا، في العمل الإنساني.

رابعًا: خاتمة

أولًا: مقدمة عامة

بداية لا بد من الإشارة إلى أن منظمات المجتمع المدني في سورية هي منظمات حديثة العهد، وتجربة جديدة في مجتمعها، وعلى الرغم من أنها نشأت خارج موطنها، على عكس ما تقول به شروط إنشائها، إلا أنها شكلت حالة خاصة بروحها الشبابية، وبتنوع ميادين عملها، وبالوعي متعدد الأوجه الذي تكتسبه، وما يعوَّل عليه في بناء سورية المستقبل، ولعل تجربة كارثة الزلزال الموجعة تبين مدى أهمية هذه المنظمات في بناء الدولة الحديثة، وخاصة في سورية، التي أرهقها زلازل الاستبداد أكثر بما لا يقاس من زلزال الطبيعة.

وما يزال الإنسان يواجه أخطارًا طبيعية شديدة التأثير في مستلزمات حياته وممتلكاته، وتفرض أعباء على بني الإنسان في أنحاء الأرض بما تخلّفه من أحزان وندب جراح لا تندمل.

وإذا كان الإنسان قد استطاع التنبّؤ ببعض تلك الأخطار، ما ساعده على التقليل من أضرارها، واتقاء شرورها، فإنه لا يزال عاجزًا أمام انعدام قدرته على التنبؤ بالزلازل، فيظل عرضة في بعض المجتمعات لأضرارها المتعددة سواء ما تعلق منها بتهديم الأبنية أو بتخريب البنية التحتية في المدن فتؤثر في سبل حياة الإنسان وعيشه. فضلًا عما تختطفه من أحياء رجالًا ونساءً وأطفالًا. على الرغم من كل ما توصل إليه الإنسان، من تقدم علمي وتكنولوجي، وما امتلكه من أدوات عالية الجودة، ذات جدوى لدى استخدامها. لكن عنصر المفاجأة يبقى تأثيره أشد ًاخطرًا. الأمر الذي يفرض على الدول، ومنها تحديدًا، الواقعة على خطوط الزلازل، مهمات وقائية إضافية، تأخذ في الحسبان كل ما ذكر، وخاصة الأبنية. وإذا كان هذا البحثُ يُعنى بالزلزال الأخير المنوه عنه، فإنَّ تركيزه على الجانب السوري، وخاصة في مناطق الشمال. فمؤسسات الدولة التركية، وبما تمتلكه من قدرات، وأدوات قد تصدت لأخطاره. حيث وقوعه في تركيا على الشعبين التركي والسوري. ولأن منظمات المجتمع المدني قد أدت دورًا مهمًا، ومن بينها منظمة “الدفاع المدني” (الخوذ البيضاء) التي كان لها دور ريادي في مواجهة نتائج الزلزال، على الرغم من افتقارها للآلات والمعدات الضرورية. فتوجهت بنداء إلى المنظمات المختلفة التي قدمت ما لديها، ومن بين ذلك رجال أعمال وفصائل عسكرية، ومنظمات إغاثية، وكل منها سد جانبًا ما. فجاء العمل متكاملًا ليساهم في تخفيف آلام الناس، ويلبي بعض حاجاتهم، ومن تلك المنظمات نأخذ نموذجين هما “فريق ملهم” ومنظمة “أورانج”، وثمة مساهمة لمنظمة مدنية عامة، هي “وحدة دعم الاستقرار”، إضافة إلى فرق تطوعية كثيرة من جيل الشباب بذلت جهودًا مهمة في مجال الإغاثة إضافة إلى حملات التبرع (الفزعات) التي انهالت بكثرة من مدن الباب وجرابلس وإعزاز، وصرفت على تأمين وقود للآليات وأماكن لإيواء الناس الذين غدوا في العراء. ولوازم أخرى من غذاء ولباس ودواء، ونقل إلى مناطق آمنة. وقليل من المال، في مثل تلك الأوقات، يسد فجوات حياتية لها أهميتها. ويوثق البحث ما جرى بشهادات حية عن واقع العمل الإنساني الهائل ومشاهدات فردية، ووقائع إنسانية لها تأثيرها في النفوس ونرصد ذلك بالوثائق والأرقام والفيديوهات.

ثانيًا: تعريف موجز عام بظاهرة الزلازل، استنادًا إلى علم الجيولوجيا

الزلازل قديمة جدًا وأتت على مدن كثيرة فمحتها عن الوجود. وأن القرآن الكريم أتى على ذكر الزلازل، في إطار عظة للناس، وحضّهمِ على العمل الطيب، وتذكيرهم بأن الحياة الدنيا قصيرة، وبقرب وقت الحساب، وأن الحياة الأبدية آتية. “يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليرَوْا أعمالَهم فمن يعملْ مثقالَ ذرةٍ خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.”[1] ولتأكيد حتمية يوم القيامة. “وأنَّ الساعة آتيةٌ لاريب فيها، وأنَّ اللهَ يبعثُ مَنْ في القبور.”[2]

إنَّ معرفة ماهية الزلازل علميًا تسهِّل أعمال التصدي له. فالزلزال، حسب خبراء الجيولوجيا، هو “اهتزاز شديد، وحركة مفاجئة في القشرة الأرضية، يحدث في مناطق الصدوع بين الصفائح التكتونية التي يتكون منها الغلاف الصخري للأرض.”[3] وتتحرك فوق طبقة الستار (الوشاح)، مسببة ضغطًا على صخور القشرة الأرضية، ما يؤدي إلى تشكُّل الصدوع، وحدوث الزلازل.”[4] والزلازل أربعة أنواع منها ما ينجم عن حالات طبيعية، ومنها ما تسببه أعمال الإنسان في عمق القشرة الأرضية وهي:

“أولًا: التكتونية، وتحدث عندما تتكسر القشرة الأرضية بسبب تأثير بعض القوى الجيولوجية في الصخور والصفائح التكتونية، فتحدث فيها تغيّرات فيزيائية وكيميائية، وتُعدّ من أكثر أنواع الزلازل شيوعًا. ثانيَا: البركانية، وهي الناتجة عن القوى التكتونية وتحدث بالتزامن مع حدوث النشاط البركاني. ثالثًا: الانهيارية، هي زلازل صغيرة الحجم، والتأثير، وتسببها الموجات الزلزالية الناتجة عن انفجار الصخور تحت سطح الأرض! وتحدث في الكهوف تحت الأرض أو المناجم. رابعًا: الانفجارية وهي الزلازل الناتجة عن انفجار جهاز نووي أو كيميائي. ويُسمّى المكان الذي يبدأ منه الزلزال مركز الزلزال، ويُمكن الشعور بالزلازل (خلال حدوثها طبعًا) على بعد مئات الكيلومترات أو آلافها، من موقع حدوثها”[5].

ما الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سورية؟!

يعود السبب المباشر للزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، وشمال غرب سورية في الساعة 4،17 الرابعة وسبع عشرة دقيقة من صباح الإثنين في 6 شباط/ فبراير 2023 إلى الصدع الكبير الذي أحدثه تصادم الصفائح التكتونية الأناضولية (شرق الأناضول) والأخرى العربية. ويُعَدُّ من أقوى الزلازل في تاريخ كل من تركيا وسورية. فقد بلغت قوته على مقياس ريختر 7،8 درجة ودام 1،58 دقيقة وثمان وخمسين ثانية، وكان قريبًا من سطح الأرض، ما يعني إطلاق كمٍّ هائل من الطاقة تعادل مئات القنابل الذرية، في حين بلغت الهزة الارتدادية، أو الزلزال الثاني الذي وقع بعد تسع ساعات فقط، 7،5 درجة. وأخذ الزلزالان ضحايا بشرية قدَّرتها “إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” بـ 45،089 ألف وتسع وثمانين وفاة مساء الجمعة 24 فبراير 2023. وإذا ما أضيف إليها الوفيات في سورية البالغة 5.914 آلاف وتسعمئة وأربع عشرة وفاة، يصبح العدد الإجمالي 51،003 ألفًا وثلاث وفيات، وبذلك يتجاوز عدد المصابين الـ 120 ألفًا، وانهيار 160 ألف بناء!”[6] أغلبها وقع في مدن أنطاكيا ومرعش التركيتين، وجنديرس السورية في أقصى شمال مدينة عفرين، قريبًا من الحدود السورية/التركية. و”أوضحت مجلة “إيكونوميست” البريطانية، أنَّ زلزال تركيا كان أحد أكبر الزلازل على الإطلاق، وأكثرها كارثية، نظرًا لعدة عوامل تحت الأرض أبرزها قوته، مع أقوى هزة ارتدادية ناهيك بأنه حدث على عمق (11) ميلًا ما يعادل (17.9 كيلو مترًا) من سطح القشرة الأرضية، وبالقرب من المناطق السكنية”[7]. وأوقعت الهزات الارتدادية التي أخذت تتالى، على الرغم من ضعفها، رعبًا آخر مولِّدَة عند الناس تصوُّرًا يوحي بدوام الحال، ما شكَّل قلقًا لدى الكثيرين وحالًا من “الفوبيا”، إذ غدت أية حركة، أو صوت في هذه الزاوية من البيت الذي يسكنه، أو تلك هاجس خوف دائم. وهكذا فضلت الأغلبية، على الرغم من شدة البرد، البقاء في الشوارع والحدائق. أو في المساجد والمدارس أو في السيارات، إن وجدت، وفي غير ذلك من الأماكن العامة التي فتحت أبوابها في تلك الأوقات.

وعلى الرغم من هول الزلزال بحسب وصْفِ علماء الجيولوجيا وخبراء الزلازل له، وكما أكدته الوقائع على الأرض. وعلى الرغم من مفاجأته المعنيين من سياسيين وسواهم، وإصابتهم بشيء من الدهشة، والذهول إلا أن أعمال مجابهة أخطاره، كانت على قدر المسؤولية، وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات، ونقص المعدات، فقد كان للعمل الجماعي، ولفزعة الشعب في داخل البلاد وخارجها، سواء في تركيا أم في سورية، قوة في شحذ الهمم، وبعث روح الحميَّة الوطنية والإنسانية التي خففت، شدة وطأة الزلزال، وقسوتها.

ثالثًا: دور منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) وفريق ملهم، ونماذج من منظمات الإغاثة، والحملات الشعبية التطوعية، فرقًا وأفرادًا، في العمل الإنساني

دور منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)

“الدفاع المدني السوري المعروفة بـ: (الخوذ البيضاء) هي مؤسسة إنسانية، تكرس عملها في مساعدة المجتمعات في سورية، وقد بدأت في عام 2013 عندما التقى عدد من المتطوعين من الانتماءات كافة معًا مستجيبين لنتائج قصف النظام السوري الجوي والبري على المدن والبلدات السورية، ولسد الثغرات الحاصلة بسبب سحب الخدمات الحكومية الأساسية مثل الإطفاء والرعاية الصحية! ويتكون فريقنا الآن من (3300) متطوع ومتطوعة، يعملون في جميع المناطق السورية التي يمكنهم الوصول إليه. ويسعى الفريق لإنقاذ حياة الناس، ومساعدتهم على التعافي من تأثير الحرب، والكوارث الطبيعية، وأنقذ الفريق حتى الآن نحو 127 ألف شخص في الزلزال الأخير. وكنا قد فقدنا 304 متطوعين، أغلبهم كانوا ضحايا قصف استهدفهم النظام في أثناء إنقاذهم المدنيين من تحت الركام”.[8] وقسم تقرير المنظمة استجابتها إلى عدة مراحل توزع عليه العمل وفق ما يلي:

1- مرحلة الاستجابة الأولى

خلال الأيام الأولى كان التركيز على الاستجابة الطارئة وإنقاذ العالقين وانتشال الجثث، وكانت فرق المنظمة تسابق الزمن لإنقاذ الأرواح تحت الأنقاض. ويلاحظ أن التقرير أتى على ذكر الأرقام الكلية لكنه لم يذكر تفصيلاتها بالكامل إذ أهمل الأرقام ما دون المئة لا لقلتها فحسب، بل لتناثرها على عشرات القرى والمنازل وتوزع أعضاء المنظمة عليها.

حالات الوفاة

بلغ عدد الوفيات في شمال غربي سورية 2172 وفاة، بينهم الكثير من النساء والأطفال وأغلبهم من مدينة جنديرس/عفرين وعددهم 517 ومن مدينة حارم/ إدلب 363 ثم مدينة الأتارب/حلب 235 تليها سلقين /إدلب221 ثم بلدة أرمناز/إدلب 155 وبلدة عزمارين/إدلب 140. وبذلك يكون التقرير قد أغفل، بحسب الرقم الكلي أعلاه، نحو 541 حالة وفاة، موزعة على عشرات القرى.

الإصابات

أما ما دوَّنه التقرير من إصابات فقد بلغ نحو 2950 مصابًا جرى إسعافهم. وقد توزعوا على النحو التالي: 831 جنديرس و328 الأتارب، و258، سلقين، وبسنيا غرب إدلب 215، وحارم 210 وأرمناز 200 وعفرين 170 وعندئذ تأخذ الأعداد بالانخفاض تدريجيًا وصولًا إلى حدود مئة مصاب لتنتهي بأقل الأعداد، وبواقع 5 إصابات. وواضح أن المنطقة الجغرافية التي عملت فيها المنظمة هي ريفا إدلب وحلب.

الأبنية المدمرة وتوزعها

بلغ عدد الأبنية المدمرة كليًّا أكثر من 580 بناء، وعدد الأبنية المنهارة جزئيًا، تجاوز 1570 بناء وهذه الأرقام تمثل فقط توثيق فرقنا، ومازالت الفرق مستمرة بعملية التوثيق. نذكر نماذج من توزعها. العدد الأكبر من المباني المدمرة كان في مدينة جنديرس إذ بلغ 200 مبنى مدمر كليًّا و500 مبنى جزئيًّا، وفي مدينة سلقين 50 مبنى مدمرًا كليًّا ونحو 300 مبنى متضرر جزئيًّا، تليها بلدة أرمناز 30 مبنى مدمرًا كليًّا و15 مبنى مدمرًا جزئيًّا، وطاول التدمير الأبنية الطابقية التي تتألف من 4 طوابق. وتضررت مبان في مدن سرمدا والأتارب وملس وبسنيا وحارم والدانا، وتصدع الآلاف منها التي تشكل خطرًا على ساكنيها. وعلى ذلك فقد أصبح أكثر من 50 ألف عائلة بلا مأوى، وطرقاتٌ مغلقة، وبنى تحتية خارج الخدمة. وجبال من الركام.

2- مرحلة الاستجابة الثانية

قُدمت المساعدة إلى الناجين للتعافي وتجاوُز تأثيرات الكارثة! وشكّل ذلك تحدِّيًا حقيقيًّا في ظل ظروف صعبة تعيشها المنطقة عبر إزالةِ الأنقاض وإعادةِ تدويرها، واستخدامها لتجهيز مخيمات إيواء مؤقتة للناجين من الزلزال، ومستشفيات ميدانية، لعلاج آلاف الجرحى. إضافة إلى إنشاء مخيماتِ إيواء للمصابين الذين بحاجة إلى رعاية طبية، لم تبخل بها الكثير من المتطوعات.

3- إزالة الأنقاض

وضعت المنظمة خطة متكاملة لتنفيذ عمليات إزالة الأنقاض، وتم التنسيق مع المجالس المحلية لوضع محدِّدات تأخذ بالحسبان أوليَّة البدء بالأبنية الواقعة داخل النطاق العمراني التي كان لها تأثير في حياة المجتمعات، والانتقال إلى أبنية تأثيرها محدود. والتزمت المنظمة محددات قانونية تحفظ حقوق مالكي العقارات المهدمة، وممتلكاتهم، فشكلت لجنة متخصصة حصلت على تفويض من الأهالي، ومتابعة تسليمهم أماناتهم، ومفرزات عملية إعادة التدوير.

ويجري تنفيذ الأعمال وفق منهج صديق للبيئة، يضمن تسريع عمليات رفع الأنقاض بما يخفف تبعات وجودها داخل الأحياء السكنية، ويساعد على إعادة تأهيل البنى التحتية، وإعادة تدوير الأنقاض آخذين بالحسبان المعايير المتعلقة بالمخاطر البيئية، واستخدام الأنقاض على نحو أمثل لا يحمل أية أضرار مؤثرة في البيئة. وتمكنت فرق المنظمة خلال شهرين من إزالة 140 ألف متر مكعب من الأنقاض، وفتح أكثر من 50 كم من الطرقات المغلقة.

4- خدمات مراكز الإيواء

عملت فرق الدفاع المدني في مدن دارة عزة، وأريحا، وإعزاز على تجهيز مراكز لإيواء المتضررين بالتنسيق مع المجالس المحلية في المناطق المشار إليها، تضمنت تجهيز موقع الخيام ونقلها وتركيبها وتسهيل الطرق المؤدية إليها لضمان تأمين الخدمات اللوجستية بيسر وسهولة وبلغت مساحة الأرض التي جُهزت لإيواء المنكوبين نحو 146 ألف م2. وقامت المنظمة بتزويد مراكز الإيواء ضمن مناطق (إدلب، كفر يحمول، أريحا، وكفر تخاريم) بمياه الشرب المعقمة ومن الآبار المعتمدة لضمان عدم تلوثها بالكوليرا وغيرها من الجراثيم. بالإضافة إلى تأهيل خطوط للصرف الصحي لتخديم مراكز الإيواء في بلدة الغزاوية بريف عفرين وبعض مراكز الإيواء بريف إدلب الغربي، وإغلاق مواقع عمليات الحفر، بعد تركيب خطوط الصرف الصحي، وحفر جُوَر فنية ضمن مراكز إيواء مؤقتة في مدينة جنديرس وريفه.[9]

فريق ملهم التطوعي

يعرِّف السيد “عاطف نعنوع”[10] “فريق ملهم” بقوله:

تأسس فريق ملهم التطوعي بمبادرة من مجموعة طلاب جامعيين في الأردن عام 2012 وكانت المبادرة بسيطة، لكنها كبرت، ففي العام 2015 رَخَّص الفريق في تركيا موقعًا إلكترونيًا يعتمد على التبرعات الفردية، لا على تمويل منظمات، أو دول. وفي العام 2016، حصل على ترخيص في فرنسا، وفي العام 2018 في ألمانيا والسويد وكندا وفي 2023 في أمريكا. ولدى الفريق اليوم 110 موظفين و350 متطوعًا. ويعمل الفريق، بعد أن نال ثقة الناس، بميزانية مناسبة، هناك أكثر من (125000) ألف متبرع على نحو دوريٍّ.

يعمل الفريق في شمال غرب سورية، وهو فريق ثوري، يقوم بحملات استجابة إلى أوضاع إنسانية سيئة (قصف، حصار) ولديه سرعة في التعامل مع الطوارئ، فهو مستقل القرار ما يعطيه حرية الحركة، وقد لمس الناس ذلك خلال الزلزال الأخير، فبعد ست ساعات فقط، كنا نقدم مساعدات: (معدات، مازوت، مواد أساسية للمشافي.) ودعمنا أفرادًا وأسرًا بمبالغ مالية في شمال سورية كانوا بحاجة لها، وآوينا عددًا من العائلات في التجمُّعات السكنية التي كنا، أصلًا، نوزعها على الناس. فتحنا خطًا ساخنًا مع إدلب وإعزاز. أطلق الفريق بعد حدوث الزلزال بثلاثة أيام، حملة بث مباشر باسم: “قادرون”، جمع تقريبًا 13 مليون دولار خلال أسبوع! كما استقبل تبرعات عينية من تركيا ودول العالم.. في الأيام المقبلة سنبدأ بمشروع بناء 2000 منزل سكني لتعويض المتضررين بعد أن أنجزنا أعمال الدراسات والتخطيط، ولدينا فريق هندسي لديه خبرة واسعة.

أعمال الفريق في الشمال السوري[11]

تركز الدعم الأولي لـ “فريق ملهم” على إنقاذ العالقين، فجرى دعم فرق الإنقاذ في الدفاع المدني بالمحروقات، ومعدات الحفر وسوى ذلك. لأجل متابعة العمل الأهم، والأصعب، والأكثر جدوى. وبالطبع وزَّع الفريق وجبات غذائية يومية في أماكن العمل.

جرى تأمين أكثر من 1700 عائلة متضررة قدِّم لها مأوى في الشمال السوري من خلال مراكز تجمعات الإيواء وتخديمها. وتأمين تنقلات للمنكوبين والمرضى، بالتنسيق مع المشافي، ومراكز الإيواء على الخط الساخن. وتضمنت المساعدات الطبية في الشمال السوري أعمال الإسعاف والعمليات الجراحية العاجلة، وتأمين وقود لتشغيل المراكز الطبية والمشافي، والعيادات المتنقلة وتزويدها بالمواد الطبية (تخدير وأدوية ومستلزمات العمل الجراحي ومنها الجراحة العظمية).

وساهم فريق ملهم بتقديم خدمات طبية أخرى: مستهلكات للعمليات العينية، الأجهزة والمعدات الطبية، كراسي عجزة ونقالات إسعاف، إنشاء محطة لتحلية المياه في مشفى غسيل الكلى، وتقديم أغذية ووجبات لمرافقي المرضى. ومن أهم ما أنشأه الفريق في مدينة جنديرس المنكوبة نقطة طبية ضمت أطباء وممرضين يعملون على مدى 24 ساعة.

قدم الفريق مساعدات إنسانية تمثلت بحلول سريعة، فوزع سلل طوارئ لأكثر من 16,800 عائلة. إضافة إلى مساعدات نقدية مباشرة، وتأمين مواد تدفئة للمتضررين، وأكفان للضحايا.[12]

وعلى الرغم من تأثير الزلزال السلبي في الشمال السوري، فإن فريق ملهم راض عما قدَّمه من خدمات واستجابة فورية أنجزها متطوعو الفريق في الساعات الأولى من الزلزال، وخلال الهزات الارتدادية التي استمرت عدة أيام. وكانت الكارثة صاعقة على المتضررين المهجرين في شمال سورية وجنوب تركيا، وعملت معظم المنظمات باستمرار في مجال إغاثة المتضررين[13].

وحدة دعم الاستقرار/ والاستجابة الطارئة لكارثة الزلزال

وحدة دعم الاستقرار منظمة مدنية غير ربحية. تأسست عام 2018 تعمل على تعزيز استقرار سورية من النواحي الاجتماعية كافة (الخدمية، الإنسانية، الأمنية، السياسية)، عبر مشاريع الخدمات والحوكمة، وبناء السلام وتعزيز الديمقراطية.

استجابت كوادر “وحدة دعم الاستقرار” منذ الدقائق الأولى للكارثة، بإمكاناتها المادية، ومعرفتها الواسعة بالمناطق التي تأثرت بالزلزال، ومن خلال علاقاتها بالسلطات، والفعاليات المحلية المختلفة وتمثلت الاستجابة بإجراءات طارئة وسريعة يمكن تلخيصها بما يلي:

أولًا:

أ- تنفيذ اجتماع طارئ لكوادرها في فروعها ومكاتبها كافة، داخل سورية وخارجها. ووضعت خطة طوارئ سريعة خصصت موازنة طوارئ أولية.

ب- فتح قنوات تواصل مباشرة مع المجالس المحلية والسلطات والفعاليات في المناطق المتأثرة بالزلزال شمال غرب سورية.

ج- جرى تنظيم قاعدة بيانات بالأضرار البشرية والمادية والحاجات الطارئة للمناطق كافة، وسجلت البيانات الرقمية المباشرة وفق ما يرد الوحدة من نقاط الاتصال في كل المناطق المنكوبة أو المتأثرة. وكانت البيانات تُحدَّث يوميًا وتُنشر على المعرِّفات الالكترونية العامة.

د- قيام فرق وحدة دعم الاستقرار بجولات ميدانية طافت المناطق التي ضربها الزلزال ووقفت على حجم الأضرار البشرية والمادية ونوع كل منها، وعقد اجتماع ميداني مع المجالس المحلية والفرق التطوعية للتحقق من المعلومات والبيانات الواردة وتأكيدها ضمن قواعد البيانات[14].

ه- تنفيذ اجتماع في مكتب وحدة دعم الاستقرار في مدينة اعزاز بحضور منظمات إنسانية ومنظمات من المجتمع المدني ومشاركتها في تنظيم العمل، وتوحيد الجهود والتنسيق عبر خريطة تفاعلية أنشأتها الوحدة بهدف توضيح أنشطة كل منظمة، والمواد التي تقدمها وأماكن العمل حتى تصل المساعدات لمستحقيها على نحو عادل لتكون قاعدة البيانات موحدة.[15]

و- عقد اجتماع تنسيقي في مجلس جنديرس للسلطات المحلية، والمنظمات الإنسانية، ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات لتنسيق العمل وتوحيد الجهود أيضًا.

ثانيًا: على الصعيد الميداني

– قدمت “الوحدة” محروقات لعدد من الآليات المُتبرَّع بعملها لرفع الأنقاض. كما قدمت المساعدة اللوجستية لنقابة المهندسين الأحرار للكشف عن المنازل المتضررة.

– زيارة أماكن الإيواء الجماعي، والمخيمات المحدثة، وتقديم مبالغ نقدية للعائلات المتضررة ولدور الأيتام. وقدمت “الوحدة” أدوية ومستلزمات طبية للنقاط الطبية في المخيمات المستحدثة.

– جرى تقديم الخيام لعدد من مخيمات الإيواء للعائلات المتضررة بالزلزال. وكذلك لعائلات في مدينة جنديرس/ منطقة عفرين. وبنينا كتل حمامات في المخيمات والتجمعات المحدثة في كل من جنديرس وإعزاز.

– استئجار سيارات صهاريج مياه شرب متنقلة في مدينة صوران وتوزيعها بشكل مجاني للعائلات التي تأثرت بالزلزال.

– إعداد قائمة بأسماء الصحافيين والإعلاميين المتضررين من أجل تقديم مساعدات طارئة لهم. إنارة المخيمات عبر تركيب أعمدة إنارة بالطاقة الشمسية.

– إقامة لقاء للمانحين الدوليين في مدينة إسطنبول بالتعاون مع الدفاع المدني وهيئة التفاوض السورية لعرض الإحصائيات وحجم الأضرار الناتجة من أجل حشد دعم دولي لمتضرري الزلزال. ا وما تزال وحدة دعم الاستقرار تعمل على تنفيذ خطتها للاستجابة الطارئة لكارثة الزلزال من خلال:

• توسيع قواعد البيانات لديها في رصد الأضرار في المرافق العامة والبنية التحتية والخدمية للمناطق كافة وتقويم الحاجات اللازمة لإعادة تأهيلها.

• الاستمرار في تلبية الحاجات الإسعافية الطارئة بشكل مباشر للعائلات المتضررة وبكافة أشكالها وفق ما تقتضيه الحالة

• التواصل والتنسيق المستمر مع الأطراف الدولية المهتمة في التدخل وتقديم الدعم للمناطق المتضررة في شمال غرب سورية.

• الاستمرار في عملية التنظيم وتحديث البيانات مع المنظمات.

وقد انطلقت المنظمة بهذه الإجراءات إذ رأتها لا تنفصل عن سياق الخطط الاستراتيجية للوحدة التي تمضي في تنفيذها. ومنها:

التنمية السياسية وتعزيز الديمقراطية، بناء السلام والتماسك المجتمعي، تعزيز دور الشباب والنساء، الخدمات والتنمية وتعزيز دور المجالس المحلية، تنمية المجتمع المدني وتمكينه، (مجالس محلية – نقابات – اتحادات – منتديات وفرق تطوعية) إضافة إلى التنظيم الإعلامي وحماية الصحفيين. والإصلاح الأمني.[16]

دور منظمات الإغاثة (منظمة أورانج نموذجًا)

عملت في الإغاثة منظمات كثيرة وما تزال منها: “بنفسج” و”إحسان” و”شفق” و”وطن” و”تكامل الشام” و”بهار”، و”بنيان” و”غول” واختطف الزلزال من الأخيرة عشرين من أعضائها. كما فقدت “أورانج” اثنين من شبابها أيضًا.

عمل منظمة أورانج الإغاثي خلال زمن الزلزال

بدأت الاستجابة بعد أقل من مرور 24 ساعة على الكارثة، فقد أنشأنا مراكز إيواء في منطقة إدلب وإعزاز لمساعدة الذين غادروا منازلهم المتصدعة. ولأجل الذين لم يعودوا يشعرون بالأمن في بيوتهم، فالكارثة كانت صادمة مع سقوط أبنية متعددة وتصدُّع الكثير منها.

تركَّز العمل في المرحلة الأولى على تقديم أشكال الرعاية المتاحة من أمكنة نوم وتدفئة وطعام في مراكز الإيواء التي أنشئت. أما في المرحلة الثانية فعملنا في منطقة عفرين على تقديم الخبز المجاني ووجبات خاصة بالأطفال. وأقول عفرين لأنها تحولت بعد الزلزال إلى مخيمات بعد أن كانت مكتظة بالأبنية، فهاجر أهلها بحثًا عن مكان آمن، وخشية من أية هزات ارتدادية قد توقع ضحايا إضافية، كما حدث في جنديرس حيث الكارثة، وبقاء بعض الناس تحت الركام أيامًا.

في المرحلة الثانية قمنا بتوزيع وجبات مطبوخة على الأهالي الذين لجؤوا إلى المخيمات في منطقتي إدلب وإعزاز وريفيهما إلى مخيمات جهِّزت على عجل. وفرنا بطانيات، ووسائد، وألبسة شتوية للعوائل التي خرجت من بيوتها على عجل. وقدمنا سلل الغذاء التي تحتوي موادَّ غذائية أوّلية رئيسة: (رز، سكر، شاي، سمنة، زيت بنوعيه نباتي وزيتون، برغل، عدس بنوعيه، شوكولا، جبنة سائلة).

وثمة خدمات اجتماعية ونفسية جرى تقديمها بعد تلك الأعمال الأولية مثل: جلسات دعم نفسي وأنشطة ترفيهية وهدايا للأطفال لإخراجهم من هول الصدمة.

افتتحنا في عفرين مشروعًا جديدًا للتعليم أسميناه: “التعليم المتنقل” وهو استجابة لمتضرري الزلزال وللأطفال الذين انقطعوا عن تعليمهم، وهو عبارة عن سيارات كبيرة متنقلة، حولناها إلى صفوف صغيرة للأطفال يقدم لهم فيها مواد تعليمية أساسية بالإضافة للأنشطة الترفيهية، حفاظًا على معلوماتهم السابقة، وتطويرها.[17]

غسان ياسين وفريقه التطوعي[18]

يتحدث السيد “غسان ياسين” عن مساهمته مع بعض أصدقائه من الذين كانت لديهم تجربة إغاثية أيام جائحة “كورونا”، فيقول: خرجت من اسطنبول بسيارتي كالهائم على وجهه فأبي وأمي شمال سورية، وعلمت، في ما بعد، أن غرفتين من منزلهما قد تهاوتا، لكنهما نجوا سالمين، وأختي، كمعظم سكان عينتاب، غدت في الشارع خوفًا من هزات ارتدادية، وهناك أصدقاء لي ومعارف! وهكذا قصدت عينتاب، ولم أكن قد رتبت شيئًا أبدًا. كنت مدفوعًا بالعجز الذي كاد أن يقتلني، فالواجب يرتب عليَّ القيام بعمل ما. إذًا لابد من ًان أكون هناك، وطوال الطريق كنت على صلة بأهلي ومعارفي الذين يمكن أن نتعاون معًا، ولدى وصولي أعدت ترتيب غرفة الواتس التي كانت أنشئت خلال أزمة “كورونا”. ومع السؤال عما يحتاجه المتضررون بدأ العمل، وراح ينمو ويكبر، ومعه أخذنا نشعر بالارتياح، فلا شيء يريح الإنسان ويفرح قلبه أكثر من تأدية واجبه الإنساني في مثل تلك الحالات. وما حصل لا يكاد يصدق. كانت لهفة الناس بعضهم على بعض فوق الوصف، إذ تجلى العمل بأروع صوره، وبما يسمى شعبيًا: بـ “روح الفزعة” العالية عند الناس، وبتجاوبهم لتأمين الكثير مما يلزم من مال وخيام ولباس وسلل غذائية. وضرب مثالًا عن صديق له من بلد عربي، اتصل به ليقدِّم فيلا من ثلاثة طوابق فارغة في مدينة طرابزون، جاهزة للسكن، وكيف استطاع هو وزملاؤه أن يؤمِّنوا نحو 6 إلى 7 عائلات نحو (40-45) فردًا. منهم كانوا قد نقلوا من هطاي إلى إسطنبول، إذ سارع بعضهم لتقديم الباص، وآخرون لدفع الأجرة، في وقت ازداد فيه الطلب على وسائط النقل. وكل ذلك كان يجري عبر الهواتف، ومن خلال الثقة المتبادلة بين فرقاء العمل واندفاع الناس بلهفة وروح إنسانية، واستطعنا تأمين ألف عائلة مجموع بين (5-6) آلاف فرد بتقديم سلل غذائية وخيام ومبلغ نقدية متواضعة، لكنها مهمة عند حاجتها.

شهادات عامة

1- رائد الصالح

كانت لحظات حدوث الزلزال مخيفة ومرعبة، لكن لم يكن لدنيا مكان للخوف. الشيء الوحيد الذي كنا نفكر فيه هو كيف نستجيب لكارثة بمثل ذلك الحجم غير المتوقع. بعد دقائق أعلنا حالات الطوارئ، وجرى توزيع الفرق وفق خطة استجابة متكاملة. كنا في سباق مع الزمن لإنقاذ الأرواح العالقة تحت الأنقاض، وسط صعوبات كبيرة، لا بسبب حجم الكارثة بل لافتقارنا للآليات الثقيلة والمعدات المتطورة.

كان إنقاذ الأرواح، ملحمة حقيقية، لعب الدور الحاسم فيها خبرة المتطوعين التي اكتسبوها من قبل، أي خلال استجابتهم للدمار الذي كانت تلحقه الغارات الجوية التي يقوم بها النظام وحلفاؤه. وكان الدعم الشعبي يمنحنا القوة والإرادة، وجاء التضامن حتى من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فالروح الوطنية الجامعة هي الطاغية على كل شيء.

ويشير التقرير إلى تخاذل الأمم المتحدة وعدم تفعيلها آليات الاستجابة للكوارث إذ كان حجم التأثير كبيرًا وعميقًا، وكان درسًا ذا أهمية في رفع الصوت، مطالبة بعدم تسييس العمل الإنساني.

انتهى الزلزال لكن آثاره لم تنته، فقد بدأ العمل الجدِّي بعد انجلاء غبار الكارثة، فآلاف العائلات باتت بلا مأوى، والبنى التحتية خارج الخدمة، وجبالٌ من الركام. كانت مساعدة الناجين على تجاوز آثار الكارثة تحديًا حقيقيًا في ظل ظروف قاسية تعيشها المنطقة، وكذلك مساعدة المجتمعات المتضررة على التعافي. وضعت المنظمة استراتيجية لإزالة الأنقاض، وإعادةِ تدويرها، واستخدامها في تجهيز مخيمات إيواء مؤقتة للناجين، ولإنشاء مستشفيات ميدانية لمعالجة آلاف الجرحى.[19]

2- هشام سكيف

يقسِّم السيد هشام سكيف حال الاستجابة البشرية عند مجابهة تأثيرات الزلزال إلى ثلاثة أقسام، فالقسم الأول كان في الساعات الاثنتي عشرة الأولى، إذ استيقظ الناس على حجم الكارثة المذهلة التي تفوق التصور، فالعجز أمامها فرض نفسه بقوة، لا بسبب عدم جاهزية الناس لمباشرة العمل، بل لضرورة قراءة متطلبات الواقع وأهمها الآليات الثقيلة! ومع ذلك بدأ العمل بما هو متاح باليدين وبأدوات بسيطة. أما المرحلة الثانية فقد استغرقت اثنتين وسبعين ساعة، بدأت حين وجه السيد “رائد الصالح” (رئيس منظمة الدفاع المدني) نداء إلى التنظيمات كافة. مدنيين وعسكريين. وأهم ما تضمنه النداء تقديم الآليات الثقيلة والمحروقات. فالآليات الموجودة لدى الدفاع المدني لا تفي بالغرض أولًا، وثانيًا، تحتاج إلى وقود نظيف، وجاءت الاستجابة سريعة، إذ وضعت قيادة الجيش الوطني كل ما لديها تحت تصرف منظمة الدفاع المدني، وكما يقال، نشأ خط ساخن بينه وبين الدفاع المدني، وصارت معظم الجهات تلبي حاجة منظمة الدفاع المدني التي غدت أشبه بغرفة عمليات وكان من أهم حاجاتها: “بواكر”، “تراكسات”، “حفّارات”، من النوع الثقيل، وقد أمّنها لهم مقاولون في قطاع البناء، وفصائل من الجيش الوطني.

وكان أن برز أمامنا تحدٍّ كبير، فمعظم المنطقة التي يجري العمل فيها أرياف، قراها متباعدة مثل قرى جنديرس وترمانين والأتارب وغير ذلك. ما جعل الآليات محكومة بالمسافات التي تأخذ زمنًا أطول، بينما عملية الإنقاذ تسابق الزمن. في اليوم الرابع، أي مع بدء المرحلة الثالثة، حدث إنجاز كبير بإنقاذ أناس أحياء ما شكل دافعًا للعمل وابتعادًا عن حالة العجز، ليحلَّ مكانها شعور بجدوى العمل الذي راح يخفِّف من فداحة الكارثة، وأخذت روح الفزعة تنتشر في أرجاء المنطقة، لتوفير الإمكانيات المفقودة، إذ وصلت أكثر من 50 آلية، وثمة من تبرع بالوقود المناسب ودخلت عناصر جديدة لتساهم في هذا العمل الوطني والإنساني الكبيرين.

أما التحدي الثالث والأخير فتجلّى بظهور مئات آلاف الناس الذين صاروا، خلال ساعات، في العراء! وفي أماكن متباعدة، وطرق متشققة بفعل الزلزال ذاته، ومع طقس بارد، ومتقلب بين ثلج ومطر وصقيع. وهنا توزع المنقذون والمغيثون على فرق يختص كل منها في فرق لتسهيل تقديم الإغاثة الفورية: الإيواء، الغذاء والدواء، اللباس، وغير ذلك. في البداية لعبت التنظيمات التركية الـ: (“إي ها ها” و”الهلال الأحمر”) دورًا مهمًا ما بين إدلب وعفرين وعموم مناطق الشمال. وبلغ عدد الذين لحقتهم أضرار مختلفة نحو مليون إنسان.[20]

3- منذر السلال

الحملات الأهلية والشعبية لعبت دورًا كبيرًا، وخاصة في مجال الإغاثة، وكانت أسرع من بعض منظمات المجتمع المدني، وخاصة الكبيرة منها، إذ كانت مقيدة بإجراءات معينة، لكن المنظمات الصغيرة باشرت مع حملات المتطوعين، وكي لا نغمط أحدًا حقه علينا الإشارة إلى دور بعض الفصائل وخاصة في مجال إحضار الآليات الضرورية لإزالة الركام، وتمكين المنقذين من عملهم، هناك فصيلان أحضرا أكثر من أربعين آلية كذلك بعض المقاولين أحضروا آلياتهم طالبين فقط ملأها بالوقود. وبعضهم أحضر آليات من تل أبيض وأدخلت إلى تركيا، ثم إلى جنديرس. هناك أمور أضرت كثيرًا هي الأعمال العشوائية، فلم يكن ثمة خبراء للإشارة بكيفية العمل وتسلسله.

في الأسبوع الأول كانت الحملات الشعبية أو الفزعات التي أتت من الباب، ومارع، وجرابلس. وكلها حملات تطوعية، دافعها وطني وإنساني. وهناك حملة قوية عرفت بحملة “9،800” (حملة الصرافين)، إذ بلغت أكثر من مليون دولار، حتى إن إعانات جاءت من خارج البلاد مثلًا: اتصل بي أناس قادمون داغستان، وأعطوني مبلغًا قائلين: “نريدك أن توصله إلى أهلنا في الداخل”، وجاء أناس من أوكرانيا أيضًا.

أما عن الإغاثة فإن دور المنظمات جاء في المرتبة الثالثة. بعضها انتظر لتفتح المعابر، أو ليأتيها تمويل، بينما المنظمات الصغيرة كان دورها أسرع، كما كان فعل المتطوعين كذلك.[21]

سلبيات ونواقص برزت خلال الزلزال

وإذا كنا قد لمسنا ذلك النشاط في التصدي لآثار الزلزال في موقعيه السوري والتركي فإن ثمة نواقص وسلبيات برزت، وزادت من ثقل الكارثة وخاصة في مجالي البناء، واتقاء ظاهرة الزلزال فقد “لاحقت السلطات التركية بعض مقاولي البناء، ومنهم: “محمد يسار كوسكون”، مالك مجمع “رينيسانس ريزيدنس الذي يتكون من اثني عشر طابقًا ومئتي شقة سكنية” يقطنها 850 إنسانًا في مدينة “أنطاكية”، و برزت عيوب في “ديار بكر” وغازي عينتاب في الأبنية، وقطع أعمدة من بعض المباني، لوحق المسؤولون عنها، ففي مؤتمر صحفي في أنقرة أعلنت وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ أن 120940 قسمًا مستقلًا في 24921 مبنى سيتم هدمها فورًا، بينما قالت: إن 729 ألفًا و435 قسمًا مستقلًا في 122 ألفا و279 مبنى لحقت بها أضرار طفيفة”.[22] وإذا كانت مثل هذه العيوب برزت في تركيا، فإن الكارثة أكبر في سورية، فالبناء العشوائي الذي أخذ يحيط بالمدن الكبرى على مدى حكمي حافظ وابنه كان ينهار من تلقاء نفسه بسبب الفساد المشترك بين تعاون تجار البناء، والفاسدين في مجالس تلك المدن، ثم أتى قصف النظام وحلفائه ليهدمها كليًا! و“لن يكونَ من السهل أبدًا مواجهة آثار الزلزال طويلة الأمد، يجب أن يعرف العالم أجمع أن سورية لم تكن تحت الأنقاض جراء الزلزال فقط، سورية تحت الأنقاض منذ اثنتي عشرة سنة، وعليه أن يكون بجانب المنكوبين وألا يدعهم لمصيرهم[23].

و”أخيرًا لا بدَّ من التنبيه إلى أمر مؤسف جدًا وهو أن النظام قد احتكر معظم مواد الاستجابة التي وصلت، وحرم مستحقيها من الاستفادة منها، بالإضافة لضغوطه، ومنعه دخول القوافل الإنسانية للشمال السوري المحرر. وفق معلومات مستقاة من مصادرها.”[24]

شهادة معاناة لأحد الأصدقاء الناجين من أنطاكية

خلدت إلى النوم، بعد أرق. في الرابعة وسبع عشرة دقيقة، أخذت العفاريت تحمل سرير نومي، وتؤرجحنا معًا، كأنما تريد ان تلقي بنا إلى الهاوية، أو ترطمنا بجدران الغرفة! أسمع جلبة. لست قادرًا على وصفها، ولا تمييزها. جدار ينشق وخزانة تنكبُّ على وجهها! وعيت على صوت زوجتي تصرخ بي: انزل بسرعة، الهزة قوية. قفزت فوق خزانة الأحذية التي انقلبت أمام الباب، فصرت إلى الدرج، لأنضمَّ إلى “أشتات الناس” الآخذة في الانحدار من طوابق سكنها، وطبقاتها، أهرول معها، يرتطم بعضنا ببعض، وبصيحات الأطفال المشحونة بخوف وهلع شديدين. رجال ونساء يدعون بعضهم والأطفال إلى الإسراع في الانحدار. الدرج لا يأبه بأحد، يوقع هذا، ويطيح بذاك. صرنا الى الساحة المقابلة للعمارة، نقف تحت رحمة عصف الرياح، وهطل المطر. تقذفنا الأرض تارة وتميد بنا أخرى. فنرسل أيدينا لتساعد أرجلنا على الثبات. وأين للأرض من لحظة ثبات؟! ها نحن أولاء حفاة عراة على العشب والتراب مبللين بماء السماء.. بعضهم أوى الى سيارته مع أسرته، ونعم بدفء مكيفها. أنا لم أنتبه لارتداء ثيابي ولا لـ (طقم أسناني.)، فكيف لي أن أصطحب مفتاح سيارتي؟! أعاني طغيان الرجفان وشدة البرد والخوف. فُتِحَ بابُ سيارة، وصوت رجل تركي ينادي: كال. هرعت لأُحْشَر داخلها بصعوبة، أغلق الباب، فنعمت بشيء من الدفء! رأيت زوجتي تصعد مع نساء إلى صندوق شاحنة مركونة بعيدًا عن سور العمارة. وسارت بنا المراكب في شوارع أنطاكية إلى أن أخذت خيوط الضوء ترينا ركام الأبنية، والأخرى المائلة كأنها تعاتب الأرض! قوافل من المراكب تزحف ببطء وسط الشارع، تبتعد عن الأبنية ما أمكنها! أشار من وراء مقود السيارة صاحبها: الى أين تريد الوصول؟! أجبت إلى شارع الإكنجي. شرطي المرور أمره بالالتفاف. فنزلت لأكمل السير حافيًا تحت المطر، أحاول تجنُّب حطام الفخار والزجاج. خشية الإصابة بجروح. عدت أختلج من البرد أكثر مما كنت عليه. الدفءُ! أين أجد الدفءَ؟! طلبت من أحدهم أن يحتويني بسيارته قليلًا. فأشار إلى ناحية “تنور مديحة” فهناك نار موقدة. انضممت هناك إلى حلقة تصطلي بالنار. رآني صديق، فأرسل لي مع ابنه شحاطة ومعطفًا وبشكيرًا جففت رأسي. نظرت الى حشود العابرين الذاهلين، فوجئت بزوجتي بينهم! ناديتها وبقينا متحلقين حول الموقد إلى أن خيّم الليل من جديد، وهزات الأرض تتالى، ومعها أرواحنا تهتز وترتجف. أغلب الناس تلهج بذكر ربها بأعمق درجات الإيمان، وأنا منهم! فما كان أقربنا إليه في ساعات العسرة.[25]

روايات وقصص عن حالات إنسانية

مرت بنا حالات مؤثرة جدًا خلال تعاملنا مع الكارثة. فكان لكل منها حكاية حزن، ومعاناة ألم تختلف عن الأخرى بتفاصيلها، وخصوصًا حالات الأطفال الذين فقدوا من يعيلهم، (أمهات، آباء إخوة كبار) كنا نجالد مشاعرنا، أمام حالات الانكسار التي نقرؤها في عيون المنكوبين بالاستمرار من أجلهم، وما واجهنا من تفاعل ودعم عالمي للأطفال، وللمتضررين دور كبير في الحضِّ على المتابعة، وبث روح العمل في النفوس، وتجاوز التعب والإرهاق، وفظاعة الكارثة.[26]

طفلة تحت الأنقاض تنادي المنقذ، تقول له “عمو طالعني (أخرجني) وأشتغل عندك خدامة كل حياتي”

رجل انزوى يبكي لئلا نراه، ونحن نقدم له ولأسرته التي في العراء خيمة، وحاجات أخرى.

  رجل كردي من جنديرس بقي معه أحد المنقذين العرب ست ساعات يحاول إنقاذه بأدوات بسيطة كي لا يصاب بأذى إلى أن نجح في إنقاذه. حينها لم يتعرف على منقذه، اوما يزال يحكي قصته، ويبحث عمن أنقذه ليشكره.

رابعًا: خاتمة مكثفة تتضمن النتائج والتوصيات
وبعد، لعل البحث قارب، على نحو أو آخر، حقيقة ما خلَّفه الزلزال من فواجع وكوارث مادية، وبما أخذه من ضحايا، وما ألحقه من أضرار جسيمة في سُبُل حيوات الناس، ومفرداتها، ولم يغفل البحث في توثيقه للكثير من الوقائع المادية بالأرقام والفيديوهات، وعبر المقابلات الحيَّة، وبما رصدته أعين الناس من مشاهد إنسانية، كما أنَّه أفاد من العلم في تعريفه لظاهرة الزلازل بعيدًا عن تصورات ضبابية، لا تنتمي إلى الحقيقة. وركز البحث على المنظمات السورية التي كان لها الدور الأهم في عمليات التصدي لمخلَّفات ذلك الزلازل وهي التي مارست أعمالًا مشابهة عندما تصدت لقصف النظام وحلفائه من روس وإيرانيين للمدن الآمنة منذ العام 2011 فقتلوا ودمروا وهجروا.

وعلى الرغم من مفاجأة الزلزال، وقلة الإمكانيات، إلا أن الجهود المبذولة من المنظمات والأفراد والمندفعة بحمية وطنية وروح إنسانية عاليتين، قد أنجزت الكثير، وتغلبت على الصعوبات والعوائق، وأخيرًا لعل البحث يخْلُص إلى نتيجة يفيد منها دول المنطقة التي تعيش على خط الزلازل بدعوتها لاتقاء مفاجأة الزلزال بالتحصن ضدها، وخاصة في مجال البناء، وتجديد أدوات الإنقاذ وخبراته، على الدوام. وللشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف حكمة تقول: “السلاح الذي يمكن أن تحتاج إليه مرة واحدة عليك أن تحمله العمر كله”.[27]

المراجع

1 – الآيات 6-7-8- سورة الزلزلة آياتها: ثمانية، وترتيبها 99 قرآن كريم.

2 – الآية 7 من سورة الحج آياتها: 78 وترتيبها 22 مصدر سابق.

3 – الصفائح التكتونية: “هي الطبقة الخارجية من سطح الأرض والمسماة الغلاف الصخري “الليثوسفير” (Lithosphere) المكون من القشرة وطبقة الوشاح الصلب، ويتراوح سمك الطبقة الخارجية بين 50 و100 كلم، وهي مكونة من صفائح صلبة كبيرة وصغيرة، وتشكل حركتها معالم سطح الأرض المختلفة” مقال: “ما هي الصفائح التكتونية؟ تاريخها وتطور نظريتها ونتائج حركتها” 12 شباط/ فبراير 2023 موقع الجزيرة الرابط: https://2u.pw/M2rEHF

4 – ياسمين أبو خديدة، ما هي أسباب ظهور الزلازل، 5 تموز/ يوليو 2021، موقع جيولوجي.. الرابط: https://2u.pw/KJuChL

5 – أنوار الفلايلة، تعرف على أنواع الزلازل، 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 الرابط: https://2u.pw/gNnIRw

6 – حصيلة وفيات زلزال تركيا وسورية ترتفع إلى 51 ألفا، موقع الجزيرة 1 آذار/ مارس 2023 رابط: https://2u.pw/Z12Xrd

7 – مقال: “لماذا كان زلزال تركيا وسورية مميتًا إلى هذا الحد”، تلفزيون العربي، 7 شباط/ فبراير2023، عن إيكونوميست. الرابط: https://2u.pw/j42M9W

8 – موقع الدفاع المدني https://www.syriacivildefence.org/ar/who-we-are/volunteers/

9 – المصطفى، منير (نائب مدير الدفاع المدني السوري لشؤون الإنسانية) تقرير عام عن زلزال 6 شباط/ فبراير 2023 لمنظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) الرابط: https://2u.pw/U5h3DH

10 – مهندس، رئيس الفريق وأحد مؤسسيه.. تسجيل صوتي

11 – ” الأسود، فيصل “، (منسق قسم حملات الاستجابة والطوارئ..) تقرير حول عمل فريق ملهم.

12 – الأسود، فيصل: حول استجابة فريق ملهم في الأيام الأولى، مرجع سابق: الرابطhttps://molhamteam.com/posts/1842979

13 – الأسود، فيصل: مراحل الاستجابة، مرجع سابق، الرابط: https://drive.google.com/drive/folders/10CJ-HODeUNdoqqlaLuZBXywfgeacZZ-b

14https://2u.pw/ZwYrKWQ

15 – مصدر سابق.

16 – السلال، منذر: (المدير التنفيذي لـ “وحدة دعم الاستقرار”) الرابط: https://2u.pw/fnji2G

17 – عوض، علاء مسؤول مكتبي إعزاز وعفرين في منظمة أورانج/ تقرير الرابط: https://2u.pw/mhvhr8

18 – ياسين، غسان: صحفي سوري، مكالمة على الهاتف، وتسجيل صوتي..

19 – الصالح، رائد: رئيس منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) حديث على الهاتف، وتسجيل صوتي.

20 – اسكيف، هشام. قيادي في الجيش الوطني، سياسي وكاتب. لقاء مباشر، وتسجيل صوتي.

21 – السلال، منذر.. (المدير التنفيذي لـ “وحدة دعم الاستقرار”) لقاء مباشر، وتسجيل صوتي.

22 – عودة، ضياء.. مقالة (لماذا تلاحق السلطات التركية المقاولين) 12موقع الحرة/ شباط/ فبراير 2023.. الرابط: https://2u.pw/o7gmZk

23 – الصالح، رائد. من شهادته التي مرَّ تدوينها.

24 – المصطفى، منير، مصدر سابق.

25 – مقابلة شخصية لـ: صديق بعد قراءتها على صفحة الفيسبوك لديه رابط الصفحة: https://2u.pw/AgOMul

26 – حالات إنسانية، الأسود، فيصل، مرجع سابق رابط فيديو:https://youtu.be/A12QwSyWwYM

27 – الذيبة، غازي.. مقتبسات رسول حمزاتوف، موقع إيلاف 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 الرابط: https://2u.pw/I3hHDk

مشاركة: