في وداع غسان

ما أشقاني لغيابك يا غسان!
لا تتوجَّع روحي من سرعة رحيلك، أو من أسباب غيابك، فالرحيل توأم الحياة، وجهها الآخر، بيد أن غياب صديق، بالقرب الذي كنَّا عليه معًا، يُضعف بهجة الحياة فيَّ، ويُنقص من مبرّرها عندي، المرّة تلو المرّة.
الأصدقاء، مثلك يا غسان، إحدى دعائم حياتي، وحوافز المُضيّ والاستمرار لديَّ. حين يرحل صديقٌ أشعر بخفوت ضياءٍ في داخلي، أو بغدرٍ باغَتَ روحي، فيحلُّ الضعفُ بي على نحو أُمسي في حاجةٍ إلى مَنْ يُعزّيني لغيابهم وقد فقدتُ القدرة على تقديم العزاء.
كم كان بودّي أن أتحدَّث عن أبرز شاغِلَيْك وهاجسَيْك الّلذين عرفتُهما فيك عن قُرب: حرصك الشديد على رفعة الحياة الثقافيّة، والمسرحيّة منها خاصة، عَبْرَ نتاجاتك وأعمالك على الخشبة، وما بذلتَه من سنوات حياتك، عَبْرَ نضالك السياسي، لبراء بلدنا من سرطان الاستبداد الأسدي الذي ابتُلي به منذ السبعينيات إلى ما لا يدري بنهايته أحدٌ.
كان بودّي، بيد أنه، ما من قدرة لديَّ على القيام بذلك في حالي الراهنة الآن. فللمرة الأولى في حياتي كلّها أشارك في حفل تأبين صديقٍ. إذ مع كلّ رحيلٍ لصديق، أجدني لا أعرف كيف أكتب، ولا ماذا أقول، ولا كيف أشارك.
ولذا، لتسمح روحك لي بأنْ أختم بإخبارك عمّا حدث معي، عسى أنْ تضحك منّي، فتُؤنس ضحكتُك وحشتَك وأنت هنالك.
بُعيد غيابك بقليل، وصلتني على هاتفي رسالة منك فوجدتُ نفسي أصيحُ لريم مُبشّرًا “رجع غسان يا ريم!”. ثمَّ ابتلعتُ صيحتي خجلًا وتدبّرتُ الموقف! ولكنْ، أقسم لك بالسنوات المديدة للصداقة بيننا، بأنني في أعماقي كنتُ مصدّقًا، في لحظة صيحتي وبشارتي لريم، التصديقَ كلَّه، بل إنني لا أحسب، في يوم من الأيّام، أنه يمكن لي ألاَّ أنتظر رسالة منك، كما أنتظر رسائل أصدقاءٍ سبقوك.
والآن، إذا كان ثمَّة عزاء يُخفّف من غيابك المضرَّج بالحزن العميق، فإنَّما هو عندي ما وهبته لك الحياة طوال السنوات الأخيرة من الحبّ الغامر، والتقدير الحقيقي، والمواكبة الحثيثة لنتاجاتك، وتأمين كلّ المناخات الملائمة لتنتجَ وتُبدعَ عَبْرَ رفيقة دربك، صديقتنا الغالية رغدة.
والسلامْ. السلام لروحك يا غسان.

مشاركة: