الدولة الوطنية العربية: مظاهر التصدع ورهانات إعادة البناء (سوريا نموذجًا)

ملخص

نشأت الدولة العربية الحديثة في ظل ظروف تاريخية عامة، كانت غاية في الاستثنائية والخصوصية والتنوع، إذ لم تولد ولادة واحدة موحدة، ففي بعض الأحيان كانت الدولة وما يشبهها موجودة أصلًا، وجاء الاستعمار ليعززها ويقوي من سلطانها، أو لينقضها ويستبدلها بمؤسساته. وفي حالة أخرى، كانت مؤسسة وأجهزة الدولة مفروضة بطريقة فوقية على مؤسسات المجتمع من جانب القوى الاستعمارية. أما في مرحلة ما بعد الاستقلال، فقد جرى الحفاظ على معظم الشكليات الموروثة من الحقبة السابقة، من دون تغيير يتناسب وحجم الكفاح الذي خاضته الشعوب العربية من أجل التغيير في الأسس والآليات التي تمكن من بناء دولة وطنية ديمقراطية. أما اليوم، فعلى الرغم مما حققه بعضها من إنجازات، فإنها تعرف أزمات عدة. بعضها مهدد بالتفتت الداخلي (السودان)، وبعضها الآخر عرف الاجتياح الأجنبي (العراق، اليمن، سوريا، ليبيا)، وغيرها عرف التطرف الديني (العراق، ولبنان)، ما جعلها تعرف أزمات متزامنة ومتداخلة وحادة، أدت إلى تصدع إرهاصات الدولة الوطنية الديمقراطية، وتفكك الدولة والمجتمع على السواء. وهذا أدى بدوره إلى فراغ سياسي وأمني رهيب، وخلَّف حزامًا من الدول العربية المتصدعة (المنهارة)، وإمارات ثيوقراطية وكيانات إثنو- طائفية، كبديل للتنظيم السياسي للدولة الوطنية العربية المنشودة، ليعود بذلك العالم العربي مجددًا لمرحلة مجتمعات ما قبل الدولة. تجلى ذلك بشكل واضع في حالة الدولة السورية، ما يستوجب إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وفق شروط خاصة، تتجاوز المقاربة التدخلية الأجنبية.

مقدمة

تعد أزمة بناء الدولة الوطنية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي في الوقت الراهن، ولا سيما أن كثيرًا من الأزمات الأخرى ناجمة عنها أو مرتبطة بها. وعلى الرغم من أن لهذه الأزمة جذورها التاريخية سواء خلال الحقبة الاستعمارية أو في مرحلة ما بعد الاستقلال، إلا أنها تصاعدت بشكل حاد في مرحلة ما بعد “الربيع العربي”. فالحروب الأهلية والصراعات الداخلية التي شهدتها دول مثل سوريا وليبيا واليمن، أدت إلى تصدع هذه الدول، لدرجة أنها باتت مهددة في وجودها ككيانات سياسية عربية. إضافة إلى ذلك، فإن هناك دولًا لا تواجه في الوقت الراهن خطر الفشل والتفكك، إلا أنها تعاني بدرجات متفاوتة الضعف أو الهشاشة، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على القيام ببعض وظائفها الرئيسة بفاعلية وكفاءة. فقد برزت أزمة الدولة القطرية في العالم العربي، وتجزأت إلى أزمات عدة: أزمة الهوية، أزمة الشرعية، أزمة اﻟﻤﺠتمع المدني، أزمة غياب العدالة التوزيعية، أزمة الدولة في علاقتها بالمجتمع… إلخ. حيث أخفقت النخب الحاكمة في عديد من الحالات في إعادة بناء دولة وطنية تستند إلى مؤسسات راسخة، وتعبر عن هوية وطنية جامعة تستوعب مختلف الهويات الفرعية في المجتمع من دون إقصاء أو تمييز، وتتمتع بالفاعلية والشرعية. بمعنى القدرة على القيام بوظائفها الرئيسة بكفاءة، وبخاصة في ما يتعلق بتوفير الآمن وغيره من السلع والخدمات العامة لمواطنيها، فضلًا عن قدرتها على استقطاب الولاء الأسمى للوطن، بحيث يسمو الولاء للدولة الوطنية على الولاءات الفرعية (عرقية أو قبيلة أو طائفية أو جهوية).

في ضوء ما سبق، تسعى هذه الدراسة لرصد أهم مظاهر تصدع الدولة الوطنية في العالم العربي، خاصة في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” من خلال تحليل مختلف أسباب هذه التصدع، ومناقشة تداعياتها القائمة والمحتملة. كما تحاول في الوقت نفسه، استشراف الرهانات الممكنة من أجل إعادة بناء الدولة المتصدعة في العالم العربي في ضوء مختلف التطورات والمستجدات الراهنة. وفي هذا الإطار، ولتقريب ذلك من المتلقي العربي ركزت الدراسة على حالة الدولة السورية. كما أن مقتضى السياق، حتَّم الإشارة إلى دول أخرى تعاني تحديات كبرى قد تضعها على طريق التصدع والفشل. وإذا افترضنا جدلًا أن أغلب الدول العربية عرفت حالة التصدع بنسب متفاوتة، فما أبرز مظاهر هذا التصدع؟ وما أبرز الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ وما الرهانات الممكنة للانعتاق من حالة التصدع؟

1. الدولة الوطنية، المفهوم والدلالة

تستند مختلف المقاربات المفاهيمية للدولة الوطنية ضمن أدبيات الفكر الغربي على ثلاثة متغيرات أساسية:

أ. الدولة بوصفها نظامًا قانونيًا مؤسساتيًا،

ب. الدولة بوصفها السلطة السياسية والنظام السياسي،

ج. الدولة بوصفها نظامًا معياريًا متكاملًا للقيم العامة في المجتمع.

تتفق هذه الأدبيات على أن الدولة القومية، تطورت من الشكل السياسي القانوني (الشخصية القانونية) إلى الشكل المعنوي (الشخصية المعنوية للدولة)، بتوافر ثلاثة مقومات تتمثل بـ: الأرض، الشعب، السيادة([1]). إن المقصود بالدولة الوطنية (القومية)، هي تلك الدولة القائمة على الوحدة القومية في كيانها القانوني، والملتزمة بمبدأ القومية اتجاهًا سياسيًا وفلسفيًا في الممارسة السياسية، والمركزة على حكم القانون والمؤسسات السياسية الثابتة والمستقرة المنبثقة عن إرادة الشعب، ومرجعتيها الدستور المكتوب الذي يضمن الحقوق والحريات والمساواة لكل مكونات المجتمع، ويضع آليات وقواعد إدارة شؤون الدولة([2])، بتجميع شتات شعبها وعناصرها العرقية في نظام سياسي واحد وقوي، ولا مانع من وجود عناصر عرقية أخرى في هذه الدولة. انطلاقًا من هذا التأصيل المفاهيمي، نستنتج أن الدولة الوطنية ذات منشأ غربي، حيث ظهرت في الغرب وعلى الأخص في فرنسا إبان الثورة الأولى 1789، حينما أعلن الشعب الفرنسي على لسان ممثليه بأنه يؤلف أمة، أي دولة قومية([3])، ترتكز على مبدأ القوميات التي تؤكد على أن للأمة الحق في أن تصبح دولة، وقد نشرته الثورة الفرنسية من خلال مناداتها بحقوق الأمة على أساس الأيديولوجية الثورية التي تؤدي إلى القول إن أصل السلطة كامن في الأمة (عقيدة السيادة داخليًا وخارجيًا). أما في الفكر العربي، فقد برز الاهتمام ببناء الدولة القومية (الوطنية)، منذ انهيار الدولة العثمانية، حيث برزت في هذا السياق مشاريع دول قومية، وبرامج اتحادات بين قوى اجتماعية سياسية متباينة، واختلفت تلك البرامج في تنظير الدولة الوطنية وتحديد مضمون الأمة على أساس الاستقلال والانفصال عن الإمبراطورية العثمانية، بدءًا بجهود مجموعة من المصلحين: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وخير الدين التونسي، وصولًا إلى تصورات وآراء كل من عبد الله العروي، محمد عابد الجابري، برهان غليون، عبد الإله بلقزيز… إلخ.

إذا كان ما يجعل عصرنا عصرًا عظيمًا هو امتلاكنا الحرية والفكر، كما يقول هيغل، فحرية التفكير وحرية التعبير تشكلان ماهية الدولة الليبرالية التي تدافع عنهما إلى حدود التطـرف، ولعـل معنـى الـدولة الوطـنية هو نفسـه معنى الليـبرالية على مسـتوى حقـوق الإنسـان، فكلـما اتجهت الـدولة نحو حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، كلما صارت دولة وطنية، ذلك أن الارتقاء من مستوى الهوية الوطنية إلى مستوى حقوق الإنسان، أي إلى مقام النظرية الفلسفية الأخلاقية التي لا بد للدولة من الالتزام بها، لا يكون سوى بالمحافظة على هوية المجتمع الوطنية والمدنية ضد كل تيار أصولي أو قبلي يهدد التجانس والوحدة في الاختلاف. وهذا لا يتم بحكومة تصريف الأعمال التي عادة ما تعتمد على بعض الموظفين القارين والمستعمرين للسلطة، والذين يتحركون خارج الوعي التاريخي الذي يمنح السيادة للانتماء الوطني والاحتكام إلى الرأي العام في لعبة الديمقراطية التي تسمح بالتنافس على الحكم المحدد نظامه في الدستور الحقيقي وليس الممنوح من جانب السلطة الحاكمة. هكذا، يسعى العمل السياسي الحقيقي إلى قضية المعنى العيني للدولة الوطنية ويترجم هذا المعنى عبر مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويستفيد من حيوية المجتمع المدني لكي يتجنب الأرثوذوكسية وعوارض الانحطاط. وفي الحقيقة إن الدولة الوطنية يستحيل ألَّا تكون ليبرالية ذات معنى فلسفي، هدفه فلسفة حقوق الإنسان، فكل سياسة لا تخضع لفلسفة حقوق الإنسان هي سياسة فاسدة ومتطرفة تعرقل بناء الدولة الوطنية.

لهذا يحتاج العمل السياسي إلى إدراك مقاصد فلسفة التنوير لتأصيل تعامله مع معنى الدولة الليبرالية والتي تحيل على معنى الإنسان وما يقتضيه من تأسيس حقيقي. حيث لا يمكن للدولة الوطنـية أن تبـحث عن معـنى لوجـودها بعيدًا عـن أساسـها المجتمعـي ومنظومـة حقـوق الإنسان، وهذا ما يشار إليه في الفلسـفة المـعاصرة بالـحياد الميتـافيزيقي الذي يقـوم علـى مـبدأ الحـرية. وبعبارة بول ريكور فإن الدولة التي لا تحطم بالحرية ليست بدولة وطنية ولا ليبرالية، بل هي دولة تعترف بنهاية التاريخ وستحل محلها دولة مبنية على مبدأ ينسف سيادة الانتماء الوطني، ويدمر التقدم الاجتماعي والأخلاقي، حيث يتوجه نحو معنى الإنسان وينسفه من الداخل بواسطة الدين والخرافة. هكذا تحدث القطيعة مع الديمقراطية التي تكون أركانها؛ الوطنية الحرية المساواة.

2. الدولة المتصدعة في المنطقة العربية

إذا كان مفهوم “الدولة المتصدعة” أو “الدولة الفاشلة” يمثل مدخلًا نظريًا للدراسة، فإنه من المهم مقاربة هذا المفهوم في سياق مفهومين آخرين هما: “الدولة القوية” و”الدولة الضعيفة”. ونظرًا إلى أن قوة الدولة وضعفها ودرجة تصدعها هي أمور نسبية، فإنه يمكن وضع الدول العربية أو أي مجموعة أخرى من الدول على متصل طرفاه الدولة القوية والدولة الفاشلة أو المتصدعة، وتنتشر بقية الدول بينهما بحسب درجة قوتها أو ضعفها([4]). يمكن التمييز بين الأنواع الثلاثة من الدول استنادًا إلى ثلاثة معايير مترابطة هي: سلطة الدولة ومدى قوتها وتماسكها، وقدرة الدولة ومدى فاعليتها، وشرعية الدولة، ومدى استقرارها ورسوخها. تتشكل الدولة القوية من سلطة مركزية قوية تجعلها قادرة على فرض سيطرتها على إقليمها، واحتكار حق الاستخدام المشروع للقوة، وتقديم السلع والخدمات العامة مثل الآمن والخدمات الصحية والتعليمية وغيرها لمواطنيها بفاعلية وكفاءة، ومن دون إقصاء أو تمييز([5]). كما تتميز بقدرتها على توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان، وتطبيق قوانينها وتنفيذ سياساتها بفاعلية، وقدرتها كذلك على التعامل مع الدول الأخرى كعضو فاعل ومسؤول في الأسرة الدولية. ما يجعلها تتمتع بشرعية مستقرة تتمثل بقبول الدولة ككيان سياسي من جانب مختلف القوى والتكوينات الاجتماعية التي تعيش على أراضيها، ما يجعلها تحظى بالولاء الأسمى للأغلبية العظمى من مواطنيها. وبالمقابل، تتميز “الدولة الفاشلة” أو “المتصدعة” بعدم وجود سلطة مركزية قوية، وتفكك أجهزة الدولة ومؤسساتها بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، وعجز الدولة عن احتكار حق الاستخدام المشروع للقوة، ومن ثم عجزها عن فرض سيطرتها على إقليمها، ما يؤدي إلى وقوع مساحات من أراضيها تحت سيطرة فاعلين مسلحين من غير الدول مثل الكتائب والميليشيات المسلحة، والتنظيمات الجهادية الإرهابية، والجماعات القبلية، أو العرقية أو الطائفية المسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة. كما تتميز “الدولة المتصدعة” باستمرار الصراعات الداخلية وما يصاحبها من انفلات أمني، فضلًا عن انهيار الأوضاع الاقتصادية، وتفاقم حدة المشكلات الاجتماعية بسبب التردي الشديد في مستوى الخدمات والمرافق العامة([6]). لهذا، تفقد الدولة شرعيتها المجتمعية، حيث يتجه مواطنوها بولاءاتهم إلى كيانات بديلة، قبلية أو عرقية أو طائفية أو دينية، توفر لهم بعضًا من الأمن والحماية والحاجات الأساسية التي عجزت الدولة عن توفيرها. أما “الدولة الضعيفة” فتتمتع بسجل مختلط بشأن المعايير سالفة الذكر، فلاهي دولة قوية ولا هي دولة فاشلة ومتصدعة. ولكن استمرار حالة الضعف قد تقود إلى التصدع والفشل، وبخاصة إذا ما اندلعت صراعات أهلية داخل الدولة. إذا كانت بعض الدول العربية مثل سوريا وليبيا واليمن قد تعرضت للتصدع في مرحلة ما بعد “الربيع العربي، فهي تعاني من بعض جوانب القصور في مدى قدرتها على فرض سيطرتها على إقليمها، كما تعاني أجهزتها ومؤسساتها من مشكلات الفساد والترهل الإداري والبيروقراطية، ما يؤثر على درجة فاعليتها في مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المجتمع، فضلًا عن مظاهر التسلطية والتجاوزات الأمنية وغياب العدالة الاجتماعية التي تعاني منها هذه الدول.

3. مظاهر تصدع الدولة الوطنية

لقد ترتب على تصدع الدولة الوطنية في عديد من الأقطار العربية في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” جملة من التداعيات الخطرة، سوف يكون لها على الأرجح تأثيراتها الكبيرة في رسم ملامح مستقبل العالم العربي. كما أن لبعضها انعكاساته على الصعيدين الإقليمي والدولي([7]). تتمثل أهم تداعيات تصدع الدولة الوطنية فيما يلي:

أ. التفكك الداخلي

نتيجة الفشل في بناء دولة وطنية قادرة على استيعاب التعددية المجتمعية في إطار هوية وطنية جامعة في كثير من البلدان العربية، بل ولجوء النخب الحاكمة في عديد من الدول إلى توزيع الثروة والسلطة وفقًا لخطوط الانتماءات القبلية والعشائرية أو الطائفية أو المناطقية، اندلعت حروب أهلية مدمرة في مرحلة ما قبل “الربيع العربي”. وهي حروب كانت لها أبعاد داخلية وخارجية متعددة ومعقدة، في مقدَّمها الأبعاد الدينية والطائفية والعرقية ذات الصلة بمسألة الهوية. وفي ظل موجة “الربيع العربي” انزلقت بلدان عربية عديدة مثل سوريا في حروب أهلية طاحنة، تحولت إلى حروب ممتدة بسبب تعدد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي انخرطت في كل منها من ناحية، وتعثر محاولات تسويتها سياسيًا حتى الآن من ناحية أخرى. وثمة ثلاث ظواهر تميز الحروب الأهلية في مرحلة ما بعد الربيع العربي([8]):

1. إن هذه الحروب هي في جانب منها “صراعات هوية”، حيث تتداخل في تشكيل مساراتها أسباب وعوامل إثنية وطائفية ودينية وجهوية على نحو ما سبق ذكره.

2. إن جلَّ الحروب المعنية تحولت بدرجة أو بأخرى إلى “حروب بالوكالة”. حيث ارتبطت قوى محلية منخرطة فيها بأطراف خارجية، إقليمية ودولية، تقدم لها الدعم المادي والعسكري. وبذلك تحولت الأطراف المحلية من الناحية العملية إلى أدوات لخدمة مصالح وأجندات الرعاة أو الداعمين الخارجيين. ففي سوريا تدخلت كل من روسيا وإيران وحزب الله بشكل مباشر وحاسم في الصراع لدعم نظام الأسد، فيما قامت كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية بدعم قوى وتنظيمات معارضة للنظام.

3. أسهمت الحروب الأهلية في إنعاش ما يُسمى بـ “اقتصاد الحرب والجريمة”، وهو يقوم على شبكة من الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة مثل تهريب البشر والسلاح والسيطرة على موارد ومرافق مملوكة للدولة وتنخرط في هذا الاقتصاد تنظيمات وجماعات سياسية، ومليشيات مسلحة، وعصابات للجريمة المنظمة، وذلك بغرض تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية([9]). لذلك، أصبحت مصالح هذه الفئات مرتبطة باستمرار الحروب الأهلية، كما أصبح اقتصاد الحرب بمنزلة اقتصاد مواز للاقتصاد الرسمي الذي يعاني الانهيار في سوريا.

ب. تدمير البنية التحتية

إضافة إلى الأعداد الهائلة من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، فقد ألحقت عملية تصدع الدولة الوطنية بالبنى والهياكل التحتية للدولة السورية والحروب الأهلية الممتدة دمارًا هائلًا. ترتب على ذلك تفاقم حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، بحيث تزايدت بشكل حاد معدلات الفقر والبطالة وبخاصة في صفوف الشباب، وأصبحت قطاعات واسعة من السكان تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، ولا تستطيع العيش من دون الاعتماد على المساعدات الإنسانية، حيث إن أكثر من 21 في المئة من السكان باتوا في حاجة إلى مساعدات، ولا سيما أن جائحة كورونا قد فاقمت من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. كما أدت الحروب الأهلية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمعات، حيث إنها عمقت من صراعات الهوية على أسس قبلية وعرقية ودينية وطائفية، وهي صراعات لها تداعياتها الكارثية على قيم وفرص العيش المشترك. وإضافة إلى ذلك، أثرت الحروب الأهلية على الهياكل الديموغرافية للدول المعنية، حيث أدت إلى زيادة حادة في أعداد النازحين داخل الدولة واللاجئين إلى دول أخرى، وهو ما خلق مشكلات جديدة لدول مجاورة، تعاني في الأصل من ضعف مواردها وإمكانياتها مثل لبنان والأردن، حيث أصبح يتعين عليها تلبية حاجات سكانها مضافًا إليها حاجات ملايين اللاجئين، وذلك في ظل محدودية الدعم المقدم لها سواء من قبل دول أو منظمات دولية لمساعدتها على استيعاب هؤلاء اللاجئين. وفي ضوء ما سبق، فقد أصبحت عملية إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع تمثل هاجسًا كبيرًا، وذلك بافتراض حل هذه الصراعات، حيث إنها تحتاج إلى موازنات مالية هائلة، وإلى مؤسسات وهيئات وطنية قادرة على تبني وتنفيذ خطط وبرامج جادة لإعادة الإعمار([10]).

ج. الاختراق الخارجي

تعد المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم انكشافًا اتجاه العالم الخارجي في مرحلة ما قبل ”الربيع العربي”. وقد تعاظم الاختراق الخارجي للمنطقة في ظل تداعيات هذا الربيع. حيث لم يعد الأمر مجرد نظم حاكمة مرتبطة بقوى خارجية، بل إن هناك دولًا عربية أصبحت تشكل ساحات لحروب بالوكالة. كما أصبحت مصائر هذه الدول مرتبطة بطبيعة الحسابات والتوازنات بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في صراعاتها. فعلى سبيل المثال، انخرطت أطراف إقليمية ودولية عديدة في الصراع في سوريا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأصبحت محاولات تسوية الأزمة السورية مرتبطة بجهود الأمم المتحدة (مسار جنيف) من ناحية، وأدوار كل من روسيا وإيران وتركيا (مسارا أستانا وسوتشي) من ناحية أخرى([11]). إضافة إلى ذلك، فقد تدخلت أطراف إقليمية ودولية مثل تركيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا.

لقد بدأت الاحتجاجات العامة ضد نظام الأسد سلمية، ولكن نظرًا إلى قيام النظام باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، انتقلت الثورة إلى العمل المسلح. ومع مرور الوقت تحولت سوريا إلى ساحة لحرب أهلية بل بالأحرى لحروب أهلية انخرطت فيها أطراف محلية عديدة، كما تدخلت فيها أطراف إقليمية ودولية، لكل منها أجندته وحساباته، فقد تدخلت دول وتنظيمات مسلحة مثل إيران وروسيا وحزب الله عسكريًا لدعم نظام الأسد، فيما تدخلت دول أخرى مثل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية لدعم قوى وفصائل معارضة للنظام، الأمر الذي جعل الحرب الأهلية في سوريا حربًا بالوكالة. وفي ظل هذا الوضع، بدأت الدولة السورية بالتصدع، حيث إنه خلال الفترة من عام 2013 حتى عام 2017، فقد النظام السوري سيطرته على معظم إقليم الدولة السورية، وذلك لحساب تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” التي غيرت اسمها لاحقًا إلى “هيئة تحرير الشام”، وغيرها من الفصائل والتنظيمات الجهادية المسلحة، و”قوات سوريا الديمقراطية”. وفي هذا السياق، تداعت أجهزة الدولة ومؤسساتها، وفقدت قدرتها على تقديم السلع والخدمات العامة للمواطن السوري، ما جعل أكثر من نصف سكان سوريا ما بين نازحين في الداخل أو لاجئين في الخارج([12]). بدأ ميزان القوى على الأرض يميل تدريجيًا لمصلحة نظام الأسد بدءًا من عام 2016، حيث إن التدخل العسكري المباشر من جانب كل من روسيا وإيران وحزب الله حال دون سقوط النظام، كما أن الحرب التي استهدفت تنظيم “داعش” والتي شاركت فيها أطراف إقليمية ودولية عديدة انتهت بهزيمته، مكنت نظام الأسد من فرض سيطرته على مزيد من الأراضي السورية. كما حدث تحول واضح في مواقف كثير من الأطراف الإقليمية والدولية اتجاه النظام. حيث إن الدول التي كانت تجعل رحيل الأسد شرطا لأي تسوية سياسية في سوريا، مثل تركيا وفرنسا والسعودية والولايات المتحدة الأميركية وغيرها، غيرت من مواقفها بخصوص هذه المسألة([13]). بل إن بعض الدول العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين وغيرهما، أعادت فتح سفاراتها في دمشق. ثم جاء الانسحاب العسكري الأميركي من سوريا، والغزو التركي المتكرر لشمال البلاد خلال عامي 2019 و2020 ليضيفا أبعادًا جديدة إلى خارطة الصراع في سوريا([14]).

وفي ضوء كل هذه التطورات، تعرضت الدولة السورية لحالة من التصدع، وبخاصة في ظل الانقسامات العميقة بين النظام وفصائل المعارضة المسلحة التي لا تزال تسيطر على أجزاء من الأراضي السورية، فضلًا عن تدمير البنية التحتية للدولة بسبب الحروب، وتفاقم مشكلة النازحين واللاجئين، واستمرار مطالب قسم من أكراد سوريا بتطبيق الفدرالية في البلاد بما يضمن تأسيس كيان فدرالي لهم، وهو أمر مرفوض من النظام، كما ترفضه تركيا بشدة([15]). إضافة إلى ذلك، فإن التباين في مواقف وأجندات الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في مسارات الصراع السوري، ومن أبرزها روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، قد حال دون التوصل إلى تسوية سياسية عبر مسارات جنيف وأستانا وسوتشي([16])، ما يعني أن الصراع قد يستمر لبعض الوقت، ولو بوتيرة أقل حدة.

4. أسباب تصدع الدولة الوطنية

إذا كانت أزمة الدولة الوطنية في العالم العربي تعود إلى مرحلة نشأتها المرتبطة بحقبة الاستعمار الغربي وتسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى على نحو ما سبق ذكره. فإن العديد من الدول العربية عبارة عن كيانات مصطنعة بفعل سياسات القوى الاستعمارية التي قامت على أساس تجزئة بعض المناطق، وتجميع مناطق أخرى في كيانات أكبر، واقتطاع أجزاء من دول وضمها لدول أخرى، ورسم الحدود بين عديد من الدول، وذلك وفق مصالحها وليس وفق معطيات الجغرافيا والتاريخ وحقائق الواقع الاجتماعي والثقافي. الأمر الذي ساهم في خلق وتعميق مشكلات الحدود والأقليات في المنطقة العربية([17]). وتمثل اتفاقيات “سايكس – بيكو” خير دليل على دور القوى الاستعمارية في النشأة المشوهة للدولة الوطنية في عديد من الحالات. لكن إذا كانت أزمة الدولة الوطنية في العالم العربي قد ارتبطت في جانب مهم منها بظروف نشأتها في ظل مرحلة الاستعمار الغربي، فإنها استمرت، بل تفاقمت في مرحلة ما بعد الاستقلال. حيث أخفقت النخب الحاكمة بدرجات متفاوتة في تأسيس دول وطنية تتمتع بالمؤسسية والفاعلية والشرعية، بحيث تكون قادرة على استيعاب التعددية المجتمعية (الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية والجهوية) في إطار هوية وطنية جامعة، لا تلغي الهويات الفرعية بل تستوعبها في ظل مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان وسيادة القانون والتسامح الديني والفكري والسياسي. لكن بصرف النظر عن التوجهات والشعارات الأيديولوجية، فقد تبنت النخب الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستقلال نهجًا يقوم على المزاوجة بين أربعة مسالك من أجل ضمان استمرارها في السلطة([18]). فقد كان لهذه المسالك كبير الأثر في تعميق أزمة الدولة الوطنية، وهو ما ساهم في تصدعها على نحو سريع في ظل تفاعلات “الربيع العربي” وتداعياته على الدولة السورية، والمتمثلة بما يلي:

أ. احتكار السلطة والثروة

لقد حرصت النخب الحاكمة في أغلب الدول العربية على تكريس مبدأ احتكار السلطة والثروة. لذلك، فقد انصب اهتمامها الرئيس على بناء الأجهزة والمؤسسات التي ترسخ الحكم السلطوي والقبضة الأمنية للنظام، وليس بناء أجهزة ومؤسسات الدولة الوطنية على النحو الذي يعزز من فاعلية هذه الدولة وشرعيتها لدى جميع مواطنيها بمختلف انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية والقبلية([19]). وبسبب ذلك، فقد حدث نوع من التماهي بين الدولة والسلطة الحاكمة أو بين الدولة وشخص الحاكم. حيث صارت الدولة لا تتمتع باستقلالية حقيقية عن شخص الحاكم والذي من المفترض فيه أنه يمارس سلطة الدولة في إطار الدستور والقانون من دون أن يمتلكها. كما أصبح التجنيد للمناصب الرئيسة في مؤسسات الحكم وأجهزة الدولة يعتمد بالأساس على الولاءات السياسية والروابط الأولية القائمة على الانتماءات العائلية والقبيلة والطائفية والجهوية، وظف في المقام الأول لخدمة مصالح فئات اجتماعية معينة كما أصبحت أجهزة الدولة ومؤسساتها معروفة بولائها للسلطة([20]). وفي هذا السياق، فقد جسدت تجربة كل من الأسد (الأب والابن) في سوريا هذه الظاهرة بوضوح. حيث أصبحت المناصب الرئيسة التي تمثل مفاتيح السلطة ومراكز القرار، تتركز في يد الرئيس وعائلته وأبناء عشيرته أو قبيلته أو طائفته. كما أن احتكار السلطة اعتمادًا على المؤسسات القمعية قد عزز من احتكار الثروة، وذلك من خلال شبكة واسعة لما بات يُعرف بـ “اقتصاد المحاسيب” والعلاقات الزبائنية التي رسختها الأنظمة المعنية.

ب. البيروقراطية والفساد الإداري

أفضت سياسات النخب الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستقلال إلى إصابة الدولة الوطنية بحالة من التضخم والترهل، وبخاصة في ظل ما شهدته عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي من الاعتماد المتزايد على القطاع العام، والتوسع في إنشاء الأجهزة والمؤسسات الحكومية التي تمثل عصب الجهاز عن التزام الحكومات بالبيروقراطي للدولة، فضلًا تقديم حزم من الدعم للمواطنين، والتزامها كذلك بتعيين الخريجين. وقد ترتب على هذا الوضع انتشار الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبخاصة في ظل الممارسات السلطوية للنظم الحاكمة، وغياب آليات فعالة للشفافية والمساءلة والمحاسبة. وقد تعاظم هذا الفساد لدرجة أنه تحول في كثير من الحالات إلى فساد مؤسسي (مأسسة الفساد)، وبخاصة في ظل التوجه نحو الأخذ بسياسات مشوهة للانفتاح الاقتصادي والخصخصة منذ ثمانينيات القرن العشرين([21]). ونتيجة لما سبق، فقد أصبحت الدولة في مرحلة ما بعد الاستقلال توصف في كثير من الحالات بأنها دولة متضخمة، تسلطية، لا تمتلك استقلالية حقيقية عن شخص الحاكم، وتعاني في الأغلب الأعم من ضعف قدراتها المؤسسية، واستشراء الفساد في أجهزتها ومؤسساتها. وكل ذلك وغيره حال دون رسوخ مفهوم الدولة في الوعي الجمعي لمواطنيها، ولا سيما أنه أفقدها الفاعلية والشرعية، بمعنى قدرتها على أداء وظائفها التقليدية بكفاءة، ونجاحها في استقطاب الولاء الأسمى لمواطنيها([22]). ولذلك، لم تستطع في كثير من الحالات أن ترسخ من شرعيتها كدولة وطنية.

ج. عدم التوازن العرقي والطائفي

في كثير من الحالات لجأت النخب الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستقلال إلى ممارسة أنواع من التمييز السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ضد فئات من المجتمع استنادًا إلى خطوط الانتماء العرقي أو الطائفي أو القبلي، وجعلت من ذلك أحد آليات ضمان استمرارها في السلطة. فعلى سبيل المثال، استند نظام الأسد (الأب والابن) في سوريا إلى الطائفة العلوية وقام بتهميش السنة الذين يشكلون الأغلبية. وقد ساهمت ممارسات النظام الحاكم بشأن إقصاء وتهميش أقليات عرقية وطائفية ودينية، بل وتهميش الأغلبية في بعض الحالات، في خلق أرضيات ملائمة لظهور صراعات الهوية. فبسبب عدم تمتع الدولة في كثير من الحالات بشرعية حقيقية لدى مجتمعها، انتعشت الهويات الفرعية وتمددت بحيث أصبحت تشكل تحديًا للدولة سواء من أسفل (الانتماءات الطائفية والعرقية والقبلية)، أو من أعلى (حركات الإسلام السياسي التي ترفض الدولة الوطنية وتطرح شعارات الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية)([23]). وقد تصاعدت صراعات الهوية في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” بسبب تصدع الدولة ذاتها على نحو ما حدث في سوريا، ولجوء السلطات الحاكمة وبعض الفاعلين المسلحين من غير الدول إلى توظيف الانتماءات الطائفية والقبيلة والجهوية في الصراعات الأهلية ([24]).

د. تبعية الخارج للهيمنة على الداخل

اتجه النظام الحاكم في مرحلة ما بعد الاستقلال للارتباط بقوى خارجية فاعلة ومؤثرة في النظام الدولي، وجعل من ذلك أحد استراتيجيته للاستمرار في السلطة. وقد جاءت تطورات مرحلة الحرب الباردة وما بعدها لتعزز من هذه الظاهرة. فخلال فترة الحرب الباردة شمل التنافس بين القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة الأميركية، المنطقة العربية، حيث كانت إحدى الساحات الرئيسة لهذا التنافس. وفي أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، أصبحت الفرصة مواتية لتمدد الدور الأميركي في المنطقة. لكن في مرحلة تالية عادت روسيا الاتحادية لتعزز من نفوذها في العالم العربي. وإذا كانت دول مثل (سوريا الأسد الأب والابن)، قد ارتبطت تاريخيًا بالاتحاد السوفياتي ثم روسيا الاتحادية، فإن دولًا عربية أخرى عديدة ارتبطت بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض القوى الغربية الأخرى. وقد ساهم ذلك في تعميق تبعية الدولة العربية للخارج، بحيث أصبح لها أبعادها الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية، وبذلك تحولت إلى تبعية بنيوية بامتياز([25]). وفي كثير من الحالات أصبحت النظم العربية الحاكمة على قناعة بأن استمرارها في السلطة مرهون بطبيعة علاقاتها مع قوى خارجية فاعلة ومؤثرة في النظام الدولي، أكثر مما هو مرتبط بمدى شرعيتها لدى شعوبها. وفي هذا السياق، فقد استمرت القوى الغربية وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية في تقدم الدعم والمساندة لأنظمة تسلطية ما دامت مرتبطة بأهداف واشنطن ومصالحها في المنطقة العربية. بمعنى أنها ضحت بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان لحساب مصالحها الاقتصادية والأمنية ونفوذها في المنطقة.

ه. الاصطفاف المذهبي

بدأ جدار الثقة بالتصدّع مذهبيًاا، حيث برزت الطائفية عارية، عند مجابهة الأغلبية السنيّة بطريقتين مختلفين:

1. ضمان ولاء العسكريين منهم وإشراكهم في أعمال الحكومة من خلال تسخيرهم وربط مصالحهم الشخصية بالوظائف (وزارة الدفاع ـ رئاسة الأركان ـ وزارة الخارجية) وحكرها على هؤلاء لمدى الحياة، ومنح المدنيين صفات حزبية في القيادة القطرية والقومية لحزب البعث الذي كان يقود الدولة والمجتمع لمصلحة سلطة النظام الاستبدادية الحقيقية وجوهر الحكم الطائفي الوراثي([26]).

2. مواجهة النخب والتيارات المتعلّمة والمثقفة في المجتمع المديني وحل النقابات المهنية الحرة والمنتخبة، حيث تمحور الهدف، النيّل من حالة التَديّن التقليدية العامة بين الناس، ومن جانب آخر عزل حركة الإخوان المسلمين وقطع صلة حراكهم الدعوي، سواء في بيئاتهم التقليدية أو حراكهم المجتمعي العام ودفعهم للعمل السري، وبالتالي مواجهتهم بالقتل والتدمير وتجريم الانتساب إليهم قانونًا، في اعتقاد خاطئ من النظام بأنّ عام 1982 سيكون نهاية وجود الجماعة الفعلي على الأرض، وهو مدرك بأنّ التنظيم هو تنظيم عالمي، ينشط في معظم دول الإقليم المجاور، ويلقى الدعم لأسباب مختلفة، يتعلّق بصراع الأنظمة في المنطقة، وهكذا اصطفّ الشعب السوري مذهبيًا، أمام واقع انهيار تام للثقة المستندة على دعائم الوطنية، من خلال إنهاء الحياة السياسية في البلد وفق ما كان سائدًا من قَبل، خلال الانتداب الفرنسي وفي عقب خروجه والبدء باستدعاء عناصر التاريخ التناحري الدموي منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام من الصراع على الولاءات، فالطائفيّة من أكثر الأسباب التي أدّت إلى ترسيخ الشرخ المجتمعي في سوريا([27]). لهذا، فإنَّ التدخل الإيراني في دعم النظام ومواجهة الثورة السلمية عام 2011، جاء مبكرًا وعنيفًا، في مسعى من حكم ولاية الفقيه للعمل على ديمومة الحكم في سوريا في حالته الطائفية منذ أنْ تأسست العلاقة بينهما، عند انتقال الخميني من باريس إلى طهران لاستلام الحكم، وتحدّدت ملامح العلاقة بالقطيعة مع عراق صدام حسين والانحياز التام لإيران، عند اندلاع الحرب بين البلدين في أيلول/ سبتمبر عام 1980. وتطورت حلقات الرابطة المذهبية وأصبحت أكثر صلابة من خلال حشد إيران للميليشيات الشيعية من مختلف حواضنها وزجَّها في الحرب في مواجهة الشعب السوري، وخاصة في الدول التي شهدت حروبًا أهلية، وكان لتدخل حزب الله المؤشر الذي لا يقبل الشك، بأنّ أذرع إيران قد تغوّلت على الدول والحكومات التي أصبحت رهينة سياسات إيران في الشرق الأوسط، أعقبه في المقابل، توجّه أفراد وجماعات من مختلف دول العالم، بهدف نصرة أهل السنة والجماعة، في ما كانت تسمى بـ(جبهة النصرة)، جرى الأمر كله بتسهيل من معظم دول الإقليم، وخاصة تركيا، حيث كانت حصيلة الصراع التآمري، ظهور تنظيم (داعش) الإرهابي بهذه القوة والتمدّد، حتى شملت سطوته مساحات واسعة في كل من سوريا والعراق، وتركّزت في حواضر أهل السنة من الموصل إلى الرقة، وبهذا نجحت الجمهورية الإسلامية مرة أخرى في تحييد النظام الأسدي من الاستهداف ومنعه من السقوط، بدعوى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية([28]). وعمل النظام على ضمان ولاء الأقليات الدينية والمذهبية لتلميع صورة الحكم الدكتاتوري؛ سعى ليصبح المسيحيون جزءًا من النظام الشمولي، سواء من خلال ضمان ولاء رجال الكنيسة أو تسليم بعضهم مناصب في حزب البعث أو تخصيصهم بوزارات ووظائف حكوميّة، وكذلك عمل على تماهي الطائفة الإسماعيلية مع العلوية من حيث الشكل وتقلُّد المناصب والامتيازات، في حين ضمن للطائفة الدرزية امتيازات مخصوصة بها في الحزب والجيش والحكومة، لإشراك معظم الطوائف من خلال قائمة جبهة البعث التقدّمية وهوامش قوائمها السوداء لضمان مقاعد في مجلس الشعب الصوري، لإضفاء التعدديّة الشكليّة على المؤسسات الرديفة لنظام الاستبداد والطغيان. وعلى الرغم من تقاطع المصالح الشخصية الفردية والفئوية مع الطائفة الحاكمة، إلا أنَّ الشعور الطائفي وفق خصوصية كل مذهب وطائفة وتقوقعها التاريخي أصبح هو السائد، ولم تؤسس لمجتمع متجانس قائم على الثقة المنبثقة عن الانتماء الوطني الجامع([29]). بقيت هذه الطوائف خلال الثورة السورية محايدة، منعزلة في جزرها، يكتنفها التقلّب بين ولاء سلبي مع النظام أو المشاركة إلى جانب النظام من خلال تجنيد أبنائها، حيث بقيت السويداء في منأى من جارتها درعا، وهما تشكلان جبل وسهل حوران، فيما بقيت بعض حارات دمشق، التي يغلب عليها الطابع المسيحي، بمعزل عن حارات خاصرة دمشق وريفها، بينما تخلّفت السلمية عن نصرة حمص وريفها، والحال ينطبق على حلب، حيث أودع النظام بعض حاراتها برسم الأمانة والوكالة لدى سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي. تنامى الشعور بالمناطقية وفق التقسيمات الإدارية، وأصبحت المناطقية أساسًا للشعور بالانتماء الوطني، على الرغم من طول أمد الحكم المركزي الشديد الذي كرّسه الحكم الاستبدادي الشمولي، لنظام قائم على الاستعباد والاسترقاق، فالانتماء المناطقي أصبح أكثر دلالة على المكان عندما انسحب جيش النظام إلى مناطق سوريا المفيدة وترك خلفه مساحات واسعة تشمل محافظات كاملة وخاصة شرق الفرات، لعزل مناطق الوجود الكردي عن الثورة في البداية عام 2012، وكذلك لترتيب تمدّد تنظيم (داعش) عام 2014، في محافظتي دير الزور والرقة، بمحاذاة الحدود العراقية في محافظتي الموصل والأنبار تنفيذًا لسياسات المحور الشيعي الذي تقوده إيران. إلا أنَّ الجهد الدولي المتمثّل بالتحالف الغربي الأميركي، تمكّن من إدارة الصراع بعد التخلّص من داعش في مناطق نفوذه، بجعل حزب الاتحاد الديمقراطي وقوّات سوريا الديمقراطية في حلٍّ من التكاليف التي قد فرضتها الاتفاقات السابقة مع النظام وراعيته إيران، في ما يشمل ما يسمى “كوردستان سوريا” ومناطق شرق الفرات، وفي المقابل فرضت المناطقيّة نفسها على تحركات الجيش الحر. بحيث أصبح كل فصيل يعمل ضمن جغرافية محددة، وكانت الدول الداعمة له تحدّد تلك التكتيكات. ولم تؤسس لاستراتيجية شاملة متكاملة حتّى يتم إسقاط النظام لأسباب كثيرة تتعلّق بالمصالح الدولية وأمن إسرائيل، وكذلك الصراع المذهبي المستتر الذي يمثّله كل من تركيا وإيران، على الرغم من اتفاقهما على منع قضية الشعب الكردي في سوريا من التطور باتجاه الحل. كما جاء التدخل الروسي في المعارك لمصلحة النظام عام 2015 إلى بروز وتقاطع مصالح الدول الإقليمية إلى السطح، من خلال ما تسمى بالمصالحات والمقايضات([30]). وبالنتيجة أصبحت مناطق النفوذ تأخذ ملامحها الجيوسياسية، وخاصة بعد تمكين تركيا بتواطؤ روسي وتغريدات مشبوهة على (تويتر) من الرئيس الأميركي (ترامب) بالانسحاب، وبالتالي احتلال مناطق غرب كوردستان (عفرين/ كورد باغ، كرى سبي/ تل أبيض، سرى كانيه/ رأس العين) . ومن الجدير ذكره اختفاء الجيش الحر من الساحة بعد التآمر الإقليمي والدولي، وتخلّي ما كان يسمى بأصدقاء للشعب السوري عنه، حيث استُعيض عنه بـ(الجيش الوطني) العائد للائتلاف السوري التابع لتركيا، الذي أصبح يعمل داخل سوريا وخارجها.

و. فقدان الثقة بين المكونات القومية

كرَّس النظام الأسدي مفاهيم عنصرية تمجِّد القومية العربية السائدة، ابتداءً وانتهاءً من منطلقات منصّته الشكلية الخادعة بقوالبها السياسية والفكرية والشعاراتية لـ(بعث الأمة)، كحزب يقود الدولة والمجتمع، واستخدمه لحشد الشعبويين الغوغائيين لتنفيذ سياساته الشوفينية في مواجهة الشعب الكردي في سوريا([31]). لهذا، لم يؤسّس أصلًا لثقة من المفترض أن تكون موجودة على أسس وطنية، لمكون قومي مختلف، له خصوصيته الثقافية. حيث استمرّ تعامله الأمني مع الشعب الكردي طوال فترة حكمه، من خلال ضرب التعايش السلمي بين جميع مكونات الشعب السوري. لهذا، تآمر منذ بداية الثورة، من خلال الانسحاب من مناطق التواجد الكردي وتسليمه لسلطة حزب الاتحاد الديمقراطي، في مسعى منه لمنع أي تطور يتعلّق بحقوق الشعب الكردي القومية العادلة على أسس وطنية سورية. إلا أنّ تصاعد الأزمة السورية بالتدخلات الدولية وطول أمدها حال دون تنفيذ سياساته بالشكل الذي رسمه لها. وفي الحين ذاته، تقاطعت تلك السياسات مع الرؤية السلبية للمعارضة السورية السياسية.

5. رهانات إعادة بناء الدولة الوطنية في سوريا

بناء على ما سبق، فإن هناك مجموعة سيناريوهات كبيرة لمستقبل الدول المتصدعة في المنطقة، لكل منهما شروطه ومتطلباته:

أ. التسوية السياسية والتاريخية

يكمن جوهر هذا السيناريو في التوصل إلى مصالحات وطنية وتسويات سياسية تاريخية، تضع نهاية للصراعات القائمة، وتشكل أرضية لإعادة بناء الدول المتصدعة على أساس عقد اجتماعي جديد يستند إلى مبادئ المواطنة المتساوية، وسيادة القانون، والعدالة الناجزة، والمشاركة السياسية من دون إقصاء أو تمييز، والعيش المشترك في إطار من التسامح السياسي والديني والفكري([32]). وقد يتم الأخذ بصيغ فدرالية لشكل الدولة بحيث تلبي عددًا من مطالب بعض الفئات العرقية والجهوية. وفي جميع الحالات، هناك قرارات دولية واتفاقيات سابقة من التسويات السياسية يمكن الانطلاق منها والبناء عليها مثل المبادرة الخليجية ومخرجات مبادئ مسار جنيف بالنسبة إلى سوريا. كما تؤكد الخبرات التاريخية المقارنة على أن أي استراتيجية جادة لإعادة بناء دولة متصدعة لا بد أن تستند إلى أولويات واضحة، منها: إعادة بناء أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبخاصة الجيش والأجهزة الأمنية، على أسس وطنية احترافية وليس عرقية أو طائفية، ونزع سلاح المليشيات على النحو الذي يحقق مبدأ احتكار الدولة لحق الاستخدام المشروع للقوة عن التطبيق الفعال ([33]). تحتاج هذه المسألة المعقدة إلى آليات واضحة ودعم دولي، فضلًا عن العدالة الانتقالية، وإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحروب على النحو الذي يسرع من عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم. وثمة عدة شروط لتحقيق هذا السيناريو، في مقدَّمها: التوصل إلى توافقات ومصالحات وطنية بين الأطراف المحلية الرئيسة المنخرطة في الصراعات على نحو ما سبق ذكره، وكذلك وجود حالة من التوافق بين الأطراف على وضع استراتيجيات وآليات لحفظ السلام بحيث لا تكون الخارجية، الإقليمية والدولية، المعنية به، وكذا تشكيل أجهزة ومؤسسات فعالة تأخذ على عاتقها مسؤولية تنفيذ خطط وبرامج إعادة الإعمار في ظل الالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة وسيادة القانون([34]). ويتطلب ذلك توفير التمويل اللازم لهذه العملية. سواء من خلال موارد محلية مثل عائدات النفط في سوريا، أو من خلال الدعم الخارجي الذي تقدمه منظمات دولية أو بعض المانحين الدوليين.

ب. تجاوز حالة الصوملة السورية

يجسد هذا السيناريو نموذج “الصوملة” المتمثل بتفكك الدولة، وتواصل الصراعات الداخلية مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وإضافة إلى حالة الصومال، فإن ثمة نماذج أخرى في التاريخ العربي الحديث لها دلالتها بهذا الخصوص. فالحرب الأهلية اللبنانية استمرت لنحو خمسة عشر عامًا (1975-1989)، ولا تزال الأوضاع والتوازنات الداخلية هشة([35]). والخشية هنا هي أن تستمر الحروب الأهلية الدائرة حاليًا في سوريا كصراعات ممتدة، تبقى لفترات زمنية طويلة، وتتجذر في الهياكل الثقافية والاجتماعية، ويتعايش الآخرون مع وجودها بوصفها عصية على الحل. وجدير بالذكر أن تحقيق إنجاز عسكري ما من جانب أي طرف محلي في أي من الحروب الأهلية المعنية لا يعني وضع نهاية للصراع ما دام لا يقود إلى تسوية سياسية مقبولة من مختلف الأطراف الداخلية المؤثرة، وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالصراع. لذلك، فمن المتوقع في ظل هذا السيناريو أن تستمر مساحات من إقليم الدولة تحت سيطرة ميلشيات مسلحة، أو تنظيمات جهادية إرهابية، أو جماعات عرقية، أو تكوينات قبلية([36]). ومن المتوقع كذلك أن تستمر المواجهات المسلحة بين القوى المتصارعة في الداخل بغرض توسيع نطاق السيطرة والنفوذ، وبخاصة في المناطق التي توجد فيها موارد اقتصادية نفطية أو غير نفطية. وفي هذه الحالة سوف تستمر الدول المتصدعة كمصادر لتهديد الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وعلى الرغم من أن السيناريو الأول هو المأمول أو المرغوب فيه، إلا أن كثيرًا من المؤشرات الحالية ترجح احتمال السيناريو الثاني، على الأقل خلال الأجلين القصير والمتوسط، ولا سيما أن بعض الأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في الصراعات المعنية تنظر إليها على أنها صراعات ذات طابع وجودي أو محصلة صفرية. كما أنه بدأت تتنامى شبكة معقدة ومتداخلة من المصالح المرتبطة باستمرار هذه الصرعات، وهي مصالح تتعلق بنخب وتنظيمات سياسية، وتكوينات قبلية وعرقية، وعصابات إجرامية، فكلها باتت مستفيدة من حالة الفوضى وغياب سلطة الدولة وانعدام سيادة القانون. ولذلك فإنه حتى في حالة تحقيق تقدم ما بشأن التسوية السياسية لأي من الصراعات المعنية، فإن هذا التقدم سوف يكون في أفضل الأحوال بطيئًا وتدريجيًا وعرضة للانتكاسة ما لم يتم توفير بعض شروط ومتطلبات استمراره على نحو ما سبق ذكره، ونظرًا إلى أن كثيرًا من الأطراف المحلية المنخرطة في الحروب الأهلية الدائرة في كل من سوريا وليبيا واليمن مرتبطة بقوى خارجية، إقليمية ودولية، توفر لها الدعم المادي والعسكري، فإن تحقيق اختراقات من أجل تسوية هذه الصراعات الدائرة يتوقف في جانب مهم منه على مدى التوافق بين القوى الإقليمية والدولية المنخرطة بشكل أو بآخر في كل من هذه الصراعات([37]). ولكن مثل هذا التوافق ليس بالأمر السهل في الحالات كلها بسبب عمق الانقسامات بين الأطراف المعنية. وهذا أحد التحديات الأخرى التي ترجح سيناريو “الصوملة” في الدول المعنية، وهو سيناريو كارثي بمعنى الكلمة، حيث تتفكك الدولة، وتظل ساحة للحروب والمواجهات المسلحة، وتصبح ملاذًا للفاعلين المسلحين من غير الدول، ما يجعلها مركزًا للفوضى وانعدام الأمن ومعاناة البشر، فضلًا عن كونها مصدرًا لتهديد الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي. فمتى وكيف ستتحرك بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بمسؤولية وفاعلية من أجل إنضاج شروط ومتطلبات تحقيق تسويات سياسية ناجزة للصراعات المعنية بحيث تجنب المنطقة سيناريو “الصوملة” الكارثي وتداعياته؟ الإجابة عن هذا السؤال سوف تكون أحد العوامل الحاسمة في تشكيل المستقبل السوري.

ج. تجاوز أزمة الهوية

يعاني الإنسان العربي اليوم أزمة هوية وانتماء عميقة وشاملة، وتعود جذور هذه الأزمة إلى وجود الإنسان العربي في ظل كيانات اجتماعية متعددة أخرى. لأن الوطن العربي كيان مركب معقد تتداخل فيه عناصر الولاءات المحلية بالولاءات الوطنية، وتنتهي بالدين والإثنية أحيانًا، ومتعارضة تبدأ بالقبيلة والطائفة حينًا، ولتتطابق فيه حدود الجغرافيا مع حدود المشاعر والحدود السياسية مع حدود الملة. والسبب في ذلك يعود إلى أن نشوء الدول العربية، لم يأتِ بشكل طبيعي وتطور مستمر، وإنما نتيجة عوامل خارجية، على الأقل في ما يتعلق بتحديد الحدود الدولية لهذه الدول وفصلها عن بعضها بعضًا، متمثلة بالاستعمار الذي أراد تجزئة المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة، وبالتالي إضعافها من خلال زرع الحدود المصطنعة في ما بينها وإشغالها بمشكلاتها الداخلية الضيقة، والهوية الفرعية من بين هذه المشكلات التي تواجهها وتهدد وجودها([38])، ما أدى إلى تعدد انتماءات الشخص، خاصة في المجتمعات النامية ومجتمعنا العربي منها، لكن القبيلة والطائفة والمذهب والقومية لا تزال قوية وضاربة بجذورها في أرض المجتمع، وقادرة على تشكيل أفعاله وسلوكه. فمنذ الانقلاب العسكري لحافظ الأسد بدأت الثقة تتزعزع بالنظام الذي عمل على توليف وإخراج بُنية الدولة السورية على قاعدة ذلك الهرم الدكتاتوري، والتي عكستها صورة الخطاب السياسي للحزب القائد للدولة والمجتمع، التي رافقت مسيرة تأليه الفرد وتعميم الاستبداد ونشر الخوف والفقر، وفق الشكل الذي آل إليه الوضع إلى توريث الابن البديل عن الوريث الأصل، الابن البكر، الذي غيَّبه الموت المفاجئ إثر حادث مروري لا يزل يحمل إشارات استفهام حول حِدّية الصراع على السلطة في الشرق الأوسط وبلاد الشام([39]).

د. وضع أسس الانتقال الديمقراطي

ثمة أربع قضايا مهمة سيدور حولها الصراع في سوريا التي تعيش مخاض التخلص من النظام التسلطي ووضع أسس الانتقال الديمقراطي، من أجل إعادة بناء دولة وطنية. هذه القضايا مشتركة في الفضاء الثقافي العربي وإن اختلف ترتيبها من بلد إلى آخر لجهة الأولوية. هي كالتالي([40]):

1. إعادة ضبط هوية الدولة من حيث كونها مدنية أو إسلامية، ويدور الصراع بشكل رئيس حول موقع ودور الإسلام والشريعة الإسلامية في القوانين والتشريع.

2. إعادة تحديد دور الجيش والمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وضبطها ضمن الأصول الديمقراطية.

3. إعادة الاعتبار لحقوق الأقليات في الدول التي تكثر فيها الأقليات العرقية والدينية والإثنية، وكذلك ما يتعلق بحقوق المرأة.

4. إعادة هيكلة الاقتصاد والتوزيع، وتطوير السياسات الاجتماعية، من خلال توفير فرص عمل وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها من القضايا التي ستتبلور في البرنامج التنموي.

إن قيام الدولة السورية بإجراء تعديلات كثيرة في بنبة الدولة الإدارية، والتحديث في هرميتها، عبارة عن إصلاحات أعطت النخبة الحاكمة نفوذًا مضاعفًا من دون أن تغير شيئًا في الفجوة الفاصلة بين جهاز الدولة المجتمع([41]). فالبيروقراطية مثلًا، التي تعكس في أساسها عقلنة الدولة، وترمز إلى تحقيق موضوعية الدولة التي تنفصل عن شخص السلطان، وموضوعية القانون الذي ينفصل عن شخص القاضي، ظلت محتفظة بالعلاقات الموروثة. حيث ظلت العلاقات بين الموظفين علاقة إحسان وولاء، وظل سلوك كل موظف مرتبطًا بذاته وبشخصية من يجاوره في شأن خدمة معينة. كذلك فإن تطوير وتحديث جهاز الدولة الذي قصد منه تمكين الدولة من ممارسة دورها العام، أدى إلى تحديث أجهزة القمع والقوة العسكرية لديها، من دون أن يتم تحديث بنى الإنتاج والخدمات. لذلك، فإن إصلاحات الدولة لم تغير شيئا من الفجوة الفاصلة بين جهازها الحاكم وبين المجتمع، بل ازدادت الفجوة اتساعًا مع عجز الدولة المتزايد عن تلبية الآمال والتطلعات المعلقة عليها، وإخفاقها في الوفاء بمزاعمها التحديثية والتقدمية. وقد أدى الفصل بين الدولة والفرد، إلى اتساع الفجوة بينهما، فلم يُخضع الحكام سلطتهم للمنافسة السياسية، ولم يسمحوا بالتغبير العام، ولم يطالبوا المواطنين بالمقابل أن يشاطروهم أيديولوجيتهم بشكل صحيح، ولم يكترثوا لولاء الفرد الذي انصرف وانصب على الأمة والعشيرة والطائفة، فقد كان المطلوب خلق انتماء عام من دون السعي لإعادة صياغة عقلية المواطنين، أو الوقف على أرضية مشتركة، أو بناء مجال سياسي جامع، تتم به وعبره صياغة المطالب وبناء قنوات اتصال بين الطرفين([42]). هذا الأمر أبقى مفاعيل دولة السلطنة داخل دولة الاستقلال، التي تجعل الدولة تترفع عن الانغماس في المجتمع، أو عن تلبية تطلعاته، وتجعل الفرد يقيم علاقاته الحقيقية بروابط خارج الدولة، كانت الطائفة أهم مؤسساتها. ما يشير إلى أن فشل الدولة، لا يفسره فقط إخفاقها في مهماتها النهضوية، أو ضعفها في رد العدوان والتدخل الخارجي، أو تخلف ذهنية قادتها وسطحية تنظيماتها الإدارية، بل يفسره أيضًا انعدام أدلوجة الدولة نفسها، التي تؤسس لنفسها شرعية مختلفةً عن شرعية القهر والغلبة، وتحقق إجماع المواطنين حولها عبر شراكتهم الفعلية في مسار صناعة القرار السياسي.

إن إخفاق النظام في خلق إجماع وطني أو قومي يدعم الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة ضد الانتماءات الجزئية المتعددة، أدى إلى تنامي الهويات الدينية، والمذهبية، وانعدام الأطر الوطنية المعبرة عن إرادة جميع الأفراد التي تتيح التعبير المتساوي لجميع الإرادات داخل الدولة المركزية، وتلاشي أي فرصة لتكوين برنامج أو مجال سياسي يكفل تشغيل المجتمع كله لا جزء منه أو بعضه([43]). الأمر الذي دفع المجتمع إلى إعادة إنتاج نفسه بعزلة عن الدولة، وإحياء البنى الأكثر تقليدية من طائفية وعشائرية، بواسطة الأيديولوجيا والأسطورة والثَّقافة([44]). فازدهرت نتيجة لذلك الهويات السّنيّة والشِّيعيّة والإسلاميّة والمسيحيّة، كأجسام عضوية تقف حاجزًا بين الفرد والدولة، حيث عاش الأفراد بين الأهل والعشيرة والقرية، ولم يكن للدولة مدخل سانح إلى حياة رعاياها.

تركيب واستنتاج

يمكن حصر العوامل نقلت سوريا من مرحلة بناء الدولة إلى مرحلة تدمير الدولة من الناحية الداخلية في أربعة أصعدة (سياسية واجتماعية واعلامية، واقتصادية)، ساهمت في فشل الدولة السورية تحت وطأة العنف والدمار المتعدد المستويات، مفرزة أزمة وعقدة عملت على نقل الدولة والمجتمع السوري من مرحلة بناء الدولة الوطنية إلى مرحلة انهيار الدولة، ما خلق وضعًا مرعبًا، ساهمت فيه عدة قوى. تجلت هذه العوامل في التالي:

1. السياسية: إن المأساة الإنسانية التي تمر منها الدولة السورية منذ 2011، تبدو مبهمة أول وهلة، كيف لهذا البلد الذي قدم لمدة أربعة عقود أنموذجًا للاستقرار السياسي الداخلي وسط منطقة مضطربة أن يتحول إلى دولة فاشلة؟ فقد صادر النظام السوري الحياة السياسية بالكامل، وعمل على قمع أي مبادرة تهدف إلى التغيير السياسي، بهدف الحفاظ على الاستقرار عبر السلطوية، مع السماح النسبي بالمشاركة السياسية، والعمل الجمعوي في إطار أيديولوجيا وتوجهات حزب البعث. وجدت التراكمات المجتمعية التي طالت عدة عقود، فرصة لإخراجها في ظل ظروف الثورات العربية، كفرصة سانحة للتعبير عن مدى التذمر الاجتماعي من النظام السياسي، من دون أن يدرك الشعب السوري أن الدول الكبرى والإقليمية لا تهتم بتغيير النظام ولا بالبناء الديمقراطي المنشود، بل بالفوضى.

2. الاجتماعية: من الناحية التاريخية، فقد فرضت اتفاقية سايكس بيكو على الرأي العام السوري حدودًا لم يستطع السوريون تقبلها، الأمر الذي أدى إلى أزمة هوياتية، تمثلت بضعف الإحساس بالولاء للدولة الوطنية عند الأغلبية العظمى من السوريين، وقد دفعهم هذا الأمر إلى البحث عن مصادر أخرى للهوية الوطنية خارج حدود الإقليم السوري، وتنازعت السورين أربع هويات محورية: الهوية القطرية، الهوية القومية، الهوية العربية، والهوية الإسلامية، فضلًا عن محافظة بعض السوريين على الهويات العشائرية والهويات الإثنية (الهوية الكردية) التي تم لجمها، ولم تظهر إلا بعد الأزمة التي عصفت بسوريا، حيث عادت الولاءات التقليدية للظهور، وانتعشت بعد تطور الأزمة السورية وتحولت إلى حرب شاملة.

3. الإعلامية والاتصالية: ساهمت وسائل الإعلام والاتصال في ترويج أكاذيب كثيرة، وجعلت المواطن السوري أسيرها وضحية البروباغاندا، ما وضع السوريين في مفارقة تجمع بين اللحظة الثورية المطالبة بالتحول الديمقراطي من جهة، ومسار استدعاء انتماءات ما قبل الدولة التي أطاحت بالمجتمع والدولة من جهة أخرى، ما أدى إلى نقل مسار الدولة السورية من الثورة إلى الأزمة.

4. الاقتصادية: تجلت في الاختناق المؤسساتي الذي همش قطاعات كبيرة من المجتمع، حارمًا إياها من المساهمة في الحياة السياسية والاقتصادية، فعلى المستوى الاقتصادي تتمثل حالة الاختناق في المؤسساتي بفقدان المؤسسات الاقتصادية لقدرتها على التطور عبر الزمن من ناحية معدلات النمو والاستقرار النسبي للأسعار، مع انخفاض العجر الموازي والمديونية، وترافق ذلك مع تحولات هيكلية في الاقتصاد، ما جعل الدولة المتصدعة بؤرة لتهديد الأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، لأنها أصبحت تشكل ملاذات للفاعلين المسلحين من غير الدول بما في ذلك التنظيمات الجهادية الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة العابرة لحدود الدول.

إضافة إلى ذلك، خلقت هذه الدولة الفاشلة تحديات جديدة لبعض الدول المجاورة من خلال مشكلة اللاجئين، حيث اضطرت أعداد من سكانها إلى مغادرتها واللجوء لدول أخرى مجاورة بحثًا عن ظروف حياة أفضل وأكثر أمنًا. إن مستقبل الدولة السورية تحكمه عدة عوامل في مقدَّمها مستقبل الصراعات الداخلية، والحروب الأهلية. وهنا يبرز دور عاملين مهمين:

1. مدى قدرة الأطراف المحلية المنخرطة في هذه الصراعات والحروب على بناء توافقات وطنية بشأن حلول وتسويات سياسية ناجزة لهذه الصراعات.

2. مدى التوافق بين الأطراف الخارجية (الإقليمية والدولية) المنخرطة في هذه الصراعات بشكل مباشر أو غير مباشر بشأن تسويتها سياسيًا. حيث إن لهذه الأطراف تأثيرًا كبيرًا على القوى المحلية المنخرطة في الصراعات كونها تقدِّم لها الدعم المادي والعسكري. وتتمثل المعضلة الكبرى هنا في كون جل الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراعات الدائرة في سوريا، تؤكد على أن الحلول لهذه الصراعات لا بد أن تكون سياسية، إلا أن انقساماتها تساهم، إلى جانب عوامل أخرى، في عرقلة فرص الحلول السياسية، ومن ثمَّ فإن الجهد المبذول، وبخاصة من جانب الأمم المتحدة، والاتفاقيات التي وُقعت بشأن التسويات السياسية للصراعات المختلفة، لم تفضِ إلى نتائج ملموسة.

قائمة المصادر والمراجع

1. المراجع باللغة العربية

إبراهيم، سعد الدين، المجتمع والدولة في الوطن العربي، ط 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1988).

أحمين، عبد الحكيم، الهويات الافتراضية في المجتمعات العربية، ط1 (الرباط، دار الأمان، 2017).

أشواق، عباس، أزمة بناء الدولة العربية المعاصرة: مقاربة نقدية لمفهوم الإصلاح وإشكالية التكامل العقلاني، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016).

الأتاسي، نشوان، تطور المجتمع السوري 1831-2011، ط1 (بيروت، أطلس للنشر، 2015).

الجابري، محمد عابد، مسألة الهوية، العروبة والإسلام، ط4 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012).

الخمليشي، أحمد، الدين والدولة في الوطن العربي، ط 1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2013).

الدسوقي، أمين، وآخرون، المؤسسة العسكرية السورية، ط1 (اسطنبول/ تركيا، مركز عمران للدراسات، 2019).

السبعاوي، فهد عباس. العلاقات السورية الأمريكية، ط1 (عمان، دار غيداء للنشر والتوزيع، 2013).

الشرجبي، عادل، أزمة الدولة في الوطن العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2011).

العروي، عبد الله، مفهوم الدولة، ط2 (الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1983).

الكيلاني، شمس الدين، مدخل في الحياة السياسية السورية، من تأسيس الكيان إلى الثورة، ط1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث، 2017).

المالح، هيثم، روسيا والثورة السورية، ط1 (عمان، دار عمان للنشر والتوزيع، 2016).

الهلالي، محمد ولزرق، عزيز، الدولة، ط1 (الدار البيضاء/ المغرب، دار توبقال للنشر، 2011).

ثناء فؤاد، عبد الله، آليات الاستبداد وإعادة إنتاجه في الواقع العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005).

حسن لطيف، كاظم الزبيدي، الدولة ومستقبل التنمية في الوطن العربي، ط2 (عمان، مؤسسة الوراق، 2006).

حسنين توفيق، إبراهيم، النظم السياسية العربية: الاتجاهات الحديثة في دراستها، ط2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008).

خير الدين، حسيب، مستقبل الأمة العربية: التحديات: التقرير النهائي لمشروع استشراف مستقبل الوطن العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1988).

ديب، كمال، تاريخ سورية المعاصر، ط2 (بيروت، دار النهار للنشر، 2012).

سعد الله، علي، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني، ط1 (الأردن، دار مجدلاوي للنشر، 2003).

عاصي، جوني، نظريات الانتقال إلى الديمقراطية، ط1 (فلسطين، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2006).

عبد الجليل، علي رعد، التنمية السياسية مدخل للتغيير، ط1 (ليبيا، دار الكتب الوطنية، 2002).

غليون، برهان، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، ط2 (بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990).

غليون، برهان، المحنة العربية، الدولة ضد الأمة، ط3 (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2003).

فرحات، محمد فايز، الاحتلال وإعادة بناء الدولة: دراسة مقارنة، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2015).

قدري، جميل، الأزمة السورية الجذور والآفاق، ط1، (بيروت، دار الفارابي، 2019).

وهبان، أحمد، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، ط1 (مصر، دار الجامعة الجديدة، 2000).

مجموعة من الباحثين، أزمة الدولة في الوطن العربي، ط2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012).

مجموعة من الباحثين، النزاعات الأهلية العربية: العوامل الداخلية والخارجية، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1991).

2. المراجع باللغة الأجنبية

Timothy Mitchell, the limits of the State, American Political Science Review, Vol 85, Issue 1, 1991 Weber, Max, Political writings (Cambridge University Press, 2007)

3. المراجع المترجمة

باسيك جيك، وآخرون، استراتيجية التدمير، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2006).

جان وليام لابيار، السلطة السياسية، ترجمة: الياس حنا الياس، ط3 (بيروت، منشورات عويدات، 1977).

فوكوياما، فرنسيس، بناء الدولة النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الواحد والعشرين، ترجمة: مجاب الإمام، ط1 (الرياض، منشورات العبيكان، 2007).

4. المجلات والدوريات

أمزيان، محمد، مفهوم الدولة الوطنية وإشكالية التحديث السياسي، مجلة: اتجاهات سياسية، ع 7، برلين، 2019.

بدرخان، عبد الوهاب، الانقسامات المذهبية والتوترات الطائفية في الواقع العربي المعاصر، الأسباب والتداعيات، مجلة الشؤون العربية، العدد 144، 2010.

بلقزيز، عبد الإله، أزمة الشرعية في النظام السياسي العربي، مجلة: المستقبل العربي، بيروت، ع 378، آب/ أغسطس 2019.

طارق، حسن، الدولة الوطنية بعد الثورات، مجلة: سياسات عربية، قطر، ع9، 2014.

وطفة، علي أسعد، إشكالية الهوية والانتماء في المجتمعات العربية المعاصرة، مجلة: المستقبل العربي، العدد 282، بيروت، 2002.



1-
الخمليشي، أحمد، الدين والدولة في الوطن العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2013)، ص21.

2- العروي، عبد الله، مفهوم الدولة، ط2 (الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1983)، ص52.

3- الجابري، محمد عابد، مسألة الهوية، العروبة والإسلام، ط4 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)، ص216.

4- مجموعة من الباحثين، أزمة الدولة في الوطن العربي، ط2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)، ص42.

5- أمزيان، محمد، مفهوم الدولة الوطنية وإشكالية التحديث السياسي، مجلة: اتجاهات سياسية، ع 7، برلين، 2019، ص63.

6- أشواق عباس، أزمة بناء الدولة العربية المعاصرة: مقاربة نقدية لمفهوم الإصلاح وإشكالية التكامل، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2016)، ص21.

7- حسنين توفيق، إبراهيم، النظم السياسية العربية: الاتجاهات الحديثة في دراستها، ط2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2008)، ص73.

8- الأتاشي، نشوان، تطور المجتمع السوري 1831/2011، ط1 (بيروت، أطلس للنشر، 2015)، ص162.

9- إبراهيم، سعد الدين، المجتمع والدولة في الوطن العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1988)، ص39.

10- بدرخان، عبد الوهاب، الانقسامات المذهبية والتوترات الطائفية في الواقع العربي المعاصر، الأسباب والتداعيات، مجلة شؤون عربية، العدد 144، 2010، ص43.

11- الشرجبي، عادل، أزمة الدولة في الوطن العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2011)، ص52.

12- إبراهيم، سعد الدين، المجتمع والدولة في الوطن العربي(مرجع سابق)، ص152.

13- Timothy Mitchell, the limits of the State, American Political Science Review, Vol 85, Issue 1, 1991, P: 51

14- الكيلاني، شمس الدين، مدخل في الحياة السياسية السورية، من تأسيس الكيان إلى الثورة، ط1(بيروت، المركز العربي للأبحاث، 2017)، ص83.

15- طارق، حسن، الدولة الوطنية بعد الثورات، مجلة: سياسات عربية، قطر، ع 9، 2014، ص93.

16- السبعاوي، فهد عباس، العلاقات السورية الأمريكية(مرجع سابق)، ص131.

17- مجموعة من الباحثين، النزاعات الأهلية العربية: العوامل الداخلية والخارجية، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1991)، ص182.

18- جان وليام لابيار، السلطة السياسية، ترجمة: الياس حنا الياس، ط3 (بيروت، منشورات عويدات، 1977)، ص52.

19- بدرخان، عبد الوهاب، الانقسامات المذهبية والتوترات الطائفية في الواقع العربي المعاصر (مرجع سابق)، ص62.

20- بلقزيز، عبد الإله، أزمة الشرعية في النظام السياسي العربي، ملة: المستقبل العربي، بيروت، ع 378، آب/ أغسطس، 2010، ص117.

21- حسن لطيف، كاظم الزبيدي، الدولة ومستقبل التنمية في الوطن العربي، ط2 (عمان، مؤسسة الوراق، 2006)، ص192.

22- أشواق عباس، أزمة بناء الدولة العربية المعاصرة، مرجع سابق، ص73.

23- أحمين، عبد الحكيم، الهويات الافتراضية في المجتمعات العربية، ط1 (الرباط، دار الأمان، 2017)، ص49.

24- قدري، جميل، الأزمة السورية الجذور والآفاق، ط1 (بيروت، دار الفارابي، 2019)، ص153.

25- مجموعة من الباحثين، أزمة الدولة في الوطن العربي، ط2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012)، ص32.

26– أشواق، عباس، أزمة بناء الدولة العربية المعاصرة (مرجع سابق)، ص77.

27- قدري، جميل، الأزمة السورية الجذور والآفاق (مرجع سابق)، ص118.

28- ديب، كمال، تاريخ سورية المعاصر، ط2 (بيروت، دار النهار للنشر، 2012)، ص72.

29- وطفة، علي أسعد، إشكالية الهوية والانتماء في المجتمعات العربية المعاصرة، مجلة: المستقبل العربي، العدد 282، بيروت، 2002، ص103.

30- عبد الجليل، علي رعد، التنمية السياسية مدخل للتغيير، ط1 (ليبيا، دار الكتب الوطنية، 2002)، ص67.

31- ثناء فؤاد، عبد الله، آليات الاستبداد وإعادة إنتاجه في الواقع العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2005)، ص55.

32- سعد الله، علي، نظرية الدولة في الفكر الخلدوني، ط1 (الأردن، دار مجدلاوي للنشر، 2003)، ص131.

33- الهلالي، محمد ولزرق، عزيز، الدولة، ط1 (الدار البيضاء/ المغرب، دار توبقال للنشر، 2011)، ص31.

34- المرجع السابق، ص82.

35- الدسوقي، أمين، وآخرون، المؤسسة العسكرية السورية، ط1 (اسطنبول/ تركيا، مركز عمران للدراسات، 2019)، ص137.

36- غليون، برهان، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، ط2 (بيروت، المركز الثقافي العربي، 1990)، ص211.

37- وهبان، أحمد، التخلف السياسي وغايات التنمية السياسية، ط 1(مصر، دار الجامعة الجديدة، 2000)، ص98.

38- غليون، برهان، المحنة العربية، الدولة ضد الأمة، ط3 (بيروت، المركز الثقافي العربي، 2003)، ص183.

39- عاصي، جوني، نظريات الانتقال إلى الديمقراطية، ط1 (فلسطين، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2006)، ص62.

40- فرحات، محمد فايز، الاحتلال وإعادة بناء الدولة: دراسة مقارنة، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2015)، ص112.

41- فوكوياما، فرنسيس، بناء الدولة النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة، ترجمة: مجاب الإمام، ط1 (الرياض، منشورات العبيكان، 2007)، ص103.

42- خير الدين، حسيب، مستقبل الأمة العربية، تقرير مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي، ط1 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1988)، ص121.

43- Weber, Max, Political writings (Cambridge University Press, 2007), P: 98

44- المالح، هيثم، روسيا والثورة السورية، ط1 (عمان، دار عمان للنشر والتوزيع، 2016)، ص28.

مشاركة: