أَسمَعُ صوتَكَ يُضيءُ زنزانَةً مُجاوِرَةً،
يَنتابُني السّؤالُ:
أينَ يُبَدّلُ الشّرطيُّ ثيابَهُ
حينَ يَتَنَقَّلُ بَينَ زنزانَتَينا؟
كيفَ يُبَدِّلُ الأَحرُفَ في شَفَتَيهِ
وَلا تَتكسَّرُ إحدى اللُّغَتَينِ/ “العَدوّتين”.
-لُغَةٌ كَئيبَةُ التكوينِ
قاتِمةُ الطّفولَةِ، عَرجاءُ،
مائِلَةٌ،
ماكِرةٌ،
تُتقِنُ، ما إن تُكمِلُ تَزَيُّنَها،
استِدراجَ جارَتِها المشغولَةُ
بِفَكفكةِ التّمائِمِ عَن طفولتِها.
-لُغَةٌ طيّعَةُ المَعاني.
مأخوذَةٌ بفِتنَةِ التّأويلِ،
حَافيةٌ، كراقِصَةٍ تَتَثَنّى.
خَلاخِلُها مَشدودَةٌ مِن كاحِلِ النَّصِ
إلى شَهوَةِ السُّلطان.
كَيفَ يُبَدّلُ الأحرُفَ في شَفَتيهِ
شرطيٌّ يُخطِئُ في التّهجِئَة،
حينَ يَتَنَقّلُ بينَ زنزانتينا؟
أَتُدَخِّن؟
مُدّ يَدَكَ عَبرَ فَتحَةِ التهّوِئَةِ
سأُشعِلُ لَكَ السيجارَةَ الأَخيرَةَ
المُتَبَقّيَةَ في علبَةِ التبّغِ،
فانفُخ دُخانَها في سِرِّكَ،
كي لا يُصادِرَها الحَرَسُ.
هُنا الضّوءُ خَفيفٌ،
وَما مِن نَجمَةٍ أَلِفَت وُعُورَةَ الأُفُقِ،
فهاتَ من قَلبِكَ بَعض شمسٍ
تفقأ عَينَ العتمِ.
وَجهُ الشّرطِيّ هُنا، جَذرُ موتٍ مُزمِنٍ
وَمِرآةُ مَجزَرَةٍ هناك.
وَجهُ الشّرطيّ هُناك، مُضَرّجٌ بالهَزائِمِ،
يَحتالُ في تَوصيفِها
ولا يُتقِنُ دَورَ الضّحيّةِ،
فَيَلبسُ ثوبَهُ الذئبَ
ليصطادَ حَرفاً في قَصيدَةٍ ويُثخِنَها بالجِراحِ.
وَجهُ الشّرطيّ هُناكَ،
ذاكِرَةُ انكِسارٍ مُمعِنَةُ السّردِ.
للشّرطيّ هُنا وهُناكَ هَشاشَةُ عُشبٍ يابِسٍ،
لَولا أتكأَا على بُندُقيّةٍ
تَحرسُ كثبانَ خَوفِهِما،
مِن خَفقَةِ البَوحِ في أُغنِيَةٍ.
وَإِن تَراشَقا بَعضَ الشتائِمِ
فالقَصدُ واضحٌ،
ليسَ إِلاّ امتِثالاً لأَقنِعَةٍ زائِفَةٍ.
هُما التَّوأمانِ،
حَبلُ سُرَّتِيهما واحِدٌ،
ظِلَّهُما حَيثُ يَسقُطُ على الأَرضِ،
مذبَحَةٌ تُكمِلُ مَذبَحةً.
أسمَعُ صوتكَ، إِبَراً مغروسَةً في شَجَرِ الصَّنوبَرِ،
يَصعَدُ سُلَّمَ الصَّلواتِ،
ثم يَهمي في مَهَبّ القَلبِ
خُبزاً ناضِجَ الحريةِ.
للسُّجناءِ هُنا وَهُناكَ
قَلبٌ وَاحِدٌ
يَثمَلُ في وَحيِ الإنعِتاق.
ليَ في السجنِ رفاقٌ،
يَتوبونَ كلّ مساءٍ إلى وسائدَ الأمَلِ.
يَنهَشهُم جوعٌ،
يُذبلَهُم عَطَشٌ،
ويأبونَ إلّا أن يُزَيّنوا خَصرَ عمرِنا المَكسورِ،
بأسرابِ العصافيرِ الطليقَةِ