لستَ حرًا في أن تكون شاعرًا محاكمة يوسف برودسكي

في 13 آذار/ مارس 1964، قررت المحكمة الشعبية في منطقة دزيرجينسكي بمدينة لينينغراد (بطرسبورغ حاليًا) نفي الشاعر يوسف برودسكي لمدة خمس سنوات بتهمة الصعلكة. في ما يلي ملخص عن جلستي محاكمته، مأخوذ عن مدوّنة بقلم فريدة فيغودوروفا.

الجلسة الأولى (18 شباط/ فبراير 1964): محكمة منطقة دزيرجينسكي، لينينغراد، شارع فوستانيا، 32.

القاضية سافيليفا: ما هو عملكم؟

برودسكي: أكتب الشعر. أترجم. أفترض…

القاضية: من دون أي (أفترض). قفوا كما يجب! لا تستندوا إلى الحائط! انظروا إلى القاضي! أجيبوا القاضي كما يجب! (ثم متوجهة إلى مدوِّنة وقائع المحكمة) توقفي فورًا عن الكتابة! وإلا طردتُك من القاعة. (ثم لـ برودسكي): هل لديكم عمل ثابت؟

برودسكي: ظننت أن هذا عمل ثابت.

القاضية: أجيبوا بدقة!

برودسكي: كتبتُ الأشعار. فكرتُ في أنها ستُنشر. أنا أفترض…

القاضية: نحن لا تعنينا (أنا أفترض). أجيبوا لماذا لم تعملوا؟

برودسكي: أنا عملتُ. أنا كتبتُ الشعر.

القاضية: هذا لا يعنينا. ما يعنينا في أي مؤسسة تعملون.

برودسكي: كان لدي عقود مع دور نشر.

القاضية: هل تكفي العقود التي لديكم للقمة العيش؟ هاتها: أيّ عقود، بأيّ تواريخ، وما قيمتها؟

برودسكي: لا أذكر بالضبط. جميع العقود مع محاميَّ. القاضية: أنا أسألكم أنتم.

برودسكي: صدر في موسكو كتابان مع ترجماتي.

القاضية: عدد سنوات خدمتكم؟

برودسكي: تقريبًا…

القاضية: نحن لا تعنينا هذه الـ”تقريبًا”!

برودسكي: خمس سنوات.

القاضية: أين اشتغلتم؟

برودسكي: في مصنع وفي بعثات جيولوجية.

القاضية: كم سنة اشتغلتم في المصنع؟

برودسكي: عام واحد.

القاضية: بأي صفة؟

برودسكي: عامل ماكينة تفريز.

القاضية: إنّما، عمومًا، ما هو اختصاصكم؟

برودسكي: شاعر. شاعر ومترجم.

القاضية: ومن اعترف بذلك.. بأنكم شاعر؟ من الذي صنّفكم كشاعر؟

برودسكي: لا أحد. ومن قرر أنني أنتمي إلى الجنس البشري؟

القاضية: هل درستم ذلك؟

برودسكي: ماذا؟

القاضية: لتصبحوا شاعرًا؟ هل حاولتم التخرج من معهد حيث يعدّون، حيث يدرّسون.

برودسكي: لم أفكر في أن الشعر يأتي من الدراسة.

القاضية: من أين إذن؟

برودسكي: أنا أفكر أنّه… (مضطربًا) من الله.

القاضية: هل لديكم التماس تقدمونه للمحكمة؟

برودسكي: أتمنى لو أعرف لماذا اعتقلوني.

القاضية: هذا سؤال وليس التماس.

برودسكي: إذًا، لا التماس لدي. القاضية: هل هناك أسئلة عند الدفاع؟

محامية الدفاع: نعم يوجد. أيها المواطن برودسكي، هل تعيلون عائلتكم بما تكسبون من مال؟

برودسكي: نعم.

محامية الدفاع: هل والداكم يعملان؟

برودسكي: هما متقاعدان. محامية الدفاع: هل تعيشون في عائلة واحدة؟

برودسكي: نعم.

محامية الدفاع: لذا فمالكم يدخل في ميزانية العائلة؟

القاضية: أنتم لا تطرحون أسئلة، إنما تناقشون. أنتم تساعدونه في الإجابة. لا تناقشوا، بل اسألوا.

محامية الدفاع: هل أنتم من مرضى العيادة النفسية؟

برودسكي: نعم.

محامية الدفاع: هل خضعتم لعلاج ثابت؟

برودسكي: نعم، من نهاية كانون الأول/ ديسمبر عام 1963 حتى الخامس من كانون الثاني/ يناير هذا العام، في مشفى كاشينكو في موسكو.

محامية الدفاع: ألا تعتقدون بأن مرضكم أعاقكم عن العمل في مكان واحد لمدة طويلة؟

برودسكي: ربما. على الأرجح. عمومًا، لا أعرف. لا، لا أعرف.

محامية الدفاع: أنتم ترجمتم قصائد لمختارات من الشعر الكوبي؟

برودسكي: نعم.

محامية الدفاع: أنتم ترجمتم رومانسيرو إسبانية؟

برودسكي: نعم.

محامية الدفاع: أنتم كنتم على علاقة مع جمعية الترجمة في اتحاد الكتّاب؟

برودسكي: نعم.

محامية الدفاع: أرجو المحكمة أن تضيف إلى الإضبارة توصيف جمعية الترجمة، وقائمة بالقصائد المترجمة، ونسخة من العقود، وبرقية: “نرجوا الإسراع بتوقيع العقود. (تبدأ بتعدادها)”، وأنا أرجو تحويل المواطن برودسكي إلى لجنة فحص طبي لتقرير حالته الصحية، وفي ما إذا كانت حالته قد منعته من العمل المتواصل. إضافة إلى ذلك، أرجو، بلا إبطاء، الإفراج عن المواطن برودسكي. وأعدّ أنّه لم يرتكب أي جرم وأن توقيفه غير قانوني. فلديه عنوان سكن ثابت، ويمكنه الحضور إلى المحكمة في أي وقت يُطلب فيه.

أريد ورقة وريشة

تنصرف هيئة المحكمة للمداولة، ثم تعود لتقرأ القاضية قرارها: إحالة برودسكي إلى لجنة اختبار الصحة النفسية للإجابة عن سؤال ما إذا كان يعاني مرضًا نفسيًا يحول دون إرساله إلى منطقة نائية للعمل الإجباري. ولما كنا نأخذ في الحسبان أن تاريخ مرضه يظهر أنه يتهرب من العلاج في المشافي، فإننا نوجّه إلى قسم الشرطة الثامن عشر نقله إلى لجنة القضاء النفسية.

القاضية: هل لديكم سؤال؟

برودسكي: لدي رجاء. أريد ورقة وريشة في النظارة.

القاضية: هذا الطلب لرئيس قسم الشرطة.

برودسكي: طلبت منه فرفض. أرجو ورقة وريشة.

القاضية: حسنًا، أنا أرسلها لك.

برودسكي: شكرًا.

الجلسة الثانية من محاكمة برودسكي (13 آذار/ مارس 1964): (محاكمة الصعلوك برودسكي) إعلان على باب محكمة: فونتانكا، 22، قاعة نادي البنّائين.

تقول خلاصة اللجنة الطبية: هناك بعض الأعراض النفسية المَرضية، لكن برودسكي قادر على العمل. ولذلك يمكن تطبيق إجراءات ذات طابع إداري بحقه.

تسأل القاضية سافيليفا المتهم برودسكي عمّا إذا كان يريد تقديم أي التماس إلى المحكمة. يتبيّن أنّه لم يتح له أن يتعرف إلى قضيته لا قبل الجلسة الأولى ولا قبل الثانية. تعلن القاضية استراحة. ويُسحَب برودسكي للتعرف على القضية، وبعد بعض الوقت يعيدونه إلى القاعة فيقول إن القصائد المدوّنة على الصفحات: 234، 200، 155، 143، 141. وغيرها ليست قصائده. إضافةً إلى ذلك، يرجو عدم ضم دفتر مذكراته اليومية عن العام 1956 إلى إضبارة القضية، أي مذكراته حين كان عمره 16 سنة. توكّد محامية الدفاع على طلبه.

القاضية: القسم المتعلق بما يُدعى قصائد سنأخذه في الحسبان، أمّا ما يتعلق بدفتره الخاص فلا نرى ضرورة لسحبه. أيها المواطن برودسكي منذ العام 1956 بدّلتم 13 مكان عمل. أنتم اشتغلتم في معمل لمدة سنة، ثم لم تعملوا نصف سنة، ثم في الصيف كنتم في بعثة جيولوجية، ثم بعدها عملتم أربعة أشهر. (تقوم بتعداد أماكن العمل والفواصل بينها). أوضحوا للمحكمة لماذا لم تعملوا في الفواصل، وعشتم نمط حياة طفيلي؟

برودسكي: أنا عملتُ في الفترات الفاصلة. مارستُ ما أمارسه الآن: كتبتُ قصائد.

القاضية: يعني كتبتُم ما يُدعى قصائدكم؟ ما الفائدة من تغيير مكان العمل إلى هذه الدرجة؟

برودسكي: بدأت أعمل من سن الخامسة عشرة. كان دافعي الفضول. بدّلت عملي لأنني أردت أن أعرف أكثر عن الحياة وعن الناس.

القاضية: ما العمل المفيد الذي قمتم به للوطن؟

برودسكي: كتبتُ الشعر. هذا هو عملي. أنا مقتنع، أنا أؤمن، بأن ما كتبته يخدم الناس وليس فقط الآن، بل ويخدم الأجيال القادمة.

القاضية: إذًا، أنتم تعتقدون أن ما يدعى شعرًا يقدم الفائدة للناس؟

برودسكي: ولماذا تقولون عن الشعر “ما يدعى”؟

القاضية: نحن نقول عن شعركم “ما يدعى” لأنه لا مفهوم آخر لدينا عنه. المدّعي العام سوروكين: قلتم إن حب المعرفة متطور جدًا لديكم، فلماذا لم ترغبوا في الخدمة في الجيش السوفييتي؟

برودسكي: لن أجيب عن هكذا أسئلة.

القاضية: بل أجيبوا!

برودسكي: أنا أُعفيت من الخدمة وليس “لم أرغب” هذان شيئان مختلفان. أعفوني من الخدمة مرتين. في المرة الأولى، لأني أبي كان مريضًا، وفي المرّة الثانية بسبب مرضي أنا.

أجني أكثر في السجن

المدعي العام: هل يمكن العيش على تلك النقود التي تكسبونها؟

برودسكي: ممكن. لمن يعيش في السجن. فكل مرّة أوقّع على أن أربعين كوبيكًا هي مخصصاتي في اليوم. أمّا أنا فأجني أكثر من أربعين كوبيكًا في اليوم.

المدعي العام: ولكن لا بد من أحذية وملابس.

برودسكي: لدي طقم واحد عتيق، لكنه موجود. ولا حاجة بي إلى ثان.

محامية الدفاع: هل ثمّن المتخصصون أشعاركم؟

برودسكي: نعم. تشوكوفسكي ومارشاك تحدّثا بشكل جيد جدًا عن ترجماتي. أفضل مما أستحق.

محامية الدفاع: هل كانت تربطكم علاقة بجمعية الترجمة في اتحاد الكتاب؟

برودسكي: نعم. شاركتُ في (المناخ) الذي سمّي “لأول مرّة باللغة الروسية”، وقرأت ترجمات عن البولونية.

القاضية (لمحامية الدفاع): عليكم أن تسألوه عن عمل مفيد أمّا أنتم فتسألونه عن مشاركاته.

محامية الدفاع: ترجماته هي عمله المفيد.

القاضية: الأفضل يا برودسكي أن توضحوا للمحكمة لماذا لم تعملوا في الفواصل بين فترات العمل.

برودسكي: أنا اشتغلت. كتبت الشعر.

القاضية: ولكن هذا لم يكن يعيقكم عن العمل.

برودسكي: ولكنني عملت، كتبت الشعر.

القاضية: ولكن هناك ناس يعملون في المصنع ويكتبون الشعر. فما الذي منعكم من أن تكونوا مثلهم؟

برودسكي: لكن الناس لا يشبهون بعضهم بعضًا. حتى في لون الشَعر، وتعابير الوجه.

القاضية: هذا ليس اكتشافكم. هذا يعرفه الجميع. الأفضل أن توضحوا كيف يمكن أن تفسروا عدم مساهمتكم في حركتنا التقدمية العظيمة نحو الشيوعية؟

برودسكي: بناء الشيوعية ليس فقط بالوقوف خلف الآلة وفلاحة الأرض. إنه أيضًا العمل الثقافي الذي…

القاضية: اتركوا الجمل البراقة! الأفضل أن تجيبوا كيف تخططون لحياتكم العملية في المستقبل.

برودسكي: أريد أن أكتب الشعر وأترجم. ولكن إذا كان هذا يخالف القواعد العامة فسألتحق بعمل دائم، ومع ذلك سأكتب الشعر.

المُحلّف تياغلي: الجميع لدينا يعملون. كيف تسكعتم هذا الوقت كله؟

برودسكي: أنتم لا تعدون عملي عملًا. أنا كتبتُ الشعر، وأنا أعدّ ذلك عملًا.

القاضية: هل انتهيتم إلى ذلك من خلال ما نُشر؟

برودسكي: مقالة ليرنر كاذبة. هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي انتهيت إليه.

القاضية: أي أنكم لم تصلوا إلى استنتاجات أخرى؟

برودسكي: لا لم أصل. أنا لا أعدّ نفسي إنسانًا يعيش حياة طفيلية.

محامية الدفاع: أنتم قلتم إن مقالة “ذَكَرُ نحلٍ على هامش الأدب”، المنشورة في جريدة “فيتشيرني لينينغراد”، غير صادقة. بأي شيء؟

برودسكي: ليس فيها ما هو صحيح سوى اسمي وكنيتي، حتى عمري هناك غير صحيح. حتى القصائد ليست قصائدي. ذُكر هناك كأصدقاء لي أشخاص بالكاد التقيتهم مرة أو لا أعرفهم البتة. كيف لي أن أعد هذه المقالة صادقة وأبني عليها استنتاجات؟

محامية الدفاع: أنتم تعدون عملكم نافعًا. هل يمكن للشهود المدعوين أن يوكّدوا ذلك؟

القاضية (لمحامية الدفاع ساخرة): أَمِنْ أجل ذلك فقط استدعيتم الشهود؟

المدعي العام (لبرودسكي): كيف استطعتم بمفردكم من دون الاستفادة من جهد الآخرين عمل ترجمة عن الصربية؟

برودسكي: أنتم تطرحون سؤالًا عن جهل. العَقد أحيانًا يفترض وجود ترجمة حرفية. أنا أعرف البولونية، وأعرف الصربية أقل منها، ولكنهما لغتان قريبتان، ولذلك، وبمساعدة ترجمة حرفية، أنجزت ترجمتي الشعرية.

يُستدعى سيمرنوف (شاهد الاتهام، رئيس غرفة الدفاع المسلّح)، فيُدين برودسكي بأنه لم يخدم الإلزامية، وبوجود أبيات معادية للسوفييت في أشعاره.

برودسكي: هذا غير صحيح.

سميرنوف: يجب علاجه بالعمل الإجباري، هناك حيث يعجز أصدقاؤه اللامعون عن مساعدته. أنا أشك بالوثيقة الطبية التي أعفته من الخدمة العسكرية. أنا لستُ الطب ولكنني أشك.

برودسكي: حين أعفوني كمعيل وحيد كان أبي مريضًا، كان يرقد بعد إصابته باحتشاء قلبي، بينما عملتُ أنا وكسبتُ المال. ثم مرضتُ أنا. من أين تعرفونني أنتم حتى تتحدثوا عني بهذه الصورة؟

سميرنوف: اطلعت على دفتر مذكراتكم.

برودسكي: بأي حق؟

القاضية: أنا أسحب هذا السؤال.

سميرنوف: أنا قرأت قصائده.

محامية الدفاع: ولكن تبين وجود قصائد ليست لـ برودسكي في الإضبارة. فمن أين لكم أن تعرفوا أن القصائد التي قرأتموها هي فعلًا قصائده؟ فأنتم تتحدثون عن قصائد غير منشورة.

سميرنوف: أعرف وانتهى. (لا تلقي القاضية بالًا إلى اعتراض المحامية).

الشعر عمل

القاضية: أيها المواطن برودسكي، أنتم لم تعملوا إلا من مناسبة إلى أخرى. لماذا؟

برودسكي: سبق أن قلتُ إنني عملتُ طوال الوقت عملًا رسميًا، ثم كتبتُ الشعر. (يائسًا). كتابة الشعر عمل!

(تعترض محامية الدفاع، من دون جدوى، على إثارة موضوع سبق أن وضِح. تأذن القاضية للمدعي العام بأن يلقي خطبته الوطنية الطويلة التي يتهم فيها برودسكي بالانتماء إلى مجموعة شيطانية مخرّبة لجيل الشباب، منتهيًا إلى قول: “النصابون والحمير والصعاليك والخنافس هم من يدافعون عن برودسكي. برودسكي ليس شاعرًا، إنما شخص يحاول كتابة قصائد. لقد نسي أن على الإنسان في بلدنا أن يعمل، أن ينتج قيمًا مادية: آلات، خبز كالشِعر. يجب إرغام برودسكي على العمل. يجب طرده من المدينة البطلة. إنّه صعلوك ووقح ونصّاب وملوّث فكريًا. محبو برودسكي يسيل لعابهم. بينما نيكراسوف يقول: يمكنك ألا تكون شاعرًا، ولكن عليك أن تكون مواطنًا. نحن اليوم لا نحاكم شاعرًا إنما طفيليًا صعلوكًا. لماذا يدافعون هنا عن إنسان حاقد على وطننا؟ يجب التحقق من الجانب الأخلاقي عند أولئك الذين دافعوا عنه. هو كتب في قصائده “أحبّ وطنًا غريبًا”، وفي دفتر مذكراته كتب: “منذ فترة طويلة أفكّر بتجاوز الخط الأحمر. ففي رأسي الأشقر تنضج أفكار بنّاءة”. وكتب أيضًا: “مبنى بلدية ستوكهولم يوحي لي باحترام أكثر من كريملن براغ”. ويسمّي ماركس “العجوز أبو دود، المحاط بتاج من أكواز الشوح”، وفي إحدى رسائله يكتب: “أردتُ أن أبصق على موسكو!”. هذه هي قيمة برودسكي ومن يدافع عنه! (بعد ذلك يستشهد برسالة إحدى الفتيات التي تكتب بعدم احترام عن لينين. ما العلاقة بين هذه الرسالة وبرودسكي لا أحد يعلم. فلا هو كتب الرسالة ولم تكن الرسالة مرسَلة إليه). تستمر خطبة الإدانة؛ وبعد انتهائها، تخرج هيئة المحكمة للتداول. تُعلن استراحة. وبعدها، تعقد جلسة النطق بالحكم، حيث يقف الجميع لسماع نص الحكم:

واظب برودسكي على عدم القيام بواجبات الإنسان السوفييتي في إنتاج القيم المادية وتأمين حاجاته الشخصية، الأمر الواضح من تغييره المتكرر لمكان عمله. وهو سبق أن أُنذر من الشرطة في العامين 1961 و1962، فوعد بالالتحاق بعمل ثابت لكنه لم يتّعظ، وظلّ لا يعمل، وكتب وقرأ في الأمسيات قصائده المنحلّة. ويتضح، من خلال وثيقة لجنة العمل مع الكتّاب الشباب، أن برودسكي ليس شاعرًا. وقد أدانه قرّاء جريدة “فيتشيرني لينينغراد”. ولذلك، فإن المحكمة تطبق الأمر المؤرخ بـ 4 شباط/ فبراير 1961، وتقرر: نفي برودسكي إلى أماكن نائية لمدة خمس سنوات مع إرغامه على العمل الإجباري.

  • منذر بدر حلّوم

    كاتب وروائي ومترجم وفنان تشكيلي، أستاذ جامعي (دكتوراه في العلوم البيولوجية) في كلية الزراعة بجامعة تشرين-اللاذقية/سورية. قبل 2011. كتب عددًا من الروايات، منها: (سقط الأزرق من السماء)، (لا تقتل ريتا)، كأن شيئًا لم يحدث)، و(أولاد سكينة). له أيضًا عدة كتب مترجمة عن الروسية: (يوم واحد من حياة إيفان دينيسوفيتش) و(دار ماتريونا) و(حادثة في محطة كاتشيتوفكا) لألكسندر سولجينيتسن، صدرت في مجلّد واحد، عن دار المدى عام ١٩٩٩، و(قصص من المعتقلات) لفارلام شالاموف، نشرت تحت عنوان (القادم من الجحيم)، عن دار الحصاد، ١٩٩٨، و(فلسفة الأسطورة) لأليكسي لوسيف، صدرت عن دار الحوار في طبعتين، ٢٠٠٥ و٢٠٠٨. يكتب في الصحافة العربية في الثقافة والسياسة وعلم الاجتماع.

مشاركة: