العدوان الإسرائيلي على غزة بعد 7 أكتوبر2023: قراءة في الخلفيات والتداعيات

مدخل

سادت قناعة لدى السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة بأنّ الأمر قد استتبّ لها في المنطقة باعتبار أنّ مشروع التطبيع استهوى بعض الدول العربية، وحركة الاستيطان تمدّدت لتشمل جلّ الداخل الفلسطيني في ظلّ صمت المجتمع العربي والدولي. وفي الأثناء بدت الضفّة الغربية رهينة مشروع التنسيق الأمني مع إسرائيل. فيما ظلّ قطاع غزّة مكبّلًا بسطوة الحصار الشامل، المطبق، المفروض عليه منذ سنة 2007[1]. لكنّ ما حصل يوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 أربك الحسابات الإسرائيلية، وكلّف دولة الاحتلال خسائر غير مسبوقة في العدد والعُدّة. وأعاد صياغة موازين الصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. فقد شنّت كتائب عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يومها هجومًا واسعًا مباغتًا، برًّا، وبحرًا، وجوًّا، على المستوطنات المحاذية لقطاع غزّة، سمّته “طوفان الأقصى”. وأحدثت ثغرات عِدّة في جدار الفصل العنصري، تسرّب من خلالها المئات من مقاتليها إلى عمق الأراضي المحتلّة. وتمكّنوا من اقتحام مواقع عسكرية وأمنية ولوجستية استراتيجية، وألحقوا بإسرائيل خسائر فادحة في الأرواح، واستولوا على آليات عسكرية، وأسروا نحو257 رهينة من الجنود والمستوطنين. فيما قدّرت إحصائيات متواترة عدد القتلى في صفوف الجانب الإسرائيلي بعد أيّام من عملية طوفان الأقصى بـ 1200 من العسكريين والمدنيين، فضلًا عن آلاف الجرحى. وبرّرت حركة حماس قيامها بالعملية بأنّها “ردّ فعل على حصار غزّة والانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى، واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس، والضفة، والداخل المحتل وعلى سياسات الاستيطان الإسرائيلية، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية ولوضع حدّ لسياسات الضم التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية ومحاولاتها لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ولمواجهة عنف المستوطنين في الضفة الغربية ولوضع حدّ للتنكيل بآلاف الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال”[2].

واعتبرت قيادات إسرائيلية العملية ضربة قاسية لإسرائيل. بل كارثة، حلّت بها. وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أنّ “7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 يوم أسود في تاريخ إسرائيل”[3].

وبناء عليه، أعلن مجلس وزاري إسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو (08/10/2023) اعتماد حالة الحرب[4] ضدّ الفصائل الفلسطينية عموما وحركة حماس خصوصا، وإطلاق عملية “السيوف الحديدية”[5] الإسرائيلية ضدّ غزّة التي نعتها نتنياهو بأنَّها “مدينة الشر”، ووعد بتحويلها إلى “جزر خربة”[6] انتقاما لمقتل وأسْر إسرائيليين في عملية “طوفان الأقصى”، وللتغطية على فشل قوّاته في استباق هجوم المقاومة الفلسطينية والتصدّي له.

والنّاظر في تبعات العدوان الإسرائيلي على غزّة، يتبيّن أنّ له خلفيات، وسنقف في هذه الورقة البحثية عند أهمّها.

-1خلفيات العدوان الإسرائيلي على غزة

في مستوى دراسة الخلفيات التي وجّهت الحرب الإسرائيلية الشاملة الشعواء على غزّة بعد 7 أكتوبر2023، يمكن القول إنَّ هناك ثلاثة معطيات حفّزت صانع القرار الإسرائيلي على العدوان برًّا وبحرًا وجوًّا على القطاع. أوّلها اعتباره غزّة كيانًا معاديًا منذ تولّي حركة حماس شؤون إدارتها، وثانيها، الفشل الاستخباري الإسرائيلي الذريع في استباق عملية طوفان الأقصى، وثالثها، الحرج الذي ألحقته العملية المذكورة بحكومة نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي.

أ- اعتبار غزة كيانًا معاديًا

سياسة تهميش قطاع غزة وعداء إسرائيل له، وحرصها على تعميق معاناة سكانه وانتهاك حقوقهم في التنقل، والعمل، والعيش بكرامة وأمان ليست مسألة مستجدّة. فطيلة 17 عامًا من الحصار الإسرائيلي الشامل المفروض على غزّة، صمّ المجتمع الدولي آذانه إزاء معاناة سكّان القطاع، ولم يلتفت إلى أوضاعهم المعيشية المزرية، وظروفهم الاقتصادية الصعبة، وأوضاعهم الصحية المتدهورة. فمنذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية (2006)، وتولّيها إدارة القطاع (2007)، اعتبرت إسرائيل غزّةَ “كيانا معاديا”[7]، وفرضت عليها عقوبات شتّى، من بيْنها، غلق جُلّ المعابر، وتقييد حركة الأشخاص والبضائع من غزّة وإليها، والتحكّم في كمّية الوقود، والمواد الغذائية، واللوازم الطبية التي تدخله[8]. وعزلت دولة الاحتلال القطاع، وفصلته عن الضفة الغربية والقدس الشرقية. وشدّدت القيود على دخول عمّال غزّيين إلى مناطق النفوذ الإسرائيلي. وأدّى ذلك إلى توسيع دوائر الفقر والبطالة والإحباط في القطاع[9]. وفي الأثناء، شنّت إسرائيل على غزّة أربع عمليات عسكرية دامية هي الرصاص المصبوب (2009/2008)، وعمود السحاب (2012)، والجرف الصامد (2014)، وحارس الأسوار (2021). وأدّت تلك العمليَّات إلى مقتل آلاف المدنيين، وجَرح وتشريد آخرين وهدم منازلهم. كما أحدثت أضرارًا كبيرة في البنية التحتية الفلسطينية. وبناء عليه، فقد دأبت إسرائيل على استعداء سكّان قطاع غزّة، وهرسلتهم، والتضييق على معاشهم ومقامهم. ومعلوم أنّ العنف ينتج العنف، والكبت يولّد الانفجار. وفي هذا السياق برّرت الفصائل الفلسطينية بقيادة حماس اندلاع عملية “طوفان الأقصى” معتبرة أنها ردّة فعل على انتهاكات دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين[10].

ب- الإخفاق في استباق عملية طوفان الأقصى

من الناحية العسكرية، كشفت عملية طوفان الأقصى التي تُعدُّ من أكبر المواجهات الميدانية، المسلحة، المباشرة بين الفصائل الفلسطينية والقوّات الإسرائيلية إخفاق هذه الأخيرة في الاستخبار والاستطلاع، وفشلها في بلورة استراتيجية استباقية للتعامل مع هجوم مفاجئ من غزّة. فرغم أنّ القطاع واقع تحت أنظار أجهزة التجسس الإسرائيلية، وعانى ويلات حصار غاشم طيلة سنوات عديدة، فإنّ الآلة الاستعلامية لدولة الاحتلال عجزت عن اختراق الجهاز السرّي، العملياتي لحركات المقاومة الفلسطينية عموما وكتائب عز الدين القسّام خصوصا. وأثّر ذلك في جاهزية الجيش الإسرائيلي في التصدّي لهجوم 7 أكتوبر 2023. فقد نَفَذ فدائيون فلسطينيون في وقت متزامن إلى محاور عدّة في الحزام الاستيطاني المحاذي لغزّة، وتوغّلوا بعمق 40 كلم في الأراضي المحتلّة، ودخلوا 20 مستوطنة في وقت قياسي، وداهموا قواعد عسكرية، ونقاطا أمنية وأبراج مراقبة إسرائيلية على طول الحدود مع قطاع غزّة[11]. واستولوا على عتاد كثير، وقضوا على قيادات عسكرية وأمنية عليا. فيما أسروا آخرين. ومهّدوا لكلّ ذلك بضربات صاروخية مكثّفة طالت المستوطنات والعمق الإسرائيلي، وأربكت القبّة الحديدية التي وجدت صعوبات جمّة في التصدّي للكمّ الهائل من الصواريخ، والطائرات الشراعية، والمسيّرات الفلسطينية. ومن ثمّ، فإنّ اختراق الفصائل الفلسطينية جدار الدفاع الإسرائيلي، ووصولها إلى عمق المستوطنات، ومداهمتها نقاطا أمنية وعسكرية إسرائيلية مثّل تحوّلا نوعيا في عمليات المقاومة الفلسطينية ضدّ قوّات الاحتلال. ويعدّ بحسب مراقبين نكسة لأجهزته الاستعلامية والدفاعية. لذلك بادر صناع القرار في إسرائيل بشنّ الحرب على غزّة بغاية ترميم صورة جيش الاحتلال واستعادة هيْبته وقدرته على الردع حتّى لا يظهر في صورة المهزوم على يد الفصائل الفلسطينية أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي.

ج- إحراج عملية طوفان الأقصى لحكومة نتنياهو

سياسيا، أربكت عملية طوفان الأقصى حكومة بنيامين نتنياهو[12]، وأحرجتها أمام الرأي العام الإسرائيلي[13]، وجعلتها تجد صعوبة في تبرير الفشل المعلوماتي والاستخباري والدفاعي الواسع للقوات الإسرائيلية على حدود غزّة، وبدت غير قادرة على حماية المستوطنين، وعلى توفير الحدّ الأدنى من المعلومات للعائلات الإسرائيلية حول مصير المفقودين والرهائن الذين احتجزتهم حماس. ومثّل ملفّ الأسرى الإسرائيليين ورقة ضغط وازنة لدى الفصائل الفلسطينية، ومدار قلق الجمهور في إسرائيل. وزاد كلّ ذلك من وتيرة الانتقادات الموجّهة لنتنياهو، وحمّله جانب من الشارع الإسرائيلي مسؤولية ما جرى، وتمّ التلويح بمساءلته ومحاسبته عاجلا أَم آجلا[14]. وهو ما دفعه إلى توسيع حزامه الحكومي ليشمل حزب المعسكر الوطني بقيادة بيني غانتس، الذي لديه 14 عضوا في الكنيست. وأتاح تشكيل “حكومة طوارئ” لنتنياهو أن يتخفّف نسبيا من آثار طوفان الأقصى، وأن يستجمع جهود اليمين والجماعات الدينية المتطرّفة لتحشيد الدعم الداخلي لسياساته، وجنّبه إلى حدّ ما تحمّل مآلات الحرب على غزّة لوحده. وبدا واضحا أنّ تدنّي شعبية حكومة نتنياهو إبّان عملية طوفان الأقصى. إذ لم تتجاوز نسبة المناصرين لها حدود26% من مجموع الإسرائيليين[15]، قد دفع رئيس الوزراء وأعضاء حكومته من اليمين الديني المتطرّف إلى شنّ العدوان على غزّة بغاية احتواء الغضب الإسرائيلي من الفشل الحكومي في توقع عملية طوفان الأقصى، وبهدف “الانتقام الثأري من الغزّيين عموما”[16]، وعناصر الفصائل الفلسطينية خصوصًا.

-2تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة

للعدوان الإسرائيلي على غزّة عقب عملية طوفان الأقصى تداعيات خطيرة كثيرة، لا ندّعي الإحاطة بها جميعا في هذه الورقة البحثية. لكّننا سنقف أساسا عند آثاره الكارثية على المدنيين، وعند تداعياته الأمنية والاقتصادية، وكذا عند دوره في تحشيد الشارع العربي والكوني حول القضية الفلسطينية.

أ- تعريض حياة المدنيين للخطر وتعميق معاناتهم

مثّل استمرار الحصار الإسرائيلي المطبق على غزّة وقصفها عشوائيا برّا، وبحرا، وجوّا كارثة إنسانية كبرى، معظم ضحاياها من المدنيين الذين عانوا ويلات القتل، والتشريد، ونقص المواد الأساسية. وذلك بحسب تقارير صادرة عن جهات أممية، وحقوقية، وإغاثية موثوقة. وفي هذا السياق صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنّ سكان قطاع غزة يعيشون “كارثة هائلة”[17]، مشيرا إلى أن “80% من سكان غزة نزحوا منذ بداية الحرب وإلى أنّ المنظومة الصحية انهارت والجوع ينتشر بشكل مريع في القطاع”[18]، وأفاد مدير برنامج الأغذية العالمي في فلسطين بأنّ “العائلات تشعر باليأس، والجوع، والإرهاق، وتعيش في ملاجئ مكتظة في ظروف قاسية للغاية”[19]. وذهبت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين إلى أن ” الملاجئ تبقى غير آمنة ومكتظة، ويعاني الناس نقص المياه النظيفة، ويواجه المدنيون خطر مجاعة”[20]، باعتبار أنّ إمدادات الغذاء والمياه غير منتظمة، وغير كافية لعموم السكان، وباعتبار أنّ جلّ المطاحن والمخابز معطّلة بسبب قصفها من جانب جيش الاحتلال أو بسبب عدم وجود ما يكفي من الوقود والكهرباء والغاز لتشغيلها. وسبق أن أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن70% من سكان غزة يشربون المياه المالحة أو القذرة[21]. وأدّى ذلك عمليّا إلى انتشار أمراض في صفوف أهالي غزّة. فقد أفاد ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريتشارد بيبركورن إلى “رصد أكثر من 70 ألف حالة عدوى تنفسية حادة وما يربو على 44 ألف حالة إسهال في القطاع المكتظ بالسكان”[22]. ولم يجد المرضى الرعاية الصحية المناسبة لأنّ جلّ المستشفيات في القطاع قد تعطّلت جزئيا أو كلّيا جرّاء إخلائها أو قصفها من جانب قوّات الاحتلال، وكذا بسبب النقص الحادّ في الوقود والكادر الطبي والمواد العلاجية الأساسية. وفي ظلّ تدهور الوضع الصحي للفلسطينيين بسبب العدوان الإسرائيلي، قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس “سنرى عددًا أكبر من الأشخاص يموتون بسبب الأمراض أكثر مما نراه حتى من القصف[23]“. ومن ثمّ فقد خيّر الاحتلال الإسرائيلي المدنيين في غزّة بيْن أن يموتوا جوعا أو عطشا أو قصفا بقذائفه المجنونة أو أن يموتوا بسبب الأوبئة القاتلة. ويُعدّ ذلك تسليطا لعقاب جماعي على المدنيين الفلسطينيين، وتنكيلا صارخا بهم وإهدارا لحقّهم في الحياة، وهو ما يتعارض مع قواعد الاشتباك أثناء الحرب ومحامل القانون الإنساني الدولي.

أفادت إحصائية صادرة عن وزارة الصحة بغزّة بارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي غزة الى 30228 شهيدًا و71377 جريحًا منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى حدود 1 آذار/ مارس 2024[24]. ويتبيّن الدارس من خلال متابعة تقارير صادرة عن منظمات حقوقية وإغاثية ووسائل إعلام موثوقة، أنّ آلة الترويع الإسرائيلية لا تستثني أحدًا. فالقصف الجوّي استهدف المدنيين كما المقاتلين على السواء. والهروب من مكان إلى آخر لَمْ يق الغزيين أوار المعارك ولظى الطائرات الحربية لدولة الاحتلال. فالقتل تعقّب المدنيين في البيوت كما في الشوارع، وفي الملاجئ كما في المشافي، وفي الأسواق كما في الكنائس والمساجد. ومن ثمّ فقد تغلّقت أبواب النجاة أمام سكّان غزّة، وتحوّلت حياتهم إلى تراجيديا دامية، وضنك لا ينتهي، ولم يعد في مقدورهم الإحساس بالطمأنينة، والحصول على حاجياتهم الأساسية، والتمتع بالنوم لساعات متتالية. وذلك بسبب أزيز الرصاص، وزمجرة المدافع، وانفجار الصورايخ والقنابل التي قد تقضي على حياتهم في أيّ لحظة وفي أيّ مكان. ونتيجة ذلك استوطن الإحساس بعدم اليقين بالمستقبل، والشعور بالحيرة والذهول وقلّة ذات اليد المدنيين في غزّة.

ووصف فيليب لازاريني، المفوض العا م للأونروا الوضع في غزّة بأنّه كارثي، قائلا: “إنّ القطاع تحوّل إلى حفرة من الجحيم”[25]، وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “لقد أظهرت القوات الإسرائيلية، في نيتها المعلنة استخدام كافة الوسائل لتدمير حماس، ازدراءً صادمًا بأرواح المدنيين. لقد دمرت شارعًا تلو الآخر من المباني السكنية، مما أسفر عن مقتل المدنيين على نطاق واسع وتدمير البنية التحتية، بينما أدّت القيود التي فرضتها إلى النفاد السريع للمياه والأدوية والوقود والكهرباء في غزة. وأكد شهود العيان والناجون، مرارًا وتكرارًا، أن الهجمات الإسرائيلية دمرت عائلات فلسطينية وتسببت في دمار كبير لم يترك لأقارب الناجين سوى الركام ليذكّرهم بأحبائهم”[26].

وبناء عليه، فقد اعتمدت القوّات الإسرائيلية في حربها على غزّة بحسب مراقبين استراتيجية الأرض المحروقة، والتنكيل بالمدنيين من خلال التركيز على ثلاثة مسارات انتقامية. الأوّل، تعميم القصف وتكثيف وتيرته في المناطق الآهلة بالسكان، والثاني، تعطيل وصول الغزيين إلى المواد الأساسية والمساعدات الإنسانية، والثالث ضرب البنى التحتية، والخدمية، والصحية. ففي مستوى تعميم القصف واستهداف المناطق السكنية، أفادت الأمم المتحدة، بـ “دمار أكثر من 1300 مبنى في قطاع غزة، بعد أسبوع من القصف الإسرائيلي. وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن “5544 وحدة سكنية في هذه المباني دمرت. فيما أصيبت حوالى 3750 وحدة أخرى بأضرار جسيمة إلى حد لم تعد قابلة للسكن”[27].

ودلّت كثافة الغارات الجوية على غزّة بحسب خبراء عسكريين على عدم وجود أهداف عسكرية دقيقة لدى الجيش الإسرائيلي، وميله إلى القصف العشوائي للقطاع بغرض إحداث أكبر عدد ممكن من الضحايا في صفوف المدنيين والمقاتلين معا. ويتعارض هذا النهج في القتال مع القانون الإنساني الدولي، المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وفي البروتوكولين الإضافيين لعام 1977. فالمادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة “تحظر الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، ضد الأشخاص الذي لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية”[28]. وأكّد القانون الدولي حتمية تمييز أطراف النزاع المسلّح بين المقاتلين وغير المقاتلين حتّى لا يتضرّر المدنيون. وورد في المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين أن “المدنيين لا يجوز أن يكونوا هدفًا للهجوم، وأن أعمال العنف أو التهديد بها التي يكون غرضها نشر الرعب بين السكان المدنيين، محظورة”[29].

وعلى صعيد متّصل فرضت السلطات الإسرائيلية حصارا تامّا على غزة خلال الأسابيع الأولى من الحرب: “لا كهرباء، لا ماء، لا وقود”[30]. وجرى تعطيل حصول سكّان القطاع على المساعدات الإغاثية الدولية بشكل منتظم ومستدام. وذهب حقوقيون وسياسيون إلى أنّ الممارسات الإسرائيلية تجاوزت مطلب الدفاع عن النفس إلى تسليط عقاب جماعي على المدنيين الفلسطينيين، وهو ما يُعد جريمة حرب بحسب القانون الدولي. وأدّى القصف العشوائي الإسرائيلي إلى إلحاق أضرار فادحة بمدارس ومستشفيات، ومراكز إغاثية وطواقم طبية وهو ما فاقم معاناة المدنيين في غزّة. وفي ظلّ الوضع المأساوي الذي شهده القطاع، عبّرت منظمة العفو الدولية عن خشيتها مِن أن “تتحوّل غزّة من أكبر سجن مفتوح في العالم إلى مقبرة جماعية هائلة”[31].

ورامت دولة الاحتلال من شنّ حرب دامية شاملة شعواء على المدنيين في غزّة تحقيق عدّة أهداف لعلّ أهمّها فكّ الارتباط بين حركة حماس وسكّان القطاع، وتأليبهم عليها، وترويع السكان ودفعهم إلى مغادرة غزّة. وذهب بعض الدارسين إلى أبعد من ذلك معتبرين أنّ الهجمة الإسرائيلية الشرسة على القطاع هدفت إلى إخلائه من الغزيين وتغيير بنيته الديمغرافية، وتحويله إلى مستوطنات جديدة، وأنّ المراد ليس القضاء على حماس فحسب بل جعل الحياة في غزّة مستحيلة[32]، وتصفية القضية الفلسطينية، وقبْر حلّ الدولتين، وغلق باب التفاوض على السلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ومعلوم أنّ كتم أصوات الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم بقوّة السلاح لن يضمن الأمان لإسرائيل، ولن يقضي على فكرة المقاومة بل سيزيد في انتشارها وسيؤدّي إلى تنويع أشكالها، وسيزيد التمادي في إيذاء المدنيين الفلسطينيين من تنامي الشعور بالكراهية تجاه إسرائيل والغرب في المنطقة[33].

بناء على ما تقدّم، يتبيّن أنّ الحرب على غزّة أنهكت المدنيين، وأربكت حياتهم، وعرّضتهم لمخاطر شتّى، وأثّرت سلبا في أوضاعهم النفسية والمادّية والصحية والمعيشية، وفي حياتهم اليومية، وجعلتهم موزّعين بين خيار البقاء في القطاع ومواجهة خطر الموت في أيّ لحظة، وخيار الرّحيل وتكبّد متاعب وخسائر شتّى. وفي الحالتين فقد الفلسطيني حقّه في حياة آمنة، كريمة ومستقرّة.

ب- التداعيات الأمنية للعدوان الإسرائيلي على غزة

من الناحية الأمنية، وضع استمرار الحرب على غزّة المنطقة على صفيح ساخن، وأدّى إلى اشتعال جبهات موازية. وأشارت تقارير موثوقة إلى أنّ “حزب الله” شنّ بين 7 تشرين الأول/ أكتوبر و14 تشرين الثاني/ نوفمبر، نحو 170 هجومًا[34] من لبنان على أهداف عسكرية إسرائيلية، مستخدما أسلحة مضادة للدبابات، أو مدفعية، أو صواريخ، أو طائراتٍ بدون طيار، ونفذت إسرائيل في الفترة نفسها 327 غارة جوية أو عملية قصف مدفعي مستهدفة مواقع للحزب في جنوب لبنان[35]. وفي سياق متّصل تصاعدت وتيرة هجمات كتائب مسلحة، غير نظامية، محسوبة على إيران على قواعد أميركية في العراق وسورية. ففي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن وقوع 28 هجومًا ضد القوات الأميركية في سورية و27 في العراق منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر2023، فضلا عن تزايد تهديد الحوثيين للأمن المائي في البحر الأحمر من خلال استهدافهم سُفنًا تجارية على علاقة كليًا أو جزئيًا بإسرائيل. وذلك احتجاجًا على عدوان الأخيرة على قطاع غزّة. وتكفي الإشارة في هذا الشأن إلى أنّ «القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط» أعلنت في بيان لها أن “يوم الثالث من ديسمبر 2023 شهد وحده حدوث أربع هجمات على ثلاث سفن تجارية مختلفة كانت تُبحر في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر، والسفن الثلاث مرتبطة بـ 14 دولة مختلفة”[36]. واتهمت الحوثيين بشنّ تلك الهجمات. وبناء عليه، فإنّ احتدام الحرب الإسرائيلية على غزّة شكّل خطرا على المصالح الأميركية في المنطقة، وهدّد السلم الإقليمي والدولي، وله تداعيات وخيمة على الاقتصاد في المنطقة والعالم لا محالة.

ج- التداعيات الاقتصادية للعدوان الإسرائيلي على غزة

من الناحية الاقتصادية، ما من شكّ أنّ الحرب ألحقت أضرارا فادحة بالاقتصاد الفلسطيني بسبب قصف آلة الحرب الإسرائيلية البنى التحتية واستهدافها كلّ مرافق الإنتاج في القطاع ومنعها آلاف الفلسطينيين من الالتحاق بمراكز عملهم في إسرائيل. وهو ما جعلهم أسْرى بطالة قسرية/قاسية. فقد أدّى العدوان الإسرائيلي إلى فقدان 61% من فرص العمل في غزة، أي ما يعادل 182 ألف وظيفة، مع بلوغ الحرب شهرها الأول. ذلك أنّ 14% من العاملين الفلسطينيين كانوا يباشرون عملهم في إسرائيل، من بيْنهم 20000 عامل من قطاع غزّة[37]. وقدّرت بعض التقارير الخسارة اليومية لقيمة الإنتاج في قطاع غزه ب 16 مليون دولار نتيجة توقف عجلة الإنتاج لكافة الأنشطة الاقتصادية عدا الخسائر في الممتلكات والأصول الثابتة[38]. وتوقفت خلال الحرب الأخيرة على القطاع سلاسل التوريد من غزّة وإليها، ونجم عن ذلك نقص حاد في المواد الأساسية من قبيل الأدوية والمستلزمات الصحية والغذائية، وأدّى ذلك عمليا إلى تفاقم خطر سوء التغذية من ناحية، وارتفاع الأسعار، وتدهور المقدرة الشرائية للمواطنين واتساع دوائر الفقر من ناحية أخرى. وتشير التقديرات إلى أنّه بحلول بداية الأسبوع الثالث من الحرب، أصبح جميع سكان غزة تقريبًا، ا لبالغ عددهم 2.3 مليون ساكن، يعيشون في فقر متعدد الأبعاد (96 في المائة)[39] ومع بلوغ الحرب شهرها الثالث، بلغت خسائر الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني 12.2%، أي ما يُقدّر بـ 2.5 مليار دولار[40].

واستنزفت الحرب الشعواء على غزة الموازنة العامّة الإسرائيلية. فقد “صوّت أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغّر (15 يناير/كانون الثاني) على ميزانية 2024، بزيادة مبلغ إضافي للإنفاق على الحرب يقدّر بـ 55 مليار شيكل (15 مليار دولار). وشمل التمويل الإضافي، إلى جانب الميزانية العسكرية، تعويضات للمتأثرين بالحرب، وزيادة في ميزانية الرعاية الصحية والشرطة، ودعم الجيش، وتعويض جنود الاحتياط، وعشرات آلاف الإسرائيليين النازحين من المناطق الحدودية”[41]. وسجلت الميزانية عجزًا قدره 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، بسبب ارتفاع الإنفاق الحربي[42]. وأفادت وزارة المال الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 أنّ الحرب تكلّف إسرائيل نحو مليار شيكل في اليوم الواحد، أي ما يعادل 267 مليون دولار تقريبًا. وأشار مراقبون إلى أنّ تصاعد الحرب على غزة جعل الاقتصاد الإسرائيلي يعيش أسوأ فتراته منذ 74 عامًا. ذلك أنّ الحرب كلّفت دولة الاحتلال خسارة 10% من إنتاجها المحلّي[43]، وجعلتها تدفع فاتورة باهظة تقدّر بـ 50 مليار دولار.

وأدّت أجواء الحرب إلى تراجع حركة السياحة نحو إسرائيل وبلدان الشرق الأوسط بسبب انتشار شعور بعدم الأمان في المنطقة. وأشارت تقارير متواترة إلى تراجع الشيكل أمام الدولار بنسبة تخطت 3 بالمئة لأول مرة منذ عشر سنوات بسبب الحرب على غزة. وفقدت بورصة تل أبيب 25 مليار دولار من قيمتها السوقية بعد الحرب بسبب تراجع أسهم بعض الشركات فيها بنسبة 35%. ذلك أنّ رأس المال جبان، ويبحث دائما عن ملاذ آمن. وأفضى استدعاء أكثر من 360 ألف جندي احتياطي، أي 8% من القوة العاملة[44] في البلاد إلى فجوة هائلة في الاقتصاد الإسرائيلي، وإلى إرباك إنتاجية قطاعات حيوية في إسرائيل (الزراعة، السياحة، الخدمات) فيما أغلقت شركات أبوابها، ووردت بيانات رسمية صادرة عن الاحتلال بشأن الصدمة التي ألحقتها الحرب بالاقتصاد الإسرائيلي أن حوالي 51% من الشركات أخبرت بحدوث ضرر كبير في المداخيل، وأبلغت حوالي 12% فقط من الشركات عن حدوث ضرر طفيف في دخل الشركة[45]. وأبلغت جلّ الشركات المعنية بالصناعات التالية عن انخفاض يزيد عن 50% في إيراداتها: صناعات خدمات الضيافة (حوالي 82% سجلت انخفاضًا في الإيرادات)، وخدمات الأغذية والمشروبات (71%)، والبناء (74%)[46]. وبلغت نسبة العاطلين عن العمل زهاء 750 ألفا بعد الحرب بحسب بعض التقديرات.

أمّا إقليميا، فأدّى تواصل الحرب الإسرائيلية المحمومة على غزّة إلى ارتفاع أسعار الطاقة في منطقة تعدّ نقطة ارتكاز رئيسية لإنتاج النفط والغاز. ومعلوم أنّ ذلك أثّر سلبا في المقدرة الشرائية للأُسر والشركات، وزاد من معدّلات التضخّم، ومن تكاليف إنتاج المواد الأساسية، خصوصا الطاقية والغذائية منها. كما أنّ تواتر منْع بعض السفن المحسوبة على إسرائيل من الإبحار عبر باب المندب أو التضييق عليها أو تغيير وجهتها وضع سلامة الممرات المائية على المحك، وساهم في تعطيل خطوط الإمداد وحركة الشحن والتجارة البيْنية في المنطقة والعالم[47].

د- تحشيد الشارع العربي والدولي حول القضية الفلسطينية

يُعتبر الشارع مجالًا إعلاميًا دالاًّ، وفضاء تعبيريًا مكثفًا، وحيّزًا حركيًّا معبّرًا، وفضاء تعبويًا حيويًا، ومكانًا رامزًا، ناطقًا بأصوات الجماهير التي تحتشد فيه للبوح، والاحتجاج، والمطالبة بالتغيير. فالشارع قوّة ضغط وأداة تثوير وتنوير. وهو مجال عمومي، تروم من خلاله السلطة الحاكمة كما الجماعات المدنية التعبير عن كينونتها واستقطاب الرأي العام لصالحها. وتسعى الجماهير من خلال حركة الشارع إلى التأثير في أصحاب القرار في الداخل والخارج، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي على كيْف ما.

مثّل اندلاع “عملية طوفان الأقصى” (07/10/2023)، وانخراط السلطات الإسرائيلية في شنّ عدوان غاشم على المدنيين في غزّة قادحًا لانتفاض الشارع العربي والكوْني. فاكتسحت الجماهير الميادين، معبّرة بأصوات عالية عن مناصرتها القضية الفلسطينية، وإدانتها الغطرسة الإسرائيلية، وغضبها من صمت المجتمع الدولي، ومن تخاذل جلّ حكّام العرب في نجدة سكان القطاع، وبذل الجهد لأجل وضع حدّ للحرب المسلّطة عليهم. فقد أشارت مصادر دولة الاحتلال نفسها إلى تعاظم الحراك الاحتجاجي العالمي ضدّ إسرائيل إبّان عدوانها الغاشم على غزة. فقد أفاد معهد الدراسات الأمنية الإسرائيلي أنّ العالم شهد في الفترة ما بين 07/10/2023 و 09/02/2024 تنظيم 602 احتجاجًا أسبوعيًا مندّدًا بالانتهاكات الإسرائيلية في غزة[48]. في حين لم تتجاوز التظاهرات المؤيدة لإسرائيل حدود 37 تظاهرة أسبوعيا في الفترة نفسها[49]. فقد شهدت الولايات المتحدة 1625 تظاهرة مؤيدة للشعب الفلسطيني ومناهضة للحرب على غزة، واليمن 1617 تظاهرة، والمغرب 1232 تظاهرة، وتركيا 929 تظاهرة، وإيران 526 تظاهرة مناصرة للجانب الفلسطيني[50]. وأخبر ذلك بعودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وباتساع حاضنتها الشعبية عربيًا، ودوليًا. فيما لم تتجاوز التظاهرات الداعمة لإسرائيل حدود بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة (283 تظاهرة)، وفرنسا (102)، وألمانيا (98)، وكندا (33)، وأستراليا (15)[51]. وأخبر ذلك بعزلة إسرائيل دوليًا، وعدم وجود حزام شعبي دولي داعم لحربها على غزّة. وبدا واضحًا أنّ معظم الرأي العام الدولي مناصر للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ومدين للسياسات العدوانية الإسرائيلية ضدّ أهالي غزة. وللحراك الاحتجاجي العربي والكوني في نصرة غزّة تجلّيات، ودلالات عدّة.

اتخذ التضامن الشعبي مع غزّة في البداية شكلًا سيبرانيًا/افتراضيًا. فقد اجتاحت الأنترنت عموما وشبكات التواصل الاجتماعي خصوصا، إبّان نجاح كتائب عز الدين القسام والفصائل الفلسطينية في اقتحام الدفاعات الإسرائيلية وإلحاق خسائر فادحة بها، وسوم: “فلسطين حرّة”، “غزّة رمز العزّة”، “طوفان الأقصى”، “نهاية الجيش الذي لا يُقهر”، وتحلّى الفضاء الافتراضي بالكوفية، والأهازيج، والأعلام الفلسطينية. وانتشرت بشكل مكثّف مشاهد تحطيم فلسطينيين الجدار العازل بين غزّة والمستوطنات الإسرائيلية وهجومهم على مواقع عسكرية إسرائيلية استراتيجية. وأخبر ذلك بحالة من التعاطف الجمعي مع المقاومة الفلسطينية. وامتدّ التضامن الإعلامي مع فلسطين ليشمل رسْم خريطتها وأسماء مدنها على الجدران، ورفع أعلامها على المنازل والمتاجر، والمباني العامّة والخاصّة. وارتدى كثيرون أزياء تقليدية فلسطينية. فيما رسم أو وشَم آخرون اسم فلسطين أو خريطتها التاريخية على سَواعدِهم أو قمصانهم أو أياديهم. وفي ذلك احتفال بفلسطين ومتعلّقاتها، وتعبير عن رغبة أكيدة في استحضارها والتماهي معها وجدانيًا ووجوديًا.

ومع إقدام إسرائيل على شنّ حرب ضروس على سكّان غزّة وإدمانها قصف المدنيين عشوائيًّا ، واستهدافها الأطفال، والنساء، والشيوخ العزّل بوابل من القنابل، والبراميل المتفجّرة، والصواريخ الزلزالية، تزايد الغضب الشعبي على دولة الاحتلال، عربيا ودوليا، ودفع صمود الغزيين وتمسّكهم بالأرض، رغم القصف والحصار، الجموع العربية إلى أن تنفض عن نفسها غبار الجمود والاستكانة، وتنزل إلى الشوارع، رافعة صرخات الاحتجاج والإدانة ضدّ الانتهاكات الإسرائيلية الفادحة لحقوق الفلسطينيين وللقانون الدولي، معبّرة عن سخطها من مجتمع دولي مستقيل إزاء ما حدث في غزّة، وغضبها من ردّ فعل عربي واهن على عدوان إسرائيلي سافر، تجاوز حدود الدفاع عن النفس إلى قتْل الأبرياء بدم بارد ليلًا ونهارًا.

ويتبيّن الدارس للشارع العربي والعالَمي المتضامن مع غزّة أنّه تميّز بثلاثة ملامح بارزة. أوّلها امتداده في الزمان والمكان والناس، وثانيها ثراء شعاراته من منظور سيميولوجي، وثالثها سلمية الحراك وانضباطه تنظيميا. فبعد سنوات من الصمت المطبق بتعلّة التخويف من الأنظمة السلطوية، ومن مآلات الربيع العربي الدامية في سورية، ومصر، وليبيا، واليمن، نزل العرب من الدار البيضاء، مرورًا بالقيروان والقاهرة، وصولًا إلى عمّان والدوحة وصلالة وغيرها من المدن العربية إلى الشوارع، وتراصّ المتظاهرون في الساحات العامّة في لندن، ومدريد، وباريس، وواشنطن وغيرها تعبيرا عن تضامنهم مع غزّة[52]. وامتد الاحتجاج الشعبي ضدّ العدوان الإسرائيلي من المدن إلى القُرى ومن الشوارع الرئيسية إلى الأحياء الطرفية. وشارك فيه متظاهرون ينتمون إلى فئات عُمرية وجندرية واجتماعية شتّى. فترى الشيب والشباب، والأطفال، والكهول، والشيوخ، والنساء والرجال، والمفقّرين وميسوري الحال قد انتفضوا جميعا دفاعا عن فلسطين عمومًا، وعن غزّة خصوصًا.

كما تلمح في المشهد الاحتجاجي/المتظاهر كلّ العائلات السياسية والدينية والعِرقية تقريبًا. فترى الليبرالي واليساري، والإسلامي والقومي، والمسيحي، واليهودي، والمسلم، والمتديّن وغير المتديّن، والمتأدلج وغير المتأدلج، والعربي وغير العربي يقفون جنبا إلى جنب، رافعين الأعلام والأيادي، منادين بحتمية وقف إطلاق النار، وإنقاذ المدنيين في غزّة من آلة البطش الإسرائيلية القاتلة. ومن ثمّ، فغزّة، لم توحّد الفصائل الفلسطينية فحسْب، بل وحّدت الاجتماع السياسي، والديني، والمدني تحت راية الانتصار لفلسطين. فمن يُؤذيها كأنّما آذى العرب والإنسانية جميعًا. ومن ينتهك حقوق أهلها فكأنّما انتهك حقوق الإنسان مُطلَقًا. ودلّ ذلك على أنّ فلسطين راسخة في القلوب، متجذّرة في الوعي الجمعي العربي والكوْني، وهي أعدل القضايا قسمة بيْن الناس. فلسان كلّ متظاهر يلهج بعبارة: “فلسطين قضيّتي”.

وعلى الرغم من مشاريع التطبيع المأزومة، وسياسات التضليل الإعلامي المخادعة، والتعتيم على انتهاكات المحتل، ورغم منع تدريس القضية الفلسطينية في مؤسسات تعليمية عربية عدّة، مازال العربي مسكونا بفلسطين ومتعلّقاتها. وسبق أن أكّد المؤشر العربي الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هذا الشعور العربي العام. فقد أخبر في استطلاعاته الدورية الموثوقة أنّ الغالبية العظمى من العرب يعتبرون فلسطين قضيّتهم الأولى[53]. وذلك على خلاف ما ادّعته بعض مراكز البحث الاستشراقية المشبوهة من أنّ التأييد لفلسطين تراجع في الشارع العربي في ظلّ امتداد مشروع التطبيع. وقد بات واضحا أنّ الجماهير العربية التي تظاهرت لنصرة فلسطين أثبتت زيْف هذا الادّعاء.

والثابت أنّ صمود الغزّيين في وجه القصف العشوائي لدولة الاحتلال، أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي، وحرّر الأفكار، والأقلام، والحناجر، ورفع الخوف من القلوب. فأبدع المتظاهر العربي والكوْني المنتصر لغزّة شعارات معبّرة، يمكن إدراجها سيميولوجيًا ضمن ثلاثة حقول. الأوّل، متعلّق بإقرار حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلّة: “العدالة لفلسطين”، الشعب يريد دولة فلسطينية كاملة السيادة”، “القدس عاصمة فلسطين الأبدية”. والثاني، متّصل بإدانة العدوان الإسرائيلي على المدنيين: “أوقفوا الإبادة الجماعية”، “كم طفلا يجب أن يُقتل حتّى يتم وقف إطلاق النار!” ،”إسرائيل مارقة”، والثالث دائر على الانتصار لخيار المقاومة: “فلسطين ليست للبيع”، “مقاومة …مقاومة…لا صلح ولا مساومة”، “الشعب يريد إسقاط التطبيع”، “بالروح، بالدم نفديك فلسطين”. وذلك في ظلّ إنكار السلطات الإسرائيلية حقوق الفلسطينيين التاريخية، وتماديها في اعتماد الفصل العنصري، والتهجير القسري للفلسطينيين، والقتل على الهوية. ودلّ تنوّع الشعارات على وعي العقل الاحتجاجي المتظاهر بتفاصيل القضية الفلسطينية وانغراسه فيها، وإدراكه محاور الصراع مع دولة الاحتلال.

واللافت أنّ الفاعلين في مشهدية التظاهر لم ينخرطوا في دوّامة التعصّب الحزبي أو الجهوي أو الطائفي أو الطبقي بل اجتمعوا تحت راية فلسطين، وتظاهروا لأجلها في كنف السلمية، ومن دون المس بالممتلكات العامّة والخاصّة.

في مستوى أركيولوجيا التظاهر لنصرة غزّة وتداعياته، يمكن القول إنّ العربي إذ تظاهر، تخفّف من قيود الدولة الشمولية، وعبّر عن وجوده وعن حقّه في التعبير، والتأثير في صنّاع القرار في تعاطيهم مع الشأن الفلسطيني. والعربي، إذ يتظاهر، لا يعتبر القضية الفلسطينية شأنا داخليا أو إقليميا. بل يعتبرها شأنا قوميا وإسلاميا لما لها قُدسية ومكانة عليّة في الذاكرة الجمعية. ومن ثمّ فالخروج إلى الشارع هو شكل من أشكال استحضار فلسطين والانتماء إليها على كيْف ما. وقد ساهم في “إعادة القضية الفلسطينية إلى جوهرها المتمثل بوجود شعب فلسطيني في مواجهة عدو محتل.[54]” لكن “يجب ألا يتحول التضامن العربي الانفعالي إلى تنفيس عربي، فبعده تستفرد إسرائيل بنفَسها الطويل بالشعب على الأرض. ومن أجل ذلك يجب وضعُ أهدافٍ سياسية له، أهمها أن تخسر إسرائيل المعركة سياسيا”[55]. والمواطن الكوني، إذ يتظاهر، يُعبّر عن حالة تعاطف عارم مع الشعب الفلسطيني، وحقّة في التحرّر، وتقرير المصير، وحقّه في إقامة دولته المستقلّة، كاملة السيادة. كما أنّ الحراك الاحتجاجي المكثّف يعدّ عمليا انتفاضة عربية ودولية ضدّ السياسات الإحلالية الإسرائيلية، وتمدّدها الاستيطاني، وانتهاكاتها المتكرّرة لحقوق الفلسطينيين. ومن ثمّ أعادت حركة الشارع العالمي القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الأممي، وعزلت إسرائيل على كيْف ما.

المراجع / المصادر:

1– راجع: تقرير خنقٌ وعزلة: 17 سنة من الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان:https://euromedmonitor.org/ar/gaza

2– راجع: هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى؟، المكتب الإعلامي حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس، 2024، ص 65.https://2u.pw/Pz4MO1xp

3– انظر: نتنياهو: 7 أكتوبر يوم «أسود» في تاريخ إسرائيل… وهذا سبب تأخر الاجتياح البري لقطاع غزة، موقع نبض، 25أكتوبر/ تشرين الأول 2023: https://2u.pw/9c6aHGvm

4– انظر: ماذا يعني إعلان حالة الحرب في إسرائيل؟، الجزيرة.نت، 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023: https://2u.pw/f5UE7o9

5– انظر: إسرائيل تشن ضربات جوية على غزة.. وتعلن إطلاق عملية “السيوف الحديدية”، الحرّة، 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023: https://2u.pw/69so049u

6– انظر: نتنياهو يتوعد بتحويل غزة إلى “جزر خربة”، موقع روداو، 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023:https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/071020237

7– راجع: تقرير خنقٌ وعزلة: 17 سنة من الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان:https://euromedmonitor.org/ar/gaza

8– نفسه.

9– Palestinians in Gaza at Risk Before Israel-Hamas War, site of Gallup, 2/11/2023,https://news.gallup.com/poll/513662/palestinians-gaza-risk-israel-hamas-war.aspx

10– راجع: هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى؟، المكتب الإعلامي حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس، 2024، ص 73. https://2u.pw/Pz4MO1xp

11– راجع: عملية “طوفان الأقصى”: انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة، المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023: https://2u.pw/mUfEjjU

12– راجع: عزمي بشارة عن الحرب في غزة: حالة من الارتباك في إسرائيل واستهداف المدنيين سياسة تدفيع ثمن لها أهداف، موقع عرب48، 23/10/2023. https://2u.pw/3c07qHyN

13– راجع: اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي في ضوء الحرب على غزة ومستقبل حكومة نتنياهو، المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023: https://2u.pw/UXCNtdsQ

14– John Reed and Neri Zilber, Benjamin Netanyahu won’t say sorry – Financial Times, 22/10/2023. https://www.ft.com/content/32c75cfc-d94f-4fa1-a2ed-b91f8ba90296

15– See: Survey Results: War in Gaza trust in the Israeli security system and government…, The Institute for National Security Studies,25/02/2024.https://www.inss.org.il/publication/war-data/

16– راجع: عزمي بشارة، السياسة والأخلاق والقانون الدولي في الحرب على غزّة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،الدوحة، 28/11/2023. https://2u.pw/YO3CCS4M

17– الأمين العام للأمم المتحدة: قطاع غزة يعيش “كارثة إنسانية ملحمية”، صحيفة القدس العربي، 29/11/2032. https://2u.pw/b3BUZsb8

18– نفسه.

19– مسؤول في برنامج الأغذية العالمي يحذر من كارثة قد تؤدي إلى مجاعة في غزة، موقع الأمم المتحدة، 18 كانون الأول/ديسمبر 2023. https://2u.pw/8g2uzclp

20– برنامج الأغذية العالمي يحذر: غزة تواجه الجوع على نطاق واسع مع انهيار النظم الغذائية، موقع برنامج الأغذية العالمي،16/11/2023. https://2u.pw/usOMPAX

21– مقرر أممي: على إسرائيل وقف استخدام المياه سلاح حرب، موقع وكالة الأناضول للأنباء، 17/11/2023. https://2u.pw/xAKYGm4a

22– منظمة الصحة العالمية تعبر عن قلقها من انتشار الأمراض في غزة، الجزيرة.نت، 17/11/2021. https://2u.pw/46IzQzdE

23– “قد تكون أشد فتكًا من الغارات الجوية”، منظمة الصحة العالمية تحذر من مخاطر الأمراض في غزة، موقع سي ان ان بالعربية، 04/12/2023. https://2u.pw/0zLAMIJA

24– راجع: الجوع يفتك بأطفال غزة والاحتلال يرتكب 16 مجزرة جديدة، صحيفة القدس، 01/03/2024.https://www.alquds.com/ar/posts/112051

25– تقرير: جحيم غزة: المدنيون يموتون على مشاهد العالم، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى(الأونروا) 13/10/2023. https://2u.pw/S0yN2mtj

26– تقرير: أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب في هجمات إسرائيلية قضت على أسر بأكملها في غزة، منظمة العفو الدولية،20/10/2023. https://2u.pw/4iRs02o

27– انظر: آثار الدمار الذي سببه العدوان الإسرائيلي على غزة، الجزيرة. نت، 14/10/2023. https://2u.pw/bhWvMZo

28– اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، المادة 3، موقع الأمم المتحدة: https://2u.pw/98lUcl

29– الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977، (المادة 51ـ6)، موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر: https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5ntccf.htm

30– انظر: إسرائيل تعلن حصارًا تامًّا على غزة: “لا طعام لا وقود لا كهرباء”، البوابة نيوز، 09/10/2023.https://www.albawabhnews.com/4887283

31– تقرير: أدلة دامغة على ارتكاب جرائم حرب في هجمات إسرائيلية قضت على أسر بأكملها في غزة، منظمة العفو الدولية، 20/10/2023. https://2u.pw/EG2QnH2c

32– راجع: عزمي بشارة: “إسرائيل” تريد جعل غزة غير قابلة للحياة، الترا صوت، 25/11/2023. https://2u.pw/PR3N6In5

33– See: Hind Alansari, The Rise of Anti-US Sentiments in the Arab Street Amid Palestinians’ Plight, Wilson Center, Washington, December 18, 2023: https://2u.pw/VhA66KID

34– See: Andrew Tabler, Gaza war shows heightened risk of escalation in the region,Al Majalla,17/11/2023. https://2u.pw/JZHKu6TV.

35– Ibid.

36– See: U.S. Central Command, Houthi Attacks on Commercial Shipping in International Water Continue, Dec. 3, 2023:https://2u.pw/7tDDsKhO

37– راجع: تقرير “حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين”، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا”، 05/11/2023. https://2u.pw/KVoNtZrY

38– راجع: الإحصاء الفلسطيني يستعرض أهم المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية حول أثر حرب الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، 2023، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 16/10/2023.https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4605

39– راجع: تقرير “حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين”، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا”، 05/11/2023. https://2u.pw/KVoNtZrY

40– نفسه.

41– انظر: محمد همندر، إسرائيل تقرّ ميزانية العام: 15 مليار دولار إضافية للإنفاق على الحرب، بي بي سي نيوز عربي، 15/01/2024. https://www.bbc.com/arabic/articles/cd147perp77o

42– نفسه.

43– نفسه.

44– انظر: 14 مؤشرًا على انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، العربي الجديد، 08/11/2023. https://2u.pw/fHoJ8N2Y

45– نفسه.

46– نفسه.

47– See: David Schenker,The World Prepares for Gaza War Escalation,The Washington Institute, Jan 7, 2024. https://2u.pw/2E49zVMd

48– See: Protests For and Against Israel Around the World, The Institute for National Security Studies,27/02/2024. https://www.inss.org.il/publication/war-data/

49– Ibid.

50– Ibid.

51– Ibid.

52– إبراهيم علوش، غزة تهز الشارع عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، موقع الميادين، 21/10/2023. https://2u.pw/rBBH9htZ

53– راجع: وحدة استطلاع الرأي العام، تقييم الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، (في) سياسات عربية، العدد49، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، آذار/ مارس2021. https://2u.pw/RidipMJv

54– حازم نهار، أسئلة الواقع الفلسطيني الراهن، موقع المُدن، 2021/05/17. https://2u.pw/zCh3xuxu

55– راجع: عزمي بشارة، عزمي بشارة يكتب بيان غزة، الجزيرة.نت، 28/12/2008. https://2u.pw/afEJ9g9B

  • أنور جمعاوي

    أستاذ جامعي تونسي، دكتوراه في اللغة والآداب العربية (اختصاص: حضارة إسلامية)، باحث في مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بمدينة سوسة. فاز بالجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لتشجيع البحث العلمي من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة في عام 2012، عن بحث قدّمه بعنوان: "تعريب المصطلح التّقني: قراءة في المنجز العربي المعاصر". عضو في اتّحاد المترجمين العرب وفي المنظمة العربية للترجمة بيروت – لبنان. معنيّ بالبحث في مجالات الأنثروبولوجيا الثقافيّة والإسلاميات وحركات الانتقال السياسي والمصطلحيّة والتّرجمة. له عدّة دراسات ومؤلفات ومشاركات في مؤتمرات دولية. شارك في عدة كتب جماعية، ومنها: "الصوفية من خلال أعمال نيازي المصري الملطي"، بتقديم فصل بعنوان "مقالة العرفان الصوفي عند نيازي المصري الملطي"، جامعة إينونو، مركز نيازي المصري للدراسات، ملاطيا، تركيا .2019 المشاركة في تأليف كتاب جماعي بعنوان "اللغة العربية والدراسات البينية: الآفاق المعرفية والرهانات المجتمعية"، بتقديم فصل بعنوان "المعجم الإلكتروني العربي المختص: قراءة نقدية في نماذج مختارة"، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مركز دراسات اللغة العربية وآدابها، الرياض، الطّبعة الأولى، شباط/ فبراير 2018. المشاركة في تأليف كتاب جماعي: "اللّغة والهويّة في الوطن العربي: إشكاليّات التّعليم والتّرجمة والمصطلح"، بتقديم فصل بعنوان "تعريب المصطلح التّقني: قراءة نقديّة في المنجز العربيّ المعاصر"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، الدّوحة 2013. ترجمة كتاب المجتمع الشبكي Network society لدارن بارني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات، الدّوحة، بيروت، 2015.

مشاركة: