ابتسم الطبيب في وجه أحمد الذي لم تسجل عوارض مرضه في المعاجم الطبية، وقال له: إنّ ما تطلبه، ليس مستحيلًا، فقط أريد منك أولًا، الصبر، ومن ثَمّ الإرادة. لقد تطوّر طبّ التجميل كثيرًا، إنّه يشبه آلة زمن تعيد إلى وجهك شبابه، إنّه يصلح ما أفسده الدهر.
نظر إلى الصورة التي مرّ على التقاطها بكاميرا كانون ست عشرة سنة، وهمهم بكلمات فهم منها الطبيب، أنّه يقصد أيضًا، كرشه المتدلّي فوق حزامه. ضحك الطبيب ومن بين قهقهاته لفظ كلمة: “أبراكادبرا”، هذا الكرش لن يهزم إلّا بالرياضة وريجيم قاس، وبعدها ستغيّر، أحزمتك وبنطلوناتك وقمصانك، ولربما زوجتك.
كانت علائم التوتر ظاهرة بقوة على سيماء وجه أحمد، ولم يستطع أن يخفيها على الرغم من تهوين طبيب التجميل لكلّ ما سيخضع له من عمليات، وحقن بوتكس، وفيلر، وزراعة شعر. هذه التفاصيل لم تكن تقلقه حقّا، فما يجعله مترددًا وعلى حافة الانهيار، ليس مبضع الطبيب، ولا إبره، بل زوجته التي غادرت بيت الزوجية إلى بيت أهلها بعد شجار لم يكن فيه قادرًا على إقناعها بصحّة ما يفعله، على الرغم من الأسباب الوجيهة التي قدّمها لها. لم تر زوجته في إقدامه على عمليات التجميل إلّا تصابيًا، سيقوده إلى الزواج بأخرى ومن ثم الفراق، لذلك حفاظًا على كرامتها، قالت له: أنتظر منك ورقة الطلاق.
إنّ ما خفّف عليه محنته، كان موقف ابنه وابنته الداعمين له، واللذين اعتبرا أن عمليات التجميل لا تختلف عن اختراعات هذا الزمن من إنترنت وموبايلات. وعندما ناقشا أمّهما ردّت على ابنتها بأنّها لا تعرف الرجال حقّا، وعلى ابنها بأنّه ذكر، وما الغرابة، بأن يقف في صفّ أبيه.
بعد أخذ وردّ حدثت الهدنة بين الزوجين، وبدأ أحمد رحلة التمرينات الرياضية والريجيم القاسي بناء على نصيحة طبيب التجميل، الذي لن يشحذ مشرطه إلّا بعد أن يضمر كرش مريضه ويفقد أكثر من 15 كيلو غرامًا من وزنه. وعند الوصول إلى هذه العتبة، سيصبح من الممكن البدء في عمليات تجميل الوجه بالشدّ، وحقن البوتكس، والفيلر، حتى يتطابق مع الصورة التي التقطت منذ ست عشرة سنة.
كانت السنوات تتبخّر مع العرق الذي ينضح من جسده مع كلّ تمرين، وكأنّ الزمن يطوى مع تغيّر حركة الإبزيم على سكّة الحزام الذي يحيط بكرشه. مرت ثلاثة أشهر عاد بها جسده ممشوقًا كأنّه ابن الثلاثين، حركته لا تشبه من هم في عمره. رجع إلى شغفه القديم في الركض خلف الكرة، وعلى عكس ما كان سينتهي إليه الخصام مع زوجته، أصبحت زوجته شبه مقتنعة بما أراده، فقد عاد كما كان في أحلامها، ولن يمانع أبدًا في أن تسلك الطريق الذي سلكه في عمليات التجميل.
بدأت أولى العمليات بزراعة الشعر في مقدمة رأسه، وكرّت بعدها عملية تجميل الأنف، ثم استئصال الأكياس الدهنية من تحت عينيه، وشدّ الوجنتين وبعد ثلاثة أشهر وعدّة أيام أخر، خرج من حجرة العودة في الزمن ابن ثلاثين سنة يشبه تلك الصورة التي حملها بين يديه في اللقاء الأول مع طبيب التجميل.
لم يذهب إلى بيت الزوجية بل إلى أحد محال شراء حقائب السفر التي ملأها بالملابس الجديدة. صعد سيارته الجديدة البيضاء بعد أن باع سيارته السوداء وتوجّه إلى بيت العائلة التي تسكنه أخته مع أمّه المصابة بمرض الزهايمر.
قرع الباب، فتحت أخته، وصرخت: لقد عاد مازن من السفر يا أمي. نادرًا ما كانت الأم تستجيب لأي نداء، فقد أخذ منها الزهايمر كلّ ذاكرتها، ولم يبق لها إلّا ذكرى اليوم الذي سافر فيه ابنها مازن خارج البلاد. اندفعت الأم من غرفتها تستند إلى عكازها. كان مازن واقفًا في منتصف الصالون فاتحًا ذراعيه اللذين احتضنا أمّه بعد الغياب. همست الأم: أخيرًا عدت من السفر. أجاب مازن: نعم يا أمي، ولن أسافر أبدًا بعد اليوم.
تحلّقوا حول الأم وابنها العائد من السفر، أو عيادة طبيب التجميل؛ كلّ من أخته وولديه وزوجته. كان أحمد الأخ التوأم لمازن؛ مازن الذي مات في حادث سير، وهو عائد من المطار منذ خمس عشرة سنة.