احتراق
لم أنتبه أنّ وحوشًا
بلا ظلالٍ واضحةٍ تحيط بنا
وما نحنُ غير فراشاتٍ طليقة.
كنتُ أحلم أن أحمل عنكِ
كلّ جرحٍ غائرٍ في الروح،
كلّ ندبٍ يطفو مع الأنفاس فوق جلدك الذهبي.
رغم أني تعلّمتُ من قبل
كيف تصير الأمنياتُ شظايا.
حلمتُ بقلبٍ يمتطي صهوةَ الحلم لينبضَ فيّ
فمشت في عروقي حجارةٌ سائلة.
حلمتُ بوجهٍ يلملم ما تناثر مِن ذهب الصباحات
ثم يشرقُ بين جفنيّ،
فاغرورقت عيناي،
لم يكن دمعًا نقيًا، لا، لم يكن صافيًا
كوهج يَلمع مِن عينيك حين تغمزين
بل كان مجبولًا بطحين الزجاج.
حلمتُ بأن أفرش يديّ تحت رأسكِ حين تنعسين
لأحمل غفوتك والمنام
فسارت إلى الطين يدي واعتراني الخدر.
لم أنتبه أن وحوشًا
بلا ظلالٍ واضحةٍ تحيط بنا
وما نحنُ غير فراشاتٍ طليقة.
توهّمتُ أنّ عيونًا أربعة، تكفي لنمتلك الأبد
وأن شفاهًا أربعة، تكفي لنُغرق هذا الوجود قُبل
توهّمتُ أنّ الأصابع تكفي
لنعزف أغنيةً على جسدين يرقصان
من لهفةٍ أو يطيران بلا أجنحة.
لم أنتبه أن وحوشًا
بلا ظلالٍ واضحةٍ تحيط بنا
وما نحنُ غير فراشاتٍ طليقة.
رغم أني أَعرِف كيف تصير الأمنيات شظايا،
أعرفُ منذ أوّل شهقةٍ مخنوقة،
ما زلتُ أحلم أنّ قلبي فراشة
لا ضوءَ تسعى إليه
غير مواقد الجمر التي تُتقن إحراق أجنحتي
عند رموش عينيك.
لماذا؟
لم يعتقلني أي شرطيّ
منذ آخر مرّة كنت فيها سجينًا
رغم ذلك، لم أكن حرًا كفاية.
.
لم أمُت
منذ أن متّ آخر مرّةٍ
إلّا أني لم أكن على قيد الحياة.
.
لم تشردني حربٌ
منذ صارت بلادي خراب
ولكن لم أجد حتى الآن وطنًا.
.
لم أغادر بيتي
منذ آخر مرّة خرجت منه
غير أني لم أعد من منفاي بعد.
.
لم أحبّ امرأةً ولا أهديتها حلما
منذ أن ملك الفراغُ قلبي
لماذا ما زلت عاشقًا إذن؟
نعش
ما زال يشغلُني السؤالُ:
كيف يتّسع هذا القبر لنا كلنا، وما من حلمٍ واحدٍ
قادرٍ على إضرام نارٍ في موقدٍ صغيرٍ،
صغير جداً،
يكفي لأن أحمل اللهب بين أصابعي
وأحرق جدران هذا النعش، فتبدل الجنازة وجهتها.
ما زال يشغلني السؤال:
هل كانوا يزرعون الأشجار حقاً
إلّا لنقطعها اليوم
ونجعل من أخشابها توابيت لأحبابنا؟
ضيّق قبري كثيراً،
ضيّقٌ قبري على عينين مُطفأتين
كيف إذن، سيتسع لأحلامي؟
أما من نعشٍ أوسع كي يظل الحلم معي فأنجو!
أما من مكانٍ، وإن يكن أضيق من ثقب رصاصةٍ، في بلادي.