أوهام في العمل الفلسطيني لمحسن محمد صالح

مراجعة وتقديم: محمد بوعيطة

معلومات الكتاب

اسم الكتاب: أوهام في العمل الفلسطيني

المؤلف: محسن محمد صالح

الطبعة: الأولى

الناشر: مركز الزيتونة للدراسات

مكان وتاريخ النشر: بيروت، 2022

عدد الصفحات: 63 صفحة

الرقم الدولي (ISBN): 978-614-494-023-5

A flag with a red white and black flag Description automatically generated

تميَّزت القضية الفلسطينية بتاريخها الطويل، وتطوراتها الميدانية المتلاحقة، وأبعادها المتجاوزة لحيزها الجغرافي، وتنوُّع المتأثرين بها والمؤثرين فيها، وكثافة التنظيرات حولها. ولما كان هذا حالها، فمن الطبيعي أن تتتابع الإصدارات التي تناقش تطوراتها، أو تعيد تقويم أحداثها السابقة، وجملة ما ارتبط بها من تصورات وأفكار ومقولات. يعد كتاب ”أوهام في العمل الفلسطيني” الصادر في طبعته الأولى عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، للباحث رئيس المركز محسن محمد صالح، عام 2022، في 63 صفحة من القطع المتوسط. يعرض الباحث من خلاله بعض خلاصاته حول القضية الفلسطينية.

أقسام الكتاب

تكونت مواد الكتاب من مقدمة، وستة عشر من هذه الأوهام التي اتخذها الباحث عناوين فرعية للكتاب، والتي يمكن اختزالها في ثلاث مجموعات/ أوهام رئيسة. جاءت كالآتي:

1- المجموعة الأولى: تتضمن العناوين السبع الفرعية الأولى. يجمعها مسار أوهام التسوية السلمية، وقد جاء كالآتي: الاعتماد على ”الشرعية الدولية” في التخلص من الاحتلال (ص 7)، إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال مسار التسوية السلمية ”حل الدولتين” (ص 10)، الدولة الواحدة (ص 14)، الجمع بين السلطة ببنيتها الحالية والمقاومة المسلحة تحت الاحتلال (ص 21)، صناعة قرار فلسطيني مستقل تحت الاحتلال (ص 24)، قيادة المشروع الوطني بقيادة متنازلة عن الوطن (ص 26)، قيادة المشروع الوطني بقيادة لا تحترم العمل المؤسسي (ص 27).
2- المجموعة الثانية: تتضمن ثلاثة عناوين فرعية، يمكن جمعها في مسار أوهام المقاومة والتحرير، وقد جاءت كالآتي: تمظهرات الدولة قبل نجاح الثورة (ص 30)، إصلاح البيت الفلسطيني دون قيادة انتقالية (ص 33)، مصطلح طرفي الانقسام (ص 35).
3- المجموعة الثالثة: تتضمن العناوين الست المتبقية. يمكن جمعها في مسار المشروع الوطني، وقد جاءت كالآتي: تحرير فلسطين دون مقاومة مسلحة (ص 38)، تأخر الإسلاميين عن المشاركة في المقاومة المسلحة (ص 41)، إطلاق حركة فتح للرصاصة الأولى سنة 1965(ص 46)، تحرير فلسطين من داخلها (ص 48)، تحرير فلسطين دون مشروع نهضوي وحدوي (ص 51)، تحرير فلسطين بعيدًا عن الإسلام (ص 53).

أهمية الكتاب

تكمن أهمية هذا الكتاب في مسألتين أساسيتين، ترتبط الأولى بالكتاب نفسه بوصفه يقدم خلاصات ردود على أطروحات مرتبطة أساسًا بماهية المشروع الوطني الفلسطيني، وبعض قضاياه المركزية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، من قبيل المقاومة المسلحة، والتسوية السلمية، ودور التيار الإسلامي…الخ، بوصفها خلاصات مهمة لكونها تتعلق بموضوعات يكثُر النقاشُ حولها، وليست مقتصرة على أوساط النخبة السياسية والفكرية، إنما نجد صداها في الشارع العربي عامة. يتناولها الناس في المقاهي، والبيوت، وغرف التدريس الجامعي، والمساجد، ومقرات الأندية، والجمعيات، وغيرها. أما المسألة الثانية، فترتبط بالباحث الدكتور محسن محمد صالح المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات، والمتخصص في الشأن الفلسطيني، ألف ما يقارب أربعة عشر كتابًا متخصصًا في الشأن الفلسطيني، ورفد المكتبة الفلسطينية والعربية بعدد وافر من الكتب والدراسات التي تناول فيها قضايا الصراع في فلسطين.

منهجية الكتاب

على الرغم من أن المنهج الذي سلكه الباحث محسن محمد صالح في هذا الكتاب، لا يبرز بوضوح، فإن التصور العام للباحث، يشي بأنه استند إلى المنهج الاستقرائي عمومًا والمنهج التاريخي في بعض جوانب الكتاب، على الرغم من قلتها. ارتبط المنهج الاستقرائي أساسًا بالبحث في العلوم التجريبية كالطبيعة والكيمياء والأحياء، لكنه استُخدم في بعض العلوم الإنسانية (التاريخ وعلم النفس والاجتماع).

وعلى الرغم من أنه ليس منهجًا مستقلًا بذاته، لكونه يقع ضمن دائرة المناهج الأخرى، فإنه يشكل خطوة من خطوات البحوث الوصفية والاجتماعية والنفسية على اختلافها. حيث يسير من الخاص إلى العام للكشف عن اطراد الظواهر وانطوائها تحت قوانين بعينها. يدرس الجزئيات والظواهر، بغية الكشف عن العلل والعلاقات التي تجمع بينها، ليصل إلى معرفة القوانين العامة، لأن إدراك علل وأسباب الظواهر، ومعرفة القوانين التي تخضع لها، يعني إمكان التنبؤ بعودتها متى تحققت الشروط التي أدت إلى وجودها من قبل، طبقًا لمبدأ اطراد الطبيعة واتساقها، أو الارتباط الضروري بين العلل والمعلولات، وهو ما يعبر عنه بالحتمية، الأمر الذي يجعله منهجًا مرنا في علم الاجتماع وعلم النفس والقضايا السياسية، وكذلك التاريخية (شأن القضية الفلسطينية) بوصفها المجالات الأساسية التي ناقش من خلالها الباحث محسن محمد صالح القضايا التي تناولها هذا الكتاب. حيث درس بعض جزئيات القضية الفلسطينية، قصد الوصول من خلالها إلى حكم عام ينطبق على القضية الفلسطينية في شموليتها.

مكونات الكتاب وقضاياه المحورية

المقدمة

أكد الباحث الدكتور محسن محمد صالح في مقدمة هذا الكتاب وجود أدبيات ومفاهيم منتشرة في الساحة الفلسطينية السياسية والإعلامية والعلمية والثقافية، تروج لرؤى وتصورات يبدو تبنيها أو تنفيذها ضربًا من الأوهام غير المستندة إلى أساس التجارب ولا القراءة العلمية المنهجية. لهذا، سعى في هذا الكتاب حسب تصوره للكشف عن هذه الأوهام، وما تحمله من أخطاء، وما قد تتسبب به من أخطاء في الفهم، وسوء في التقدير، وكذلك ضياع في البوصلة، ومآزق في المسارات والمآلات، وإخفاق في صناعة القرار، وتضييع للأوقات والجهد والإمكانات. جاء الحديث عن هذه الأوهام بطريقة مكثفة مختصرة سهلة الاستيعاب تستهدف تحديد المعالم، وضبط المفاهيم وكذلك المصطلحات والمسارات. قصد الوصول إلى أوسع شريحة من المهتمين والمتابعين للشأن الفلسطيني، ولعل هذا التكثيف هو الذي تحكم في حجم الكتاب وعدد صفحاته.

1. مسار أوهام التسوية السلمية

ركَّز الباحث محسن محمد صالح في هذه المجموعة على تفنيد ثلاثة من أوهام مسار التسوية السلمية والمعنونة بـ “الاعتماد على الشرعية الدولية في التخلص من الاحتلال”، و”إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال مسار التسوية السلمية (حل الدولتين)”، و”حل الدولة الواحدة”. رأى الكاتب إن تبني منظمة التحرير للشرعية الدولية أدخل المشروع الوطني في مأزق، خصوصًا أن التجربة أثبتت عبر عشرات السنين؛ أن قراراتها ليست مُلزمة لدولة الاحتلال، ولا يوجد قدرة ولا إرادة ولا رغبة دولية في إنفاذها، لهذا يدعو الكاتب إلى استبدالها بالعمل الدولي لنصرة القضية الفلسطينية بوصف ذلك عاملًا مساعدًا في إطار مشروع التحرير، أمَّا مسار التسوية القائم على حل الدولتين، فكانت نتائجه وخيمة إذ كرَّس الاحتلال، وأحال السلطة الفلسطينية إلى كيان وظيفي يخدمه، وسمح بتكثيف اختراق “تل أبيب” للعالمين العربي والإسلامي، والتقدم في مسار التطبيع، ومع تراجع فرص حل الدولتين بدا حل الدولة الواحدة جذّابًا، خصوصًا مع وجود نموذج سابق عليه طُبِّق في جنوب أفريقيا، ووجود أرضية تاريخية له تمثلت في النضال الوطني إبان الانتداب البريطاني القائم على تحقيق الدولة الواحدة، وأطروحات حركة فتح عام 1968 في الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة، لكنَّها جاذبية افتراضية لا تقوى على الصمود أمام حقائق التاريخ ومعطيات الواقع، فأيام الانتداب كان الفلسطينيون لا يزالون على أرضهم، وبعد النكبة وتأسيس دولة الكيان أصبح المشروع مشروع تحرير وليس مساواة مع الغاصبين، وأصبح من الصعب الآن فك العلاقة بين اليهودية والصهيونية داخل الكيان، كما أنَّ هذا الحل لا يلقى قبولًا دوليًّا معتبرًا، وهو يحول المعركة إلى معركة حقوقية وسياسية وقانونية تعوق مشروع المقاومة، وتعد “هروبًا من المقاومة وتكاليفها وأثمانها وتشتيتًا للبوصلة… وشرعنة غير مقصودة لاحتلال الضفة الغربية، من خلال ضمها إلى مشروع الدولة الواحدة، والتعامل ”الواقعي” مع الاحتلال بوصفه الدولة التي يسعى لتفكيك علاقتها بالصهيونية، في الوقت الذي يتابع المشروع الصهيوني عمله المنهجي المنظم في تهويد الأرض والإنسان، ويترك لهؤلاء أن يستفرغوا جهدهم وأوقاتهم، كما استفرغ إخوانهم في حل الدولتين جهدهم في السنوات الخمسين الماضية”[1]. كما أنَّه لا يجيب على السؤال المتعلق بما هي هوية الأرض والإنسان بعد تحقيق حل الدولة الواحدة؟

2. مسار أوهام المقاومة والتحرير

تعد هذه المجموعة أكبر المجموعات عددًا، حيث حوت سبعة عناوين/ أوهام مرتبطة بمشروع المقاومة والتحرير، وبعضها له علاقة بصعود المقاومة الفلسطينية بصيغتها الإسلامية، وما واكب ذلك من نقاشاتٍ داخل التيار الإسلامي، ومع خصومه ومنافسيه، منها: وهم “الجمع بين السلطة ببنيتها الحالية وبين المقاومة المسلحة تحت الاحتلال”، وقد عدّه الكاتب وهمًا اعتمادًا على مآلات تجربة حركة حماس في الحكم منذ عام 2006، ووهم استحالة تحرير فلسطين من دون مقاومة مسلحة، نظراً إلى أن الصراع في فلسطين صراع وجود لا حدود مع مشروع صهيوني استعماري إحلالي أثبتت التجربة أنَّه لا يتنازل بالإقناع، ولا يحسمه العمل الدبلوماسي، على الرغم من أهميته، ووهم الاعتقاد بتأخر الإسلاميين عن المشاركة في المقاومة المسلحة، حيث رأى الكاتب أن التيار الإسلامي (وهو مفهوم فضفاض لاحق على ولادة القضية الفلسطينية، ويمتاز بالتنوع، وقد مر بمراحل متعددة من التبلور والتطور)، قد شارك بشخوصه ثمَّ بأجسامه في العمل المقاوم منذ اندلاع الثورات الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني حتى الوقت الحالي، ووهم الادعاء بأن حركة فتح هي صاحبة الرصاصة الأولى، خصوصًا أن العمل المسلح ضد المشروع الصهيوني لم يتوقف بعد النكبة، كما أن مرحلة ستينيات القرن العشرين التي ظهرت فيها حركة فتح كانت تعج بالتنظيمات والحركات التي مارست العمل المسلح قبيل أو مع انطلاق حركة فتح.

وعدّ الكاتب الاعتقاد بتحرير فلسطين من داخلها وهمًا، مع اعترافه بالدور المركزي للمقاومة الفلسطينية في مشروع التحرير، ورأى أنَّه لا يمكن بحال إلغاء “المسار الحيوي للبيئة الإستراتيجية المحيطة عندما يتعلق الأمر بالتحرير الكامل لفلسطين”[2]، والتحرير الكامل، وِفْقَ تصوره، مبني على معادلة أوسع تحقق التكافؤ أو “التفوق الإستراتيجي مع الكيان، بحيث ترجح موازين القوى لصالح مشروع التحرير في مقابل المشروع الصهيوني”[3]، خصوصًا مع امتلاك الاحتلال لترسانة عسكرية هائلة، ومظلة دولية لن تتخلى عنه إلا بتغير المعادلة الدولية، وعلى الرغم من قوة هذا الطرح، إلا أنَّه يغالي في قضية التكافؤ الذي لن يحدث في يوم من الأيام، فما من مقاومة منتصرة تعادلت قوتها مع الغزاة عبر التاريخ، وهناك عوامل أخرى غير مادية تؤدي دورًا مهمًّا في حسم الصراع لصالح قوى المقاومة. ويعتقد الكاتب أن من الوهم تصور تحرير فلسطين من دون مشروع نهضوي وحدوي، لأنَّ المشروع الصهيوني، لا يستهدف فلسطين وحدها وإنما محيطها العربي، وقوته تكمن في ضعف الأمة، أو ضعف المحيط الإستراتيجي لفلسطين، وما يطرحه الكاتب هنا نقاش قديم سابق على هذه المرحلة، وجملة التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية خلال السنوات القليلة الماضية جعلته محل تساؤل، في المقابل زادت القناعة بأن تحرير فلسطين سيفضي حتمًا إلى إنجاح المشروع النهضوي الوحدوي، خصوصًا أن دولة الاحتلال هي الضامن الأهم لحالة التفكك والانقسام التي تحياها منطقتنا.

ومن الوهم أيضًا تصديق القول بتحرير فلسطين بعيدًا من الإسلام، ما دامت أرض فلسطين أرضًا إسلامية، وشعبها مسلمًا، وانتماؤها الحضاري إسلاميًا، وحاضنتها الشعبية مسلمة، وبيئتها الإستراتيجية مسلمة :”فمن الطبيعي أن تكون هوية مشروع التحرير هوية إسلامية، وأولئك الذين يريدون إبعاد الإسلام عن مشروع التحرير يقعون في وهم كبير”[4]، مع تأكيده أن الهوية العربية لفلسطين تنسجم مع هويتها الإسلامية انسجامًا كاملًا، وأرض فلسطين مقدسة، وهي أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط فيها أو التنازل عن أي جزء منها، وهي القضية المركزية للأمة، في مواجهة مشروع صهيوني عالمي عدواني، يُعدّ فلسطين قاعدته الأساسية ينطلق منها لإضعاف الأمة وتمزيقها.

لهذا، يدعو الباحث إلى ضرورة استعادة القضية الفلسطينية أبعادها الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية، لأن العرب والمسلمين جزء حيوي من “الجسم المقاوم والمحرر، والفلسطينيون هم أبناء الثغر وأهل الرباط، والأثقل في المسؤولية وأداء الواجب، وهم رأس الرمح وهم الصف الأول”[5]، كما أنَّ الدائرتين العربية والإسلامية لا تتعارضان، فالوحدة العربية مقدمة للوحدة الإسلامية، ولا خشية من عدم قدرة الإسلام على حماية التنوع ورعاية الاختلاف على جميع المستويات، فالإسلام مثَّل تاريخيًا مشروعًا نهضويًا يستوعب الأقليات والطوائف.

3. مسار المشروع الوطني

تناول الباحث في هذه المجموعة ستة أوهام تتعلق بالمشروع الوطني الفلسطيني وتحولاته، وهي أوهام مرتبطة بالأساس بمشروع منظمة التحرير الفلسطينية وإفرازاته المؤسساتية والسياسية، وهي تتعلق بوهم صناعة قرار فلسطيني مستقل تحت الاحتلال، وقد أثبتت تجربة أوسلو استحالة ذلك، ووهم صوابية قيادة المشروع الوطني من خلال قيادة متنازلة عن الوطن ولا تحترم العمل المؤسسي، وأخفقت في تجنيد طاقات الشعب الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني، وكرَّست هيمنة الفرد الواحد والفصيل الواحد على القرار الفلسطيني، وقزَّمت منظمة التحرير، وحوَّلت السلطة إلى كيان وظيفي أمني يخدم الاحتلال، ووسعت في الشكليات المرتبطة بهيكليات الرئاسة والحكومة والسفارات وغيرها، في وقت يجب أن توضع فيه مقدرات الشعب الفلسطيني في جوانب أكثر أهمية مثل العمل المقاوم والانتفاضي، ويستغل الكاتب الحديث عن هذا الوهم، للتذكير بقيم وأخلاقيات رجال الثورة، ودعوة قادة حركات المقاومة الإسلامية التي تُعدّ العمود الفقري للمشروع الوطني التحرري للالتزام بالتعفف وعدم هدر المال العام والابتعاد عن “مظاهر الزعامة الفارغة”، والحذر “من الإسراف ومظاهر الترف، ومن الخلط بين ما هو شخصي وما هو للمال العام؛ وعدم استفزاز الناس بأي من المسلكيات الظاهرة التي قد تتسبب بتشويه صورة الثورة”[6]. وناقش الباحث في هذه المجموعة أيضًا وهم إصلاح البيت الفلسطيني من دون قيادة انتقالية، خصوصًا أن القيادة الحالية لمنظمة التحرير لا تريد إصلاح منظمة التحرير، وإنما الاستمرار في الهيمنة عليها، وجولات المصالحة كلها كان هدفها إدارة التفاوض وتقطيع الوقت لضمان استمرارها وإعادة إنتاج نفسها، من خلال السيطرة على “المؤسسات الرسمية الفلسطينية، وليس بالضرورة بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني”[7].

كما ناقش أيضًا وهم مصطلح “طرفي الانقسام”، إذ عدّه مصطلحًا مضلّلًا، فالانقسام بمعناه الظاهر محصور في الضفة وغزة. وبحسب الباحث، فإن “طرفي الانقسام” لا يتقاسمان المسؤولية في البيئة الفلسطينية العامة ولا في المؤسسة الرسمية، وأحدهما يقود السلطة والمنظمة، ويحتكر التمثيل، ومرتهن للاحتلال. ومن ثم الحديث اليوم ليس عن طرفين متعادلين، وإنما عن اتجاهين مختلفين في الرؤية والمنهج ومسارات العمل وأولوياته، ومختلفين في العقلية التي تدار بها الأمور، ومختلفين في طريقة الإسناد إلى الشرعيات. ومن ثم فتعبير ”طرفي الانقسام” بالشكل الذي يُستخدَم فيه، يعطي إيحاء مضللًا، وهو غير دقيق علميًا وموضوعيًا”[8].

تركيب واستنتاج

يعيد هذا الكتاب إلى الذاكرة تاريخًا من السجالات بين الكُتَّاب والمفكرين والسياسيين الفلسطينيين، والذي ترجم بسلسلة طويلة من الكتب والدراسات والأبحاث والمقالات المنشورة على صفحات كبرى مجلات الحركة الوطنية وصُحفها، وهو تقليد قديم أتاح للجمهور معرفة الآراء والقناعات والمواقف من القضايا الساخنة التي شغلت بال الناس في محطات مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية، والحقيقة إنَّه تقليد مفيد، خصوصًا أنه اتسم بالجرأة، والتزم النقاش الحر المبني على معطيات واقعية، واسترشد بخلاصات تجارب حركات التحرر، وأعلى من شأن نتائج البحث التاريخي المعمق حول الوقائع المفصلية التي شهدتها القضية الفلسطينية.

المراجع / المصادر:

1– صالح محسن محمد، محمد بوعيطة (مراجع)، أوهام في العمل الفلسطيني، ط1 (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات، 2022)، ص 18-19.

2– المرجع نفسه، ص 48.

3– المرجع نفسه، ص 48.

4– المرجع نفسه، ص 53.

5– المرجع نفسه، ص 55.

6– المرجع نفسه، ص 32.

7– المرجع نفسه، ص 33.

8– المرجع نفسه، ص 37.

  • محمد بوعيطة

    كاتب وباحث مغربي في النقد الأدبي الحديث والبلاغة، دبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها، من كتبه المنشورة: التناص في النقد العربي الحديث (2014)، أزمة الهوية في الرواية العربية (2016). له العديد من الدراسات المنشورة في الدوريات العربية (مجلة الثقافة الشعبية، مجلة الشارقة، مجلة تراث، مجلة البحرين الثقافية). أستاذ التعليم الثانوي، شارك في العديد من اللقاءات الثقافية المحلية والوطنية.

مشاركة: