الحرب وبناء الذاكرة الوطنية

إن دراسة الذاكرة وبنائها وتكوينها موضوع اهتمام واسع بين عديد من التخصصات، بدءًا من علوم النفس المعنية بالذاكرة كمكون بيولوجي حيوي، يؤسس حياة الفرد، ومرورًا بعلم التاريخ الذي يرصد الذاكرة كجملة من الأحداث المتراكمة عبر الزمن وتشكل فضاءً يحيط بوعي الإنسان ويؤثر فيه، وانتهاءً بعلوم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلوم اللسان التي تتجلى فيها الذاكرة كتجلٍّ لمعاني الهوية وعلاقتها بالمكان والزمان، في جدلية علاقتها بالنسيان.

وقد أدى الخيال السوسيولوجي والفلسفي عبر فترات تاريخية بعينها دورًا في تشكيل مفهوم الحرب بوصفه مفهومًا وثيق الصلة ببناء المجتمعات، وتشكيلها لهويتها الجمعية، ووعيها الخاص بتقاليدها وثقافتها المحلية التي تميزها عن غيرها من المجتمعات. وكانت الحرب في المجتمعات قبل الحديثة، وكذلك الحداثية، آلية من آليات بناء الهوية وإعادة تشكيلها، عبر الحكايات والقصص والأساطير المنظومة حول الأبطال الشعبيين، الذين يمثلون النماذج العليا للأمة.

ولعل الدارس للآداب الشعبية، في تصويرها لصيرورات الحياة الإنسانية، في تحولاتها وتقلباتها، للموت والخلود، أو الدارس لجميع ما تنتجه الشعوب من ثقافة عامة سائدة بنماذجها المتعددة عبر الزمن، سوف يجد الحرب هي الكلمة المفتاح، والأساس المكين، والقاعدة المؤسسة للوجود والبقاء، وللنسيج الهوياتي عبر الزمن.

والواقع أننا لسنا أمام لون واحد من الذاكرة. بل عدة ذاكرات، ذاكرة البشر في مقابل ذاكرة الآلة، الذاكرة الفردية في مقابل الذاكرة الجماعية، ذاكرة الراهن في مقابل ذاكرة الماضي، الذاكرة العامة والذاكرة الخاصة، الذاكرة القصيرة والممتدة([1]).

الذاكرة والنسيان والحرب: جدلية لا فكاك منها

قدم نجيب محفوظ نصًا لافتًا في مجموعته القصصية صدى النسيان([2]). وهو النص الذي حمل عنوان المجموعة القصصية نفسه. وعلى الرغم من أن القصة تخلو من التعبيرات والدوال الثلاث الأساسية: الذاكرة والنسيان والحرب، إلا أن هذه المفردات هي الخيط الناظم للقصة بكاملها. تدور القصة حول الفتوة عنتر الذي فقد فجأة ذاكرته، وكان لنسيانه ماضيه وأصدقائه وخلانه من أبناء العصا والنبوت أثره في قلوب أهل الحارة، فقد ارتاحوا إذًا من الحروب الصغيرة التي كان يشنها ضدهم دفاعًا في ما يظن عنهم، بينما هو قهر وإذلال لهم. الفتوة هنا يفتقد إلى قوته بسبب النسيان الذي مني به وأفقده حضوره الطاغي، حتى أصبح تائهًا مقضيًا عليه بالحيرة التي تبدو في عيون أهل الحارة، وظنهم أنه علامة على إصابته بالجنون أو السحر. فيحاولون أن يحولوا بكل ما أتيح لهم من حيلة من دون أي محاولة لفك سحره وإعادته إلى عهده القديم. لكن القصة هنا تنتهي نهاية غريبة تؤسس لقارئها الرغبة في إعادة قراءتها مرارًا وتكرارًا. كان الفتوة قد دأب على الصلاة جماعة في زاوية الحارة، وغدا واحدًا من المصلين الدائمين هناك. وفي يوم من الأيام، يعود فجأة مع أصدقائه القدامى حاملًا نبوته في يده، وهو يهتف معهم “الله أكبر، الله اكبر” ويضربون الأرض.

وهكذا يستعيد الفتوة سلطته ولكن بصورة جديدة. وبدلًا من الرهان على القوة المقرونة بتقاليد الفتوة المتوارثة والحماية المبنية على الإتاوة، يراهن الفتوة على قوة الدين كأساس روحي يغلب سلطته على الآخرين من دون رادع يستطيع أن يصده عن مبتغاه. يكتب نجيب محفوظ قصته وقت التسعينيات في ظل احتدام الصراع ضد الإسلام السياسي وصعود استغلال الدين إلى قمة المشهد. وكأنه يشير إلى استبدال ذاكرة الحرب القائمة على وازع أخلاقي وإنساني يتمثل في حماية المجتمع/الحارة بذاكرة حرب جديدة قائمة على النضال باسم الدين.

إن هذه القصة التي كتبها محفوظ تحمل في مضمونها جدلية العلاقة بين الذاكرة والنسيان. فكل ذاكرة تحمل في داخلها نسيانًا، وكل نسيان يؤسس لذاكرة جديدة. وخلال هذه الجدلية تنشأ حرب أخرى لها قواعدها ومعاييرها وقيمها. وما من ذاكرة إلا ويكون النسيان مؤسسًا لحضورها واستدامتها وبقائها والحفاظ عليها.

إن أمن المجتمع ثقافيًا مرهون بقدرة النسيان نفسه على التأسيس للذاكرة، واستدامتها، وتخليد بقائها، واستمرارها. ولعل أبلغ الأمثلة في هذا الصدد مثالان بارزان، يؤكدان هذه العلاقة الجدلية، العلاقة بين الذاكرة والنسيان، التي تجعل من النسيان بابًا للذاكرة، وآلة من آلات الحفاظ على الذات والهوية، على غير الذي قد يتصوره البعض من تصورات عن تعارض النسيان مع الذاكرة.

المثال الأول وهو يرد في كتب التراث بشأن إنشاد الشعر. والشواهد على ضرورة النسيان كمدخل أساس لتعليم الشعر وولادة الشاعر. ومن ذلك ما ورد بين الشاعر زهير بن أبي سلمى وتعليمه لابنه فن الشعر، وما دار بينهما من معارضات شعرية. ولكن المثال المكرر في الأدبيات يتعلق بأبي نواس الشاعر الذي ذهب لخلف الأحمر، الراوي المعروف والمتهم بروايته للروايات ونسبها لشعراء عديدين، بحسب ما انتهت إليه إحدى المدارس النقدية القديمة في إطار تطور دراسة الشفاهية والكتابية. تقول الرواية: “استأذن أبو نواس خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فقال له:‏ لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوعة للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة. فغاب عنه مدة وحضر إليه، فقال له:‏ قد حفظتُها. فقال له خلف الأحمر: أَنشِدْها.‏ ‏ فأنشده أكثرها في عدة أيام. ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فقال له: لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنك لم تحفظها.‏ فقال له:‏ ‏هذا أمرٌ يصعب عليَّ، فإني قد أتقنت حفظها. فقال له: لا آذن لك إلا أن تنساها. فذهب أبو نواس إلى بعض الأديرة، وخلا بنفسه، وأقام مدّة حتى نسيها. ثم حضر فقال:‏ قد نسيتها حتى كأن لم أكن حفظتها قط.‏ فقال له خلف:‏ الآن انظم الشِّعر”([3]). لقد طلب خلف الأحمر من الشاعر أبي نواس أن يحفظ ألف مقطوعة، وهو طلب يبدو غريبًا، فكيف يمكن أن يحفظ الإنسان هذا العدد كله. والمراد من ذلك التفخيم بإبراز الحجم الهائل للمادة المحفوظة، فحفظ أبو نواس العدد المطلوب منه، فعاد ولعله فعل ذلك بعد فترة من الزمن، وطلب منه أن يأذن له بوصفه حارس بوابة إنشاد الشعر، فلم يأذن له، بل طلب إليه أن ينسى ما حفظه، ثم يعود إليه، فعاد الرجل ونسي ما حفظ ثم أتاه بعدها.

بالطبع لا تذكر الرواية هنا أي مراجعة قام بها خلف الأحمر للتأكد من مصداقية ما فعله أبو نواس، لأنها معنية بإثبات تلك العلاقة الجدلية بين الذاكرة والنسيان، والسعي لتشكيل الهوية وبناء الذات في حرب وجودها. الذات الشاعرة لأبي نواس غير مسموح لها بالوجود من جهة حارس البوابة إلا من خلال الحفظ، فالنسيان الذي يؤسس لوجود الشاعر نفسه، وجودًا يؤسس ضمنيًا على ما حُفظ، بحيث تنتقل المادة المحفوظة من السيطرة الظاهرة على وجدان الشاعر إلى أن تكون موردًا من موارد كينونته لا قوة مهيمنة تجعله يكرر من دون عناية ميراث أجداده.

والمثال الثاني هو الذي يذكره ابن خلدون، وفيه يبين أن الحائك في أثناء حياكته لا يحتاج إلى أن يتابع حركات يده، إنه يقوم بهذا الفعل، ويقوم بمهارة يحسد عليها بأمور أخرى، فهو يحدثك، وينظر إليك، ويناديك ويحكي لك. الواقع أننا نشاهد هذا المشهد يوميًا لحرفيين يؤدون أعمالهم وهم يمارسون بمهارة أشياء أخرى في الوقت نفسه، بينما الشيء الأصلي الذي يقومون به يعوم في بحر النسيان وكأنه غير قائم في الوعي المباشر للقائمين به. هذا يذكر بالمشهد الذي رآه جاك ديريدا عند سفره إلى إحدى بلدان المغرب العربي، عندما كان يحملق مندهشًا في صانع الخزف الذي يتحرك بسرعة هائلة ويشغل عدة ملكات في آن واحد معًا، في صورة أشبه بآلة قادرة على فعل عدة أشياء في آن واحد. إن الإنسان الذي يكتب على جهاز كمبيوتر أو كمبيوتر محمول أو هاتف نقال، يفعل الأمر نفسه، يحدثك ويشير بيده الأخرى، ويعمل في نفس الوقت باليد الأخرى ما يريد.

إن نسيان الفعل الأصلي، وغوص هذا الفعل في عالم آخر، بحيث ينفصل مالكه ومحركه عنه، يجعل فعل النسيان مؤسسًا للذاكرة، إنه فاعل خفي ومتنكر ومختفٍ، مركز متخفٍ يحرك الأشياء من بعيد، لكنه غير محسوس وقادر على الاستمرار والبقاء.

إن هذه الجدلية هي القادرة داخل الفنون على حماية الذاكرة من تدهورها إلى قوة قاهرة، أداة من أدوات السيطرة على العقول والأذهان، بل تتحول بفضل هذا النسيان لفحواها إلى ذاكرة متجددة، يستطيع الإنسان في ظلها أن يؤسس حضوره بقدراته الخاصة ومواهبه ومعارفه وتجاربه وعراكه اليومي مع شروط قيام الحياة ذاتها.

إن فعل النسيان المؤسس للذاكرة، لا نستطيع أن نلتمس وجوده المؤثر والخلاب إلا بملاحظة نواتجه الملفتة للعين حين تجليها. فلو أن الشاعر نسي قواعد الكتابة، وغلب نسيانها على حضورها، وجعلها أداة من أدوات الوجود لأنتج نصًا مكررًا، وصار راويًا من الرواة وليس شاعرًا من الشعراء. والحال كذلك بالنسبة لذاكرة الأحداث الكبرى كالحروب فلن تتحقق لها استمراريتها ودوامها وحفاظها على نسيج المجتمع وقدرته، إلا إذا تغلب هاجس تحويلها لأداة قوة وتغليب إلى أداة ومصدر ومنبع للإبداع الكامن في الوجدان، فتكون جزءًا من وجداننا من دون أن نشعر بحضورها المباشر، على نحو ما تفعل الفنون المرئية، كفن السينما والمسرح، عندما تتحدث عن الحرب فيما لا يوجد ذكر مباشر لها، بل هي تمثل الشبح الغائب بقدرته على غواية المتلقي بسحر ما فيه.

بقدر الأهمية التي يمكن أن تمثلها حرب تشرين الأول/ أكتوبر في وجداننا، فإنها لن تترسخ إلا من خلال دروب غير مباشرة تتناولها عبر ستائر التجربة البشرية في أبسط وقائعها الممكنة. هذا ما أدركته بعض الشعوب، فجعلت ذاتها حارسًا أصيلًا لذاكرتها، وهذا ما ينقلنا للحديث عن أثر الحروب في بناء الذاكرة وهدمها من ناحية، وكيف أن الناس نفسها يمكنها أن تكون حراسًا للذاكرة الوطنية والأحداث الكبرى.

الذاكرة والذاكرة المضادة

في ما يبدو أن الحرب لا يمحوها إلا الحرب، والحال كذلك، كما تنبئنا قصة نجيب عن جدلية النسيان، بأن الذاكرة لا تمحوها إلا ذاكرة مضادة([4]). ولأن الذاكرة تنهض على الحكايات والسرديات الجامعة الممتدة زمنيًا، والمبنية على تصورات ذهنية وأبطال خارقين، فإنها لكي تمحى فهي في حاجة لحكاية مضادة كذلك، أبطال من نوعية مغايرة، بأن تحكى حكاية بديلة أكثر قوة وقدرة على الاستمرار والإبهار وأشدّ إثارة للدهشة، وأن تفتح أفق التلقي على أبواب جديدة، وقد كانت حرب تشرين الأول/ أكتوبر قادرة على أن تمارس الدور ذاته. لقد جاءت كرد تاريخي واستعادة للكرامة المهدرة جراء حرب 1967 التي مثلت التعبير عن الهزيمة وانهيار أحلام جيل الستينيات. فكان لابد أن تتسم بذات السمات التي وصفت بها حرب الهزيمة وأن تفوقها: أن تكون خاطفة، معلنة عن القوة والبسالة، مبتكرة، ومعلنة عن سقوط وهم. فإذا كانت حرب النكسة قد جرت في زمن قليل وفقا لأعراف الحروب، واستهدفت إسقاط القوة الناصرية لإثبات ضعفها وأسطوريتها، فإن حرب تشرين الأول/ أكتوبر خرجت في الخيال القومي والوطني في صورة الحرب الخاطفة (في ست ساعات بحسب وصف الرئيس السادات)، واستهدفت إثبات ضعف الجيش الإسرائيلي وغباء عقليته الإستراتيجية، التي بنت الأوهام/الساتر الترابي وأسطورة الجيش الذي لا يهزم.

وبقدر ما تحافظ الذاكرة على الحرب وتغرس قيمها العليا في الوجدان العام، فإن الحرب نفسها هي الأخرى قادرة على إحياء الذاكرة، وإنهاء الذكريات المريرة للهزيمة. ومثلما تأسس أدب للهزيمة وأعمال إبداعية تصور المأساة أو تسعى لترميم الوعي وإحياء الهمة الوطنية بعد النكسة، كانت الحال كذلك لدى العدو. فالحرب إذ تؤسس لذاكرة وذكريات جديدة، فإنها في الآن ذاته تؤسس لآداب لدى العدو ولدى الذات، في محاولة كل طرف أن يتأمل مآلات ما جرى وحدث. دليل ذلك ما أحدثته حرب تشرين الأول/ أكتوبر في الوجدان الإبداعي المصري، عبر أعمال إبداعية متعددة في السينما والمسرح والأدب الروائي والقصصي والغنائي والموسيقي، مصلحة ما أفسدته الهزيمة، بل إن هذه الأعمال راجعت بدرجة أو بأخرى أحوال ما قبل الحرب وما بعدها، وعاينتها لا بهدف الاحتفاء بالحرب فقط، بل لاستخلاص الدروس المستفادة على المستوى الوطني والقومي. ففي رواية “الحرب في بر مصر”، بقدر ما تمثل الحرب خلفية أساسية في الرواية، لكنها تكشف في الآن ذاته عن حرب أخرى طبقية، مستترة غير واضحة للعيان، وكأن صناع الفرح بالنصر هم الفقراء أنفسهم، الجنود البواسل الذين ضحوا بأرواحهم، فالحرب بحسب الرواية لم تكن على الجبهة بل في بر مصر.

كذلك، فإن حرب تشرين الأول/ أكتوبر لم تترك أثرها في إبداع المنتصر، بل ولدى العدو المهزوم. وهذا ما تؤكده الدراسات المعنية بالأدب العبري. فقد أدت الحرب إلى انهيار تصورات الصهاينة عن أنفسهم، ومجتمعهم، ومستقبل دولتهم، ورؤيتهم للعرب، وقدرتهم على حربهم. علاوة على ذلك كان من نتائج الحرب نشوء تيار أدبي جديد عرف باسم “تيار التفسخ والتحلل”. وهو التيار الذي يكشف في أدبه عن تفسخ وتحلل المجتمع الصهيوني بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر، وتولد مشاعر الاغتراب التي دفعت بعض الصهاينة للتفكير في الرحيل عن مجتمعهم([5]).

إن لهذه الحرب تأثيرًا كبيرًا أيضًا على المستوى الفني، فلم يعد الكتاب كما كانوا قبلها يرسمون صورة لأبطالهم كأبطال خارقين، بل غلبت على القصص العبرية بعد الحرب أن يكون الأبطال محبطين ومهزومين، وتخلت الكتابة القصصية عن الجزالة، وغدت أكثر ارتباطًا بالثقافة الشعبية، واستعمال اللغة الدارجة والمفردات الشبابية؛ تعبيرًا عن الرفض والغضب مع الشعور بالخذلان من الزعامات السياسية، وقلقًا من المستقبل([6]).

الذاكرة في زمن الاستهلاك الكبير

تنهض السوق الرأسمالية على الإنتاج الكبير، والتدفق المستمر للسلع في الأسواق، والإقبال الكبير من المستهلكين على الشراء الدائم، والولع بالمنتجات والاحتفاء بها وهدرها. الأهم بالنسبة للسوق هو قيمة الهدر. والهدر وفق معناه يثري عدم الحفاظ على الشيء بل التخلص منه وإفناءه واستبداله بشيء آخر، فلا يجب أن تظل السلعة في السوق لمدة طويلة، والعامل الوحيد القادر على ذلك هو عامل النسيان السريع. تتدفق السلع والمعلومات والأخبار والحكايات والقصص الإخبارية بسرعة هائلة، وتنتهي وتهدر بسرعة أكبر من سرعة ظهورها، بحيث تتلاشى تدريجًا إلى غير عودة، وهكذا في الوقت الراهن تستبدل حرب بأخرى، حرب غزة محل الحرب الأوكرانية، مقاومة تغيرات حرارة الجو محل مقاومة فيروس كورونا المنتشر متعدد السلالات، فتصبح الذاكرة أوهن وغير قادرة على الحفاظ على شيء.

كانت الذاكرة في عصر الجماهير الغفيرة، حين كانت الجماهير تنتظر خطابات زعماء السياسة والفكر الملهمين، ذاكرة خطية، ذاكرة قادرة على الحفاظ على الأحداث القديمة وصونها من خلال تكرار حكيها مرارًا وتكرارًا، وإحيائها بجميع الصور التي لا تدعو إلى الملل، عبر المناسبات العامة، والقصص المبتكرة، والروايات المتعددة، ومؤسسات بناء الهوية والذاكرة. كان ذلك في زمن الحداثة الصلبة، أما الآن فقد تغيرت سياسات الذاكرة ومؤسساتها، فأصبحنا أمام سياسة جديدة تتطلب من أصحابها أن ينسوا، وأن يكون فعل التذكر وقتيًا.

وقد يبدو طبيعيًا أمام الانهمار الكبير للبيانات الرقمية، واندفاعها من كل مكان، أن القدرة البشرية على الحفظ أصبحت مستحيلة، بل سيكون صعبًا في المستقبل، مع التقدم الهائل في استعمال الذكاء الاصطناعي في التصوير والتسجيل والترجمة والكتابة. عندما يصبح أمام الصحافي والأكاديمي والمفكر كمٌّ هائلٌ من الكتب القابلة للترجمة الدقيقة من دون الحاجة إلى مترجمين في الموضوع الواحد، وليس التخصص الواحد فقط، سيصبح الإلمام بهذه الأعمال في المستقبل غير ممكن، إلا عبر استبدال الذاكرة البشرية بذاكرة الآلة، وبقدراتها على إجراء التحليلات المعمقة لتلك البيانات الضخمة، وهو ما أصبح الآن ممكنًا بالتنبؤ بمستقبل الأحداث عبر تحليل استجابات المستخدمين لشبكة الإنترنت، بل والتحكم في تلك الاستجابات.

وبقدر ما تتسبب السوق الرأسمالية في إنهاء الذكريات المستمرة وعدائها للماضي واستعادته إلا كجزء من عمليات البيع والشراء، فإنها في الآن ذاته تنشئ ذاكرة بديلة أكبر وهي ذاكرة الآلة. وفي الآن نفسه، فإن الثقافة الرقمية الجديدة لم تعد محكومة كما كانت بحراس البوابات الذين يستطيعون بناء الهويات الوطنية، بل يحكمها خبراء القوى الكبرى الذين يضبطون الخوارزميات بحيث يستطيعون منع التدفق غير المرغوب فيه، وتحجيمه وتقليل أثره بجميع السبل الممكنة. وعلى الرغم من ولادة ونشوء أساليب عديدة لمقاومة هذه الغلبة الرقمية (عبر تقطيع حروف الكلمات التي تتعرف إليها الخوارزمية، وابتكار كلمات أو رموز بعينها إلخ)، إلا أن عمليات التحكم الآن صارت أكثر مهارة ومرونة وقدرة على التأقلم السريع مع عمليات المقاومة المستمرة.

كذلك تقدم ذاكرة الآلة هوية خالية من قيمة الحرية والاستقلال. تصبح الشاشة التي تنظر إليها الذات طوال الوقت جزءًا من الجسد، يتحرك الإنسان وتتحرك معه، وهكذا تقف منه موقف المرآة التي يقف أمامها الطفل فيتماهى مع ما يراه من صور وسلع متدافعة، وأبطال ونجوم، تتدافع أغانيهم ويصبحون مصدرًا للمعنى والأفكار وطرق التفكير. فالمسافة المفترضة بين الذات والصورة المرئية تُمحى، فـ”هذا هو المعيار في أيام السيلفي، الذي يعتمد على التركيز الشديد على الذات، وعلى حقيقة أنه بعد استبعاد المجتمع، يجد كل شخص نفسه بمفرده مع نفسه، ويشعر بالأمان فقط مع نفسه في عالم يوصف ويُنظر إليه على أنه عالم أكثر تهديدًا وعدائية – تصبح الشاشة في النهاية قابلة للمقارنة مع المرآة، فتمثل امتدادًا للنفس أكثر حماية”([7]). بحيث تكون الذاكرة التقنية في نهاية المطاف “بمقدورها صياغة اللذة والمثل العليا، بل أن تتحول إلى أداة قمع رهيبة”([8]).

كما أن الذاكرة في عصر التسويق العابر للحدود هي ذاكرة هشة، تقبل النسيان برحابة صدر لتمرير الصدمات الثقافية المتتابعة. ذاكرة وقتية تتعلق بالأشياء وذات طابع مظهري شكلي، لا تهتم بالأمور الجوهرية، وتنزعج من الأحداث المهمة والكبرى، تعنيها الأمور الصغيرة تحفظها حفظا مؤقتًا. الدماغ البشري في ظل هذا التدفق الهائل والمستمر للسلع والمنتجات والابتكارات والإعلانات والموضات السريعة والمبهرة، يتحول إلى دماغ بذاكرة تطبيق الواتس الذي ضبط صاحبه الرسائل بحيث تختفي بعد فترة من الزمن. وهكذا فإن الأفراد كي يتحملوا ضغط البيانات المتتابعة على رؤوسهم وخلاياهم العصبية، فإن أدمغتهم ستحول سريعًا الذاكرة لذاكرة مؤقتة لا تحتمل تذكر الماضي، ولا تملك إلا قليلًا من البيانات المستقرة التي تحمي وجود الأفراد والهوية.

الحرب الجديدة وإعادة بناء الذاكرة: الأبارتايد الرقمي

وهكذا يمكن عبر عمليات التحكم الرقمي السيبراني خلق حرب كاملة، أو بحسب بودريار حرب بلا حرب. بل إنها إذ تقوم بإخفاء ومقاومة الحروب المستقرة في الأذهان. ولعلنا إن تأملنا المشهد المعاصر لأدركنا ما تعيد تلك العمليات تدشينه من الذاكرة وفق رؤاها. ففي أثناء الاحتفال بذكرى حرب تشرين الأول/أكتوبر، تسابقت الصفحات والأفراد للحديث عن فيلم إنتاج إسرائيلي حول غولدا مائير. بدأ التريند بالاحتفاء بالقدرات الفنية لممثلة العمل، وتواتر في الوقت نفسه النشر على الريلز لمقاطع فيديو مترجمة لغولدا مائير وسيرتها الذاتية. الفيلم المنتشر عبر الشبكة يهدف إلى إعادة تشكيل الذاكرة حول الحرب بإثبات بطولة رئيسة الوزراء الإسرائيلية، ونسج لصورة للطبقة الحاكمة الصهيونية كطبقة ديمقراطية تعتمد على القيم الحديثة في حكمها على الأمور ومجريات الأحداث. وعلى الرغم من انتشار مقاومات للفيلم عبر القراءات المتنوعة له، إلا أن الغالب ضمنًا هو رسم صورة للمجتمع الإسرائيلي الديمقراطي. وهي صورة تُرسخ عبر ترديد عديد من الأفكار: إثبات الكفاءة العسكرية، والقدرات العلمية لمراكز البحوث والجامعات، والفوائد العلمية للمنتجات الإسرائيلية، التي يختلط فيها الحقيقي بالمتخيل والمصطنع، فيما تغيب حقائق السطو عن الخيالات الوطنية العربية في مجالات فنية عديدة.

نستطيع تبين الأمر نفسه في التعاطي مع الحرب في غزة. تُنسج صورة للحرب كرد للكرامة المهانة، ومقاومة للوحوش البربرية التي تعتدي على النساء والأطفال، تختطفهم وتغتصبهم وتقتلهم من دون رحمة.

إننا في الموقف العام من القضية الفلسطينية أمام روايتين، كل رواية تستعمل مصطلحاتها الخاصة ولغتها وحججها المبنية على أصول تاريخية، بعضها مستمد من المقدسات، وبعضها الآخر مبني على مجريات الأحداث الطبيعية. الرواية العربية التي ترى أن إسرائيل دولة احتلال، وأن هذا الاحتلال قد جرى في الأربعينيات بمباركة بريطانية، هذا مصدر انطلاق الرواية، وإن تلونت بألوان أخرى بحسب التيارات الفكرية العربية (إسلاموية وقومية)، أما الرواية الصهيونية فتقوم على أن دولتهم دولة طبيعية، مؤسسة وجودها على أصول دينية، فيما الغرب ينحاز للرواية الثانية، فأمام هذه الصور والفيديوهات المتتابعة وصرخات الضحايا في غزة، يدفع بالتحكم الخوارزمي في الممارسات الرقمية العربية والمؤيدة لغزة، عبر ممارسات مختلفة: حجب صفحات المواقع ومصادر الإعلام الغربي في حال التعليق عليها أو التعبير بجميع الصور الممكنة. وهكذا بفضل قدرة الخبراء التقنيين يمكن التحكم في الرأي العام، وتوجيهه في الوجهة المرادة، والضغط على الوعي الشعبي باستغلال القيم والمشاعر الذاتية لتعبئة التأييد.

إن الإسرائيليين يستعملون على الأرض نظم رقابة للفلسطينيين قائمة على جمع المعلومات عنهم من دون علمهم، لتقييد حرية تنقلهم. فقد أنشؤوا قاعدة بيانات سمّوها “قطعان الذئاب”، تحتوي على معلومات عن الفلسطينيين وعن ذويهم وسجلهم الجنائي، إذا ما كانوا قد استدعوا للاستجواب. علاوة على تطبيق “الذئب الأزرق” المخصص للدخول إلى قاعدة “قطعان الذئاب” عبر الهواتف الذكية، وتطبيق “الذئب الأحمر”، الذي يستعمل لمسح وجوه المارين. وبالطبع لا يخفى عن المطلع أن استعمال مصطلح “الذئب”، لا يخلو من النظر إلى لفلسطيني إلا كمتطرف (الذئاب المنفردة). فالمصطلح الأخير أطلق على جميع العناصر التي تشارك في الأعمال الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم([9]). هؤلاء المتطرفون يقومون بالعمليات منفردين حاملين أسلحة بسيطة (أسلحة بيضاء عادة) لطعن المارة أو يقودون الشاحنات للدهس.

إن آليات التحكم والتهميش والاستبعاد والسيطرة من بعد، ومن دون إعلان مباشر، هي أيضا آليات هيمنة بالمعنى الغرامشي للكلمة، أو بانوبتيكون أي رقابة عن بعد وتدخل في الوقت الملائم، تدخل آلي مبرمج سلفًا، وبالطبع أمام حملات الهشتاغات الموجهة لدعم إسرائيل، وبناء الذاكرة الأوروبية والأميركية للهيمنة على الرأي العام الغربي، وبسط النفوذ المصطنع عن بعد. يوجد أيضًا آليات للمقاومة، هذه الآليات تصفها الدراسات الراديكالية بإعادة التملك، فعندما يهاجمك لص بسلاح، وأنت لا تحمل أي وسيلة للدفاع، فالحل الممكن هو استعمال سلاح العدو، وهزيمته به بإعادة امتلاكه. يعيد المقاومون العابرون للحدود استخدام الهاشتاغات الإسرائيلية، ووضع التعليقات المرادة والعلم الفلسطيني في التعليقات للهروب من قبضة مديري الصفحات الإعلامية والخوارزمية على فيسبوك.

تصف منظمة العفو الدولية ما قام به الإسرائيليون من فرض آليات للرقابة وتتبع الفلسطينيين بهدف التنكيل بهم والحد من حريتهم في التنقل الآمن، بـ “الأبارتايد الرقمي”([10])، أو الفصل العنصري الرقمي، حيث تستعمل التطبيقات الرقمية والتكنولوجيا الحديثة في التمييز بين الناس على أساس عرقي، والتفرقة بين العرب والصهاينة. وفي ما يبدو أن هذا الاستعمال للتقنية للقمع والقهر قد امتد إلى المجال العام الرقمي في فترة الحرب الجارية في غزة، حتى بتنا في سياق أبارتايد عابر للحدود، يفصل المؤيدين لحقوق الفلسطينيين عن المناصرين للكيان الصهيوني، فصلًا يعتمد على آليات الفرز الرقمية باستعمال الذكاء الاصطناعي. فلا يمكنك التعليق على صفحات المجلات العالمية كالغارديان وغيرها، ولا تستطيع أن تقوم بأي نشاط افتراضي من أي نوع (التعليق أو الضغط على علامات التعبير عن مشاعر الإعجاب أو الفرح أو الغضب إلخ). فإما أن تكون متلقيًا سلبيًا لما يقدم لك إعلاميًا، أو أن تحجب جميع المصادر الإعلامية العالمية عنك إن مارست نشاطًا غير مقبول ومؤيد للفلسطينيين الأبرياء. إنه أبارتايد لا يفرق هنا على أساس العرق بل اعتمادًا على المواقف الفكرية والشعورية.

كيف يمكن حفظ الذاكرة الوطنية في العصر الرقمي؟

يبدو أن الحديث عن آليات الرقابة والتوجيه عبر الذكاء الاصطناعي يستدعي ضرورة الحفاظ على الذاكرة الوطنية. لقد أصبح الخطر بيننا الآن يتحرك داخلنا بهدوء وبذكاء. لقد تقدمت إحدى المهندسات في شركة فيسبوك عبر الكونغرس الأميركي باستجواب يتعلق بالممارسات التي تقوم بها شركة فيسبوك باستعمال نتائج البحوث التي تجريها الشركة لاستغلال الأطفال والمراهقين للحصول على اهتمامهم، ورفع درجة الإقبال على متابعة الإنترنت على نحو يفوق المعقول. وتمثل الاتهام الرئيس في أن الشركة قد استغلت الاحتياجات العاطفية والغرائز، لتوجيهها في مسار تدميري بتشجيع الأطفال ضمنًا على متابعة المواد الإباحية وذات الصلة بالتطرف عبر العالم.

وهكذا تستغل غريزتي الجنس والموت للدعم الضمني لأيديولوجيات واستغلال الأطفال والمراهقين، الأمر الذي يخلق احتمال عنفٍ غير مسبوق. وقد يذهب أحدهم إلى أن هذه الألعاب والمشاهد العنيفة المصطنعة هي آلية للتنفيس عن مشاعر العنف والكراهية، لكن الأمر يتجاوز ذلك لحدود تمرير فيديوهات القتل المنظم على الشبكة.

لكن كيف يمكن مجابهة ذلك وتوجيه أعين أطفالنا بعيدًا عن هذه الترهات التي تحول من دون بناء هوياتهم بما يفيد أوطانهم والإنسانية. كيف يمكن العمل، ولا يوجد في عالمنا العربي دعم حقيقي للعلم والعلماء والمشتغلين في مجال المعلومات، فيما يبدو التشجيع شكليًا، في ظل تردي المنظومات التربوية العربية.

لعل النظر في ما قامت فرنسا به في أزمة كورونا لمواجهة تراجع إقبال العالم على متاحفها مع سياسة الحظر على الحركة. استطاع الفرنسيون أن يواصلوا سياستهم الثقافية المعتادة، بحيث يتواصل إقبال الناس على المتاحف الفرنسية. إذ بفضل الإنترنت أتيح للزوار زيارات افتراضية لمتحف اللوفر، حيث يمكنهم مشاهدة محتويات المتحف ومقتنياته وكأنهم يزورونه بالفعل.

إن هذا يتطلب منا أن نعاود إحياء الذاكرة الوطنية عبر آليات جديدة، تدرك أهمية الجدل بين الذاكرة والنسيان، بحيث يمكن أن تستمر الذاكرة وأن تستقر قيم الأحداث التاريخية الوطنية في الوعي، وتواصل تأثيرها في بناء هوية مجتمعية متماسكة. هنا يكون لمصادر المتعة الثقافية أهمية كبيرة في استقرار الذاكرة وبقائها حية. إن التعويل في المستقبل سيكون أكبر على المؤثرين الجدد على مواقع الشبكة، بداية من مروجي الكتب (الذين يخصصون قنوات رقمية يروجون من خلالها للكتب)، ومؤسسي صفحات القراءة الجماعية (وهي صفحات معنية بالنقاش والحديث عن أحدث الأعمال الروائية)، والمثقفين الذين أنشؤوا قنوات على اليوتيوب أو صفحات للتعريف بالقضايا الثقافية والجدال بشأنها.

علاوة على ذلك، فإن مؤسسات الذاكرة لها دور فاعل ومؤثر في المستقبل. وعلى الرغم من التكلفة العالية التي يمكن من خلالها إعادة بناء هذه المؤسسات، وإصلاحها، والعمل على رقمنتها بحيث يتيسر الدخول إليها افتراضيًا والاطلاع على محتوياتها، سيكون الأمر أفضل بإنشاء متاحف وطنية لأحداثنا الكبرى.

ولا شك أن مبادرات الأفراد يمكنها أن تتمتع بقدر أعلى من المصداقية والإبداع والجهد الأصيل. هذه الممارسات الرامية إلى الحفاظ على الذاكرة الوطنية في أوقات الأزمات والنكبات ضرورية لبناء الهوية واستدامتها، وكمثال، هناك صفحات كاملة أنشأها المناضلون الفلسطينيون لمراكمة سجل رقمي للأحداث اليومية لحياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، على غرار صفحة تل الزعتر. إن هذه الصفحات المنشأة لأغراض التدوين التاريخي لها أهمية كبيرة في الحفاظ على الهوية، ومواصلة البقاء، ومواجهة محاولات التفكيك والشرذمة. علاوة على ذلك فإن فكرة بناء متاحف رقمية جديرة بالاهتمام. إن هذه المتاحف لن تقتصر على الحفاظ على المقتنيات القديمة فقط، بل إن الصفحات التي تؤرخ لكل ما هو قديم وتؤرشف التاريخ الثقافي الموسيقي، والغنائي، والسينمائي، والحياة اليومية، وجميع المكاتبات، والمذكرات، وقصاصات الورق التي كتبها أفراد عاديون في أزمنة قديمة، يمكن عدّها نوعًا منها أو شكلًا من أشكالها.

 

المراجع

كتب:

تزفيتان تودوروف، الأمل والذاكرة: خلاصة القرن العشرين، نرمين العمري (مترجمة) (الرياض: مكتبة العبيكان).

زيجمونت باومان وريكاردو مازيو، في مديح الأدب، محمود أحمد عبدالله (مترجم) (العراق: دار شهريار، 2018).

نجيب محفوظ، صدى النسيان (مجموعة قصصية) (القاهرة: دار الشروق).

ابن منظور، أخبار أبي نواس، محمد عبد الرسول إبراهيم (شرح وضبط)، (القاهرة: مطبعة الاعتماد).

مجلات ومؤتمرات:

ثياقة الصديق، حرب الذاكرة بين فرنسا والجزائر، في المؤتمر الدولي السنوي لمؤسسة مقاربات: “الذاكرة والبناء الثقافي”، المجلد الثاني (2019).

جمال عبد السميع الشاذلي، أثر حرب أكتوبر على المجتمع الإسرائيلي في الرواية العبرية الحديثة، مجلة رسالة المشرق، المجلد الحادي عشر، العدد الرابع، 2002.

حسن المصدق، من الذاكرة الثقافية إلى الذاكرة التقنية، مجلة الفكر العربي المعاصر، المجلد 31، العددان 154-155.

محمد سلام شكري، الذاكرة والهوية من البشري إلى الاصطناعي، المؤتمر الدولي لمؤسسة مقاربات: “الذاكرة والبناء الثقافي“، المجلد الثاني، 2019.

محمد محمود أبو غدير، حرب أكتوبر وتأثيرها في شكل القصة العبرية ومضامينها، مجلة رسالة الشرق، المجلد الحادي عشر، العدد 4 (2002).

1-  ( ) يعرض أحد الباحثين لهذه الأنواع من الذاكرة ويفصل الفروق بين بعضها بشكل تفصيلي مميز، يراجع:محمد سلام شكري، الذاكرة والهوية من البشري إلى الاصطناعي، المؤتمر الدولي لمؤسسة مقاربات: “الذاكرة والبناء الثقافي“، المجلد الثاني، 2019، ص ص 261-268.

2- ( ) نجيب محفوظ، صدى النسيان (مجموعة قصصية) (القاهرة: دار الشروق)، ص 13-16.

3- ( ) ابن منظور، أخبار أبي نواس، محمد عبد الرسول إبراهيم (شرح وضبط)، (القاهرة: مطبعة الاعتماد)، ص 55.

4- ( ) ليس أدل على ذلك إلا بالنظر في الصراعات التي خاضتها شعوبنا العربية قبل الاستقلال، فقد كان الاحتلال ينكر جرائمه، أي ينفي حدوث أحداث تمت بالفعل تاريخيًا، أفعال هي بمثابة أفعال منكرة، فلا يدرجها ضمن ذاكرته عنها، في المقابل ننشئ ذاكرتنا انطلاقًا من تلك الأحداث. حول هذا التعارض بين ذاكرتين، يمكن مراجعة التجربة التاريخية بين الجزائر وفرنسا، يراجع:ثياقة الصديق، حرب الذاكرة بين فرنسا والجزائر، في المؤتمر الدولي السنوي لمؤسسة مقاربات: “الذاكرة والبناء الثقافي”، المجلد الثاني (2019)، ص 40، 53.

5- ( ) جمال عبد السميع الشاذلي، أثر حرب أكتوبر على المجتمع الإسرائيلي في الرواية العبرية الحديثة، مجلة رسالة المشرق، المجلد الحادي عشر، العدد الرابع، 2002، ص 195.

6- ( ) محمد محمود أبو غدير، حرب أكتوبر وتأثيرها في شكل القصة العبرية ومضامينها، مجلة رسالة الشرق، المجلد الحادي عشر، العدد 4 (2002)، ص 20-21.

7- ( ) زيجمونت باومان وريكاردو مازيو، في مديح الأدب، محمود أحمد عبدالله (مترجم) (العراق: دار شهريار، 2018)، ص 60.

8- ( ) حسن المصدق، من الذاكرة الثقافية إلى الذاكرة التقنية، مجلة الفكر العربي المعاصر، المجلد 31، العددان 154-155، ص 101.

9- ( ) إن عدّ الفلسطينيين إرهابيين في منظومة العدالة الجنائية الإسرائيلية يتجلى في ما أورده تودروف من أن “قاضي المحكمة الإسرائيلية العليا لاندو … أصدر قرارًا بأنه من العدل ممارسة التعذيب بحق السجناء من الشعب الفلسطيني من أجل حماية الإسرائيليين ضد تصرفاتهم السيئة، ومن أجل إحباط محاولات الاعتداء الصادرة عن هؤلاء الإرهابيين” ترد في:تزفيتان تودوروف، الأمل والذاكرة: خلاصة القرن العشرين، نرمين العمري (مترجمة) (الرياض: مكتبة العبيكان) ص 232.

10- ( ) الأبارتهايد الرقمي، منظمة العفو الدولية، يراجع في:https://www.amnesty.org/ar/documents/mde15/6701/2023/ar/

مشاركة: