اتجاهات السوريين نحو واقع الأزمة ومآلاتها دراسة ميدانية

مقدمة
شهدت سورية حوادث عاصفة خلال العقد الثاني المنصرم، أدت إلى زعزعة استقرارها على الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإيكولوجية …إلخ. ما عرّض المجتمع وتكويناته المختلفة للأذى الشديد، حيث نمت عوامل الفُرقة والتعصب والعداوة بين مختلف أبنائه، وبات عدد من القيم والاتجاهات المتصلة بالتنوع والتعايش وقبول الآخر، والهوية، والسلم الأهلي، والوحدة الوطنية مهددًا في العمق.
واليوم يجد السوريون أنفسهم -بعد سنوات الحرب- عالقين في مكانٍ لم يتمكنوا من مغادرته، وهم في حالة من الاستنزاف المركّب لقدراتهم البشرية ومقدرات بلدهم المادية، في وقتٍ يؤجج فيه المتصارعون على سورية العواطفَ التي تغذي نزعة الحرب والعداوة بين السوريين الخاسرين الوحيدين تقريبًا في هذه المقتلة العبثية.
وعلى الرغم من الجهد الذي بذلته النخب السياسية والفكرية السورية، فإنها لم تتمكن -إلى اليوم- من صوغ مشروع وطني مؤسَّسٍ على معرفة حقيقية بالواقع يجمعها، فما زال الكثيرون يمارسون من غير وعي منهم الأخطاء نفسها عند محاولاتهم البحث عن مخارج لأزمتهم. وفي ظني أن من بين العوامل التي تعيق نجاحهم في نضالاتهم الدؤوبة –إضافة إلى جملة الأحوال الموضوعية الضاغطة، وأقصد تلك التي ترتبط بعوامل وأحوال خارجة عن إرادة الأفراد والجماعات– مجموعة العوامل الذاتية التي تتصل بخصائص الأفراد والجماعات والأوضاع الراهنة المحيطة بنشأتهم وحياتهم، والتي ينجم عنها أنماط من التفكير تعيق وضوح الرؤية، ومن بينها: المبالغة في التعميم، وإطلاق الأحكام القطعية التقييمية على الأشخاص والحوادث الجارية من دون مراجعة أو إعادة تقييم، فضلًا عن الميل إلى التطرف في التفكير، فلا نرى الأمور إلّا بوصفها ثنائية بقطبين لا تدرّج بينهما. كذلك الميل إلى المبالغة في رؤية السواد أو البياض، وفق آلية التصفية، فضلًا عن سرعة القفز إلى الاستنتاجات من دون توافر المقدمات أو البيانات الضرورية.
يحتاج السوريون إلى تعرّف قيمهم واستكشاف اتجاهاتهم، وما طرأ عليها من تغيرات، ومن منطلق مختلف، وإلى إعمال التفكير الموضوعي النقدي، من خلال استخدام الأساليب والخطوات والأدوات التي تُمكِّنهم من الوقوف على الحقيقة، والتَّعامل معها على ما هي عليه، بعيدًا عن الذَّاتيَّة والمُؤثِّرات الخارجيَّة وفحص البدائل المعروضة وتقويمها، من أجل إصدار أحكام أو اتخاذ قرارات حول الظاهرات (موضوع البحث) بعيدًا عن أيّ تصنيف سياسي أو إثني أو مذهبي.
من المهم رصد التغيرات والتحولات التي طرأت على أمزجتهم وميولهم في هذه المرحلة الحساسة من عمر قضيتهم. فما كان يقينًا في وجدان البعض حيال موضوعات متعلقة بالأزمة: عواملها وخلفياتها، والبدائل الممكنة، والاستقطابات التي فرقت السوريين ومزقت نسيجهم الاجتماعي ودمرت توازنهم النفسي، لم يعد كما كان، فالخبرات المؤلمة التي عاشها أغلبهم، ومآلات الصراع وحيثياته، على المستويات الفردية والعامة، قد حفرت عميقًا في وجدانهم وعقولهم، ما أدى إلى ضمور اتجاهات وأمزجة وعواطف كانت قوية، في مقابل نمو قناعات وعواطف وآراء لم يكن لها نصيب في السنوات السابقة.
وعليه يأتي هدف تعرّف اتجاهات السوريين نحو واقع الأزمة في سياق السعي لتلمس الواقع وديناميات تغيره. استنادًا إلى نهج جدلي يتناول الظاهرة المبحوثة، من خلال تعرّف تفاعلاتها الداخلية والخارجية مع منظومات أخرى مجاورة ومتداخلة معها. ما ييسر القدرة على رؤية الواقع بتجلياته المختلفة، وتقدير درجات الأذى الذي أصابه، ما يوفر إمكانات صوغ رؤية مستقبلية تجيب عن سؤال “ما العمل”؟

أولًا: سؤال الدراسة الرئيس
ما اتجاهات السوريين نحو واقع الأزمة ومآلاتها؟
تُشتق منه أسئلة تفصيلية أكثر تحديدًا:

  • ما اتجاهاتهم نحو مسألة أمن الدولة والمجتمع؟
  • ما اتجاهاتهم نحو ثنائيات: الداخل- الخارج؛ الموالي- المعارض؟
  • ما اتجاهاتهم نحو عدد من الأفكار المرتبطة مع المخارج والمحتملة؟
  • ما تأثير بعض المتغيرات: العمر، المستوى التعليمي، مكان الإقامة الحالي في اتجاهاتهم نحو المجالات المذكورة؟ وفي أي اتجاه حصل التأثير؟
  • ما الملامح العامة لاتجاهات السوريين المتعلقة بالقضية السورية؟

ثانيًا: أهمية الدراسة

  1. أهمية عملية: توفر البيانات التي يوفرها مسح الاتجاهات وتحليلها إحصائيًا إجابات عن بعض الأسئلة التي يمكن أن يطرحها السوريون على أنفسهم عند محاولة الفهم الموضوعي -قدر المستطاع- للواقع المأزوم، ما يُمكِّنهم من بلورة مبادرات للحوار وإطلاق دعوات لعقد لقاءات قوى وطنية سورية فاعلة، وتعزيز عوامل الثقة المتبادَلة التي نصّتها قرارات الشرعية الدولية -فوق التفاوضية- والانتقال بالبلاد إلى مرحلة الحل السياسي المأمول.
  2. أهمية نظرية: تكمن في الاستنتاجات التي وفرتها نتائج الدراسة التي قامت على مجموعة (عينة) بشرية تعيش الأزمة.
    أ. إن الأزمات التي عاشها السوريون: الحرب والاعتقال وفقد الأعزاء والممتلكات، والنزوح أو اللجوء، وأزمات نمو الأطفال المصاحبين لذويهم، فضلًا عن الأزمات الآنية حيثما كانوا، قد أثرت في اتجاهاتهم وقيمهم، فتفكك بعضها واندثر، وحلت مكانها اتجاهات وقيم مختلفة قد تكون مناقضة لقيمهم الأصلية.
    ب. من جهة أخرى، يمكن ملاحظة إمكان تعرض منظومة الاتجاه بذاته لاضطراب. فمن المعروف أن الاتجاه يتكون من ثلاثة مكونات تعمل بانسجام في ما بينها، وهي المكونات المعرفية والوجدانية والسلوكية، عندئذٍ قد يغلب أحد المكونات على المكونات الأخرى في الأزمات الشديدة، فلو غلب المكون العاطفي على الجانب العقلي يمكن أن نرى سلوكًا تكون العاطفة محركه، ومن ثم يُتوقع أن يكون سلوكًا غير متوازن أو على الأقل سلوكًا غير مألوف، في ما يمكن أن يكون سلوكًا متسمًا بالحذر والتمهل أو التردد عند غلبة المكون العقلي. عندئذٍ يمكن التعبير عن الاتجاه بالكفّ عن إبداء الرأي، وهذا ما لوحظ بوضوح عند تحليل النتائج.
    الفكرة الجديدة في هذا البحث أنه لدى التعامل مع مجموعات سكانية على صعيد القيم والاتجاهات لا يجوز إغفال حال استقرار- عدم استقرار تلك المجموعات (عينات الدراسة)، فقياس اتجاهات الجماعات المأزومة إلى درجة كبيرة، له دلالات مختلفة إلى حد ما عن اتجاهات الجماعات المستقرة. ويمكن رد جوهر الاختلاف إلى مدى تماسك الاتجاه كمفهوم مركب.

ثالثًا: منهج الدراسة وأداتها
اعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي- المسحي. فمعرفة الواقع: هنا والآن يمكن تحقيقه من خلال جمع آراء عينة من السوريين نحو بنود الاستبانة “وفق مقياس ليكرتLikert الخماسي للاتجاهات” ومن ثم تحليل استجاباتهم إحصائيًا على مستوى النسب المئوية ومتوسطاتها، ثم تصنيف الاستجابات ارتباطًا بعدد من المتغيرات الشخصية للمستطلعين بحسب العمر، والمستوى التعليمي، ومكان الإقامة الحالي (انظر خصائص العينة).
وهنا لا بد من التنويه إلى نسبية دقة البيانات التي توفرها أداة قياس الاتجاهات، بسبب طبيعة الاتجاه النفسي، إذ يتمتع بثبات نسبي، ما يعني تعرضه للتغيير أو التعديل تبعًا لعوامل عديدة. ومن جهة أخرى بسبب أسلوب جمع بيانات العينة باستخدام وسائط التواصل الرقمي التي لا توفر للباحث فرصة الاتصال المباشر مع جمهور العينة، الأمر الذي يحول دون إمكان توضيح مقاصد البنود بشكل كاف، على الرغم من إخضاع الأداة لإجراءات التحكيم والتجريب على عينة استطلاعية قبل اعتمادها في جمع البيانات النهائية. فما هي الاتجاهات؟

رابعًا: الإطار النظري
تنتمي دراسة الاتجاهات إلى ميدان علم النفس الاجتماعي، وهي موضوع مهم لفهم الاستعدادات النفسية للأفراد والجماعات والسلوكات التي يمكن توقعها منهم. وقد عرّف ألبورت Allport الاتجاه على أنه “حالة من الاستعداد أو التأهب العصبي والنفسي، تنتظم من خلال خبرة الشخص، وتكون ذات تأثير توجيهي أو دينامي في استجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تستثير هذه الاستجابة”(1).
وفق تعريف ألبورت فالاتجاه يضم ثلاثة مكونات: “المعرفي، الوجداني، السلوكي” تشكل منظومة متكاملة وظيفيًا. المكون الوجداني هو ما يفكر فيه معظم الناس عندما يسمعون كلمة “اتجاه”، إنه ردة فعلنا الإيجابية أو السلبية لشيء ما، والشعور هو جزء من الاتجاه الذي يؤدي بنا إلى تقويم الشيء المتضمن في السؤال على أنه حسن أو سيء، سار أو غير سار. ومن ثمّ هو مقبول أو مرفوض.
بينما يشير المكون المعرفي إلى ما نعرفه عن موضوع الـ “اتجاه” بصرف النظر عن ردة فعلنا تجاه هذا الموضوع. أما المكون السلوكي فيشير إلى السلوكيات التي نقوم بها وتتعلق بموضوع الـ “اتجاه”.
يُفترض عادة أن هذه الاتجاهات تُعلَّم من خلال المزج بين عمليات ثلاث: هي الإشراط الكلاسيكي Classical Conditioning، والإشراط الوسيلي أو الإجرائي Instrumental، والتعلّم الاجتماعي.(2)
ومن المهم أن نفهم هذه الاتجاهات ونعيها، لأنها تملي -غالبًا- على الأفراد والجماعات الطريقة التي يتعاملون بها مع العالم بشقيه: البشري والطبيعي.
ترتبط الاتجاهات مباشرة بالتحيز بوجهيه: الإيجابي والسلبي. وتتفاوت من حيث الشدة، فهي تقع بين قطبين متعارضين، يشير أحدهما إلى التأييد المطلق لموضوع الاتجاه، بينما يشير الثاني إلى الرفض المطلق، وتشير المسافة الفاصلة بينهما إلى عدد من الدرجات التي تعبر عن شدة الاتجاه أو قوته. ومن أشهر مقاييس الاتجاه مقياس إلبورت الخماسي الذي اعتُمد عند تصميم أداة البحث الحالي.
وجدير بالذكر أن الاتجاهات بوصفها مكتسبة، يمكن تعديلها بل وتغييرها من خلال أساليب متعددة، منها: تغيير الجماعة المرجعية للفرد. وتغيير أحواله البيئية والاقتصادية والثقافية. فضلًا عن أهمية الاتصال المباشر بموضوع الاتجاه في تغييره، ولا شك في أن الحوادث مهمة في تغيير الإطار المرجعي، ما يؤثر في تغير الاتجاهات.(3)

خامسًا: المجتمع والعينة
مَثَّل السوريون من أعمار مختلفة بدءًا من بدايات عمر الشباب عينة المسح، وكذلك مختلف المستويات التعليمية وأماكن الإقامة. وكانت العينة من النوع العَرَضي وقد بلغ عدد الاستبانات المستلمة والكاملة (303) استبانة.

سادسًا: خصائص العينة

  1. الخصائص العمرية: مثَّل أفراد الفئة العمرية (20 35 سنة)، أكبر فئة في العينة (47.8 في المئة) من مجموع أفرادها، بينما انخفض تواجد الفئة ( 20 سنة) إلى 0.7 في المئة، وجاءت نسب الفئات الأخرى متدرجة بين النسبتين المذكورتين، فقد احتلت الفئة الثالثة (من 35- 50 سنة) 22 في المئة، والفئة الرابعة (50 65 سنة) تمثلت بـ(20.1 في المئة) والفئة الأخيرة (+ 65 سنة) 9.2 في المئة من حجم العينة.



  2. الوضع التعليمي: مثل أفراد المستوى التعليمي (معهد وجامعة) أعلى نسبة (72.6 في المئة)، بينما كان ممثلو الشهادات العليا (ماجستير ودكتوراه) (17.2 في المئة)، ما يعني أن نحو 90 في المئة من حجم العينة هم من مستوى تعليمي عال، في حين مُثَّل مستوى “الشهادة الثانوية” (7.6 في المئة) ومستوى (الابتدائية والإعدادية) بـ(2.6 في المئة).


  3. مكان الإقامة الحالية: وُزِّعَت أماكن الإقامة إلى أربع فئات: مقيمون في داخل سورية وُزِّعوا بين: نازحين ومثلوا (42.2 في المئة) وهي النسبة الأعلى في العينة. وغير نازحين (15.8 في المئة). إذًا نحو 58 في المئة من أفراد العينة موجودون داخل سورية. بينما بلغت نسبة من هم في خارجها (42 في المئة) موزَّعين بين لاجئين (22.4 في المئة) وغير لاجئين (19.4 في المئة) من إجمالي العينة. انظر الشكل التالي.

سابعًا: نتائج الدراسة
ملاحظة:
يُرجى مراجعة جداول الملاحق للاطلاع على النتائج التفصيلية.

  1. الاتجاهات نحو أمن الدولة والمجتمع السوري
    متى تكون الدولة والمجتمع بأمان؟ عندما تكون الدولة كيانًا مستقلًا ومتحررًا عسكريًا وأمنيًا. والصراع الداخلي في المجتمع غير مهددٍ لسلمه الأهلي لامتلاكه آليات تمكنه من تخميد حدة الصراعات والحيلولة دون انفجارها بطريقة تؤدي إلى تخريبه وحوادث الأذى في بنيته ومكوناته، دولة لا تتعدى أجهزتها القمعية/ الجيش وقوى الأمن/ الوظيفة التي يحددها الدستور أو القوانين المنظمة لعملها والقائمة على صيانة الأمن الداخلي ومن ثمّ حماية المواطن من أي أخطار تتهدده، وتأمين الدولة من التعدي الخارجي …إلخ.
    يواجه المجتمع السوري وكذلك الدولة منذ عقد ونيف تحديات أمنية على صعد متعددة، وقد عبرت الأفكار التي وردت في الاستبيان عن بعض هذه التحديات. فكيف يرى السوريون/ العينة المسألة الأمنية على المستوى المجتمعي وعلى مستوى أمن بلادهم بشكل عام؟ (انظر الجدول1).
  • أرفض استمرار بقاء أي قوات أجنبية على أراضي سورية: على الرغم من انقسام مواقف السوريين نحو وجود القوى العسكرية الأجنبية، فإن أغلبية أفراد العينة ينظرون لها بوصفها قوى احتلال، وأن استمرار بقائها يشكل تهديدًا لأمن البلاد. وقد بلغت نسبة هؤلاء على المستوى الإجمالي للعينة (86 في المئة) بينما يرى (11 في المئة) أنها قوى صديقة، واستمرار وجودها ضروري لحفظ الأمن.
    وعلى المستوى التفصيلي: ارتفعت نسبة رافضي استمرار بقاء القوات الأجنبية إلى (95 في المئة) بين أفراد العينة العمرية (5065 سنة) وبلغت (100 في المئة) بين أفراد الفئة التعليمية (الابتدائية والإعدادية). وعبرت كلّ من عينتي النازحين، وغير اللاجئين (الخارج) عن أعلى نسب الرفض لبقاء تلك القوات (91 في المئة) لكل منهما (انظر الجداول التفصيلية في ملحق الدراسة).
  • استمرار وجود القوات الروسية في سورية ضروري لحمايتها من الفوضى: على المستوى الإجمالي أعلن (53.5 في المئة) عن تأييدهم لوجود القوات الروسية وضرورتها لحماية البلد من الوقوع في الفوضى. وهي نسبة مهمة، تصل إلى (70 في المئة) لدى أفراد الفئة العمرية (35 50 سنة)، في حين انخفضت نسبة المؤيدين لتواجدها بين صفوف النازحين وغير النازحين (الداخل) إلى (24 في المئة) و(19 في المئة) على التوالي. الملحق
  • يشكل وجود القوات التركية على الأراضي السورية خطرًا على وحدتها مستقبلًا: ينظر بعض السوريين إلى تركية على أنها دولة محتلة ولها غايات مهددة لوحدة أراضي الدولة السورية، بينما يراها آخرون دولة صديقة.
    على المستوى الإجمالي: بلغت نسبة الفريق الأول (31 في المئة) مقابل (50.5 في المئة) للفريق المؤيد لوجود القوات التركية على الأرض السورية، وارتفعت نسبة المؤيدين لوجودها إلى (71 في المئة) لدى عينة (+65 سنة) وانخفضت إلى (26 في المئة) لدى عينة حملة الثانوية وإلى (40 في المئة) لدى النازحين.
  • تواجد القوات الإيرانية في سورية ضمانة لأمن السوريين من اعتداءات إسرائيل: حصل استقطاب سلبي مرتفع في اتجاهات العينة، لصالح رفض الفكرة، فلم يتفق مع الفكرة سوى (11.5 في المئة) على مستوى العينة الكلية، وانخفضت النسبة إلى (6 في المئة) لدى الفئة العمرية (50 65) سنة بينما ارتفعت نسبيًا إلى (25.0 في المئة) لدى عينة (التعليم العالي)، انعدمت لدى حملة الشهادات الأدنى (الابتدائية والإعدادية والثانوية). بينما رفض تأييد فكرة الدور الإيجابي للقوات الإيرانية (85.5 في المئة) من إجمالي العينة، مع ارتفاعها إلى (95 في المئة) بين غير اللاجئين.
  • يزعجني تسلط جميع التشكيلات الطائفية المسلحة على الأراضي السورية: على المستوى الإجمالي يتفق (86.5 في المئة) من أفراد العينة على وجود خطر من تواجد التشكيلات العسكرية ذات الطابع الطائفي كتهديد لأمن المجتمع والأفراد، مقابل (9 في المئة) من العينة الكلية لا يزعجهم وجود تلك التشكيلات.
    ومقابل (26 في المئة) من عينة الفئة (20 35 سنة) و(22 في المئة) من عينة النازحين و(25 في المئة) من عينة اللاجئين.
  • أخاف من تفشي أعمال الثأر بين السوريين في المستقبل: لدى (77 في المئة) من أفراد العينة خوف من احتمال تفشي الثأر في المجتمع السوري، وأقل الفئات العمرية خوفًا كانت بين عينتي (35 50 سنة) و(50 65 سنة) (65 في المئة) لكل منها، بينما ارتفعت النسب إلى (86 في المئة) لدى عينة (المقيمين في الداخل)، و(91 في المئة) من عينة (حملة الشهادة الثانوية).
  • يقلقني انعدام الأمن وانتشار أعمال الخطف: حدثت وقائع خطف عديدة في سورية ويزداد وقوعها مع مرور الوقت. أفاد المسح بأن (87.5 في المئة) من المستطلعين لديهم قلق من أعمال الخطف، بينما لم يُثر قلقهم خطر حوادث الخطف نحو (9 في المئة). هذا على المستوى الإجمالي.
    وكان الشبان (20 35 سنة) أكثر الفئات العمرية قلقًا، فقد أعلن (91 في المئة) منهم عن معاناته من قلق انعدام الأمن وانتشار أعمال الخطف في المجتمع. وبالنسبة المذكورة نفسها عبّر حملة الشهادة الثانوية عن قلقهم من أعمال الخطف، وارتفعت إلى (96 في المئة) لدى المقيمين في الداخل- غير النازحين.
  • من الصعب ضبط الأمن في سورية من دون التوصل إلى حل سياسي يرضي أغلبية السوريين: وافق (61 في المئة) من أفراد العينة الإجمالية على الفرضية التي تربط بين بلوغ الأمن في المجتمع والحل السياسي المتوافق عليه. في حين رفضها نحو (29 في المئة)، وامتنع حوالي (11 في المئة) عن إعلان آرائهم.
    وعلى المستوى التفصيلي، ارتفعت نسبة الموافقين إلى (82 في المئة) و(85 في المئة) لدى الفئتين العمريتين (50- 65 سنة) و(+ 65 سنة) وكذلك عينتي الفئتين (الابتدائية والإعدادية) و(الشهادة الثانوية) (75 في المئة) و(78 في المئة) للفئتين على التوالي. وحظيت الفكرة بموافقة عالية من المقيمين خارج سورية سواء أكانوا لاجئين أم غير لاجئين إلى (86 في المئة- 78 في المئة) لكل منها على التوالي.
  • من الضروري منح أجهزة الأمن الحالية صلاحيات أوسع لضبط الأمن في سورية: يعتقد بعض السوريين ويمثلون (11 في المئة) من العينة أن ضعف الأمن الحالي وهشاشته يعود إلى محدودية الصلاحيات الممنوحة لأجهزة الأمن. وأنه لا بد من منحهم المزيد منها، بخلاف (82 في المئة) من إجمالي العينة، فهم يرفضون الفكرة.
    وبالتفصيل، لاقت فكرة منح أجهزة الأمن الحالية، صلاحيات أوسع لضبط الأمن اعتراضًا واسعًا من جميع الفئات العمرية، وأكثر الفئات اعتراضًا فئة (35 50 سنة) (85 في المئة) فهؤلاء كانوا أكثر تحفظًا تجاه فكرة منح المزيد من الصلاحيات للأجهزة الأمنية الحالية. (انظر الجدول التفصيلي).
    لم تحظ الفكرة بأي موافقة عند أفراد عينتي (الابتدائية والإعدادية والثانوية).
    وكذلك تقلص التأييد لإعطاء أجهزة الأمن مزيدًا من الصلاحية لدى عينة المقيمين خارج سورية من غير اللاجئين إلى (5 في المئة).


  1. الاتجاهات نحو ثنائيات (المعارضة- الموالاة) (الداخل- الخارج)
    لا نمتلك بيانات سابقة عن اتجاهات السوريين تجاه بعضهم وقت اندلاع الثورة وما تلاها من أعمال عنف وسقوط ضحايا، لكننا نعلم من الخبرة المعاشة، وكذلك من خلال ما كان يُنشر ويُعلن من كلا طرفي الصراع، ما سمح لنا بتقدير عمق الفجوة النفسية -العواطف والاتجاهات- التي ظهرت بين فريقين من السوريين عقب بدء الحراك الشعبي، وردّات الفعل العنيفة لقوى النظام، لذا يمكن قول إن أفكارًا نمطية قد نمت طغى عليها طابع الثنائيات، منها مثلًا أن الموالين للنظام هم العلويون والمسيحيون وباقي الأقليات السورية، في حين عُدَّ النازحون واللاجئون معارضين، وأغلبيتهم من العرب السُنَّة. وأن من بقوا في داخل سورية هم الموالون، في مقابل ذلك وُصِف من خرجوا على أنهم معارضون للنظام، والتحمت ثنائية الداخل-الخارج بثنائية الموالاة- المعارضة: “معارضة الداخل ومعارضة الخارج”.
    إنه تصنيف تعميمي وجائر إلى حدٍ ما، مارسه الطرفان بحق بعضيهما، فقد كان بعض ممن بقوا في الداخل معارضين للنظام بحقّ، وتمكّنوا من حماية أنفسهم من بطش قوى الأمن بطرائق مختلفة، وأعلنوا موقفهم المعارض للنظام من خلال إدانتهم للحرب والقتل والاعتقال، وهم بدورهم وجهوا اتهامات شديدة للمعارضين الآخرين، واتهموهم بالسعي لاستعداء القوى الخارجية، وطلب تدخلها عسكريًا …إلخ. وفي المقابل وصفهم المعارضون الخارجيون بأنهم معارضة ضعيفة، وغير جدّية، ومُصطنعة.
    لكن وبعد عشر سنوات تعب الجميع، وأخذت حرب الاتهامات تخف حدتها تدريجيًا. لكن إلى أي درجة؟
    في الجدول (2) عدد من العبارات التي كانت متضمنة في استبيان قياس الاتجاهات ترتبط بالثنائيات، وقد أفادت استجابات العينة في كشف اتجاهاتهم الراهنة نحوها.
  • لا أستطيع تبرير خروج بعض السوريين من سورية خلال أزمتها: لم يتمكن نحو (15 في المئة) من العينة الكلية من تبرير خروج بعض السوريين من بلدهم، وارتفعت نسبة المترددين غير المعلنين عن آرائهم إلى أكثر من ربع العينة (27 في المئة). ولكن (60 في المئة) لم يتفقوا معهم، وهذا يعني أن هؤلاء يتفهمون خروج السوريين. ترتفع نسبتهم إلى (89 في المئة) لدى عينة (+65 سنة). وإلى (69 في المئة) لدى عينة الشهادة الثانوية و(81 في المئة) بين اللاجئين.
  • يوجد وطنيون حقيقيون في داخل سورية وخارجها: وافق على الفكرة (78.5 في المئة) من إجمالي العينة، فصفة “الوطنية” بحسب هؤلاء لا يحتكرها من بقوا في سورية ولا من خرجوا منها، مقابل ذلك رفضها (11 في المئة) فهؤلاء ما زالوا يعتمدون نظرة (الداخل- الخارج).
    تفصيليًا، أبرز ما يلفت الانتباه أن الفكرة حازت على تأييد (92 في المئة) و(90 في المئة) من أفراد الفئتين (50 65 سنة) و(35 50 سنة) على التوالي. وأيدها جميع أفراد عينة الشهادة الثانوية (100 في المئة)، وسجل اللاجئون أعلى موافقة (92 في المئة) يليهم غير اللاجئين (88 في المئة).
    *لا يوجد معارضون حقيقيون للنظام داخل سورية: هي عبارة تُذكرنا بثنائية (معارضة داخل- معارضة خارج) فهل المعارضة الحقيقية هي المتواجدة في الخارج؟ أم تلك التي بقيت في سورية؟
    على مستوى العينة الكلي يعتقد خُمس العينة (21 في المئة) أن لا معارضين للنظام داخل سورية، ترتفع نسبة أصحاب هذا الاتجاه إلى (32 في المئة)، و(29 في المئة) لدى الفئتين العمريتين (+65 سنة) وفئة (50 65 سنة) على التوالي وإلى (63 في المئة) لدى أفراد المستوى التعليمي (الابتدائية والإعدادية) ونحو (42 في المئة) لدى المقيمين في الداخل– غير النازحين.
    بينما رفض هذا الرأي (44 في المئة) من العينة الكلية، وهي نسبة مهمة تدحض الزعم الذي روّج له العديد من المعارضين الذين خرجوا من سورية في بداية الثورة. مع ملاحظة ارتفاع نسبة من لا رأي لهم (27 في المئة) من العينة الكلية، وهي تفوق نسبة المؤيدين للفكرة.
  • على المحايدين من السوريين إطلاق مبادرات للخروج من الأزمة: هل يوجد أمل في أن يؤدي المحايدون (لا موالين ولا معارضين) أي دور إيجابي على صعيد حل الاشتباك بين طرفيّ الصراع؟
    لقد أيد وجود هذا الدور (57 في المئة) من إجمالي العينة. وارتفعت نسبتهم إلى (75 في المئة) بين أفراد الفئة العمرية (+65) وأيدها جميع أفراد عينة (الابتدائي- والإعدادي) و(79 في المئة) من المقيمين في الداخل -غير النازحين- و(55 في المئة) من النازحين. في حين رفض (16 في المئة) من إجمالي العينة الموافقة على منح المحايدين دورًا إيجابيًا لهم، هذا وقد امتنع (19 في المئة) من كامل العينة عن إعلان اتجاهاتهم.
  • جميع من بقوا في الداخل السوري هم من الموالين للنظام: وهي فكرة تحمل شحنة استقطابية- تعميمية تتهم جميع من بقوا داخل سورية بموالاة النظام؛ أيد هذا الحكم (12 في المئة) فقط من إجمالي العينة، ارتفعت قليلًا إلى (15 في المئة) بين أفراد الفئة (35 50). بينما رفض التعميم المذكور (68 في المئة) من إجمالي العينة. وقد سجل الجامعيون أعلى نسب الرفض/ عدم القبول للفكرة المذكورة (77 في المئة) منهم، وكذلك رفضها غير اللاجئين (88 في المئة) منهم، ثم اللاجئين (82.5 في المئة). (انظر الجدول2).


  1. الاتجاهات نحو الممكنات/ مستقبل سورية
    كيف يتصور السوريون (العينة) مستقبل بلدهم؟
  • سيكون تقسيم سورية إلى دويلات أمرًا لا مفر منه: لم يوافق على هذا الاحتمال سوى (22 في المئة) من أفراد العينة الكلية، ارتفعت النسبة إلى (38 في المئة) بين فئة الشبان (20 35) سنة، وكذلك بين فئتي حملة الثانوية (35 في المئة) وشهادات الدراسات العليا (33 في المئة) وإلى (35 في المئة) من أفراد عينة النازحين.
    مقابل ذلك رفض فكرة حتمية التقسيم (58 في المئة) من إجمالي العينة. و(86 في المئة) و(91 في المئة) من عينتي (+65 سنة) و(50- 65 سنة) على التوالي. مع امتناع خُمس (20 في المئة) حجم تلك العينة الكلية عن الإفصاح عن اتجاهاتهم.
  • الحسم العسكري بقيادة الجيش العربي السوري هو السبيل لإنهاء الأزمة: أن يحسم الجيش السوري الصراع في سورية يعني وقوع المزيد من القتل والتدمير، لذلك جاءت إجابات العينة تعبيرًا عن كره هذا الخيار، فلم يوافق عليه سوى (10 في المئة) انحدرت إلى (6 في المئة) بين عينة النازحين وإلى (6 في المئة، ثم 11 في المئة، ثم 7 في المئة) لدى عينات الفئات العمرية من (35 سنة وما فوق) فالعلاقة عكسية بين متغير العمر ونسب الموافقة على خيار الحسم العسكري.
    وانخفض تأييد الحسم إلى (6 في المئة) لدى عينة النازحين، وإلى (4 في المئة) لدى عينة حملة الشهادة الثانوية.
    في مقابل ذلك رُفضت فكرة الحسم العسكري للأزمة السورية من (74 في المئة) من إجمالي العينة. ارتفعت بمقدار ملفت بين الفئة التعليمية (الثانوية) إلى (91 في المئة).
  • وفي مقابل الخيار المتفائل “سيتمكن السوريون من المحافظة على وحدة بلدهم” أفاد المسح أن حوالي (63 في المئة) من العينة الكلية وافقوا على الفكرة المطروحة، بينما رفضه (19 في المئة) من أفراد العينة وتحفظ نحو (18 في المئة) عن إعلان اتجاهاتهم.
    وقد تميزت الفئة العمرية (50 65 سنة) بتأييد مرتفع للخيار المطروح إلى (83 في المئة)؛ وأكثر المؤيدين للفكرة من حملة الشهادة الثانوية (100 في المئة). وأكثر الفئات ثقة وتأييدًا هم المقيمون داخل سورية (غير النازحين) مقارنة بباقي فئات الإقامة، فقد صوّت لصالح خيار الوحدة (81 في المئة) مقابل رفضه من (6 في المئة).
    وحول “ضرورة اتفاق السوريين حول تغيير سياسي حقيقي ينهي الصراع بينهم” وافق أكثر من (80 في المئة) من إجمالي العينة على ذلك، في مقابل رفض (7 في المئة) وهي نسبة غير مفهومة، قد تعبر عن عدم فهم دلالة الفكرة وامتناع (12 في المئة) عن إعلان مواقفهم.
    وكانت أكثر الفئات العمرية تأييدًا لضرورة اتفاق السوريين على حل سياسي (50 65) بنسبة (95 في المئة)، وحظي بتأييد كامل عينتي الابتدائية والثانوية (100 في المئة) ولا فروق جوهرية في نسب تأييد الفكرة لدى فئات الإقامة المختلفة.
    وعن ضرورة تقديم أطراف الصراع تنازلات متبادلة لبلوغ تفاهم حول الحل: وافق (55.5 في المئة) من العينة الإجمالية على مبدأ التنازلات المتبادلة، وهذه نسبة مرتفعة وسط ما كان سائدًا في أوساط السوريين من إطلاق اتهامات بحق المحايدين. ورفضه (19 في المئة). مع ارتفاع نسبة المتحفظين/ غير المصرحين إلى (25 في المئة).
    ترتفع نسب الموافقة على فكرة التنازلات لدى الفئات العمرية الثلاث بدءًا من الفئة (35- أقل من 50 سنة) (72 في المئة، 80 في المئة، 75 في المئة) على التوالي، ولدى عينة حملة الثانوية (95 في المئة) من إجمالي عددهم، في حين سجلت عينة النازحين أخفض نسب الموافقة (48 في المئة) مقابل رفض (22 في المئة)، وامتناع (30 في المئة) عن إعلان آرائهم.
  • أصبح السوريون أبعد من أي وقت مضى عن التفاهم على حل سياسي يخرجهم من أزمتهم: رفض ذلك (34.8 في المئة)، وامتنع عن الإعلان (27 في المئة). بينما وافق (37.5 في المئة)، وجاءت نسب الموافقة لدى الفئتين العمريتين (20 35) و(35 50) أعلى قليلًا (42 في المئة) و(45 في المئة) على التوالي، مقابل انخفاضها لدى الفئة الأكبر (+65) إلى (25 في المئة) فقط. بينما ارتفعت النسبة بصورة لافته إلى (75 في المئة) من أصحاب الشهادتين (الابتدائية والإعدادية) على خلاف باقي العينات التعليمية الذين كانوا أكثر تفاؤلًا باقتراب الحل.
    وكان المقيمون في الداخل -غير النازحين- أكثر تشاؤمًا بشأن اقتراب الحل للأزمة، فأكثر من نصف عددهم (56 في المئة) عبروا عن موافقتهم على أن السوريين بعيدون عن الحل بتفاهمهم.
  • وحاز بديل “وجود مجلس عسكري توافقي يمكن أن يضبط الوضع الأمني في المرحلة الانتقالية” على تأييد أكثر من نصف العينة الكلية (54 في المئة)، في مقابل ذلك رفضه (29 في المئة) وامتنع (17 في المئة) عن التصويت.
    وكانت أكثر الفئات الفرعية حماسةً لفكرة المجلس العسكري هي الفئة العمرية (35 50 سنة) بتأييد (70 في المئة) منهم للفكرة، تليها عينة حملة الشهادات العليا بنسبة (61 في المئة) من عددها و(60 في المئة) من عينة اللاجئين.
  • وإذا لم يتمكن السوريون من حل مشكلاتهم بأنفسهم فهناك من يرى أن الحل لن يكون إلا بتدخل القوى الأجنبية عند توافقها: أيد هذا السيناريو (57 في المئة) مقابل رفضه من (22 في المئة)، وامتنع (20 في المئة) من العينة الكلية عن إعلان رأيه. من هي العينات التي ترى أن الحل سيكون على يد القوى الأجنبية؟
    يرى ذلك (71 في المئة) من العينة العمرية (35- 50 سنة) وكذلك (70 في المئة) من اللاجئين، بينما سجل غير اللاجئين (المقيمين في الخارج) أخفض نسب الموافقة (52 في المئة) على الفكرة. (انظر الجدول3).



خلاصة واستنتاجات
محور أمن الدولة والمجتمع
تناول محور أمن الدولة والمجتمع تلك الأخطار الناجمة عن وضع القوى الأجنبية الموجودة على أراضي سورية والميليشيات المسلحة الطائفية، إضافة إلى الأخطار الناجمة عن وجود قوى داخلية يمكن أن ترتكب أعمال الثأر وجرائم الخطف. وجميعها تكوّن قوى مهدِّدة لأمن الدولة واستقرار المجتمع.
حاز عدد من بنود هذا المجال على درجات مرتفعة لاتجاهات العينة، عبرت عن اتفاق مهم بين أفرادها بصرف النظر عن طبيعة الاتجاه (إيجابي أو سلبي).
من هذه البنود: رفض شديد لوجود القوات الأجنبية عمومًا، علمًا أن الاتجاهات لم تكن موحدة حيال القوى المختلفة، وكذلك حيال العوامل المهدِّدة لأمن الدولة والمجتمع.
فقد رُفض وبشدّة وجود القوات الإيرانية، وادعاؤها حماية سورية، وكذلك رُفض بوضوح وجود جميع الفصائل المسلحة/ الميليشيات على الأرض السورية.
وقد عبر أفراد العينة عن خوف كبير من احتمالات وقوع حوادث الثأر في المجتمع السوري، فلو حصل، سيكون ذلك بمنزلة ارتداد عن القيم المدنية ودور المؤسسات القضائية في المحاسبة ورد المظالم. وكذلك ارتفع منسوب الخوف من أعمال الخطف، وهي عمليات/ جرائم موجودة في الوقت الراهن في العديد من المناطق من سورية، مع بروز اتجاه قوي يرفض فكرة منح أجهزة أمن النظام أي صلاحيات لحفظ الأمن الداخلي.
وجاءت مواقف/ اتجاهات العينة نحو وجود القوات الروسية، وكذلك نحو القوات التركية على الأرض السورية متأرجحة/ مقلقلة، فجاء رفض وجودها ودورها الأمني أو قبوله غير حاسم، وقد يُفسر ذلك بتأثر المواقف من هاتين القوتين بعوامل من طبيعة أيديولوجية مثلًا: روسيا هي في نظر العديد من السوريين صديقة تقليدية لسورية منذ زمن الاتحاد السوفياتي، والعلاقة مع روسيا اليوم هي امتداد لتلك العلاقة، وخصوصًا في ما يتعلق بمعاداتها للبلدان الغربية/ الإمبريالية، وبمواقفها الإيجابية من قضايا الشعوب!
وقد يعود الموقف غير الحاسم من الوجود التركي لاعتبارات يتصل بعضها بالرابطة الدينية المشتركة، فضلًا عن اعتراف السوريين بقيمة استضافة ملايين السوريين على أراضيها.
ويبقى الموقف من فكرة “قدرة الحل السياسي على ضمان الأمن في البلاد” غير متماسك، فقد حظي بموافقة بدرجة متوسطة؛ ربما يكون موقف جزء من العينة المتشكك في إمكان إنجاز حل عادل وفق القرارات الأممية، أو/ والتشكيك بإمكان تطبيق “العدالة الانتقالية” وإحلال السلم الأهلي سببًا وراء الموقف الوسطي المشار إليه. (انظر الشكل التالي).

معدلات (موافق جدًا + موافق) وفق عبارات أمن الدولة والمجتمع

وحول الثنائيات
وقد رصد محور الثنائيات اتجاهات المشاركين في الدراسة نحو العلاقة بين السوريين، وتوزعوا على طرفين يصل الاتجاه بالاتجاهين -يمينًا ويسارًا- سواء من بقوا داخل سورية أو من خرجوا منها، أو بين “معارضي الداخل ومعارضي الخارج”.
سمح التبصر في اتجاهات العينة إزاء أطراف الثنائيات باستخلاص جملة من الاستنتاجات من أهمها: أن تطورات إيجابية مسَّت اتجاهاتهم فوسمتها بموضوعية أعلى، وتفهمٍ أوضح تجاه ما حدث ما ترك أثره في تقييم بعضهم لبعض، وعلى تحسين قدراتهم على تقديم المبررات والأعذار المتبادلة.
فلم يعد من بقوا في الداخل على سبيل المثال مستمرين في لوم -بل وتخوين- من خرجوا من سورية، وكذلك تقلصت حدّة ثنائية الداخل الموالي والخارج الثوري؛ فالوطنيون موجودون في داخل البلد وفي خارجها. وكذلك خفت حدة الاسقطاب التي ولّدتها ثنائية: معارض خارجي- معارض داخلي، ولم يعد من بقوا تحت سلطة النظام هم الموالون حصرًا، فقد أكدت التطورات اللاحقة أن من كان مواليًا لم يبق كذلك -إلا من كانوا وما زالوا يمثلون النواة الصلبة للنظام- أو خَفَتَ ولاؤه، وكذلك خفّت حدة انفعالات المعارض وتشنجه إزاء الآخرين، وبأن المعارضين للنظام موجودون هنا وهناك.
في حين لم تكن الاتجاهات محسومة إزاء بعض القضايا مثل: الثقة بفئة المحايدين لناحية قدرتهم على أداء دور إيجابي في ردم الهوّة بين طرفي الصراع. فهي لم تنل تأييدًا مرتفعًا، ويمكن ردُّ انخفاض الثقة بهؤلاء لعوامل تتصل بضبابية مواقفهم سواء أكانوا “مع” أو “ضد”، وعليه فقد نالوا لومًا شديدًا من الطرفين. وقد يكمن السبب في ضعف ثقة السوريين بقدراتهم الذاتية على حل المشكلة.
أعتقد أن تدهور الأحوال المعيشة لمن بقوا داخل البلاد، والمبادرات المالية لدعمهم من جانب المقيمين في الخارج، ومن ثم عودة التواصل والتعاطف الإنساني بينهم قد ساهم في كسر -أو تخفيف– تماسك الأفكار النمطية وصلابتها لدى الناس تجاه بعضهم، ما أثَّر في تعديل -أو تغيير- اتجاهاتهم نحو بعضهم البعض. (انظر الشكل البياني التالي).

معدلات (موافق جدًا + موافق) لاتجاهات العينة الكلية بحسب الثنائيات

حول الحلول المحتملة: عُرضت عدة سيناريوهات -حلول- محتملة بخصوص الأزمة السورية، واتجاهات السوريين نحوها.
عبَّر أفراد العينة عن رفض لعدد من الحلول المحتملة بقوة، منها:
احتمال استمرار سورية مقسمة، وكذلك إمكان الحسم العسكري على يد جيش النظام.
في حين اتسمت اتجاهاتهم نحو عدد من السيناريوهات المطروحة بعدم تطرفها (إيجابًا أو سلبًا) ويمكن فهم ذلك في إطار وقوعهم في حالة من التردد، حيال بعض الأفكار نظرًا لحدتها وضعف وضوحها، فقد حظيت فكرة المجلس العسكري بتأييد متوسط مثلًا، وكذلك نالت أفكار: استمرار سورية موحدة! وقدرة السوريين على تقديم التنازلات متبادلة بموافقة معتدلة، إنها موضوعات لا تزال تثير النقاش والخلاف بين المكونات، وكذلك كانت فكرة عدم وضوح آفاق الحل، وبأن الحل سوف يتحقق على يد القوى الخارجية.
وقد برز شيء من التناقض في اتجاهات المستطلعين نحو بعض البنود، على سبيل المثال: نالت فكرة “ضرورة اتفاق السوريين على تغيير سياسي حقيقي” نسبة موافقة عالية (80 في المئة)، في الوقت ذاته نالت فكرة “أصبح السوريون أبعد من أي وقت مضى عن التفاهم” موافقة بنسبة (38 في المئة).
قد يكون التفسير المقبول لذاك التناقض -الظاهري– من خلال النظر إلى بعض الأفكار/ البنود من بعض أفراد العينة على أنها أمنيات تحركها العاطفة بدرجة كبيرة، بينما يُنظَر إلى أفكار أخرى على أنها اتجاهات يغلب عليها البعد العقلي، وهذا مفهوم في حالة السوريين وهم يعيشون حالات نفسية- عصبية محكومة بضغوط شديدة، وبقدر كبير من عدم الاستقرار على صعد الحياة المختلفة (انظر الشكل البياني التالي).

معدلات (موافق جدًا + موافق) اتجاهات العينة نحو محور الحلول

التوصيات
دعوة القوى والشخصيات السورية الفاعلة إلى مزيد من الاهتمام بالتغييرات الجارية في اتجاهات السوريين وأمزجتهم ومواقفهم تجاه أزمتهم، وتقديرها.
التأكيد على أهمية البحث العلمي والتربوي- الثقافي في تنمية التفكير الموضوعي لدى قراءة الواقع السوري بمختلف جوانبه، والترويج لممارسة التفكير النقدي.
متابعة العمل على قياس اتجاهات عينات مختلفة من السوريين وآرائهم، تجاه القضايا المُلحة. والتأكيد على استمرار فحص التغيرات التي تمس قيمهم واتجاهاتهم في سياق شروط معقدة جدًا.

الملاحق

المراجع

1- حامد، زهران. علم نفس نمو الطفولة والمراهقة، (القاهرة: عالم الكتب، 1977).

2- فرانسيس، ت. وماك، آندرو. علم النفس البيئي، عبد اللطيف خليفة وجمعة سيد يوسف (مترجمان)، (الكويت: مطبوعات جامعة الكويت، 2002).

3- الكندري، أحمد مبارك. علم النفس الاجتماعي والحياة المعاصرة، ط1 (الكويت: مكتبة الفلاح، 1992).

4- مرعي، توفيق. وبلقيس، أحمد. الميسر في علم النفس الاجتماعي، ط2، (عمان: مطابع الجمعية العلمية الملكية، 1984).

5- منصور، طلعت وآخرون. أسس علم النفس الاجتماعي، (القاهرة: مكتبة المصرية، 1984).

6- Allport. G. W. The Nature of Prejudice, (Cam Bridge: Addison, Wesley, 1954).

مشاركة: