حول الدين والدولة وسورية المستقبل

غاية البحث ومشكلته

يسعى هذا البحث لإنارة العلاقة بين الدين والدولة العربية الإسلامية عبر تاريخها، ويحاول الإجابة عن أسئلة إشكالية تتعلق بالدولة عمومًا، وبالدولة الدينية خصوصًا، ومنها: هل الدين، في جوهره، فردي أم جماعي؟ وهل كانت الدولة العربية/ الإسلامية دينية بالمعنى الحقيقي للكلمة؟! وما جوهر علاقة الدين بالدولة التي كانت؟! وهل ثمة دين للدولة؟! وما هي مسوِّغات رفع شعار “فصل الدين عن الدولة”؟! ثم َّما وظيفة كلٍّ من الدين والدولة؟ وكيف عالج التشريع الإسلامي ما طرأ من تبدلات جوهرية في حياة المجتمعات الإسلامية؟! فهل أخذ بظاهر النص أم بروحه وتأويله؟ وأخيرًا ما الدولة التي تحتاج إليها سورية وطنًا موحَّدًا وناميًا وآمنًا؟!

مقدمة

لا يزال السوريون من ناشطين سياسيين وحقوقيين ومثقفين مهتمين بالشأن السوري العام، يسعون نحو إيجاد حلول لمعاناتهم اليومية من خلال تطلعهم إلى دولة تحقق لهم طموحاتهم التي خرجوا من أجلها إلى الشوارع والساحات أوائل عام 2011، دولة تنهي نظام الاستبداد الذي قاد البلاد إلى أفق مسدودة.. دولة لا تحكمها شروط دينية أو قومية، أو أي أيديولوجية تؤطر المجتمع، بل دولة تحكم باسم المواطن الإنسان، وتلبي حاجاته المادية والروحية، وتراعي معتقده، وخصوصيته. صحيح أن ملايين الشبان الذين خرجوا من المحافظات كافة، قد أجملوا مطالبهم بمفردتين اثنتين هما: الحرية والكرامة الإنسانية.. لكن المتمعن في محتوى الكلمتين يجدهما تنطويان على مفهوم الدولة الحديثة التي تقوم على مبادئ الديمقراطية تلبية لحاجة المواطن السوري الذي يتطلع إلى عيش كريم، كما غيره من الأمم المتقدمة.. عيش تمنحه الحريةُ الشاملة سبلًا سليمة ترفع عن كاهل الأمة أثقال القمع، وألوان الاستبداد، وأدواتهما اللتين كرستا التخلُّف بأشكاله وألوانه كلها.

لقد عاش السوريون، في عصرهم الحديث، تجارب مرة خلال مسيرة بناء دولتهم الحديثة التي سوف تؤكد هويتهم الوطنية، إذ اصطدمت خطوات تكوُّن الدولة المرجوة باتفاقية “سايكس بيكو”، لكنَّ معالم تلك الهوية سرعان ما أخذت تبرز في المواجهات العسكرية، ثم في النضال السياسي للتحرر من الانتداب الفرنسي (الاستعمار) متجاوزة الحال الطائفية التي حاول الانتداب اللعب عليها، فوقفت الطوائف ذاتها ضده، وقذفت بهوياته الطائفية التي قسَّمت الوطن الواحد الموحد، في وجهه،[1] وكانت أكثر تلك التجارب مرارة، بعد نيل الاستقلال، تلك الانقلابات العسكرية التي تتالت خلال خمس سنوات متناغمة، على نحو أو آخر، مع الحال التي وُسِمت بـ: “الصراع على سورية”، بين الدول الكبرى، ثم لتنعم البلاد السورية بعد ذلك بأربع سنوات اتسمت بالديمقراطية السياسية، وبالتنمية الاقتصادية اللافتة، رافقها نمو اجتماعي وثقافي، امتاز بكثرة صدور الصحف والمجلات، مثّل بعضها أحزابًا سياسية.. ويمكن رد بعض تلك الأحزاب إلى تيارات أيديولوجية نمت وتطورت في أجواء تلك الحرية.. ومنها: التيار القومي بشقيه: العربي والسوري. والتيار الإسلامي والشيوعي، إضافة إلى حزبين تقليديين هما: حزب الشعب، والحزب الوطني، والأخيران غير مؤدلجين ويفوزان بأغلب نواب البرلمان.. وربما عكست تلك القوى جانبًا من الصراع الدولي المحتدم آنذاك.. لكن تلك الأجواء المدنية لم تستمر وربما لها مثالبها استغلها ضباط حزب البعث لتكون الوحدة مع مصر، وعلى الرغم من تأييد الوحدة شعبيًا إلا أن ذلك التطور الذي أطلق عليه “العصر الذهبي” قد قطع.. ولا يزال السوريون يتغنون به، ويطمحون إلى ما يماثله، بعد أن أسقط التاريخ القريب، والواقع المعيش أشكال أيديولوجيا النصوص، وعبدتها! وإن كانت بقاياها لا تزال موجودة لكنها في نزعها الأخير.. وقد برز بعضها، خلال موجة الربيع العربي، وفي أكثر من دولة، وربما لا يزال تأثيرها قائمًا، هنا وهناك، وهو موجود في الصراع المستمر حول الدولة السورية المرتقبة[2].

تعريف عام للدين والدولة

بدايةً لا بدَّ من تعريف موجز لماهية كل من الدين والدولة، ووظيفة كل منهما الاجتماعية والإنسانية، فالدولة خادمة لمجتمعها تنفذ برامج محددة، مبيَّنة بوضوح وجلاء تامَيْن، وتخدم حياة الناس المادية في عيش كريم، وفي تنمية تأخذ بروح العصر، وفق عقد اجتماعي بينها وبين الشعب. بينما الدين حال وجودية/ روحية تتغذى من إيمان الإنسان الفرد بخالقه، وتلتزم بتعاليمه بدفع ذاتي ما يعني أنّه يتم برضاء الفرد المؤمن -كما سيأتي- لا بفرضٍ، يخضع في أحيان كثيرة لتفاسير متباينة.. وواضح أن الدولة تعتني بالجماعة، والدين في جوهره فردي.. والدولة تقوم على رأس شعب معين في أرض محددة.. بينما الدين، وعلى الرغم من علاقته الفردية إلا أنه غير مقيد بدولة معينة، ولا بشعب محدد.. وهو نفحات روحية تمنح الإنسان جرعات قيمية من أخلاق تفترض تحسين التعامل الإنساني بين الناس كافة، وتراعي، في الوقت نفسه، خصوصية كل مجتمع.. يقول الله في قرآنه الكريم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”[3] وهكذا لا يوجد تماثل بين وظائف كل من الدولة والدين، وغالبًا ما تتعدد الأديان وطوائفها في الدولة الواحدة، ما يتطلب مساواة تامة على أساس المواطنة، ويضمن المحافظة على ذلك التنوع.

الدين الإسلامي بين الفرد والجمع

قبل الإشارة إلى آراء بعض المفكرين الإسلاميين، والمتنورين منهم على وجه الخصوص.. لا بدَّ من التذكير بالآية الكريمة: “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا”[4] فإذا كان يوم البعث فرديًا، فمن المؤكد أن العلاقة الإيمانية في الأساس هي مباشرة بين الفرد وخالقه، وليست بحاجة إلى لغة محددة أو وساطة من أحد، فقد انتهت الوكالة أو الرسولية بانتهاء حياة النبي الكريم محمد.

وإذا ما أخذنا بآراء بعض المفكرين الإسلاميين، فإننا نرى كثيرين يؤكدون فكرة أن الدين فردي، وأول هؤلاء، وربما أكثرهم روحانية، المفكر الإسلامي الباكستاني “محمد إقبال” الذي ينقل عن أحد المتصوفة المسلمين قوله: “لا يتيسر فهم الكتاب الكريم (القرآن) حتى يتنزَّل على المؤمن كما تنزَّل على النبي”[5] ويعني أن يقرأه المؤمن كأنما أنزل عليه بالذات.. وهذه (كانت وصية والده له، “اقرأ القرآن كأنما نزل عليك..”) أما “عبد الرحمن الكواكبي”، صاحب طبائع الاستبداد، فيرى أن الدين فرديٌ يكمن في تلك العلاقة الروحية بين الإنسان وربه. إذ يقول بوضوح تام: “الدين ما يدين به الفرد لا ما يدين به الجمع”[6].. وينطوي رأي الكواكبي على نوع من الفصل، بين الدين والدولة، فهو يتابع ذلك، ويقول: “الدين يقين وعمل، لا علم، وحفظ في الأذهان! أليس من قواعد دينكم فرض الكفاية، وهو أن يعمل المسلم ما عليه، غير منتظر غيره؟”[7]، وقريب من ذلك الفهم الواعي للدين ما أشار إليه رجل الدولة الماليزي “مهاتير محمد” ما يشي أيضًا بأنه فصل بين وظيفتي كل من الدين والدولة، إذ قال: “عندما أردنا الصلاة توجهنا صوب مكة، وعندما أردنا بناء الدولة توجهنا صوب اليابان”[8].

نعم إن الدين ليس فرديًا فحسب، بل هو عابر، بروحانيته، نحو عالم الإنسان أينما وجد وحلَّ، ومهما كانت الدولة أو القومية التي ينتمي إليها.

الدولة في سياقها التاريخي

لن نعود إلى تاريخ نشوء الدولة وإلى تنظيماتها القَبَلية الأولى التي أفضت إلى وجود أشكال أوّلية للدولة، ولكن يمكن القول إن ذلك كله ارتبط تاريخيًا بالملكية الكبيرة، وبتطوّر عملية الإنتاج، وبكثرة الداخلين في مجمل سيرورته، وبزيادته وتنوّعه وإخضاعه للتبادل ما فرض تطوير الأنظمة السابقة لتأخذ شكل دولة.. وارتبط ذلك مع بناء المدن والقصور والقلاع واكتشاف الكتابة وارتقاء اللغات وآدابها وانتشار الوعي بوجود مفكّرين وفلاسفة.. ورأى بعض علماء الاجتماع أن الدولة عارضة في تاريخ البشرية، وهي قابلة للزوال! ومن هؤلاء الإنكليزي “فريدريك إنغلز” الذي أشار إلى أن الدولة: “نتاج المجتمع عند درجة معيّنة من تطوّره، وهي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حلّه. وحتى لا تلتهم الطبقات المتناقضة بعضها، اقتضى الأمر قوّة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطّف الاصطدام وتبقيه ضمن حدود النظام.”[9] ويدعم هذا الرأي المفكّر المغربي عبد الله العروي فيقول: “يحظى مؤلَّف إنغلز بتقدير كبير لدى جميع الإثنولوجيين، (علم الأعراق أو الأجناس البشرية) حتى الذين يكرهون الماركسية كدعوة سياسية يحبّذون منهجه الوضعاني، لذلك أخذناه مثالًا على الاتجاه الذي سار فيه الباحثون منذ أواسط القرن الماضي.”[10] وثمّة نظرية أخرى عن الدولة لا تنطلق من الواقع، بل من تصوّر سابق عن خلق الكون والإنسان، وقد شرحها العروي في كتابه “مفهوم الدولة”، وتستند إلى أن الحياة البشرية المادية موقتة، وهي اختبار للإنسان، لينال الحياة الثانية الأبدية الهانئة: “وإن الحياة الدنيا هي بمنزلة تجربة يجتازها المرء ليعرف قيمته، وما يستحق من جزاء في حياة أخرى محجوبة عنه الآن، وغير متناهية”[11].

ولقد تطوّرت الدولة مع تنمية الزراعة، وزيادة الطلب على المنتج الزراعي، وتقدّم الحرفة اليدوية التي تؤمّن أدواتها وحاجات المجتمع، فأخذت شكلها الإمبراطوري إذ قامت وفق نظرية “القوة والصراع”، وإخضاع القوي للضعيف، فضمّت أقوامًا وديانات وعقائد مختلفة، وفرضت على كلّ رعاياها قوانين تصنِّفهم ضمن فئات وشرائح يأتي الحاكم على رأسها، ويأخذ ألقابًا مختلفة مثل: (الملك، الخليفة، الإمبراطور، السلطان، القيصر..) إلى آخر تلك الألقاب. ويلي الحاكم الشرائح الأكثر ثراء من ملّاك الأراضي.. إضافة إلى قادة الجيوش فالتجار والحرفيين.. أما البقية الباقية فعبيد أو شبههم! ولقد ظهر الوعي الديني مع تلك الدول، ونما مع نموّها وتطوّرها، ولعب رجال الدين في تلك الأزمان دورًا مؤثرًا على الصعيدين الروحي والأخلاقي، ليغدو عزاءً لأولئك العبيد، ومن في حكمهم، وقيمة أساسية في بنية جهاز الدولة، وفي حالات كثيرة، كان لرجال الدين دور مباشر في سيرورة الدولة الإمبراطورية وتوجيه قيادتها.

ومع تطوّر الحرفة وتحوّل بعض أدواتها إلى آلات أحدثت تبدلًا جوهريًا في كمِّ الإنتاج ونوعه وزيادة الداخلين في عملياته، فدخلت الدولة، ببنيتها القديمة، في تناقض مع جمهور المنتجين. ومع اكتساب الوعي المعرفي الجديد الذي انعكس على قطاعات أوسع وأشمل، ومع تبدل أسباب صراع القوى البشرية ودوافعه تساقطت الإمبراطوريات القديمة لتحلّ مكانها الدولة القومية، فمن عدة إمبراطوريات حكمت العالم إلى عشرات الدول التي أخذت تنسلخ عنها لتبني حياتها على أسس جديدة، واكتسى مفهوم الوطن وهويته معاني جديدة.. ولم يأت ذلك عفويًا بل عبر حروب دينية، وطائفية استمرّت في القارة الأوربية عقودًا انتهت بمعاهدة: “وستفاليا” 1648 التي حلّت ذلك التناقض على نحو دموي، وأفضت إلى الدولة القومية، لتبدأ في التطوّر وصولًا إلى ما يعرف اليوم بـ “الدولة العصرية” التي نشأت على مفهومات أرقى وأشمل.. مفهومات الحرية، والمساواة الكلية وفق قوانين ترعى مصالح المواطن الفرد، بغض النظر عن انتمائه الديني أو القومي أو معتقده، ما يعرف اليوم بـ: “دولة المواطنة” التي تسمح بتداول السلطة، وفق مبادئ الديمقراطية، وقاعدتها الشعب، بطبقاته وفئاته كلها، ومن دون أيّ تمييز بينها. وتستند دولة اليوم إلى عقد اجتماعي طرفاه الحاكم والمحكوم لتأمين وئام اجتماعي، يحقق نموًّا شاملًا يزدهر باستمرار، ويدعمه اقتصاد قوي، وعلم متقدّم يسابق عصره.. ولابد للعقد الاجتماعي من أن يمنح السلطة القضائية التي تقوم على تطبيقه، الاستقلاليّة التامة عن أي سلطة تنفيذية[12].

هل ثمة مشكلة عندنا بين الدين والدولة؟

يمكن القول إنه لم يكن ثمة مشكلة بين الدين والدولة على مدى تاريخ الدولة العربية/الإسلامية منذ نشأتها في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، فإذا كانت الدولة قد تماهت بالدين مع تشكل فكر الإسلام، وثقافته خلال حياة النبي، وبداية العهد الراشدي، أي زمن الخليفتين أبي بكر وعمر. وعلى نحو أقل زمن الخليفتين عثمان وعلي.. وإذا كان أمر الخلافة قد أقرَّ في اجتماع السقيفة، بتولية أبي بكر، ووأد الخلاف الذي كاد أن يقع بين المهاجرين والأنصار.. وكان لقوة شخصية عمر دور في حسمها مستندًا إلى قرب أبي بكر من النبي، وصدقه في ملازمته وسيرته، فإن أمرها، فيما بعد فترة الحكم الراشدي، خضع لصالح الفرد وقوة القبيلة، ودهاء بعض الساسة ممن أدّوا دورًا في وأد الخلاف بين فخذي قريش: “الأموي” و”الهاشمي”، بتولّي “معاوية بن أبي سفيان” الخلافة، أي رئاسة الدولة بعد مقتل الخليفة علي بن أبي طالب.. ولم يكن الخلاف قد برز، أصلًا، على أساس فكرة دينية، وإن تجلَّى في مسألة التحكيم، ورفع القرآن الكريم حكمًا، لكن من غير بيان أيِّ معنى لذلك الرفع، أو دليل يبرره، أي من دون الإشارة إلى آية قرآنية محددة يجري الاحتكام إليها. ما أكد أنَّ سبب النزاع سياسي، غايته التمكُّن من الحكم.. فما حدث بعد ذلك أن المنتصر هو مَنْ تولى شؤون الحكم، وهو الذي أخذ يمنح الوظائف الدينية لفقهاء الدين، كالفتوى والقضاء والوقف، وإمامة المساجد. وكأنَّما جرى نوع من التحالف الضمني، بين الدولة والدين. أو لنقل: هو فصل محددة معالمه، واستمرت تلك الحال إلى يومنا هذا. ولم يشعر أحد من المسلمين أنَّ الدولة غير إسلامية، أو أنها سلبته دينه، أو فرضت عليه ما يخالفه.

وقد تجدد مثل هذا الحلف الضمني بين الدين والدولة في العصور الحديثة، إذ أقيم تحالف عرف بميثاق الدرعية عام 1944″[13] “وكان طرفاه: الأمير محمد بن سعود”[14]، أمير الدرعية في شبه الجزيرة العربية وبين رجل الدين “محمد بن عبد الوهاب[15]، وهكذا كانت السياسة من نصيب الأمير الحاكم، بينما تولى الشيخ الفقيه شأن الدين.

إن موضوعة الدولة الإسلامية أو مفهومها لم تظهر إلا في العصر الحديث، وبالتحديد مع حضور الإسلام السياسي الذي أتى خلال معارك فكرية دارت حول مسألة التنوير الديني وتجديد بنية الدولة الوطنية بمفهومها الحديث الذي فرض نفسه بعد سقوط كبريات الدول التي كانت تضم شعوبًا متعددة القوميات والأديان، في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918.. فالدولة الحديثة تقوم على أساس الشعب الواحد، والهوية الواحدة، وتأخذ بحركة التاريخ، وروح العصر، ومعطياته، وتساوي قوانينها بين مواطنيها كافة.

ولقد أتى الإسلام السياسي ليلغي من تاريخ الحكم في البلاد العربية/الإسلامية 1400 سنة خلت، متجاهلًا بذلك حقيقة أن لا دولة دينية في الإسلام، ولا نصوص قرآنية تشير إلى ذلك على الإطلاق. ولعلَّ مفهوم الدولة الإسلامية أكثر ما شغل اهتمام مفكرين إسلاميين كثر، ومنهم الشيخ الأزهري والقاضي الشرعي “علي عبد الرازق” الذي نفى قيام دولة دينية في التاريخ الإسلامي كله، أو وجودها في أصول النصوص القرآنية أو في أيٍّ من تراث الخلافات الإسلامية، إذ يقول:

“لم نجد، فيما مرّ بنا من مباحث العلماء الذين زعموا أن إقامة الإمام فرض، من حاول إقامة الدليل على فرضيته بآية من كتاب الله الكريم.. ولعمري لو كان في الكتاب دليل واحد، لما تردّد العلماء في التنويه والإشادة به”[16].

أما “الإسلام السياسي” والقائلون بفكرة الدولة الدينية، فأكثر من نظَّر إليها هو المفكر الإسلامي “سيِّد قطب” فهو يرى أن لا إسلام مستقيم من دون حكم نظم الإسلام، وتشريعاته المختلفة، إذ يقول: “لن يستقيم هذا الدين في عزلة عن المجتمع، ولن يكون أهلُه مسلمين، وهم لا يحكِّمونه في نظامه الاجتماعي والقانوني والمالي..”[17] وهو يقول ذلك على الرغم من قوله بفردية الصلة بين الإنسان وربه ونفي الوساطة بينهما، ويؤكد الصلة المباشرة بين الإنسان الفرد وخالقه، ثم كيف يكون الدين الإسلامي في عزلة عن المجتمع؟ وفي حياة المسلم الفرد ما يُعزِّز علاقته بمجتمعه، وأعني بذلك الصلوات الخمس يوميًا وصلاة الجماعة، مفضلة دائمًا، وغالبًا ما يتبع صلاة الفجر تحديدًا درس أو حوار وأجوبة على أسئلة حول قضايا تخص الفرد والمجتمع، ثم إن صلاة الجمعة فيها خطبة غالبًا ما تتعرض لشؤون المسلمين من خلال أحكام الدين، وتستعرض قيمه من القرآن والحديث، وتدعو إلى تمتين العلاقات الاجتماعية.. ويؤكد “سيد قطب”: “أن الإمام المسلم يباشر سلطته من الجماعة المسلمة”، ويربط ذلك كلَّه بفقه الجماعة للشريعة، وفهمها، ثم تنفيذها، إذ يقول: “والإسلام لا كهانة فيه ولا وساطة بين الخلق والخالق، فكل مسلم في أطراف الأرض، وفي فجاج البحر، يستطيع بمفرده أن يتصل بربه، بلا كاهن ولا قسيس، والإمام المسلم لا يستمد ولايته من “الحق الإلهي”، ولا من الوساطة بين الله والناس، إنما يستمد مباشرته للسلطة من الجماعة الإسلامية، كما يستمد السلطة ذاتها من تنفيذ الشريعة التي يستوي الكل في فهمها وتطبيقها متى فقهوها، ويحتكم إليها الكل على السواء”[18] ويترك الاقتباس سؤالًا مهمًا هو: من هي تلك الجماعة التي تفقه الشريعة، وتفرضها على الجميع؟! وماذا عن المذاهب، والطوائف، والطرائق، وما أكثرها في الدين الإسلامي، فهل تخرجها الجماعة منه؟ ومن ثم، تخضع المجتمع المسلم بكامله لشرعها، أو تخرجه كليًا..

إن تلك الجماعة لا يمكن أن تفهم إلا على أنها جماعة سياسية مثل غيرها التي تنتشر اليوم، أحزابًا، وميليشيات تخضع لقوى ودول، تحت شعار تطبيق شرع الله، وكأنما لديها وكالة عامة من لدنه، وعلى المسلمين التقيد بفقهها، إرهابًا وبقوة السلاح..

الشرع الإسلامي في خدمة الإنسان

نزل الإسلام على بني الإنسان كافة، وكثيرًا ما نجد القرآن يخاطب الناس مباشرة من دون أي صفة خاصة أخرى، وهكذا خاطب النبيُّ الناسَ، وكثر ذلك في خطبة حجة الوداع، في إشارة منه إلى أن الإنسان الفرد مقصود، وهو المعني دائمًا.. وما قيمة الدين، إن لم يكن الإنسان جوهر هدفه، ومنتهى غايته. كما أنَّ استواء حياة الناس، وعلاقاتهم في الأمن والسلم، والعدالة الاجتماعية، هي المعيار الأساس لماهية الدين الإسلامي.. يرى المفكر الإسلامي السوداني “محمود محمد طه”[19] أن الإنسان الفرد المسلم هو الغاية، وما عداه وسيلة لا غير، إذ يقول: “إن الفرد في الإسلام هو الغاية وكل ما عداه وسيلة إليه، بما في ذلك وسيلة القرآن والإسلام، تستوي في ذلك المرأة مع الرجل مساواة تامة.. وهذا يعني أن الفرد البشري امرأة كان أو رجلًا، عاقلًا كان أو مختل العقل، يجب ألا يتخذ وسيلة إلى غاية وراءه، وإنما هو الغاية التي تؤدى إليه جميع الوسائل.”[20].

ولا نتحدث هنا عن مرجعية النص قرآنًا وحديثًا فذلك أمر بدهي، ولكننا نود الإشارة إلى حركة الحياة، وتبدل حوادثها، وما تأتي به من جديد يشمل نواحيها كافة. ما قد يتطلب تحديثًا في بعض جوانب التشريع ينطلق من روح النص، وحاجة الناس. ولا شك في أن ذلك يحتاج إلى عقل راجح، وفهم عميق لروح الدين. ولعلنا نلمح ومضات من ذلك في تاريخنا الإسلامي.. ومنها، بل أبرزها حادثة تقسيم أرض السواد بعد فتح بلاد فارس وتحرير العراق، فهل تقسَّم على الجند بعد اقتطاع الخمس، كما كان يفعل النبي الكريم، أم تترك ليستفيد منها المشتغلون بها؟! فقد اختلف في شأنها الصحابة خلال فترة الخليفة عمر بن الخطاب. فذهب “بلال وعمرو بن العاص والزبير بن العوام وغيرهم إلى المطالبة بالقسمة، فيما ذهب علي بن أبي طالب وعثمان ومعاذ بن جبل وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة وعبد الله بن عمر بألا تقسَّم الأرض كما أجمع الأنصار على ألا تقسَّم أيضًا..”.[21] وكان أن “سأل بلال وأصحابه عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قسمة ما أفاء الله عليهم من العراق، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها، كما تقسم غنيمة العسكر، فأبى عمر ذلك عليهم، وقال: قد أشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء، ودمه في وجهه، واستند عمر -رضي الله عنه- بعدم التقسيم من القرآن الكريم في الآيات الآتية: “ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم..”[22] ويتضح أنَّ الخليفة عمر رأى “أن الغنيمة إذا كـبرت صارت في حكم الفيء، والأمر هنا يتعلق بأرض كبيرة شاسعة، وربما رأى أيضًا أن القاعدة التي وردت في آية الفيء: “كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم” قاعدة عامة، فالأرض كما قال: هي عين المال، أي أصله”[23].

إن ابن الخطاب لم يستند، في الحقيقة، إلى تلك الآية فحسب، على الرغم من أنها تكفيه، لكنه استند إلى إرث من الأحكام شهد النبي الكريم يستبدل بها أحكامًا أخرى جاءت أكثر توافقًا مع مصلحة الناس، وفي أحيان كثيرة بناء على احتجاج من تضرر منها، ويورد الدكتور محمد حبش بعضًا منها فيقول:

“فإذا كان النبي الكريم وهو مصدر التشريع يصدر عنه الحكم مرارًا ثم يراجع فيه، ويقر عشرات المرات بأن غير ما قضى به كان أحكم، وفي سياق قريب من ذلك، نذكر مسألة تحول القبلة مرتين، ومسألة أسرى بدر، وندمه على ما قضاه بشأنهم، بعد عتب القرآن الكريم عليه، وإذنه للمتخلفين ثم مراجعة القرآن له، وإباحته لحوم الحمر الأهلية، ونهيه عنها، وإباحته للمتعة ثم نهيه عنها، ومنعه من ادخار لحوم الأضاحي ثم إباحته لها”[24].

ويعدد الدكتور حبش مواقف أخرى كثيرة، ويعلق على ذلك: “إنه النبي الذي أعلن ختم النبوات، ونهاية الاتكاء على السماء في بناء الأرض..” و”إنه نهاية عصر الخرافة، وبدء عصر العقل”[25].

الإسلام وتغير الأزمنة واختلاف الشعوب

ما واجهه “عمر ابن الخطاب” شغل تفكير المسلمين المتأخرين، وخاصة أنَّ تطورات كثيرة جرت في حياة المجتمعات الجديدة، وفي سبل عيشها، ما تطلب بناء جديدًا للدولة الحديثة، ليس ذلك فقط، بل إن الإسلام دين للبشرية جمعاء، على اختلاف عاداتهم وتقاليدهم وأنماط عيشهم، فكيف تواجه كل تلك المتغيرات؟! هذه القضية شغلت كثيرًا من المفكرين المسلمين، ومن بينهم الشاعر والمفكر الإسلامي، “محمد إقبال”[26] الذي ساهم فكريًا وفلسفيًا عبر كتابه “تجديد الفكر الديني في الإسلام”، إذ ناقش فيه أهمية مواكبة الدين الإسلامي للمتغيرات الزمانية، أو الدنيوية، وقد أشار، في نوع من الإعجاب، إلى تجربة “محمد بن عبد الوهاب” (في بداياتها)، كما أعجب بالتجربة التركية، ورأى أن الإسلام ينطوي على أمرين هما: الثابت والمتغير فالثابت هو الحق أي (الله) بينما المتغير هو خلقه الكلي، وعلى ذلك فهو يؤيد الاجتهاد التركي إذ “إن روح الإسلام تجيز إسناد الخلافة، أو الإمامة إلى جماعة من الناس، وإلى مجلس منتخب”[27] ويؤكد مساواة المرأة بالرجل في التجربة التركية، إذ يقول: “ينبغي ألا يستنتج من اختلاف الأنصباء الشرعية أن القاعدة تفترض تفوق الرجل على المرأة ويجتزئ من (سورة البقرة، الآية 228): “ولهنَّ مثلُ الذي عليهن بالمعروف”[28] من دون تجاوز للشرع مستندًا إلى تفسير “النسفي” للمماثلة بقوله: “الواجب في كونه حسنة لا في جنس الفعل، وللرجال عليهن زيادة في الحق وفضيلة القيام بأمرهنَّ”[29].

وينتقد “إقبال” عملية التوقف عن الاجتهاد في التشريع الإسلامي ويرد أسبابها إلى ثلاثة أمور أولها: أن الخلاف الذي نشأ بين التيار العقلي الذي ينكر قدم القرآن إذ عدَّ ذلك صورة من صور المسيحية التي تقول في البدء كان “الكلمة”، وبين خشية جمهور المسلمين بعد استقرارهم على المذاهب الأربعة التي كانت قد تشكلت (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي)[30]. من الوقوع في اللبس أو فقدان ما تملكوه روحيًا وإرشاديًا.. وثانيها: انصراف أذكياء المسلمين (الذين يعملون عقولهم) إلى التصوف، وهؤلاء يقتربون في ميزاتهم الفكرية من العقلانيين. أما ثالثة الأثافي فكانت في تدمير التتار للحضارة الإسلامية وإحراقهم مكتبة بغداد التي فيها كامل تراث علماء المسلمين.

ويرى مصلحة الإنسان في استمرار الاجتهاد ويرى السبيل إلى ذلك عقل الإنسان المسلم الذي يتمثَّل النبوة ذاتها إذ يستحيل أن تقاد البشرية على مر الأزمان واختلاف البلدان، فيقول:

“إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدًا إلى الأبد على مقود يقاد منه.. وأن الإنسان لكي يحصل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على رسائله هو.”[31] ويتابع إقبال مشيرًا إلى أهمية عقل الإنسان وإمكانية تمثُّله للنبوة فيقول:

“.. ومناشدة القرآن للعقل على الدوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأولين من مصادر المعرفة الإنسانية ذلك كله صور مختلفة لفكرة انتهاء النبوة”[32].

ويسترسل محمد إقبال في شرحه فكرة عمومية الرسالة الإسلامية، على اختلاف لغات الشعوب وعاداتها وتقاليدها وتباعد أوطانها، وعدم إمكانية تبليغها مبادئ مختلفة، فهو معني بإبلاغ مبادئ عامة لأمة معينة، تكون نواة لرسالة عالمية، تطبق في ضوء تلك الاختلافات الطبيعية، فيقول:

“.. أما النبي الذي يستهدف مبادئ عامة شاملة، فإنه لا يستطيع أن يبلّغ مبادئ مختلفة إلى شعوب مختلفة ولا أن يترك لهذه الشعوب أن يضع كل منها قواعد السلوك الخاصة به.. والطريقة التي يتبعها النبي هي أن يعلم أمة معينة، ويتخذ منها نواة لشريعة عالمية.. وهو في هذه الحال يؤكد المبادئ التي تنهض عليها للبشر جميعًا ويطبقها على حالات واقعية في ضوء العادات المميزة للأمة التي هو فيها”[33].

وفي تناغم واضح، يذهب الدكتور محمد حبش فيشير إلى أن وعي المسلمين تاريخيًا، يأخذ في التأويل فيقول: “إن الوعي الإسلامي يتعامل منذ قرون مع النص القرآني بالروحية نفسها التي يتعامل بها المسيحي مع نصوص الإنجيل بـ: الاحترام والتقديس والترتيل.. ولكن عند التشريع فالتأويل حاضر، والحكم في النهاية للعقل، والخبرة، ومصلحة الناس، إلا إذا قرر الاستبداد غير ذلك..”[34] ولا خروج عن جوهر شرائع الدين، فذلك يحصل بوعي من أئمة الدين وإرادتهم.

دولة تعيد الوحدة والوئام لسورية المستقبل

مما تقدم يتبين أن العلاقة بين الدين والدولة في معظم البلاد العربية والإسلامية، ومنها سورية، على نحو خاص، هي: بين.. بين، أي يمكن القول: إنَّ الدين مفصول جزئيًا عن الدولة، بيد أنه حاضر في المجتمع، وفي أساسيات تشريع الحكومات المتعاقبة وروحية النصوص وتأويلها، فمنذ الخليفة عمر ابن الخطاب إلى اليوم، يستند فقهاء المسلمين إلى العقل، وروحية النص، والتأويل ومصلحة المسلمين، يؤكد ذلك الدكتور محمد حبش فيعدد أكثر من خمس عشرة دولة قامت في بلاد الإسلام شرقًا وغربًا على مدى 1400 عام، ويشير إلى أن 54 دولة إسلامية من أصل 57 تأخذ اليوم بالتشريعات الوضعية.[35] ولتلك الدول علاقات جيدة فيما بينها وتعقد مؤتمرات لها كل فترة ولا أحد يزعم أن الدين غائب، لكن الإسلام السياسي وحده يزعم غير ذلك.

إذًا لندع الدين لطهر المؤمنين ونقائهم، ولنترك السياسة لتدافع عن حقوق الشعب التي تحكم باسمه وتتبنى إصلاح عيشه، وتدافع عن حريته وكرامته.. لندعها للمصالح التي غالبًا ما ترتبط بالقادة أنفسهم، هؤلاء الذين يتقنون فنّ المراوغة والمخادعة، وتبديل السبل والغايات بين عشية وضحاها، وكذلك يستبدلون العداوات بالصداقات أو العكس، ولكي تجري محاسبتهم عند الإخفاق لا محاسبة الدين.

أما إذا التفتنا إلى الدولة السورية الحديثة، فمنذ حكومة الملك فيصل عام 1920 رفع السوريون شعار “الدين لله والوطن للجميع”[36]، وما تبعها من حكومات وطنية وزعامات نضالية ضد الانتداب الفرنسي كانت تسير وفق قوانين وضعية وفي الوقت نفسه، لا تعادي الدين، ولا تسيء له.. وكان التلاحم الديني، وواقع حيادية الدولة تجاه الأديان، والطوائف كافة، هو السائد، فالقضية الوطنية هي التي علت فوق غيرها، واستمر هذا النهج إلى ما بعد انقلاب آذار 1963 وبتأثير من أجواء عالمية يسارية جاءت حكومة للبعث، فكتب ضابط يدعى “إبراهيم خلاص” وكان رئيسًا لإدارة التوجيه المعنوي، مقالةً في جريدة جيش الشعب بتاريخ 25 نيسان 1967 جاء فيه: “.. إن الله، والأديان، والإقطاع، ورأس المال، والاستعمار، والمتخمين، وكل القيم التي سادت المجتمع السابق، ليست إلا دمى محنّطة في متاحف التاريخ.. إذ ليست هناك سوى قيمة واحدة، هي الإيمان المطلق بالإنسان الجديد الذي لا يعتمد سوى على نفسه، وعمله، وما يقدِّمه للبشرية جمعاء”[37].

وكان أن تفجر الصراع الديني البعثي وعمَّت المظاهرات دمشق. ليأتي حافظ الأسد عام 1970 بعنوان “الاعتدال”، فتقارب مع تجار دمشق، وبعض رجال دينها[38]، إضافة إلى أن حافظ الأسد نال تأييدًا عربيًا ودوليًا عنوانه القبول بالقرار 242 الذي يقضي بانسحاب إسرائيل من أراض احتلتها عام1967وهكذا أبعدت حكومة البعث اليسارية التي تنادي بحرب التحرير الشعبية، يقول الدكتور حبيب حداد “والمفارقة هنا أن وزير الدفاع كان يعارض استمرار التنسيق السياسي والعسكري مع الشقيقة مصر تحت زعم أن “عبد الناصر” قبل بقرار مجلس الأمن رقم 242، كما قبل بعده بمشروع “ويليام روجرز” وزير الخارجية الأمريكي في إدارة “ريتشارد نيكسون” عام 1969 الذي يتضمن وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، والمباشرة بعدها بالعمل على تطبيق القرار 242″.[39] لكن الأسد اتخذ نهجًا دكتاتوريًا أقصى خلاله الجميع معتمدًا على ضباط مقربين منه، وكان قد تورط في أعمال عنف ضد جماعة “الإخوان المسلمين”، في عقب أحداث حماة، أوائل الثمانينيات، وقد تجاوزت ردّة فعلها جماعة “الإخوان المسلمين” إلى المجتمع السوري السني في عدد من المدن السورية، وقبل ذلك كانت أحداث جامع السلطان، و”جماعة مروان حديد” في حماة إذ اقتحم الجيش حرمة المسجد بالدبابات، ما شكَّل حالة احتقان طائفي برزت بوضوح خلال الثورة السورية، واستغلتها تنظيمات متطرفة، وبمساهمة من أطراف عربية وإقليمية، لا يزال تأثيرها قائمًا إلى الآن، يلقي بظلاله على الحوارات السورية الجارية حول سورية المستقبل.

إن ذلك كله لا يعني أن التغيير الحاصل في حياة الناس المعاصرة، لا يتطلب حلولًا لمشكلات تجاوزها الزمن ومنها قضايا اجتماعية وسياسية فرضها واقع جديد.. ومن ذلك ما يتعلق بتعدد الأديان والطوائف، وبدين الأغلبية ومذهبها.. ومنها ما يتعلق بحقوق الإنسان وخاصة المرأة التي كثيرًا ما يجري تنازع حول قضاياها.. وثمة خلاف حول الفائدة البنكية لما لها من تأثير قوي في التنمية الاقتصادية.. وربما من هنا، لم يلقَ شعار فصل الدين عن الدولة تشجيعًا، وربما يعطي ردّات فعل سلبية تعيق عملية التوجه نحو دولة الديمقراطية والمواطنة التامة والعدالة الاجتماعية، وتحييد الدولة عن الأديان كافة، وفي هذه الحال يمكن أن يتضمن الدستور حرية ممارسة الشعائر الدينية مع عدم تشكيل أحزاب دينية لأنها في هذه الحالة تتناقض مع الحال الاجتماعية إذ يكون الدين مرجعيتها ما قد يفتح مجالًا، لا للتطرف فحسب، بل إن تأثيره الأخطر سوف ينعكس على وحدة الهوية السورية، وتماسك أطرافها ومكوناتها.. يقابل ذلك تمكين المواطنين كافة من تشكيل أحزاب سياسية وطنية وتنموية جوهرها خدمة الشعب والوطن..

سورية المستقبل والدولة الضامنة

إن الذهاب إلى أبعد مدى نحو دولة المواطنة التي يتساوى مواطنوها فعلًا لا قولًا، والنامية على غير صعيد، بما في ذلك الجوانب الإعلامية والثقافية.. دولة مواطنة لا تمييز فيها على أيِّ أساس كان.. دولة تستند إلى عقد اجتماعي واضح المعالم.. ودستور محكم في دقة مواده، وفي وضوح القوانين التي تفسره، إذ لا تسمح صياغته بتجاوزه تحت أي زعم أو تأويل.. ويمكن أن تكون هناك منظمة مجتمع مدني حقوقية ذات خبرة، يمنحها الدستور صفة المراقبة، والتنبيه في حال حدوث خلل في أثناء صياغة القوانين أو تطبيقها، وذلك ينسجم مع مجتمع الديمقراطية الذي يتسم بوجود منظمات مجتمع مدني متعددة التخصصات والأهداف، تردف الحكومة وتقرب ما بينها وبين المجتمع إضافة إلى الإعلام الحرٍّ.. ومن البديهي أن نشير إلى أن هذه الدولة تسمح بتداول السلطة، وبفصل السلطات، واستقلال القضاء.

إن مثل هذه الدولة كفيلة بجعل المواطن ينحاز إليها، وإلى قضاياه الملحة التي يفرضها الواقع، ويدخل الدولة ومواطنها في حضارة العصر القائمة على علوم تتجدد وتتفرع، في تكامل واتساق، وتكنولوجيا تسابق الزمن، وتتناغم مع تنامي ذكاء الإنسان وإبداعه.

ويبقى، في حالتنا السورية، التفكير الجدِّي بأمر نظام الحكم الذي يلائم التنوع السوري القائم، فما أراه اليوم، هو النظام اللامركزي الذي يتيح لمجالس المدن وفق صلاحيات محددة إيجاد حلول مجدية لمشكلات مدنهم، لقربهم من واقع الناس، ومعرفتهم بالخصوصية التي تميِّز سكان هذه القرية أو المدينة أو المنطقة، وبحاجات كل منها، وأكان الأمر قد تعلق باستكمال شروط الهوية السورية[40] تعزيزًا للروح الوطنية، أم بحسن اختيار مشروعات التنمية، بحسب الضرورة والأهمية، وبذلك يتحقق تكافؤ بين المدن، وتعمم مزايا الإبداع والنجاح.. إضافة إلى توفر إمكانية أكبر لمجابهة حالات الفساد، إن وجدت، ولا بد من أن يتضمن الدستور حدود صلاحية كل من المركزي واللامركزي وعدم تجاوز المركزي.

إنَّ اختيار النظام اللامركزي يبعد أخطار شبح التقسيم الذي ربما يسهِّله نظام “الحكم الذاتي” أو “الفيدرالي” في بلد غدا هشًا، بعد أكثر من عشر سنوات اقتتال، وتنازع نفوذ دولي، واحتلال، وثمة محاولات جدية للتقسيم.. كما أنَّ اعتماد نظام تقاسم السلطة على أساس المكونات هو شكل من أشكال الاستبداد وقد أثبت إخفاقه في كل من لبنان والعراق، وقاد البلدين إلى الارتهان والدمار.

خلاصة وخاتمة

وهكذا يكون البحث قد أجاب عن أسئلته المحددة من خلال مناقشته لمسألة الدولة الدينية عبر تاريخ الدول التي قامت باسم الإسلام، خلال القرون الأربعة عشر التي مرت، فلم يجدها دولة دينية بالمعنى الحقيقي، ولم يجد مسوِّغات دينية لها، كما يطرحها الإسلام السياسي اليوم، وناقش البحث أساس فكرة الدين في توجهها إلى الإنسان الفرد، لا إلى جمع محدد، وبيَّن البحث وظيفة كل من الدين والدولة، وغاية كل منهما، كما أظهر أن لا دين للدولة، بل إنها جامعة لأديان وطوائف وقوميات، وأن شكلها متبدِّل، مع تبدل أمكنة الناس، وأزمانهم، واختلاف عاداتهم، وتقاليدهم، ونشاطهم الحياتيّ، وبيَّن البحث أن الدولة ليست غاية الدين، بل غايتها تلبية حاجات المجتمع، وفي هذا السياق لحظ البحث، أن تشريعات أغلبية الدول الإسلامية اليوم هي وضعية، بيد أنها تأخذ بروح النص الديني، وبما يوافق العقل ومصلحة الإنسان..! وأكد أهمية الاجتهاد في مجال التشريع وأتى بأمثلة من التاريخ.. واستعرض البحث بإيجاز تاريخ الدولة وصولًا إلى الدولة الحديثة القائمة على مبادئ الديمقراطية، كما حاول استشفاف أي نظام ديمقراطي يلائم سورية المستقبل ويمكنه أن يحافظ على وحدة شعبها وأراضيها وتنميتها، ويراعي، في الوقت نفسه، حقوق المواطن الفرد، فوجد أن النظام “اللامركزي” هو الأفضل للوضع السوري في هذه المرحلة.

المراجع / المصادر:

1– حبيب حداد، النهضة المعاقة، ط1 (دارنون4، 2020).
2– سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، (بيروت: دار الشروق، 1995).
3 عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد، (القاهرة: دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، 2013).
4– عبد الله العروي، مفهوم الدولة، ط10 (المغرب- الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2014).
5– عدنان حلو، سورية الخمسينيات: الديمقراطية المغدورة، من عسكر الدولة إلى دولة العسكر (غازي عينتاب: دار نون، 2015).
6– علي عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم، بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، ط 2 (مصر: مطبعة مصر- شركة مصرية مساهمة، 1925).
7– محمد إقبال، تجديد التفكير في الإسلام، عباس محمود العقاد (مترجم) ط2 (القاهرة: دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع، منتدى العقلانيين العرب، 2000).
8– محمد حبش، نور يهدي لا قيد يأسر، ط1 (الإمارات- الشارقة: مركز الدراسات لبحوث التنوير والحضارة، 2021).



1
عدنان حلو، سورية الخمسينيات، “الديمقراطية المغدورة، من عسكر الدولة إلى دولة العسكر” (غازي عينتاب: دار نون، 2015)، ص15.

2– تخوض قوى موجات الربيع العربي وشعوب المنطقة صراعات مرة مع ألوان من تيارات “الإسلام السياسي”، خاصة المتطرف منه وقد تسبب بعنف غير مسبوق خصوصًا في العراق وسورية. (إشارة من الباحث).

3– (سورة الحجرات، الآية 13).

4– (سورة مريم، الآية 95).

5– محمد إقبال، تجديد التفكير في الإسلام، عباس محمود العقاد (مترجم) ط2 (القاهرة: دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع، منتدى العقلانيين العرب، 2000)، ص 214.

6عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد، (القاهرة: دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، 2013)، ص98.7- المرجع نفسه، ص98.

78- مهاتير محمد، “30 قولًا”، موقع حكم نت.

8

9– هزاب حفيظة، “قراءة في كتاب: أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة لـ: فريدريك إنغلز”، 8 كانون الثاني/ يناير 2022، مركز تكامل للدراسات والأبحاث. https://2u.pw/uRQvI5

10– عبد الله العروي، مفهوم الدولة، ط10 (المغرب- الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2014)، ص82. https://2u.pw/2MPRUn

11– المرجع نفسه.

12– صادق جواد سليمان، استنارة بمقالة “الدولة العصرية، والدولة المعاصرة”، موقع ديوان العرب، 20 حزيران/ يونيو 2012.: https://2u.pw/XmXJzm

13– ميثاق الدرعية بإيجاز: سار الأمير محمد بن سعود، إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، في بيت ابن سويلم. ورحب به قائلًا: “أبشر ببلاد خير من بلادك. وأبشر بالعز والمنعة”. فقال الشيخ: “وأنا أبشرك بالعز والتمكين. وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد”. وكي يستوثق الأمير أضاف: “يا شيخ، إن هذا دين الله ورسوله، الذي لا شك فيه. وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد. ولكن أريد أن أشرط عليك شرطَين اثنَين: الأول: نحن إذا قمنا بنصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا. والثاني: إن لي على الدرعية قانونًا (أي ما يدفعه الضعيف إلى القوي، ليحميه ويدافع عنه) آخذه منهم، في وقت الثمار، وأخاف أن تقول، لا تأخذ منهم شيئًا”. فأجاب الشيخ:”أيها الأمير أما الأول، فابسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم.. وأما الثاني، فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها”. “الموسوعة، قسم أحداث تاريخية، الدولة السعودية الأولى (1744- 1818م)”. https://2u.pw/cMKeeBD

14– محمد بن سعود بن محمـد بـن مـقـرن (1090 هـ 1679) م، ونشأ وترعرع في ” الدرعيـة ” واستفاد من التجربة التي خاضها في شبابه حين عمـل إلى جانب والده في ترتيب أوضـاع الإمـارة، ويعد امتدادًا لتاريـخ أسلافه الذيـن بنـوا الدرعيـة وحكموها، وانتقـل بـهـا مـن دولة المدينة إلى دولـة واسعـة، وتولى الحكـم في أوضـاع استثنائية في (1139 هـ 1727م)؛ فقـد عانت الدرعيـة قبيـل توليه الحكم من ضعف وانقسام لأسباب متعددة لكن تخطاهـا، وقد وحـد الدرعيـة، ونشر فيها الأمن والاستقرار. “البوابة العلمية/أم القرى”. https://2u.pw/so92CmR

15– محمد بن عبد الوهاب.. (1703- 1791) ويقال: (الوهيبي) نسبة إلى جده وهيب جد الوهبية ويقال: (التميمي) نسبة إلى تميم أبي القبيلة الشهيرة.. نشأ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نشأة علمية؛ فأبوه قاض كان يحثه على طلب العلم، ويرشده إلى طريق معرفته. أما جوهر دعوته ففي العودة إلى الأصول الإسلامية، وتخليص الدين مما علق به من شوائب ليست منه. “الدولة السعودية.. مصدر سابق”.

16– علي عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم، بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، ط 2 (مصر: مطبعة مصر- شركة مصرية مساهمة، 1925) / ص 13/14.https://2u.pw/6HJZZO

17– سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، (بيروت: دار الشروق، 1995)، ص11. https://2u.pw/uM3hbKT

18– قطب، ص14.

19– ولد محمود محمد طه في مدينة رفاعة وسط السودان عام 1909 تخرج في كلية الهندسة عام 1932، أسس مع بعض رفاقه الحزب الجمهوري عام 1945 وأصدروا أدبيّات دعوا فيها إلى نظام جمهوري في السودان. قاد عام 1946 حركة شعبيّة احتجاجًا على اعتقال السلطات لإحدى السيدات التي أجرت عملية ختان لابنتها، فأصدرت سلطات الاحتلال حكمًا عليه بالسجن عامين. (كان يرى أن هذه العادة السيئة لا تلغى بالعنف بل تحتاج إلى زمن ووعي) وقف ورفاقه ضد قوانين سبتمبر 1983، التي أصدرها نظام جعفر النميري زاعمًا تطبيق الشريعة الإسلامية فاندفعت محاكم الطوارئ في بتر أيدي السودانيين وأرجلهم في قضايا سرقات لم تستوف شروطها، وصفها “طه”: بمخالفتها للشريعة وللإسلام، وأنّها وضعت لإرهاب الشعب، وإذلاله، وهدّدت وحدة البلاد”. وكان أن أعدمه جعفر النميري عام 1988 بتهمة الارتداد من دون ثبات الأدلة، وأبطل الحكم بعد الانقلاب على النميري بعام واحد.. قال عنه المفكر السوداني الدكتور فرانسيس دينق فى كتابه (صراع الرؤى في السودان): “إذا ما قدر لـ: “طه” أن ينجح في تحقيق نظريته للمسيرة الإسلامية في البلاد، لسادت الظروف المساعدة على المساواة بين المواطنين، واحترام الأسس الديمقراطية” و”لكان الإحساس بالهدف الوطني مدفوعًا بتعاليم الإسلام الليبرالية/المتسامحة” (بإيجاز عن عادل أمين الحوار المتمدن 1821، 9 شباط/ فبراير 2007. (https://2u.pw/qhVmaiJ

20– محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام، ط 3 (تشرين الأول/ أكتوبر 1969- 1389) ص 38. https://2u.pw/AfknrNi

21- د. محمد قاسم كسار، “موقف الصحابة من تقسيم العراق”، 21 آب/ أغسطس 2021، موقع: مركز الأمة للدراسات والتطوير. https://2u.pw/zMmikER

22– (سورة الحشر، الآية 7).

23– كسار.

2424- د. محمد حبش، نور يهدي لا قيد يأسر، ط1 (الإمارات- الشارقة: مركز الدراسات لبحوث التنوير والحضارة، 2021)، ص 72.

25– المرجع نفسه.

26– محمد إقبال مفكر وشاعر إسلامي ولد عام1877 في مدينة “سيالكوت” بولاية البنجاب (غدت جزءًا من باكستان بعد استقلالها عن الهند)، في بيت من بيوتات البراهمة الكشميريين، أسلم جده الأعلى قبل نحو قرن ونصف من ميلاده، وتربى في بيت صلاح وزهد، وكان والده رجل ورع وتصوف، فأخذه بتربية صارمة كان لها أثر بالغ في حياته كلها. وصفه الأستاذ عباس محمود العقّاد بأنه طراز العظمة الذي يتطلبه الشرق في الوقت الحاضر، له تسعة دواوين شعرية، وأهم كتبه النثرية “تجديد التفكير الديني في الإسلام” و”تطور الميتافيزيقيا في بلاد فارس” ويرى أنَّ “كل حياة لا تجديد فيها ولا ثورة، أشبه بالموت. إن الصراع هو روح حياة الأمم إن أمة تحاسب عملها في كل زمان سيف بتار في يد القدر لا يقاومه ولا يقف في وجهه شيء”. وكان على حظ وافر من علوم الإسلام النقلية والعقلية، وعلى دراية واسعة بتعاريج الفلسفة، قديمها وحديثها، شرقيها وغربيها، وكان عميق الفهم لحركة التاريخ، شديد الوعي بحقائقه وأحداثه، وهو روحاني. توفي محمد إقبال في 21 نيسان/ إبريل عام 1938 ودفن في مدينة لاهور. موقع الجزيرة الموسوعة، الباكستان، 22 حزيران/ يونيو 2015. https://2u.pw/Mk7oV8T

27– إقبال، ص 186.

28– المرجع نفسه، ص 200.

29– المرجع نفسه، ص 201.

30– الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، (80هـ/699م – 150هـ/767م)، ومذهبه الحنفي، أُسس المذهب في العراق بغداد.الإمام مالك بن أنس، (93هـ/715م – 179هـ/796م)، ومذهبه المالكي، أُسس المذهب في الحجاز، المدينة المنورة.

الإمام محمد بن إدريس الشافعي، (150هـ/766م – 204هـ/820م)، ومذهبه الشافعي أُسس المذهب في بغداد، ثم زاد فيه في مصر.

الإمام أحمد بن حنبل، (164هـ/780م ـ 241هـ/855م)، ومذهبه الحنبلي أُسس المذهب في بغداد. (ويكيبيديا): https://2u.pw/iHkdFDg

31– إقبال، ص 149.

32– المرجع نفسه، ص 150.

33– المرجع نفسه، ص 203.

34– حبش، ص56.

35-المرجع نفسه، ص 52.

36– أ. د. بهيجة البهبهاني، مقالة بعنوان: “الدين لله والوطن للجميع”، وردت العبارة في خطبة لسعد زغلول قائد ثورة 1919 في مصر (وكان سعد تتلمذ على يد الشيخ جمال الدين الأفغاني وعمل في مجلة الوقائع مع الشيخ محمد عبده) وصدَّر العبارة سلطان باشا الأطرش في بيانات الثورة السورية الكبرى عام 1925، القبس 27 آذار/ مارس 2019. https://2u.pw/XLhA3WL

37– المنتدى العربي للدفاع والتسليح، مقالة باسم الموقع بتاريخ آذار/ مارس 2018 عن مقالة إبراهيم خلاص بتاريخ 25 نيسان/ أبريل 1967. :https://2u.pw/9l8DSH7

38– د. محمد حبش، مقابلة شخصية لبرنامج “الذاكرة السورية”، فيديو عن لقاء “حافظ الأسد” برجل الدين “أحمد كفتارو” يطلب منه تأييد رجال الدين للانقلاب الذي يزمع القيام به حافظ الأسد. https://2u.pw/uGPJlsV

39– حبيب حداد، النهضة المعاقة، ط1 (دارنون4 ، 2020)، ص63.

40– المقصود هنا الميزات الثقافية من لغة وآداب وفنون، وتراث شعبي “لامادي” بما يغني المجال الروحي للمجتمع، ولا شك أن بعض المكونات السورية كانت تعبر عن ثقافتها، على نحو أو آخر، لكن مكوِّنات أخرى كانت تعاني التضييق والمنع والقهر (الباحث).

 

  • محمود الوهب

    كاتب سوري، وُلد في عام 1945 في مدينة الباب بريف حلب، تخرج في دار المعلمين وعمل مدرّسًا للمرحلة الابتدائية، في عام 1976 بدأ بدراسة الأدب العربي في جامعة حلب، وانتقل في العام ذاته من حقل التعليم الى دائرة الأحوال المدنية، عمل في صفوف الحزب الشيوعي نحو 20 عامًا، وفي العام 2001 رشحه الحزب الشيوعي للعمل في جريدة النور كمسؤول عن القسم الثقافي والمحليات، واستمر في ذلك العمل نحو 10 سنوات حتى العام 2011، ليترك العمل السياسي بعدها وينتقل إلى المجال الأدبي الإبداعي. كتبَ أول مجموعة قصصية في عام 1995 وكانت تحمل اسم "إشراقات الزمن الماضي"، ثم كتب بعدها أربع مجموعات قصصية. أسَّس في عام 2006 دارًا للنشر في مدينة حلب.

مشاركة: