الدين والدولة في سورية؛ علماء السُنَّة من الانقلاب إلى الثورة (توماس بيريه)

ميسلون للثقافة والترجمة والنشر

وصف الكتاب

اسم الكتاب بالعربية : الدين والدولة في سورية؛ علماء السُنَّة من الانقلاب إلى الثورة
اسم الكتاب بالإنكليزية : Religion and state in Syria: the Sunni ulama from coup to revolution
المؤلف: توماس بيريه / Thomas Pierret
المترجم: حازم نهار / Hazem Nahar
الناشر: ميسلون للثقافة والترجمة والنشر
اللغة: العربية
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: حزيران/ يونيو 2023
التصنيف: سياسة، دين
عدد الصفحات: 384
الأبعاد: 24X17
ISBN (PRINTED)
978-605-2260-80-7
ISBN (ELECTRONIC)
978-605-2260-81-4

يهدف هذا الكتاب إلى التعريف بطبقة علماء الدين السُّنّة في سورية، وأصولها ومرجعياتها وطرائق عملها ومواقفها، خاصة في ظلّ الاختزال الشائع للإسلام السوريّ، في معظم المراجع الغربيّة، وأحيانًا العربيّة، بجماعة الإخوان السوريّين، مع أن الفاعلين الدينيّين في سورية يشكلون فئة أوسع كثيرًا من الإخوان. ويقدِّم الكتاب أيضًا صورة شاملة عن التحولات في النخبة الدينيّة المتعلمة في سورية، في القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، مستكشفًا تاريخها وأسسها الاجتماعيّة وممارساتها وبناها ومنظماتها وخلافاتها العقائديّة وعلاقاتها بالنخب الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة.

لا يتناول المؤلف الشخصيّات النموذجيّة المعروفة من “علماء الدين” فحسب، فقد اتسع كتابه لدراسة الفاعلين الدينيّين معظمهم؛ نظرًا إلى أن حدود هذه الفئة غير واضحة، فهي تسمح بإدراج أفرادٍ تمكنوا من الاستفادة من وسائل الترويج المختلفة، مثل وراثة أحدهم مؤسَّسة أو مدرسة أو جمعيّة خيريّة دينيّة من الأب، أو ولائه لدولة ما أو جهة مؤثرة.

لذلك يرى توماس بيريه أن الطريقة الأكثر موثوقية لتحديد الشخصيّات المركزيّة في حقل اجتماعيّ معيّن، مثل الحقل الديني، هي تحديد الأشخاص الأكثر مشاركة في المنظمات والمبادرات والدوريات واللجان والعرائض والوفود، فضلًا عن المناصب الرفيعة في الإدارة الدينيّة الرسميّة، وكلية الشريعة والمؤسَّسات الإسلاميّة الخاصة، وخطباء المساجد الرئيسة، وأعضاء المنظمات الإسلاميّة العالميّة، وقيادات الصوفيّين المتعلِّمة.

أشار بيريه إلى أنّه لا يوجد شيء اسمه مشهد دينيّ سوريّ “موحّد”. لا يوجد إلاّ حالة من التجاور بين رجال الدين المحليّين. ودلّل على التشرذم المناطقي في المشهد الدينيّ السوريّ بالإشارة إلى أنَّ جميع معاجم السيرة الذاتيّة الموجودة للعلماء تركِّز على مدن معيّنة، وأنَّ النخب الدينيّة في دمشق وحلب تعرف القليل جدًا عن بعضها بعضًا، وأنَّ شهرة بعض العلماء كبيرة في مسقط رأسهم نادرًا ما تسمح لهم بالانتشار خارجها، وأنَّ السمعة على مستوى البلد هي امتياز حفنة من كبار المسؤولين الدينيّين والأكاديميّين المشهورين دوليًّا فحسب.

يستند هذا الكتاب إلى البحوث الميدانية التي أجراها بيريه بين عامي 2005 و2008، وشملت مقابلاتٍ مع علماء مسلمين ومثقفين وناشطين إسلاميّين، بمن فيهم قيادات الإخوان المسلمين التي تعيش في الخارج، وطلاب الدين. كما تابع بيريه أقراص الفيديو المدمجة التي وُجدت في السوق لخطب الجمعة، والعظات، ودروس المساجد، والتجمعات الصوفيّة (الحضرات)، والاحتفالات. وتشمل المصادر المكتوبة ذات الصلة، بصورة رئيسة، أطاريح ودراساتٍ علميّةً، وسيرًا لشخصيّات عديدة، إضافة إلى المسح الشامل للصحافة السوريّة الذي أعدّه مكتب الصحافة العربيّة (OFA). أمّا في ما يتعلق بالوثائق الرسميّة، فقد مُنع من الوصول إلى أرشيف كلٍ من وزارة الشؤون الاجتماعيّة ووزارة الأوقاف.

تبحث مقدِّمة الكتاب في حدود مأسسة النظام السوريّ للإسلام، وتشير إلى أنَّ نظام البعث لم يعمل على إدماج العلماء في جهاز الدولة، ومن ثمّ استطاعوا الإبقاء على استقلالهم الاقتصاديّ والمؤسَّسيّ نسبيًّا. ويبحث الفصل الأول في إعادة تنظيم المشهد الدينيّ حول “الشيوخ المؤسِّسين” المؤثرين في حلب ودمشق خلال المرحلة الممتدة من نهاية الانتداب الفرنسيّ إلى التمرد الإسلاميّ بين عامي 1979 و1982، فقد أعاد هؤلاء العلماء التأكيد على أهميّتهم ومكانتهم في ظل التغيّرات الاجتماعية والسياسيّة المختلفة، وحافظوا على هويّة جماعتهم، على الرغم من تحديث التعليم الدينيّ. ويبدأ الفصل الثاني بتحليل دور العلماء خلال حوادث حماة 1979-1982، ومعاينة التكلفة البشرية والمؤسَّسيّة لممارسات النظام بعدها، ثم يدرس الإستراتيجيّات التي استخدمها النظام لتعزيز الشركاء الدينيّين الموالين، موضحًا أنَّ النظام، على الرغم من قمعه الشديد، لم يستطع منع ضحايا القمع السابقين من العودة إلى الواجهة، وممارسة أدوار جديدة خلال المدة بين عام 2000 و2011. ويتناول الفصل الثالث نظرة العلماء السوريّين إلى العقيدة الإسلامية، وقدرتهم على مواجهة التحديات الآتية من التيارات السلفيّة والإصلاحيّة. لكنه لا ينفي التحولات التي طالتهم أيضًا بسبب ثورة التكنولوجيا والمعلومات. ويبحث الفصل الرابع في التحالف الإستراتيجيّ بين العلماء والقطاع الخاص الذي موَّل المساجد والمدارس والجمعيّات الخيريّة، ما وفَّر للعلماء استقلالًا ماليًا معقولًا تجاه الدولة. ويحلِّل الفصل الخامس حضور العلماء المسلمين السوريّين في المجال السياسيّ، وعلاقاتهم بالإخوان المسلمين، ففي حين يتصرف الناشطون الإسلاميّون بوصفهم قوةً معارضةً حقيقيّةً للنظام، يركِّز العلماء على المصالح القطاعيّة بدلًا من إحداث التغيير السياسيّ، على الرغم من عدائهم العقائدي للبعث والنظام. ويتناول الفصل السادس الإصلاحات الطموحة للإدارة الدينيّة السوريّة، التي جرى إطلاقها في عام 2008، إضافة إلى أداء العلماء خلال الانتفاضة التي بدأت في آذار/ مارس 2011.

لخَّص مؤلف الكتاب التحدّيات التي واجهت علماء الدين السوريّين خلال القرن العشرين بثلاث نقاط رئيسة؛ الاستقلالية، الأهمية، والمرونة. حافظ العلماء على استقلالهم بدرجةٍ كبيرةٍ في مستوياتٍ عديدةٍ، مثل التعليم الديني، والمصادر الاقتصادية، بحكم الخلفية التجاريّة للكثير منهم، وتحالفهم مع القطاع الخاصّ الذي تحمّل الأعباء الماليّة المتعلِّقة بنشاطهم التعليميّ والخيريّ.

وحافظ العلماء أيضًا على الاعتراف بأهميّتهم في عالمٍ متغيِّرٍ، من خلال تركيزهم على أن يكونوا جزءًا من السلالة العلميّة المعترف بها شرعيًّا، وأدّت محاولاتهم المختلفة في هذا المجال إلى ظهور الجماعات التي تشكِّل المشهد الدينيّ في سورية اليوم، تلك التي وفّرت لأعضائها هويّات جماعيّة متنوعة، كما استطاع بعضهم الوصول إلى جمهورٍ متعلِّمٍ جديدٍ على نطاقٍ واسعٍ بفضل وسائل الإعلام الحديثة، فضلًا عن أن التحول الليبراليّ الجديد في سورية قد ساعد في إظهار قدراتهم الفائقة على جمع التبرعات من القطاع الخاص لمصلحة العمل الخيريّ، وقدراتهم على خلق منافع متبادلة مع الرأسماليّة المحسوبية التي سعت لتحسين سمعتها من خلال الحصول على تصديق رجال دين بارزين مقابل تقديم تبرعاتٍ سخيّةٍ لهم.

على الرغم من أنَّ العلماء السلفيّين قد عانوا كثيرًا بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر بحكم ملاحقة النظام لهم سواء أكانوا مسالمين أم جهاديّين، فإنّهم استطاعوا تنمية دورهم الاجتماعيّ والديني بفضل تكنولوجيا المعلومات الجديدة، حتى في ظلِّ غياب شخصيّات بارزة بينهم. أما الاتجاهات الإسلاميّة الإصلاحيّة فإنّها لم تقلِّل عمومًا من سلطة رجال الدين التقليديّين، بل على العكس، فقد سعى الإصلاحيّون لبناء تحالفات معهم على الرغم من اعتراضهم على جبنهم السياسيّ وعقائديّتهم.

أما بالنسبة إلى نقطة المرونة السياسيّة، فيرى توماس بيريه أنَّها ميلٌ طبيعيٌّ لدى رجال الدين الذين يسعون لحماية “ملعبهم” في كلِّ الأحوال والأوضاع، فهم لن يسعوا للاصطدام بالنظام الاستبداديّ إلّا في حال سعيه لتغيير المجتمع بطريقةٍ تجعله يصطدم مع نظرتهم ومصالحهم. إنهم يفضِّلون عمومًا خيار المنافع المتبادلة مع النظام؛ يقدِّمون الطاعة مقابل مصالح قطاعيّة، ما يعني أنَّ مطالب المعارضة السياسيّة المتمثِّلة بالديمقراطيّة كانت تأتي في آخر اهتمامات العلماء. وانتهى المؤلف إلى نتيجة مهمة تتلخّص بضرورة إعادة النظر في فكرة أنَّ النظام السوريّ قد ضمن ولاء النخب الاجتماعيّة، ومن ضمنها أهل السُنَّة المحافظون، من خلال القمع وحسب، فعلى الرغم من مركزيّة القمع طوال حكم النظام إلّا أن المقايضات التي مارسها النظام مع تلك النخب، ومن بينهم رجال الدين، كان لها دورٌ مهمٌّ في تثبيت حكمه واستمراريّته.

أنهى توماس بيريه كتابه بعد مرور عامٍ على انطلاق الثورة السوريّة، وكان يرى وقتها أنّ انهيار النظام سيؤدّي في نهاية المطاف إلى تغيير المشهد الدينيّ في سورية؛ ستتعرض هيمنة علماء الدين في دمشق وحلب لضررٍ لا يمكن عكسه بسبب مواقف بعضهم الموالية للنظام، سيستمر العلماء المحافظون، والأكثر استقلالًا بينهم بصورة خاصة، في أداء دورٍ مهمٍّ في مرحلة ما بعد البعث في سورية، سوف يكون العلماء مرغمين على الأخذ في حسبانهم القوى الجديدة مثل السلفيّين والإخوان المسلمين ورجال الدين من الدرجة الثالثة من الضواحي والمدن الريفيّة، والذين كان بعضهم يؤدي أدوارًا بارزة في المجموعات المعارضة، فضلًا عن المسلّحين الجهاديّين، وغيرهم.

لكنَّ المشهد قد تغيَّر كثيرًا خلال العقد الماضي، وأصبح أكثر تعقيدًا وأقلَّ وضوحًا، بحكم العنف الشديد للنظام والتدخلات الخارجيّة الواسعة وتعدّد الأطراف المتصارعة على الأرض السوريّة وكثرة الجماعات والميليشيات الدينيّة وتعدّد ولاءاتها وتشظّي الحقل السياسيّ السوريّ، ومن ضمنه الدينيّ، واضطرار نصف الشعب السوريّ تقريبًا إلى مغادرة سورية، ما يفرض عقباتٍ هائلةً أمام إمكان التنبّؤ بسورية المستقبليّة وطبيعة المشهد الدينيّ الممكن ونوعية القوى الفاعلة والخيارات المحتملة للسوريّين.

مشاركة: