البيضة والحجر

(قصة قصيرة)

يُقال، والقولُ ذمّة مفتوحة على الكلام، إنّ ديكًا قالتْ عنه عرافات الطيور، سيولد من بيضة دخيلة، دحرجها زلزالٌ من عشّ دجاجة إلى أخرى، سيغيّر أحوال الدجاج من طيور تطير ذات صوت جميل إلى طيور قد غلّتْ أجنحتها وسُجنت في أمكنتها، ويومًا ما سيستعبدها مخلوقٌ ذو قدمين، حرّ اليدين، فما إنْ سمع الدجاج ذلك حتى أحاطوا أعشاشهم بالأسيجة، وبذلوا ما استطاعوا من جهدٍ لتدارك هذه النبوءة التي فيها انطفاء ذكر الدجاج كطيور حرّة ملعبها السماء، ولا يتسلّط عليها أحد.

وجاء يومٌ رقصت الأرض فيه وتمايلت بين قرون ثورها، واختلطت دمدمة الأرض بصياح الطيور، وما إن انجلت الغمّة حتّى هبّ كلُ ذي جناح يتفقّد بيضه، ومن كثرة الخوف نسيت كلّ دجاجة عدد بيضها، ومنهن من تكسّر بيضها، وجرّاء ذلك نشبت مشاداتٌ، كلّ يدعي أنّ بيضه قد تدحرج ليعوض بيضه المكسور أو المفقود، ولم تهدأ الحال إلّا بحلول الليل وانبلاج فجر يوم جديد، والاقتناع أنّه لا مجال إلّا بقبول الحال.

كرّت الأيام وظهر ديكُ الطيور جميلًا وقويًا وسيطر على الأجنحة وقال: يجب أن تتوقّف هذه الهجرة الدائمة! سأقسم الطيور إلى قسمين: قسم له السماء، وقسم له الأرض. وهكذا يكون لنا شأن كبقية المخلوقات، أرض نحيا عليها، ريح نتقلّب على ظهرها، فنملك السماء والأرض.

احتجّت الطيور ونشبت بينها معارك تطاير فيها الريش، حتى ملأ واديًا من المخدات. فمن خرج على ديك الطيور رفع جناحيه فوق ظهره وهاجر ومن صمت، قلّم له الديك أجنحته.

أمّا الدجاج وكونه من بطانة الديك، فقد شاركه الصراع على أمل أن يتركه يطير؛ لكنّ الديك قال لهم: أنتم بنو جلدتي ولست أرى خيرًا منكم لتكونوا عونًا لي على الطيور التي قصصت أجنحتها كي لا تغافلني، فتنمو لها أجنحة من جديد وتطير ولكي تكونوا، أيضًا، عبرة وقدوة لهم، سأقصّ لكم أجنحتكم.

علتْ أصوات الدجاج مطالبة بحقّ الطيران، وتقدّم ثلاثة ديكة مندوبين عن البقية ليصيحوا عنهم، وينقلوا إلى ديك الطيور وجهة نظر واحدة، قوقأة واحدة.

فما كان من الديك إلا أن ابتدرهم بالقتال، ودارت معركة حامية الوطيس صمد فيها الديكة على أمل أن يتقدّم غيرهم، لكنّ كلّ من رأى القتال انسحب إلى الخلف خائفًا على ريشه من النتف، وما هي إلّا لحظات حتى وقف الديك على جثث الديكة الثلاثة، وصاح: هل من معترض؟

صمت الدجاج ودارت رحى الأيام والحال لا تتغيّر، وعملت الطبيعة عملها، فقصّرت أجنحة الطيور التي لا تطير على قاعدة”العضو الذي لا يستخدم يضمر” أمّا ديك الطيور، فكان كلّ صباح يجمع الدجاج، ويأخذ منهم خبر الطيور الأرضية إلى أن استتب له الأمر وعلم أن الأجيال القادمة لن تطير، فوقف على صخرة وخطب في قومه قائلًا: ها قد ثبت ملكي على الأرض ولم يبق خارجًا على سيطرتي إلا طيور السماء، سأرفرف بأجنحتي، وألحق بها لأعيدها إلى طاعتي.

واستمر في خطبته والدجاج شاخص إليه يستمع، في حين كان هنالك ثعلب يتسلّل من خلفه، وقد وقع تحت نظر الدجاج الذي قال في سرّه: ها قد جاء الفرج!

وبينما هو في زهوه بدأ في تحريك جناحيه، لكنّهما خاناه وهوى عن الصخرة متخبطًا، فانقض عليه الثعلب كاسرًا رقبته، فهلّل الدجاج فرحًا ورغب في أن يطير لوقته لكن أجنحته خانته، فهوى على الأرض يندب قدره. ولم يطل الوقت حتى سمعت الطيور بما حلّ بالديك، فاجتمعت وتشاورت وقالت: لن يرضي كرامتنا وتغيّر نمط حياتنا إلا أن ننتقم من الدجاج.

وهكذا حاصرت الطيور قبيلة الدجاج، وتلت عليها حكمها المبرم:

أيّها الدجاج، لما قدمتموه في سالف الزمان من صمت وسكوت عن الديك المتجبّر نحكم عليكم بالآتي: نمنعكم الغناء حتّى تنسوه ويصبح في خلفكم طبيعة أصيلة، أمّا أنتم أيتها الديكة المتخاذلة، فليس لكم الصياح إلا إعلانًا عن طلوع الفجر، ليتذكر كلّ مخلوق فعلتكم الشنعاء، وأمّا أنتن، أيتها الدجاجات، فالتي ستصيح منكن سوف تذبح. وهكذا صار الحكم الصادر طبيعة في الدجاج.

وعلى ما تقدّم وما رُكب في طبيعة الدجاج، فما إنْ ظهر الإنسان، حتى استعبده إلى آخر الزمان.

 

مشاركة: